صهيب بن سنان الرّوميّ
صهيب بن سنان الرّوميّ رضي الله عنه خرج مهاجرًا من مكّة المكرّمة إلى المدينة فتبعته فرقةٌ من المشركين حتّى أدركوه في الصّحراء.
وكان صهيبُ فارسًا راميًا فأبى أن يستسلم قائلًا لهم: "يا معشرَ قريش تعلمون أنّي من أرماكم، والله لا تصلون إليَّ حتى أرميكم بكل سهمٍ معي، ثم أضربكم بسيفي ما بقي بيدي منه شيء"
وهنا بدأت المفاوضات لا سيما أنّ قريشًا تعرف أن صهيبًا قد ثمّرَ رأس مالٍ وفيرٍ من صناعة السّيوف، ولكم أن تتخيلوا ثروة صانع وتاجر سلاح في بيئةٍ محاربة مقاتلة.
فقالوا له: "أتيتنا صعلوكًا فكثُر مالك عندنا، ثمّ تريد أن تخرج بنفسك ومالك؟! والله لا يكون ذلك"
عندها عرض عليهم صهيب صفقته المقترحة قائلًا: "أرأيتم إن تركت مالي لكم هل تخلّون سبيلي؟"
وافق المشركون، وكان صهيب قد دفن كلّ ماله في موضعٍ لا يعرفه سواه لصعوبة حمله، فدلّهم على الموضع الذي خبّأ فيه ماله بمكّة.
لكم أن تتخيّلوا أنّ المشركين لم يخطر ببالهم أن صهيبًا قد يكون مخادعًا كذّابًا فيدلّهم على موضع مزيف، فهم يعلمون جيّدًا أنّ مَن يتبعون الصّادق الأمين لا يكذبون، وهذا التفوّق الأخلاقيّ هو أحد أهمّ أوجه التفوّق لأهل الحقّ في معركتهم مع الباطل.
ومضى صهيبٌ مهاجرًا إلى الله تعالى وقد ترك كلّ ما جناه وادّخره وثمّره من مالٍ في حياته مبتغيًا رضوان الله تعالى في حادثةٍ لم تشهد عليها مع صهيبٍ إلّا رمال الصحراء الشّاسعة.
غير أنّ الوحي كان قد سبق صهيبًا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم مخبرًا إيّاه بالحادثة، وفور رؤية النبيّ صلى الله عليه وسلّم صهيبًا قال له مبشّرًا: "ربح البيعُ أبا يحيى .. ربحَ البيعُ أبا يحيى"
ونزل فيه قول الله تعالى: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ"
فيا من رأيتم ما ثمّرتموه من أموال وعقارات وجهدِ أَعمَارٍ في أيدي الطّغاة منهوبًا مسلوبًا أو مدمّرًا متناثرًا: إنّ لكم في صهيبٍ سلوة، وإنّ لكم في صفقته أسوة، وإنّ لكم في خطاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم له بشرى، وإنّ لكم في قول الله تعالى عنه جائزة، فلا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا ببيعكم الرّابح.
وسوم: العدد 941