الخليل بن أحمد الفراهيدي ( قصة عبقري ) للدكتور: يوسف العش
ترجمة بقالب قصصي ، ليس للمؤلف فيها بعد الاختيار والحبك إلا تفصيل الحوادث ، وإبراز عظمة المترجَم له من خلال ذكائه وعبقريته ،وحسن خُلقه ، وجمال نفسه ! فأول ماتظهر شخصيته المتميزة في مواجهته للفرزدق وهو صبي ، ثم في تجهزه لقتال الروم وهو شاب ، ثم في توجهه للعلم بعدما لاحظ أساتذته نباهته الفذة وبروزه في علم النحو ، وتقديره للعلماء والانتفاع بهم ، وانقطاعه للتعليم ؛ لأنه وجد فيه سلوته ، ولمس فيه ضرباً من اختبار آرائه وتوطيد علمه ! ثم في انقطاعه عن الناس وخروجه عليهم بعدذلك ، وقد ميّز حركة الحرف بصورة من حروف المد بدلا من النقط التي ترسم بلون معاير - وهي طريقة أبى الأسود الدؤلي - ثم توصله إلى أن السكون في الشعر كالسكون في الموسيقا،وحصره لأصول الأنغام ، وقد تبين له أن وضع مقاييس للشعر أمر ممكن ، فوضع له قواعده، وضوابطه بما يتفق مع الذوق العربي !
وقد ذاع أمر ذكائه بين الناس ، فقصدوه في مختلف حوائجهم، كما انتشر صيته خارج بلاد العرب … ولم يكتف بأن يعلم المعارف والعلوم ، فاتجه إلى تعليم الأخلاق الحسنة والطباع الجيدة ، وعرف عنه كثرة التأمل وإطالة التفكير وحبه للنصح والوعظ ، وعدم الاحتفال بالدنيا ، وموالاته بين غزو وحج ! ثم تفكيره بعمل يحصر فيه ألفاظ اللغة العربية وتمييز مهملها من مستعملها ، ثم نهايته إذ اصطدم بسارية في المسجد وهو سائر يفكر ، فوقع على ظهره مضرجاً بالدماء ، وأصيب في رأسه الذي حوى علماً جماً وفكراً وإبداعا متألقاً !
كانت ترجمة المؤلف أقرب إلى الأدب منها إلى التاريخ في أسلوبها المتأنق ، وعنايتها بالصورة الأدبية ! وقد أضفى عليها من الفن الروائي والأدبي ماجعلها جديرة بالقراءة ! ومهما قيل في الفرق بين الروائي والمترجم من حيث القدرة على إظهار الرجال على حقيقتهم فإن فن الترجمة - كما يقول محمد عبد الغني حسن - في كتابه التراجم والسير ، يحتاج إلى قدر لابأس فيه من الفنية الروائية التي تظهر بها الأشخاص ، وكأنهم يتحركون على مسرح الحياة !
وقد حقق المؤلف كثيراً من هذه المعاني ، واقترب كثيرا من أسلو ب الرافعي في رصانته وإشراق عبارته ، وإدراج الشاهد القرآني والحديثي في ثنايا السرد ، من غبر أن يشعر القارئ بفجوة في تتابع السرد !
وهذه القصة ( الترجمة ) تناسب جيل الشباب ، إذ يجدون فيها أسوة حسنة في صدق العزيمة ، ونموذجاً طيباً في همة النفس وإدراك المعالي !
وسوم: العدد 979