سمات في شخصية السُّلطان محمّد الفاتح
عندما نذكر هذا القائد فإن أول ما يتبادر إلى أذهاننا أنه فتح القسطنطينية، وبهذا لُقِّب بالفاتح. ويتبادر معه الحديث المشهور، وهو قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: "لتَفتَحُنَّ القسطنطينية، فلنِعمَ الأمير أميرها، ولنعم الجيشُ ذلك الجيش". الحديث أخرجه أحمد، وصحّحه الحاكم والذهبي، بينما ضعّفه محدّثون آخرون.
وسواء صحّ هذا الحديث أو لم يصحّ، وسواء أكان محمّد الفاتح هو المقصود أم لا، فإن الفتح الذي حدث يُعدُّ حدثاً تاريخياً فريداً، نظراً لمكانة القسطنطينية وضخامتها، وعِظَم أسوارها، ورمزيّتها بالنسبة لدولة الرومان.
ولا غرابة أن يحاول المسلمون، منذ عهد الصحابة الكرام، أن ينالوا شرف فتح القسطنطينية، فكانت أولى المحاولات في عهد معاوية بن أبي سفيان، ثم كانت الحملة الكبيرة أيام سليمان بن عبد الملك عام 98هـ، ثم أيام هارون الرشيد عام 190هـ، ثم ايام السلطان بايزيد عام 796هـ، ثم أيام السلطان مراد الثاني (وهو والد محمد الفاتح)، حتى تحقّق هذا الشرف على يد محمد الفاتح.
وهناك كتب كثيرة تولّت الحديث عن أعمال الفتح وتحضيراته ومراحله. لكننا هنا سنذكر بعض سمات هذا القائد:
- والده: مراد بن محمد، ووالدته: خديجة خاتون.
- تربّى على أيدي علماء الدين، وكان أبرز مَن أثّر في تنشئته الشيخ آق شمس الدين، فقوّى شخصيّته، وحبّبه بالجهاد، وأوحى إليه منذ صغره أنه الأمير المقصود ببشارة النبي صلّى الله عليه وسلّم: فلنِعمَ الأمير أميرها.
- لكن تنشئته، وإقباله على المعرفة وفنون الثقافة، وسَعَة أُفقه... لم تقتصر على جانب القيادة العسكرية، بل كان ذا اهتمام موسوعي شَمِلَ الآداب والرياضيات والكيمياء والفلك والفلسفة، وكان يجيد اللغات العربية والعثمانية واللاتينية والفارسية واليونانية والسلافية والعبرية، وكان عالماً بآداب اللغة العربية واللغة الفارسية.
وكان يعقد مجالس للأدب يحضرها كبار شعراء عصره، وكان هو شاعراً مُجيداً وله ديوان شعر مطبوع.
- وكان مُحبّاً للعلم والعلماء.
- اهتمَّ بضبط الأمور المالية للدولة، تنظيماً لمواردها ووجوه صرفها، بعيداً عن البذخ والترف.
- طوّرَ كتائب الجيش، ورفع من مستوى التدريب، ورتّبَ سجلّات لذلك، واهتمّ بالصناعة العسكرية، وجهّز الجيش بأرقى أنواع الأسلحة المعروفة في ذلك العهد.
- وكان صاحب دين وتقوى، وصاحب أخلاق عالية.
* * *
لقد جمع الله في شخصية الفاتح جوانب كثيرة من الرقي والقوة والعظمة، فاستحق لقب الفاتح بجدارة، ودخل التاريخ من أوسع أبوابه. فرحمه الله رحمةً واسعة، وهيّأ لأمة الإسلام قادةً مثله.
وسوم: العدد 966