الأديب الصحفي الداعية محمد هدى قاطرجي
( ١٩٤٩- ٢٠١٤م)
هو الشاعر الأديب الصحفي الداعية أبو أسعد محمد هدى قاطرجي.
من مواليد مدينة حلب في سورية عام ١٩٤٩م.
نشأ في أسرة مسلمة ملتزمة بتعاليم الدين.
درس مراحل التعليم المختلفة في مدارس حلب.
حصل على الإجازة في اللغة العربية من جامعة حلب عام ١٩٧١م.
وكان من زملائه: د. عثمان مكانسي، ويحيى بشير حاج يحيى، وزهير سالم، وعدنان شيخوني، وعصام قصبجي، وزينب بيره جكلي، وأختها الهام بيره جكلي، ود. حسني ناعسة.....وغيرهم.
انتقل في الثمانين إلى الكويت، فعمل في المجال الإعلامي مدة من الزمان.
حيث عمل مديرا للتحرير في مجلة المجتمع الاسلامية الصادرة في الكويت. وكتب فيها مقالات أدبية ودينية عديدة....ونرجو من أبنائه أن يحتفظوا بها ويطبعوها في كتاب.
ثم هاجر بعد احتلال الكويت إلى السعودية، فعمل في مجلة الرابطة الصادرة عن رابطة العالم الإسلامي.
وكان - رحمه الله- سمحا ودودا وفيا للأصدقاء، بشوشا دائم الإبتسامة، وكان قوي الثقافة ، مهتما بقضايا المسلمين، له شعر جيد، ولكنه مقل.
والأخ الأديب محمد هدى قاطرجي متزوج، وله عدة أولاد، أكبرهم أسعد وبه كنيته.
مؤلفاته:
ترك الأستاذ محمد هدى قاطرجي عدة مؤلفات، نذكر منها:
١- الرمز في الشعر الإسلامي المعاصر.
٢- نحو نظرية في الأدب الإسلامي.
٣- الشعر الإسلامي المعاصر بين التحدي والثورة.
ولها مقالات كثيرة تنتظر الطبع.
جهاده:
نشأ في بيئة ايمانية والتزم في حلقات مسجد زكي باشا في حلب، وكان لوالده الشيخ أسعد حلقة فيها، وانتسب إلى كبرى الحركات الإسلامية في سورية.
وكان مثالا في صفاء النفس وطيب القلب ولطف المعشر، وبعد الثورة وقف الأستاذ محمد هدى قاطرجي مع مطالب الشعب السوري في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وزار عمان في الأردن، والتقى بعدد من الناشطين، وتحدث معهم عن أحوال البلد، وما يجري من جرائم فيها، وزار مخيمات اللاجئين، وساعدهم بقدر استطاعته...
وفاته:
كان - رحمه الله - مريضا، ولكنه كان يخفي مرضه عن أعز أحبابه، وتوفي الأديب الشاعر الإعلامي محمد هدى قاطرجي في السعودية في ٣٠ شعبان عام ١٤٣٥ / الموافق ٢٦ / ٦ / ٢٠١٤م.
رحمه الله رحمه واسعة، وأسكنه فسيح جناته.
أصداء الرحيل:
الأخ الحبيب محمد هدى قاطرجي، رحمه الله تعالى:
كتب د. عبد الله الطنطاوي يقول:
مرَّ عام على فراقك أيها الأخ الحبيب ..
عام وأبو أسعد في رحاب الله، وفي الفردوس الأعلى، برحمة الله وعفوه وفضله ورضوانه.
وقبلها أربع سنوات عجاف، حال الظالمون دون اللقاء بك ، أيها الأخ الأثير ..
واليوم تنثال على الخاطر الذكريات، في لحظة صفاء من ليلة السابع والعشرين من رمضان المبارك وأنا سارح في لحظات تأمل فيما نحن فيه من بأساء وضراء، في غربة قاتلة شارفت ستاً وثلاثين سنة .. نعم أمضينا ستاً وثلاثين سنة قاسية في بلاد الله الواسعة، منها اثنتان وثلاثون سنة بلا جواز سفر، زوجت خلالها البنات والبنين، ورزقني الله خمسة وثلاثين حفيداً وحفيدة، كانوا ومازالوا وسيبقون، بعون الله الرحمن الرحيم، جنتي في نار الغربة، وواحتي في صحرائها، وكنا ـ أنت وأنا ـ شركاء في حفيدتين وحفيدين، هم زهرات في دنيانا التي فارقتها، كما غادرها أكثر من مئة أخ حبيب، وما أظنهم نادمين على فراقها، فأنتم في ضيافة أكرم الكرماء، وأرحم الرحماء، عزَّ وجلَّ من كريم رحيم.
أتذكرك وأنت شاب يافع، وطالب مجد في جامعة حلب، ومن شعراء كلية الآداب، ومن أدبائها، وأتذكر يوم تخرجك، ولا أتذكر أن الفرحة بالنجاح استخفتك، بل جعلك التخرج تحسّ بأن أعباء جديدة سوف تضاف إلى أعبائك الحياتية والدعوية .
وأسمعك الآن الآن تهمس في جلسة أخوية في بيتي بحلب الشهباء ـ سقى الله أيام حلب ولياليها، ما كان أحيلاها ـ همست ببعض أبيات من شعرك الرقيق، ورأيتُ بوادر دمعات تعلق بأهداب عينيك الحالمتين .. ثم أتبعتَ آبياتك بكلمات حييات، تستأذن للسفر إلى الكويت للعمل فيها.
وسافرت أو سافر شبحك، وبقيت روحك، عذوبتك، عذاباتك، أخوّتك، كل شيء طيب فيك، تركته لنا في حلب .. هكذا كنت أحس، ولكني وجدتك في أول زيارة لي إلى الكويت، أنك تحيا حياتك الإخوانية الطيبة، مع لفيف من لداتك وإخوانك وزملائك في العمل ، وأنت تمارس تدريس اللغة العربية، وتمارس الصحافة، وتعمل مديراً لتحرير مجلة المجتمع الرائعة.
واستقرّ بك المقام ـ يا أخي يا أبا أسعد ـ في مكة المكرمة، موظفاً في رابطة العالم الإسلامي، وبذلتَ ما بذلتَ في الرابطة العتيدة، وازداد باب بيتك وغرفه اتساعاً، فلا يكاد الباب يُغلق في وجوه الأضياف من الحجاج والمعتمرين، وكذلك مكتبك في الرابطة لم يكن يهدأ ، إلا في الأسفار إلى كل مكان فيه مسلمون يحتاجون للمساعدة والزيارة .
ولقد زرت مدينة عمّان المحروسة مع الأمين العام للرابطة والوفد المرافق له، وزرتني في بيتي، وسهرنا وطال بنا السهر، وفي الغد كانت زيارتكم لمخيم الزعتري والمخيمات الأخرى، وواسيتم الكرام الذين شرّدهم الظالمون الحاقدون من الأغراب الذين اغتصبوا السلطة في سورية، ونهبوها، وأذلّوا أهلها، وقد حدثتني عن زيارتكم هذه، بكلمات مخنوقة، وعيون تفيض بالدمع من شدة التأثر ..
وحدثتني عما جرى، ويجري في حلب من مآسٍ سوف تبقى وصمة عار في جبين الإنسانية، وليس بشار (ابن أبيه) وأهله وأتباعه السائرون في ركابه، ومؤيدوه ومساعدوه ومعينوه في الداخل والخارج من البشر، وكيف أن كرام الناس صاروا يتكففون الناس، وكيف أحرق النظام الملعون بعض أسواق حلب القديمة، وصار أصحابها من كرام التجار، فقراء تجمعون لهم الإعانات والمساعدات، وترسلونها إليهم ..
كنت تتحدث ـ يا أخي يا أبا أسعد ـ بحزن عميق، ولكن أملك في النصر على بشار وشبيحته ومليشياته يملأ لبّك، وكنت تعجب من أتباع أولئك المجرمين، من أبناء حلب، وتبدي شكك بإيمانهم، وعروبتهم، فهم ليسوا سوريين، ولا حلبيين، ولا مسلمين، ولو كانوا من أصحاب اللحى الطويلة، والكروش المديدة، ولو كانوا من الوعاظ، والمشايخ، وسواهم من أصحاب المظاهر الدينية الشكلية.
كانت سهرة حزينة، لم تذق فيها إلا الشاي والقهوة، وعافت نفسك كل شيء قُدِّم إليك.
وكانت آخر جلسة معك، أيها الأخ النبيل الطيب .
وفي عملك في رابطة العالم الإسلامي، حاولتَ، وبذلتَ جهوداً كبيرة، في دعوتي إلى الحج، طوال أربع سنين كامله، ولكن الأشرار حالوا دون اللقاء، واكتفينا بالهاتف، وسؤال الركبان، ولقاء الأرواح في الأسحار، وعلى صفحات الأثير، وأنت تكتم عني مرضك، فلم أعلم به إلا قبيل رحيلك عن دنيانا الضاجّة بالآلام والفواجع والكوارث، على أيدي الحثالات والأوباش.
***
لم أتكلم شيئاً عنك يا أخي .. عن ذكرياتنا في حلب، وفي الكويت، وفي مكة المكرمة .. عن شهامتك في مساعدة المستضعفين والمعذّبين في بلدنا الحبيب، وحيث كان معذبون في الأرض.
***
أكتب هذه الآهات، ونحن في الأيام الأخيرة من رمضان الكريم .. أكتبها بلسان حالي، وقلبي، وحسراتي على بلدي الذي صار ركاماً على أيدي الأغراب القادمين من المجهول .. أيدي من لا يُعرَف لكل واحد منهم أب واحد، بل آباء .. من سفلة السفلة، من رواد الحانات وأشباهها .. جاؤوا من الجيل الغارق بالآثام .. ومن الضاحية الجنوبية المعروفة (بالعفة والشهامة ورد الجميل) ومن العراق الجريح، ومن روسيا مصدِّرة (العفيفات) إلى أصقاع الأرض، حيث يكون طعام وفراش ومال .. ومن إيران أمّ الخبائث .. ومن كوريا وأفغانستان وباكستان واليمن التعيس بحوثييه .. بالمرتزقة الأفاقين ..
لا .. لم أشبعهم سبّاً، ولم ولن يعودوا بالإبل .
***
نم قرير العين يا أخي، فأبطال سورية بالمرصاد لكل أولئك الأوباش، وستكون الأرض السورية مقابرهم .. لهم جميعاً بعون الله تعالى.. قاهر الجبارين والمجرمين وكل الأشرار..
رحمك الله رحمة واسعة يا أبا أسعد، والملتقى في جنات عدن .. في الفراديس العلا بفضل الرحمن الرحيم، أيها المجاهد الصامت الذي كان يصل ليله بنهاره في العمل من أجل عروبتك وإسلامك، من أجل حلبك وشعبك.
أبا أسعد ..السلام عليك في الخالدين .
رابطة أدباء الشام، وسوم: العدد 624
وكتب صديقه يحيى بشير حاج يحيى يقول: (في الذاكرة):
الأخ الراحل الأديب والكاتب محمد هدى قاطرجي - رحمه الله -
عرفت الأخ محمد هدى قاطرجي في أواخر الستينيات في جامعة حلب ! إذ جمعتنا أمسية شعرية مشتركة على مدرج كلية اللغات .
ثم توطدت العلاقة بيننا، حتى لا نكاد نفترق، في الجامعة، وفي مسجد زكي باشا في حي الإسماعيلية، حيث توجد غرفة لوالده الشيخ أسعد نأوي إليها للدراسة في أيام الاختبارات.
وغدا رحمه الله نجم مجموعتنا بلباقته ودماثة أخلاقه، وفيها عصام قصبجي، وفاروق الغباري، ومحمد رشيد عويد -رحمهم الله-، وعثمان مكانسي، وبدر قصاص، وأحياناً زهير سالم... وآخرون !
كانت حياتنا معهم حياة أخوة نذهب، وندرس، ونسافر معاً، يجمعنا طريق الدعوة، ويوحدنا الهدف الواحد!.
وحين رحل إلى الكويت للتدريس، ثم للعمل في الصحافة، تسلم مديراً للتحرير في مجلة المجتمع، فكنتُ أحد المحررين في الزاوية الأدبية لسنوات؛ ثم تسلم مديراً للتحرير في مجلة الرابطة التي تصدر عن رابطة العالم الإسلامي، فجمعتُ من الكتابة فيهما جل ما نشرته، فكان المادة الأساسية لكتب لي بعد ذاك:
في مواجهة الغزو الإعلامي.
- القصة وأثرها في الطفل المسلم
- قضايا المسلمين في القصص الإسلامي المعاصر !
سقى الله أياماً ما كان أجملها وأهنأها في حلب الشهباء، في ظل أخوة خالصة لله، وفي رعاية مربين وعلماء قلّ نظيرهم !
أسأل الله كما جمعنا على محبة دينه الحق، علماً ودعوة خالدةً وعملا ً، أن يجمعنا تحت لواء سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع مٓن نحب في الله ولله، وأن يتغمد أخانا أبا أسعد وإخوانه برحمته ! ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غِلا ً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.
في ذمة الله محمد هدى قاطرجي:
الأحد 1 رمضان 1435 - 29 يونيو 2014 938
رجل فقدناه على طريق الدعوة إلى الله
توفي في اليوم المتم لشهر شعبان 1435 الموافق 26 / 6 / 2014 الأخ الإعلامي الشاعر محمد هدى قاطرجي أبو أسعد رحمه الله تعالى ..
كان الأخ أبو أسعد زميلا في كلية اللغات في جامعة حلب في ستينات القرن الماضي جمعنا وإياه طريق الدعوة إلى الله حيث بدأت قريحته الشعرية بالعطاء شعراً جميلاً رائقاً، ثم انتقل إلى الكويت، فعمل فترة طويلة في مجلة المجتمع ، وبعد احتلال الكويت غادرها إلى مكة المكرمة عاملا في ميدان الإعلام في رابطة العالم الإسلامي ..
اتصلت به منذ أقل من عام معزيا بوفاة والده المرحوم الشيخ أسعد قاطرجي فكان ذلك الاتصال آخر العهد به ليفجؤنا اليوم خبر وفاة أخينا الشاعر الأثير الحبيب أبو أسعد !!
وإنما هي نفوسنا ننعاها واحدة بعد الأخرى ونحن كما قال المتنبي : بنو الموتى، أو كما قال أبو نواس من قبل :
وما الناس إلا هالك وابن هالك وذونسب في الهالكين بعيد
ولو عددنا كم ميت بيننا وبين أبينا آدم لأعيانا العد ..
رحم الله الأخ والزميل والشاعر والداعية محمد هدى قاطرجي وأسكنه فسيح جناته . اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده واغفر لنا إذا صرنا مثله اللهم بلغنا رمضان وارزقنا صيامه وقيامه يا رب العالمين . فكم من صائم صام رمضانات كثيرة لن يصوم ، وكم من قائم قام ليالي طويلة لن يقوم .
ونتوجه بأحر مشاعر العزاء باسم جماعة الإخوان المسلمين في سورية إلى أسرة الفقيد وأنجاله الكرام داعين المولى عز وجل أن يربط على قلوبهم وأن يلهمهم الصبر والسلوان . كما نتقدم بأحر مشاعر العزاء إلى إخوان الفقيد ومحبيه وزملائه وأهل خاصته ...
اللهم أرحم أخانا أبا أسعد وأحسن نزله وتقبل منه صالح ما عمل ، اللهم إنه وفد عليك فاجعل قراه منك اليوم الدرجات العلى من الجنة ..
وإنا لله وإنا إليه راجعون ...
ومن شعره:
مثلما تقطع الوريدَ السيوف مثلما تخنق الغريب الطيوف
ملثما يذبحُ الضحيَة عبدٌ غجري بحقده معروف
مثلما فوهةُ البراكينِ تكوي نفسها ثم يحرق المحفوف
مثلما تنزف الجراح على التر ب فتفنى على الشفاه الحروف
هكذا تسفك الدماءُ بأقصـا نا وتجري على الرقاب الحتوف
فكأن الأعناق كـرمٌ ورأسـي من عناقيد أمتي مقطوف
ففلسطين مذبحٌ نصـبوه هكذا تذبح الوريد السيوف
* * *
الدنا بعد ذا صدى وبكاءُ ونحيب ومأتم وعزاء
ماتَ كلُ الجمالِ في الكون لما صفر البغي واستبد البغاء
ماتَ كلُ التغريدِ في صوتِ عصفو ر وماتت زهورنا العذراء
كيفَ لا؟ والشهيد قلبٌ ذبيحٌ كيف لا تذرف الدموع السماء
أنا لن أبكيَ الشهيدَ، فلسنا للبكا غهدنا وفيه العزاء
إنما العهد أن تهــبَّ رماحٌ يتلقى زفيرها الأعداء
ويعيدُ الحياةَ للروح يوماً سمهري يمضي به الشهداء
هكذا النصرُ، فالشهادةُ عهدٌ وكلا الحسنييْنِ، يهوى الإباءُ
رحم الله الأديب الداعية أبا أسعد محمد هدى قاطرجي وأسكنه فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقا.
مصادر الترجمة:
١- موقع رابطة أدباء الشام: وسوم العدد ٦٢٤.
٢- مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية.
٣- رابطة العلماء السوريين.
٤- مواقع الكترونية أخرى.
وسوم: العدد 980