من أعلام الحركة الإسلامية في سوريا (محمد توفيق بركات)
هو الشاب الشهيد محمد توفيق ملا حسين بركات:
من مدينة القامشلي كان في أسرة متدينة واقل من متوسطة الحال ماديا درس في ثانوية القامشلي الي كانت الوحيدة في ذلك الحين، و تخرج منها، ثم انتقل إلى دمشق منتسبا إلى كلية الشريعة، وجمع معها قسم اللغة العربية من كلية الآداب.
كان معتكفا في غرفته في المنتدى الفكري في المهاجرين في دمشق.
يطالع الكتب بنهم شديد كان - رحمه الله- يمتاز بقدرة على الاستيعاب والتذكر .
في اختبار شفوي أمام الدكتور محمد فوزي فيض الله رحمة الله عليه أعجب الدكتور بسعة اطلاعه، فسأله انني لم أرك بين الطلاب فمعلوماتك يعز أن يحصل عليها طالب لا يداوم، ويستمع الى المدرسين.
قال له: انني لا أداوم مع انني في دمشق.
استغرب منه الشيخ ذلك، و سأله عن السبب، فذكر له سببا، و أخفى سببا آخر، فقال له:
إنني لا أريد أن أضيع الوقت في القدوم الى الجامعة والعودة إلى البيت، فدعا له الشيخ بخير .
وأما السبب الأخر الذي لم يذكره، فهو ضيق ذات اليد
لم تشغله الدراسة في كليتين عن القيام بواجب الدعوة إلى الله.
كان متشددا في أفكاره من الصعب جدا ثنيه عن رأي اقتنع به، فكان يرى أنه لا يجوز التقاضي أمام المحاكم التي تحاكم بموجب القوانين الوضعية حتى لو كان في ذلك ضياع للحقوق.
اعتقل عدة مرات وفي أحدها جاءت والدته الى مكان اعتقاله، وأطلت عليه وعلى زملائه المعتقلين معه من نافذة لمكان اعتقالهم قائلة لهم:
انتم على حق اثبتوا ولا تضعفوا أمام المحققين ولكم الأجر من الله.
حياته الأسرية:
تزوج أثناء إتمام دراسته الجامعية، وأنجب من زوجته ابنين وابنتين كان جريئا لا يداري نفسه مع انه كان ملاحقا من قبل أجهزة آمن حزب البعث اعتقل وأودع سجن المزة فترة طويلة لم يسمح لاحد من اهله برؤيته اا مرة واحدة سمح لوالدته بذلك فرات ان الظلمة قد حلقوا حاجبيه بالكامل وعذب عذابا شديدا لم يستطع جسمه النحيل ان يتحمله فمضى الى ربه شهيدا بإذنه تعالى.
غادرت ارملته بابنائها الأربعة سوريا إلى السعودية وكآنت نحمل شهادة من كلية الآداب قسم اللغة العربية
رحم الله أبا طلحة و أكرمه بجنته.
توثقت عرى الأخوة و الصداقة و المودة بيني و بين محمد توفيق بركات حينما كنا طلاباً في المرحلة الثانوية، و زادت توثقاً يوماً بعد يوم حتى أصبحنا نتزاور باستمرار كلما سنحت الفرصة بذلك.
فلما انتقلنا إلى دمشق للدراسة في كلية الشريعة، و عينت حينذاك معلماً في حوران، فكنت أنزل ضيفاً عليه في كل عطلة أسبوعية، فيقدم لي كل المعلومات المتعلقة بالمواد المقررة للسنة الدراسية في كلية الشريعة مع الشرح و التوضيح إذا لزم الأمر، فاستفدت منه استفادة قصوى حتى حصلت على الإجازة في كلية الشريعة عام 1970م.
ولم تنقطع صلتي به و زيارتي له إلى أن غادرت سوريا إلى السعودية مدرساً معاراً، وألقي القبض عليه و سجن وتمت تصفيته جسدياً تحت التعذيب... أدعو الله أن يكتبه في عداد الشهداء، ويجعل مثواه الفروس الأعلى.
وهذ بعض الصفات والخصال التي كان يتحلى بها محمد توفيق بركات -رحمه الله-
- الصدق في القول والعمل:
كان -رحمه الله- صادقاً في أقواله وفي أعماله، فلم أجد يوماً أن هناك خلافاً بين قوله وعمله، فقد استوى عنده السر والعلانية، فكم من امرىء يقول ما لا يفعل... فكلامه في واد وفعله في واد آخر... أما توفيق فقد كان شديد الالتزام بأقواله فيترجمها إلى أعمال، فكان ذلك مرآة صادقة على صفاء قلبه، و روحه النقية الخالية من كل شائبة من شوائب الكذب و النفاق، و هذه الصفة جعلت له مهابة وحباً، وكسب ثقة كل من حوله ممن عرفه أو تعامل معه.
- الجدية والهمة العلية:
كان -رحمه الله- يمتاز بالجدية ويحسن استغلال الفرص، وإذا طلب منه عمل فكان يقوم به بكل إخلاص و همة عالية، و يحث غيره على أخذ الأمور بجد و حزم، و قد ظهرت جديته وهمته العاليه في تحصيله العلمي في الجامعة حيث جمع في الدراسة بين كليتي الشريعة واللغة العربية، فما رأيته يوماً يستسلم للمشقات أو يضعف أمام العقبات، بل كان دائم البحث عن المخارج، ومضاعفة الجهد للتغلب عليها.
- كرم الضيافة:
رافقته -رحمه الله- وصاحبته سنوات عديدة، فكنت إذا زرته استقبلني بانشراح و حرارة، و كنت أرى ذلك في طلاقة وجهه وطيب كلامه، وقد لازمته هذه الخصلة لكل زائر له.
- الذكاء، والفطنة:
كان -رحمه الله- يتمتع بذكاء حاد، و سرعة في الإدراك، فيأخذ من الأمور ما يفيد، ويدع ما لا فائدة منه، و قد استعمل هذا الذكاء في الأخذ بالوسائل المشروعة التي تفيد الدعوة التي عاش من أجلها ومات في سبيلها.
- عدم الثرثرة وكثرة الكلام:
كان -رحمه الله- قليل الكلام، يكره الثرثرة والخوض مع الخائضين في المجلس، و لم يكن يتعقب أقوال الآخرين، أو يبحث عن زلاتهم، وكان شديد التمسك بقول الرسول -صلى الله عليه و سلم- (من كثر كلامه، كثر سقطه، و من كثر سقطه كثرت ذنوبه، و من كثرت ذنوبه كانت النار أولى به، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت).
فكان يكره القيل والقال وكان قليل الضحك، ولم يكن يمزح إلا صادقاً.
- احترام الآخرين والإنصات إليهم:
كان -رحمه الله- يحترم الآخرين، ولم يكن يقاطع أحداً أثناء حديثه، ويستمع إلى كل متحدث بتركيز شديد، وينتظر حتى ينتهي، ويتقبل اختلاف الآخرين وينظر لهم باحترام.
وإذا تكلم كان يزن كلامه بميزان دقيق، فلا يصدر منه كلمة نابية فيها جرح لمشاعر الآخرين.
- الابتعاد عن سفاسف الأمور:
- كان -رحمه الله- يستغني عن الانشغال بتوافه الأمور، والانغماس في الأمور التافهة منطلقاً إلى المعالي والفضائل فكان يتحاشى مجالسة أهل الأهواء والسوء وعن كل ما فيه شبهة.
- حب الطرفة والنكتة:
كان -رحمه الله- يحب الطرفة والنكتة والفكاهة في اعتدال من غير إفراط وضمن حدود لا يتعداها، وعرف بالابتسامة والمزاح الصادق والتودد للحضور استحضاراً للحديث النبوي الشريف: (تبسمك في وجه أخيك صدقة) وكان يستحضر من الكلام ما هو مستملح لإدخال السرور على القلب، وإبعاد السآمة والضجر عن الحضور.
- الشجاعة في المواقف:
كان -رحمه الله- شجاعاً في كل مواقفه، لا يتسرب الخور والضعف إليه في التعبير عن الرأي الذي يؤمن به وينتقده، فكانت مواقفه ثابتة لا تتزعزع، ولا يتنازل عنها رغم الظروف السياسية السيئة في سوريا من ظلم واستبداد وكبت وسجن وقتل وسحل، ورغم كل ذلك فكان كالصخرة الصماء، أو الجبل الأشم في مواجهة الظلم والطغيان والاستبداد.
- أخلاقه في السفر:
صاحبته -رحمه الله- في السفر مرات عدة من القامشلي إلى حلب، ومنها إلى دمشق في سنوات الدراسة الجامعية عدة مرات، فقد كان نعم الرفيق و الصاحب، فكنت أشعر بالارتياح والاستئناس، ومن المعلوم أن السفر يسفر عن أخلاق الرجال، فقد كان -رحمه الله- نعم المعين على متاعب السفر، ووجدت منه السخاء فلا يبالي بالإنفاق على من يرافقه أثناء محطات الاستراحة في تلك المسافات الطويلة، ولاحظت أنه كان شديد الحرص على جمع الصلاة وقصرها أثناء السفر.
- الحرص على أداء الصلاة في المسجد:
كان -رحمه الله- شديد الحرص على أداء الصلاة في مسجد الحي (جامع الشمسية في المهاجرين) الذي يقطن فيه، ولا سيما صلاة الفجر..
ومما أذكر في هذا الشأن، أننا سهرنا ذات ليلة إلى وقت متأخر من الليل ولما حان موعد صلاة الفجر أيقظني، وكنت مستغرقاً في النوم بعد سهر طويل، فقلت له حينما أيقظني وبدون وعي اتق الله يا رجل و دعنا نأخذ حظنا من النوم، فضحك وقال: ما أيقظتك إلا لأني أتقي الله وأخشاه، وأصبحت هذه الحادثة طرفة يتندر بها الأخ -رحمه الله-.
- توحيد الكلمة وجمع الصف:
ساهم -رحمه الله- إلى حد كبير في جمع الكلمة وتوحيد الصف حينما حدث انشقاق في صفوف الحركة في سوريا في تسعينيات القرن الماضي، وقد بذل في سبيل ذلك كل جهد ممكن بالتركيز على إيجاد الأرضية المشتركة بين أفراد الجماعة، و تقديم مصلحة الجماعة على المصالح الشخصية الضيقة، و أذكر أنني سافرت معه مرتين تحملنا خلالهما متاعب السفر لتحقيق هذا المقصد النبيل، واللقاء بالأخوة الذين كان لهم الكلمة المسموعة في هذا الشأن.
- عدم الانشغال في جمع المال:
من خلال مصاحبتي له -رحمه الله- ما رأيته يوماً يفكر في جمع المال، فقد كان يكتفي بالقليل، وكنت أعلم أن ما لديه قليل لا يكفيه، ومع ذلك فلم يسع إلى جمع المال، و كانت دول الخليج آنذاك قد فتحت أبوابها لكل من يعمل في سلك التدريس لديها، و لكنه رضي بالقليل رغم حاجته، وأبى إلا البقاء في سوريا للعمل في سلك الدعوة، و هذا ما رفع من قدره و شأنه لدى الآخرين فقد كان غنياً بشخصيته، قوياً بفكرته، ثرياً بما عنده من العلم.
- رد التهم و التأويلات الفاسدة عن سيد قطب:
ألصق أعداء الحركة الإسلامية بسيد قطب -رحمه الله- تهماً باطلة، و أولوا كثيراً من النصوص في مؤلفاته -و لا سيما- كتابه (معالم في الطريق) تأويلاً فاسداً إرضاءً للطواغيت من الحكام.
في مثل هذا الجو المفعم بالحقد و الكراهية لسيد قطب و أفكاره المناوئة للظلم و الطغيان و الاستبداد، و تحميل أفكاره بما يروق للطواغيت... في مثل هذا الجو قام محمد توفيق بركات -رحمه الله- بوضع كتاب بعنوان: (سيد قطب: خلاصة حياته، منهجه في الحركة، النقد الموجه إليه). ينفي عن سيد كل التهم الباطلة، و التأويلات الفاسدة، و إبراز الجوانب المشرقة الناصعة لشخصية سيد و أفكاره...
لقد أطلعني محمد توفيق بركات -رحمه الله- على هذا الكتاب قبل طباعته، و هو بخط يده، و قرأته بدقة و أعجبت بدفاعه عن سيد، و تفنيد ما ألصق به ظلماً و جوراً و تجافياً عن الحقيقة.
رحم الله الأخ المجاهد محمد توفيق بركات، و جعل مقامه الفردوس الأعلى مع الأنبياء و الصديقين و الشهداء و حسن أولئك رفيقاً.
مصادر الترجمة:
١- مقالة د. أحمد شكري.
٢- معلومات من الشيخ عبد المجيد القادري.
٣- مواقع الكترونية أخرى.
وسوم: العدد 1000