الإمام ابن شهاب الزُّهري
هو الإمام أبو بكر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري. قُرَشيّ من بني زُهرة. وُلد في المدينة المنورة سنة 50 للهجرة أو بعدها، ونشأ فيها، ثم أقام في الشام، وصَحِبَ خلفاء بني أميّة.
عِلمه: تلقّى الزهري العلمَ عن عدد كبير من الصحابة، كعبد الله بن عمر وأنس بن مالك، وعن كثير من التابعين من أهل الحجاز (كفقهاء المدينة السبعة) والشام والعراق ومصر، منهم عمر بن عبد العزيز ومكحول وسعيد بن المسيّب.
وعَرَفَ له أئمة عصره مكانته وأثنَوا عليه:
قال سفيان الثوري: مات الزهري يوم مات، وما على الأرض أحدٌ أعلمَ بالسنّة منه.
وقال الإمام الليث بن سعد: ما رأيتُ عالماً قط أجمعَ من ابن شهاب، ولا أكثر علماً. ولو سمعته يحدّث في الترغيب لقلتَ: لا يُحسن إلا هذا، وإن حدّث عن الأنبياء وأهل الكتاب لقلت: لا يُحسن إلا هذا، وإن حدّث عن العرب والأنساب قلتَ: لا يُحسن إلا هذا. وإن حدّث عن القرآن والسنّة كان حديثُه جامعاً.
ويعتمد على ذاكرته، فقد كانت له قدرة عجيبة على الحفظ، وقد قال عن نفسه: ما استودعتُ قلبي شيئاً فنسيه!. وكان يُديم استذكار ما تعلّم، ويقول: إنما يُذهب العلمَ النسيانُ وتركُ المذاكرة.
وورث علمَه تلامذتُه العظام، فمنهم الخليفة عمر بن عبد العزيز (كان أستاذه وتلميذه كذلك)، وعطاء بن رباح، وقتادة بن دعامة السدوسي.
وكان يحبّ الشباب ويحضّهم على العلم. روى يوسف بن يعقوب (ابن الماجشون) قال: قال لنا ابن شهاب، ونحن غلمان: لا تَحْقِروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا نزل به الأمر المُعضِل دعا الشباب فاستشارهم، يبتغي حدّة عقولهم.
وكان الزهري يرى أن طلب العلم عبادة، لأنه السبيل إلى معرفة ما يريده الله تعالى من الإنسان. قال الزهري: ما عُبد الله بشيء أفضل من العلم.
كرمه: كان الزهري من مشاهير الكرماء، وكان ينفق المال على إطعام الناس، ولم يكن يردّ سائلاً، ويحرص على تفريج الكروب، حتى كان بعض أصحابه يلومونه على كرمه الزائد ويُشفقون عليه من الوقوع في الدَّين. لكن الكرم كان سجيّةً مغروسة في دمه. وكان من أبواب كرمه الإنفاق على طلاب العلم. وقد جاءه أحد الطلبة وأُعجب بعلمه فقال له: إن حديثك ليُعجبني، ولكن ليس لي مال يُعينني على التفرّغ لطلب العلم. فقال الزهري: تفرّغ لطلب العلم ونفقتك عليّ.
زُهده: وكان للزهري مفهوم للزهد يخالف ما يفهمه كثير من الناس. فالزهد عنده لا يكون بترك الزينة والإعراض عن الطيبات، بل بترك التعلّق بالدنيا. يقول: ليس الزهد أن يكون شَعرك أشعث، ورائحة بدنك سيئة، وأن يكون لباسك خشناً... بل الزهد كفّ النفس عن التعلّق بالشهوات، والزاهد هو مَن لم يمنعه الحلال عن شكر الله على نعمته، ولم يغلبه الحرام على فعل ما يُغضب الله.
وفاته: توفي الزهري سنة مئة وأربع وعشرين للهجرة، في شغب بين الحجاز وفلسطين.
رحمه الله تعالى ورضي عنه، وهيّأ للأمّة العلماء الزهّاد الكرماء الناصحين.
وسوم: العدد 937