رفيق الدرب الشهيد محمد الصوابي الديب
(1347 - 1375ه / 1927 - 1955م)
معرفتي به
تعرَّفتُ إليه منذ التحاقي بكلية الشريعة بالأزهر عام 1949م عن طريق إخواني: محمد الصفطاوي وأحمد العسَّال وأحمد حمد وغيرهم من زملاء الدراسة بالكلية، الذين أثنوا عليه الثناء الحسن، وذكروا من سيرته وصفاته وإيمانه ورجولته وصدقه ووفائه، ما زادني فيه حبًا ومنه قربًا، فقد كان نموذجًا من الشباب الصالح، ومن نوادر الزملاء في الكلية.
كان يؤثرني وغيري من طلبة البعوث الإسلامية الوافدين من خارج مصر بمحبته وخدماته ومذكراته الدراسية ومحاضرات الكلية.
خرجنا معًا في رحلات دعوية ورياضية وسياحية إلى حلوان والمعادي وجبل المقطم والقناطر الخيرية والأهرامات، فكان خفيف الحركة، سريعًا كالغزال في الركض والقفز والوثوب؛ لأنه كان من الفدائيين والمجاهدين بفلسطين عام 1948م رغم صغر سنه، وحين قام العمل الفدائي ضد الإنجليز كان من أعمدة التدريب لطلبة الأزهر في المعسكر الأزهري الجامعي، كما شارك في العمليات الجهادية ضد قوات الاحتلال البريطاني في قناة السويس، وكان من أوائل المتطوعين.
تعلَّمتُ منه الكثير فترة الزمالة بالكلية، والتدريب بالمعسكر والرحلات الطلابية والجولات الدعوية، فقد كان قدوة للطلاب جميعًا.
والأخ الحبيب محمد الصوابي الديب عامل صامت ومجاهد صادق، يتصف بالهدوء والدعوة والخلق النبيل الفاضل والمشاعر الطيبة الصادقة، يحب إخوانه غاية الحب ويتفانى في خدمتهم بكل تواضع وحياء ودونما تكلف أو رياء.
إنه نموذج من النماذج الكريمة لهذه الدعوة المباركة التي انطلقت بتوجيه مجدد القرن الرابع عشر الهجري بأرض الكنانة الإمام الشهيد حسن البنا (رحمه الله).
كان جادًا في دراسته، صارمًا في مواقفه، لا يتراجع أمام الباطل، مهما طغى وتجبر، ولا يتردد عن الإقدام في مواطن الرجولة، وميادين الجهاد.
وهو مؤدب غاية الأدب في حواره ومناقشته مع أساتذته وزملائه، يقول ما يعتقد أنه الحق ويخضع لقوة الحجة ونصاعة الدليل، فلا يكابر ولا يراوغ، بل يدور مع الحق حيث دار، ولهذا كسب محبة الجميع واحترامهم، لعزوفه عن الصدارة والمظاهر وإيثاره العمل الصامت والكلام القليل إلا في مواطن الضرورة.
كثير الاتصال بالطلاب، يعرض عليهم دعوة الحق والقوة والحرية، ويهيب بهم بضرورة الالتزام بها، والالتحاق بركبها، ويهتم بالطلبة الأزهريين الوافدين من الأقطار الإسلامية ويؤثرهم على غيرهم ويقدم لهم كل عون مستطاع في الدراسة والخدمات العامة.
ظلت صلتي به قوية وعلاقتي به وثيقة، وكنا نتبادل الزيارات في المنازل، حتى تخرجتُ في الجامعة وغادرتُ مصر سنة 1954م، فانقطعت أخباره وأخبار الإخوان الزملاء الآخرين عني، نظرًا للجو الرهيب الذي عاشته مصر في عهد الطاغية عبد الناصر (عليه من الله ما يستحق) ثم سمعنا من وسائل الإعلام وعن طريق الثقات من أصحاب المروءات بما مرّ بالدعاة إلى الله من مآسٍ وابتلاءات، حيث أدخلوا السجون بالألوف، وأزهقت أرواح المئات منهم تحت التعذيب وعلى أعواد المشانق، وهرب من الظلم من استطاع الهروب، واختفى من استطاع الاختفاء، وقد بقي الأخ الشهيد مطاردًا فترة من الزمن، متخفيًا عن الأنظار، يسكن المقابر، ويجاور الأموات، حتى هداه الله إلى الالتجاء إلى جوار رجل شهم كريم، وعالم أزهري كبير، فآواه في بيته، وأكرم نزله، وعامله معاملة الأب لأبنائه، فكان هذا العالم قمَّة في الوفاء والكرم والمروءة، لم نعهدها في علماء السلطة، وأتباع الظالمين من المرتزقة وأدعياء العلم الذين يتاجرون بالدين في سبيل الدنيا، وينتصبون لحرب الدعاة طمعًا ورغبًا من الحاكم الظالم الذي سخَّرهم أبواقًا تُسبِّح بحمده وتذكر مآثره وتبرر ظلمه وطغيانه وتفسِّر الدين على هواه!!
عالم عامل
إن هذا المثل الرائع للعالم العامل في هذا الزمان هو فضيلة الشيخ الكبير مفتي الديار المصرية حسنين محمد مخلوف، وهو ليس في حاجة إلى تعريف، لأنه أكبر من أن يُعرَّف فسُمعته الطيّبة وذكره الحسن وسيرته العطرة معروفة في العالم العربي والإسلامي وليس في مصر وحدها، لقد عاش الشيخ العلاّمة مخلوف حياته كلها يمثل عزة العالم المسلم، ورجولة الداعية إلى الله، وكان (رحمه الله) - ولا نزكيه على الله - من عباد الله الأتقياء الصالحين، الذين يقفون مع الحق ويساندون دعاة الحق ويقولون الحق، ويعملون به ابتغاء مرضاة الله تعالى وطلبًا لمثوبته.
لقد بقي الأخ الشهيد والزميل الصديق محمد الصوابي الديب متخفيًا حتى شهر ديسمبر سنة 1954م، حين ذهب الساعة الثالثة ظهرًا، وطرق باب منزل العلاّمة الشيخ حسنين مخلوف - مفتي الديار المصرية - الذي يقع في شارع نجيب باشا بكوبري القبة بالقاهرة.
وحين يفتح الخادم الباب يعود إلى الشيخ ليخبره عن الطارق فيقول:
- إنه شاب طليق اللحية، رث الثياب، ويريد مقابلتك.
يقول الشيخ مخلوف بنفسه: تعجبتُ من ذلك وظننتُ أنه عابر سبيل..
دخل الشاب المنزل، ولم أقابله في البداية، بل أعدَّ له الخادم طعام الغداء، فأكله بشهية وكأنه لم يأكل منذ مدة طويلة.. بعد الغداء ظننتُ أنه سينصرف، إلا أنه أصرَّ على مقابلتي وألحَّ في ذلك، فذهبتُ إليه وما إن رأيته حتى ظننتُ أنه سيطلب صدقة، فقد كان رثَّ الثياب تبدو عليه شدة التعب.
بدأ حديثه بأن عرَّفني على نفسه.. محمد الصوابي الديب طالب بكلية الشريعة بجامعة الأزهر.. ولقد اهتز بدني وأصبتُ برعشة عندما قال لي: «إنه كان من متطوعي الإخوان المسلمين في حرب فلسطين والقناة»، فقد كان الإخوان المسلمون في ذلك الوقت سنة 1954م في أوج محنتهم، وكانت كلمة «الإخوان المسلمون» تترادف معها كلمات الاعتقال، والسجن، والتعذيب، والمحاكمات... إلخ.
نظر الشاب إليَّ في هدوء - والحديث للشيخ مخلوف - وقال بصوت منخفض ولكنه قوي: «أنا في محنة وأحتاج إليك، فأنا مطلوب القبض عليَّ، وقد مكثتُ أكثر من شهر هاربًا متخفيًا في المقابر نهارًا، ثم أخرج في الليل لأقتات الطعام... لقد كرهتُ الحياة بين الأموات وأريد أن أعيش بين الأحياء فهل تقبلني؟».
يقول الشيخ حسنين مخلوف:
سيطر الذهول على نفسي تمامًا، ولم أفق إلا عندما قال الشاب: ما رأيك؟.. استأذنت منه وذهبتُ إلى أولادي.. الدكتور علي وابنتي زينب، والذهول ما زال مسيطرًا على نفسي... لاحظ أولادي ذلك على الفور فسألوني: «مالك يا أبي.. حصل إيه؟».
أخبرتهم بالقصة، وفجأة وجدت نفسي أردد قائلاً:
إنه صادق... إنه صادق... إنه صادق.
قلت لأولادي: إنني متأكد أن هذا الشاب ليس من الشرطة أو المباحث، جاء ليختبرنا، بل إنني موقن أنه يقول الصدق فهو صادق... وأضفت: إنني لا أستطيع أن أرد مستجيرًا في هذه المحنة، وأنا موقن أنه مظلوم، وقد قررتُ قبوله، ولكن الذي يقلقني هو ما ستفعله بكم أجهزة المباحث والدولة كلها إذا اكتشفوا وجوده بيننا، حيث هناك قانون أو فرمان جمهوري صدر في ذلك الوقت، يعاقب كل من يتستر على أي من الإخوان المطلوب القبض عليهم بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة، قال ابني علي - بعد فترة صمت : افعل ما تراه من الناحية الإسلامية والله يتولانا جميعًا، ويضيف الشيخ حسنين مخلوف فيقول: خرجتُ مع ابني علي إلى الشهيد الصوابي، وعرَّفته بابني علي، وأخبرته بأننا قررنا قبوله عندنا، وأنه يشرفني ذلك.. ارتسمت أمارات الراحة والاطمئنان على وجه الشهيد.. وما زلت أذكر ابتسامته المضيئة على وجهه حتى الآن".
شخصية جديدة
وسيطرت الدهشة على وجه الشهيد عندما قال له ابني الدكتور علي: «لا بد من أن تولد من الآن بشخصية جديدة وتدفن شخصيتك الحالية»، ويضيف الدكتور علي مخلوف الذي يعمل رئيس قسم أمراض النساء والولادة بطب عين شمس: كان في اعتقادي أنه لا يمكن إخفاء الشهيد محمد الصوابي الديب، وبخاصة في منطقتنا التي كانت تشتهر بكثرة ضباط البوليس الذين يسكنونها، فكان الحل أنه لا بد من أن يولد الشهيد الديب بشخصية جديدة تمامًا.. وأن أحسن طريقة لإخفاء أي شخصية هو أن تظهره بشخصية جديدة، وتكون جميع تصرفاته طبيعية، أما الهروب والاختفاء عن أعين الشرطة والناس، فإنها طريقة فاشلة ينكشف أمرها دائمًا، عاجلاً أو آجلاً.
واتفقنا على أن يعمل الشهيد سكرتيرًا لوالدي الذي كان فعلاً في حاجة إلى سكرتير، فقد كان مفتيًا للديار المصرية في ذلك الوقت، وكانت ترد إليه استفسارات دينية كثيرة، بالإضافة إلى أنه يكثر من تأليف الكتب، واحترنا في الاسم الذي نطلقه عليه، وأخيرًا قال والدي للشهيد: أنت صادق في جميع تصرفاتك وأقوالك، فاسمك منذ الآن «صادق أفندي»، وضحكنا جميعًا.
وفي اليوم التالي كان الشهيد محمد الصوابي الديب شخصًا آخر تمامًا، نظيف المظهر، حليق الذقن، وهو أبيض اللون، واسع العينين، متوسط الطول، نحيف الجسم.
ويقول الشيخ حسنين مخلوف: إن الخطة التي تمَّ وضعها لإخفاء الشهيد نجحت تمامًا، فقد أذعنا على كل أفراد الأسرة أنه جاء لي سكرتير جديد اسمه «صادق أفندي»، ولم يعرف بالسر سوى أربعة أشخاص: أنا وابني الدكتور علي وابنتي الدكتورة زينب، وزوجة ابني الدكتورة سعاد الهضيبي، التي لم تتردد في الترحيب بالشهيد رغم أن والدها المرشد العام للإخوان المسلمين حسن الهضيبي وجميع إخوتها في السجن.
ويضيف الشيخ حسنين مخلوف: إن الشهيد محمد الصوابي الديب أو صادق أفندي، كان فعلاً سكرتيرًا ممتازًا، وعاونني كثيرًا في عملي، وبخاصة في الكتب التي أخرجتها في ذلك الوقت، وكان الشهيد يصحبني دائمًا، في كل مكان أذهب إليه، وقد اعتبرته فعلاً سكرتيري الخاص.
عاش صادق أفندي لمدة ثمانية أشهر كاملة مع أفراد أسرة الشيخ حسنين مخلوف كأنه واحد منهم، يأكل معهم ويعيش بينهم، إذ كان الشيخ يطلب منه دائمًا الإجابة عن الاستفسارات الدينية الكثيرة التي ترد إليه باعتباره مفتيًا للديار المصرية، وكان الشهيد يسكن في حجرة منفصلة بحديقة المنزل فيها صالون ومكتبة كبيرة وغرفة نوم وحمام خاص، تمَّ تخصيصها لصادق أفندي.
يقول الشيخ حسنين مخلوف: وفي أحد أيام صيف 1955م - على ما أذكر - جاءني صادق أفندي وقال لي: إنه يريد السفر إلى السعودية ليعمل هناك، وحاولت أن أثنيه عن ذلك، ولكنه أصرَّ وأخبرني أن هناك شخصًا قد أعد له الرحلة بالباخرة عن طريق السويس إلى جدة.
إن قلبي لم يطمئن واستعنت بابني الدكتور علي لإقناعه بعدم السفر، ولكن دون جدوى، وقال: إنه يريد أن يكون نفيه هناك، ويستريح من القلق الذي يعانيه كهارب، رغم إجادته لشخصية صادق أفندي، وغادرنا الشهيد البطل بعد أن وعدنا بأن يرسل لنا برقية فور وصوله إلى السعودية لكي نطمئن، وأرسلتُ إلى المرحوم محمد سرور الصبان - مستشار الملك سعود - ليهيئ له عملاً عند وصوله إلى هناك، ولقد مضى على سفر الشهيد حوالي الشهر ولم تصل أي برقية تفيد بوصوله إلى هناك.
يقول الدكتور علي حسنين مخلوف: كانت الأسرة كلها قلقة، وبما أنني كنت أكثرهم هدوءًا، فقد حاولت دائمًا أن أطمئنهم، ولكن دون جدوى، وضاع هدوء أعصابي في أحد الأيام عندما أخبرتني زوجتي الدكتورة سعاد الهضيبي أنها سمعت من إذاعة لندن أنه تمّ القبض على اثنين من الإخوان المسلمين في باخرة السويس، وهما في طريقهما إلى جدة، ولم تذكر الإذاعة أسماء، ولكننا شعرنا أن الشهيد محمد الصوابي الديب كان أحدهما.
رواية وهبي الفيشاوي
ويروي الأخ وهبي الفيشاوي الذي عمل مديرًا لمطبعة مصر: إن الشهيد محمد الصوابي الديب سجن معنا بعد القبض عليه في الزنزانة رقم 4 بالسجن الحربي، وقد علمنا أنه تم القبض عليه بواسطة شخص عراقي، وكان زبانية السجن الحربي يعذبون الشهيد تعذيبًا وحشيًا، حيث وضعوه في زنزانة تسمى «زنزانة الركن» وهي مخصصة للتعذيب الشديد، وكانوا لا يتركونه ينام أبدًا، وكان الشهيد أشدنا تعذيبًا لا يرحمه مجرمو السجن حتى في أوقات الراحة.
وتقول الدكتورة سعاد الهضيبي ابنة الأستاذ حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان المسلمين: ذهبت يومًا إلى السجن الحربي لكي أسلِّم والدي بعض الحاجات، وعقب خروجي من مكتب مدير السجن حمزة البسيوني، شاهدتُ الشهيد محمد الصوابي الديب وهم يقومون بتصويره لعمل بطاقة اتهام، وكتمتُ صرخة كادت تنطلق منِّي، وأسرعتُ إلى المنزل وأخبرت زوجي بما شاهدته، فصاح قائلاً: «رحنا في داهية»، وأعد زوجي د. علي حقيبته التي سيأخذها معه إلى السجن، فقد كنا نتوقع في كل لحظة أن تأتي الشرطة العسكرية والمباحث العامة للقبض علينا.
ويقول الدكتور علي مخلوف: كنت خائفًا على والدي الشيخ حسنين مخلوف، فهو قد تجاوز الستين من عمره، ولا يستطيع أن يتحمل أهوال السجن الحربي، ولذلك كنت أنا وزوجتي لا نفارقه ليلاً أو نهارًا، متوقعين في أي لحظة مداهمة الشرطة لمنزلنا.
يقول العلاّمة الشيخ مخلوف: لم أكن أتوقع أبدًا أن يتحمل الشهيد محمد الصوابي الديب هذا التعذيب الذي لا يصدقه عقل من أجلي، لم أكن أتوقع أن يضحي بحياته من أجلي، حقًا هذه هي تربية الإسلام الحق.
وتقول الدكتورة سعاد الهضيبي: تعجبنا جميعًا عندما مرَّت الأيام ولم تداهم الشرطة بيتنا كما كنا نتوقع، وفي أحد الأيام ذهبت لزيارة أبي المرحوم حسن الهضيبي بالسجن الحربي، وسألته عن محمد الصوابي الديب الذي كان يعرفه لأنه من الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى أن بلدته «شبين القناطر» مجاورة لبلدة أبي وهي «عرب الصوالحة» بالقليوبية، فهز والدي رأسه بطريقة تدل على الأسى، وأخبرني أنه من الشهداء، وأضاف أبي قائلاً: لقد تعجبتُ له أن الذين كانوا يقومون بتعذيبه كانوا لا يسألونه إلا سؤالاً واحدًا فقط وهو: «أنت كنت فين؟»، فلا يجيب إلا بآيات من القرآن الكريم، حتى كسروا عموده الفقري وبرزت عظامه وضلوعه، وكان ممرض السجن «التمرجي» يخرج من مكان تعذيبه وفي يده صفيحة مليئة بالدم.
ويقول الأخ وهبي الفيشاوي: إن بعض الإخوة المسجونين الذين كانوا يقومون بتوزيع الطعام علينا، كانوا يخبروننا بأحوال السجن والمعذبين فيه، وفي أحد الأيام أخبرني أحدهم أن جراح الأخ محمد الصوابي الديب فادحة جدًا ومتقيحة، وأن حالته قد ساءت لدرجة أن الحشرات تسري بين جروحه، وأنه قد امتنع عن الطعام بعد أن مُنع عنه الماء، ولم تمض سوى أيام قليلة على هذا الحديث حتى أطفئت أنوار السجن الحربي كلها في إحدى الليالي، وشاهدتُ من ثقب زنزانتي حراس السجن الحربي يحملون ملفوفًا داخل بطانية ويضعونه داخل سيارة جيب مغلقة، وشعرتُ أنه الشهيد محمد الصوابي الديب، وقلت في نفسي: استرحتَ وفزتَ بالجنة - إن شاء الله.
ويختم الشيخ حسنين محمد مخلوف - مفتي الديار المصرية وبقية السلف الصالح حديثه عن الشهيد البطل قائلاً: «إذا كانت تربية الشهيد من تربية الإخوان المسلمين، فأنا أضم صوتي بقوة إلى علماء الأزهر في المطالبة بعودة الإخوان المسلمين، فتربيتهم هي خير تربية».
هكذا كان أخي ورفيق دربي الشهيد محمد الصوابي الديب، وتلك نبذة يسيرة عن سيرته وجهاده، نرجو أن تكون نموذجًا يحتذى لشباب اليوم، ليعرفوا كيف يصوغ الإسلام رجاله، وأي نوع من الدعاة هؤلاء الذين تخرجوا في مدرسة الإمام الشهيد حسن البنا.
نسأل الله (تبارك وتعالى) أن يتغمد الفقيد بواسع رحمته وأن يدخلنا وإياه الجنة مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
وسوم: العدد 912