حسن عبد الله الترابي.. مفكر مجدد وسياسي محنك
( ١٩٣٢ - ٢٠١٦م)
مفكر وزعيم سياسي إسلامي سوداني، عُرف بكتاباته في مجالات الفكر والدعوة، لكن شهرته كانت في ميدان السياسة التي تقلب في مناصبها وتحالفاتها منذ 1964، فأدخلته السجن عدة مرات.
المولد، والنشأة:
ولد د. حسن عبد الله الترابي يوم 1 فبراير/شباط 1932 في مدينة كسلا شرقي السودان لأسرة متدينة ميسورة تنتمي إلى قبيلة البديرية، وقد توفيت أمه صغيرا، وكان والده قاضيا وشيخ طريقة صوفية فحفـّظه القرآن الكريم بعدة قراءات، ودرّسه علوم اللغة العربية والشريعة.
قالت عنه ابنته أمامة (في مقابلة لصحيفة "السوداني" 2010) إنه يحوز في بيته عُدة نجارة يصلح بها الأبواب بنفسه، ويقرأ الشعر خاصة "جمهرة أشعار العرب"، كما يسمع مقطوعات بيتهوفن الموسيقية، ويشاهد أفلام التحقيقات الجنائية.
الدراسة، والتكوين:
تلقى الترابي تعليمه الأساسي والثانوي بمناطق مختلفة من السودان، ودرس القانون في جامعة الخرطوم فتخرج عام 1955، ثم نال الماجستير من جامعة أكسفورد البريطانية 1957، ودكتوراه الدولة من جامعة السوربون الفرنسية 1964.
أتاحت له سُكناه بالغرب إتقان الإنجليزية والفرنسية والألمانية، واطلع على العلوم والثقافة الغربية.
التوجه الفكري:
تعرّف أثناء دراسته في جامعة الخرطوم على فكر جماعة الإخوان المسلمين، فانضم إليها وأصبح من زعماء الإخوان في السودان سنة 1969، لكنه انفصل عن الجماعة فيما بعد واتخذ سبيله مستقلا.
الوظائف، والمسؤوليات:
بعد إكماله دراسته في الخارج، عاد إلى بلده فاشتغل بالتدريس في كلية القانون بجامعة الخرطوم، وتولى عمادتها 1965 فأصبح أول سوداني يشغل هذا المنصب.
عُين 1979 رئيسا للجنة مراجعة القوانين لأسلمتها، ثم وزيرا للعدل 1981، فمستشارا لرئيس الدولة للشؤون الخارجية 1983. وصار 1988 نائبا لرئيس الوزراء الصادق المهدي ووزيرا للخارجية في حكومته الائتلافية.
أسس 1991 المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي ليشكل منبرا للقضايا الإسلامية تتلاقى فيه عشرات التنظيمات بالعالم، واختير أمينـَه العام.
انتخب 1996 رئيسا للبرلمان السوداني في عهد "ثورة الإنقاذ"، كما اختير أمينا عاما للمؤتمر الوطني الحاكم 1998. وأسس -إثر مغادرته الحكم سنة 1999- "المؤتمر الشعبي" وأصبح أمينه العام.
التجربة السياسية:
بدأ الترابي حياته السياسية عضوا في جبهة الميثاق الإسلامية التي كانت تحالفا سياسيا إسلاميا يقوده الإخوان، وتولى أمانتها العامة 1964.
وكانت ثورة أكتوبر/تشرين الأول 1964 على حكم العسكر بالسودان منعطفا مهما في مسيرة الترابي، إذ نقلته من قاعات الدرس الأكاديمي إلى أتون السياسة وصراعاتها.
اعتقِل أعضاءُ جبهة الميثاق 1969 إثر الانقلاب العسكري الذي قاده جعفر نميري، فدخل الترابي في عهده السجن ثلاث مرات، وغادره 1977 بعد مصالحة بين الإسلاميين والنميري أفضت إلى إعلان تطبيق الشريعة الإسلامية 1983.
سقط نظام النميري 1985 بثورة شعبية فتحت الطريق أمام قيام حكم منتخب، فأسس الترابي 1986 الجبهة الإسلامية القومية التي ترشحت للبرلمان فحلت ثالثة، ودخلت الحكومة الائتلافية برئاسة الصادق المهدي.
وفي سنة 1989 قاد عسكريون لهم صلات بالحركة الإسلامية انقلابا على حكومة المهدي، وأقاموا نظام حكم جديدا كان الترابي القائد الفعلي له، وإن اختير المشير حسن البشير ليرأس الدولة.
بقي الترابي يقود النظام من خلف الكواليس إلى أن نشب خلاف بينه وبين البشير تطور حتى وقع انشقاق في كيان النظام 1999، فخـُلع الترابي من مناصبه الرسمية والحزبية، وأسس 2001 "المؤتمر الشعبي" حزبا معارضا.
اعتقل جهاز الأمن السوداني الترابي أكثر من مرة ولعدة أشهر، تحت دعاوى مختلفة منها "التخطيط لانقلاب عسكري". واعتقل السياسي البارز عام 2009 بعد تأييده اتهامات المحكمة الجنائية الدولية لـ"البشير"، بـ"ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وإبادة جماعية".
وفي السنوات الأخيرة قبل وفاته، تحسنت علاقة الترابي بالحكومة عندما قبل دعوة للحوار الوطني السوداني طرحها الرئيس البشير وقاطعتها غالبية فصائل المعارضة الرئيسية.
صرح للجزيرة (حوار في 2005) بأن "الحركة الإسلامية لم تقرأ التاريخ الإسلامي جيدا عندما أقدمت على الاستيلاء على السلطة في السودان".
وقال في مقام آخر موضحا فهمه للشريعة الإسلامية: "الشريعة ما يشق مسلكا لكل مشاعر الدين ومظاهره، وهي أصلا شاملة للهدى بكل الحياة: أحوال الوجدان وباطن القلوب ومذاهب الأقوال وطرق الأفعال الظاهرة، دينا حقا شرعه الله هديا لكل الأنبياء..، وفي العهود الأخيرة أصبحت كلمة الشريعة تعني الأحكام القضائية لا الخلقية، وأصبحت مدارس الشريعة تقتصر على أحكام الظاهر القطعية المناسبة للنفاذ قضاءً وسلطانا سياسيا".
أثيرت حول الترابي أحكام متناقضة وأوصاف متباينة، ففي حين يراه أنصاره سياسيا محنكا، وعالما مفكرا مجددا، يجد فيه خصومه سياسيا مخادعا له تعلق لا يحد بالسلطة، ويتهمونه بإصدار فتاوى تخالف قطعيات الدين.
المؤلفات:
كتب الدكتور حسن الترابي مؤلفات ومقالات شتى، منها:
"تجديد الدين"
و"التفسير التوحيدي"
و"منهجية التشريع"
و"المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع"
و"السياسة والحكم: النظم السلطانية بين الأصول وسنن الواقع"
و"ضرورة النقد الذاتي للحركة الإسلامية".
الوفاة:
توفي حسن عبد الله الترابي يوم 5 مارس/آذار 2016 بوعكة مفاجئة، وفي اليوم التالي شيعت جثمانَه حشود كبيرة من السودانيين في العاصمة الخرطوم.
أصداء الرحيل:
اتحاد العلماء ينعي الشيخ الدكتور حسن الترابي
بوفاة الشيخ الترابي فقدتْ الأمّة واحدًا من علمائها
فقد تلقينا بقلوب مفعمة بالرضا بقدر الله، نبأ وفاة أخينا الشيخ الدكتور حسن الترابي مساء اليوم بعد أن تعرض صباحاً لغيبوبة نقل إثرها إلى أحد مستشفيات الخرطوم وهو في حالة حرجة.
ويعد الدكتور حسن الترابي -الذي توفي عن عمر ناهز 84 عاما- من أبرز وجوه السياسة والفكر في السودان والعالم الإسلامي، درس الحقوق في جامعة الخرطوم، ثم حصل على الإجازة في جامعة أكسفورد البريطانية عام 1957، وعلى دكتوراه الدولة بجامعة السوربون بباريس عام 1964 ويتقن الترابي أربع لغات فبالإضافة إلى اللغة العربية يتكلم الفرنسية والإنجليزية والألمانية بطلاقة.
انتخب 1996 رئيسا للبرلمان السوداني في عهد "ثورة الإنقاذ"، كما اختير أمينا عاما للمؤتمر الوطني الحاكم 1998.
وقد عمل الترابي أستاذ بجامعة الخرطوم ثم عميد كلية الحقوق، وفي يوليو/تموز 1979 عين رئيساً للجنة المكلفة بمراجعة القوانين من أجل أسلمتها ثم عين وزيراً للعدل.
وفي عام 1988عين نائب رئيس للوزراء بالسودان ووزيراً للخارجية في حكومة الصادق المهدي.
ولاحقاً نشب خلاف بينه وبين الرئيس البشير تطور حتى وقع انشقاق في كيان النظام 1999، فخلع الترابي من مناصبه الرسمية والحزبية، وأسس عام 2001 "المؤتمر الشعبي"، كما سجن مرات في عهد جعفر النميري.
للدكتور الترابي العديد من الكتب المطبوعة ومقالات كثيرة ومحاضرات شتى ومن بين كتبه:
قضايا الوحدة والحرية 1980
تجديد أصول الفقه 1981
تجديد الفكر الإسلامي 1982
الأشكال الناظمة لدولة إسلامية معاصرة 1982
تجديد الدين 1984
منهجية التشريع 1987
المصطلحات السياسية في الإسلام، 2000.
وبوفاته فقدتْ الأمّة الإسلامية واحدًا من علمائها، نرجو من الله العلي القدير أن يغفر له، ويرحمه رحمة واسعة، ويعفو عنه، ويجزيه خير الجزاء، ويكرم نزله، ويوسع مثواه، ويدخله جنة الفردوس، ويمطر عليه شآبيب رضوانه ورحمته، ويحشره يوم القيامة في العليين مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وأن يلهم أهله، ومحبيه في السودان الشقيق والعالم الإسلامي الصبر والسلوان. إنه نعم المولى ونعم المجيب.
5/3/2016
أ.د. علي القره داغي أ.د يوسف القرضاوي
الأمين العام رئيس الاتحاد
صحيفة الراكوبة
القرضاوي يرثي الراحل الترابي ويدافع عنه:
الدكتور حسن الترابي العالم الداعية المفكر المجاهد:
التاريخ: 10 مارس، 2016
كتب الشيخ د. يوسف القرضاوي يقول:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، وبعد،،
بعد أن صليت مع إخواني صلاة الجنازة ? صلاة الغائب- على أخينا وصديقنا الحبيب، العالم الفقيه الداعية المفكر، أحد أعمدة المعهد العالمي للفكر الإسلامي في واشنطن: الأستاذ الدكتور طه جابر العلواني في مكتبنا في الدوحة؛ حيث فوجئنا بموته، بعد أن اتصلنا به من عدة أيام ورد علينا ابنه الكريم. وكتب الله له أن يدفن مع زوجته في أمريكا. فوجئنا في اليوم التالي (السبت 5/3/2016م.) بفقد آخر من القادة والعلماء والدعاة والمفكرين المجاهدين، أحد من امتلأت حياتهم بالعلم والعمل، والدعوة والجهاد.
فإذا كان هناك أناس يعيشون في الدنيا ويموتون، ولا يُحِسُّ بهم أحد؛ لأنهم لم يفعلوا شيئًا في حياة الناس, يجعلهم يشعرون بوجودهم.
فهناك آخرون, ممَّن رزقهم الله الهداية والتوفيق, يتعلمون فيعملون, ويعملون فيعلِّمون, وينشطون في دعوتهم، باذلين أعمارهم وجهدهم في سبيل رسالتهم التي آمنوا بها، ومن هؤلاء أخونا الحبيب إلينا، الأثير لدينا، العزيز علينا، الرجل، العالم، المفكر، الداعية، المجاهد، الثائر: الدكتور حسن الترابي، الذي كان بحق أحد رجالات الأمة العربية والإسلامية، وأحد رجالات الفكر والتربية والسياسة، لا يشك في ذلك أحد. فهو مفكر وزعيم سياسي وديني، يعتبر من رواد التجديد السياسي الإسلامي.
حسن الترابي هو الحسن الثالث في الإسلاميين, بعد حسن البنا الأول, وحسن الهضيبي الثاني, هو سوداني قح, تعلم القرآن الكريم وحفظه وجوده في صباه, وتعلم اللغة العربية والشريعة, ولم يتغير فكره الإسلامي الأصيل عن أصله, رغم أنه حصل على قمة الدراسات العليا في الغرب: الماجستير من جامعة أكسفورد، ثم الدكتوراه من جامعة السوربون, وأتقن رحمه الله عدة لغات بفصاحة:
الإنجليزية والفرنسية والألمانية، ولكنه بقي سودانيا عربيا مسلما, يقول:
أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم!
كان حسن الترابي من النوع الحيّ المتحرك المحرِّك, لا يعرف البلادة, ولا الكسل ولا الرقاد الطويل, ولكنه رجل حر, مستقل الفكر, مستقل الإرادة, مستقل القرار, عقله متوقد, ولسانه فصيح, وجهه سوداني أصيل, مبتسم دائمًا, من غير تكلف.
تزوج أخت الصادق المهدي, فكانت نعم الزوجة له, ونعم الرفيق له في دربه, لم يتزوج غيرها, واختلف مع الإخوان اختلافا في الطرق؛ لأن له فلسفة في الحركة لا تتفق تماما مع المسيرة العامة لحركة الإخوان, ولذلك قالوا للتنظيم العالمي للإخوان: اعذرونا فيما قد نتخذه من خطوات أو قرارات, ربما لا توافق ظروفكم المحلية والإقليمية والسياسية على إقرارها أو تلبيتها, أو الموافقة عليها, وظلوا سنين على هذا الموضع حينما كنت لا أزال ملتزما بالارتباط التنظيمي مع الإخوان.
قاد حسن الترابي الجماعة السودانية في الشدة والرخاء, وفي العسر واليسر, وكانوا معه كتلة واحدة, وإن خالفه بعضهم بعد ذلك لعدم استطاعتهم تحمل مخالفاته في اجتهاده لبعض تقاليد الإخوان, وطبيعة الناس ليست واحدة في هذا الجانب.
منهم من لا يطيق الخروج عن المتوارث أو المألوف, في السياسة أو في الفكر, أو في الحياة. لا بد أن تظل الحياة في نظره خيطا منتظما, يتصل بعضه ببعض, والترابي ليس من ذلك الصنف, ومثلي يقبله, ولكن بعض إخواني من المقدسين للنمطية الموروثة التي لا يجوّز لأحد الخروج عليها.
التقيت الشيخ الترابي من قديم، ووجدته رجلا يتمتع بفهم دقيق, وحِسٍّ رقيق, وإيمان عميق، وعلم وثيق. ما ذهبت للسودان، أو لبلد عربي، أو لقيته في قطر وغيرها، إلا تحدثنا عن ثقافة الأمة وهموم الأمة، وكيفية علاجها، وحال المسلمين، ووسائل النهوض بهم، وكيف ننهض بالدعوة، وكيف نطورها.
أول ما لقيت الترابي في لبنانسنة 1985م. وكان في قمة الشباب، وكان يزور بيروت في ذلك الوقت، وقد قاد الحركة الشعبية الجامعية، التي انتهت بإسقاط الحكم العسكري برئاسة عبود، وعودة الحكم المدني إلى السودان. وأذكر مما جرى بيني وبينه من حديث: أني قلت له:
لعلكم تلتفتون إلى الجيش ونشر الدعوة فيه، حتى لا يقوم بانقلاب آخر ضدكم. فقال لي:
نحن في الواقع لا نهتم بالجيش، وإنما نهتم بالشعب. وعندنا أن نكسب معلمًا في مدرسة خير من أن نكسب ضابطًا في الجيش. قلت: ولكن الجيوش الآن كثيرًا ما تنقلب على الحكم المدني، وتسيطر على مقدرات الشعوب. قال: لتنقلب، ونحن سنسقطها!
كانت هناك أنشطة كثيرة تجعلني أتردد على السودان، منها أنهم اختاروني في المنظمةالخيرية الأفريقية الإسلامية. ولها أعمالها في السودان، وفي أفريقيا عامة. وأحيانا نلتقي في الخرطوم أو في بلد آخر.
وقد أُدعى لجامعة أفريقيا، أو لجامعة الخرطوم، أو لجامعة أم درمان، أو جامعة القرآن، أو للحركة الإسلامية، أو لبنك فيصل الإسلامي، أو لغيره من الهيئات. وهذا ما جعلني ألتقي به كثيرا في الخرطوم، أو في مناسبات شتى، بعضها في قطر حينما دعاه أمير البلاد ?آنذاك- الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني ليتشاور معه، ويستفيد من علمه في وضع دستور يلائم البلاد. وكم دعته قطر في مناسبات رمضانية، والتقينا معا، على مائدة سمو أمير البلاد، وعلى موائد القرآن والعلم.
وقد سجن هو وعدد من أتباعه في أيام حكم النميري, فترة من الزمن, ثم تفاوضوا معه على أن يستعين بهم، وأن يستعينوا به، وأن يتولى بعض المناصب, وقبل الدكتور الترابي, فهو يؤمن بالمرحلية. وحضرنا معه الثورة الشعبية السودانية التي أعلنها النميري لإقامة التشريع الإسلامي. وكان الترابي وجماعته مشاركين بقوة في هذه المسيرة الكبيرة التي سميت (الثورة المليونية).
كنت والشيخ صلاح أبو إسماعيل رحمه الله, نتطلع إلى هذه المسيرة, وهي تمر أمامنا أفواجا أفواجا, من الصباح حتى الظهيرة, والناس يهتفون للشريعة وللإسلام وللقرآن, بحرارة طبيعية ومن تلقاء أنفسهم, فكنا نذرف الدموع ونقول: هل يكون لنا يوم في القاهرة مثل هذا اليوم؟
ومع هذا قلت للسودانيين: ليس المهم أن نعلن قيام التشريع, ولكن المهم أن يقوم المجتمع المسلم, وأن يحيا بالإسلام وللإسلام. وليس هذا بالشيء الهين.
وما أسرع ما تغيرت الحياة في السودان, ولم تكن مع ثورة العسكر ثورة تربوية وفكرية وأخلاقية, فكان لا بد من تغيير, وقامت ثورة عسكرية بيضاء مسالمة, يقودها لواء شريف، هو رجل الإيمان والمحبة، والإسلام والسلام: عبد الرحمن سوار الذهب، الذي ضرب المثل في الزهد والتضحية بالملك والسلطان, وتنازل بعد سنة عن السلطة إلى حكم مشترك, آلت البلاد فيه إلى حياة قلقة غير مستقرة.
وبعد انسداد الأفق السياسي في السودان، كان لا بد أن يقوم أحد الأقوياء في البلد بالسيطرة على مقاليد الأمور. وكان الدكتور الترابي أكثرهم تصورًا وإدراكا للموقف وخطورته, وأكثر قدرة على التحرك بسرعة, فبادر إلى ذلك, واختار مجموعة من العسكريين على رأسهم عمر البشير لهذا الأمر.
ولو لم يبادر الترابي بهذا العمل لسبقه إليه الشيوعيون أو البعثيون, وقد حاولوا الثورة المسلحة في أول الأمر على الذين سبقوهم, فكان جزاؤهم أن قضي عليهم.
كان حسن الترابي رجل العزيمة الماضية, يتمثل بقول الله تعالى: {فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ}, ويعجبه في الشعر قول القائل:
إذا كنت ذا رأيٍ فكن ذا عزيمةٍ فإنَّ فساد الرأي أن تترددا
وإن كنتَ ذَا عزمٍ فانْفِذْه عاجلاً فإنَّ فسادَ العـزم أن يتقيَّدا
وقد التف الشباب المسلم في السودان حول الترابي، واختاروه قائدا للحركة الإسلامية في عموم السودان. وعندما قامت الثورة، التي هيأ لها الأسباب وقادها بحكمة وانتصرت، أبى إلا أن يدخل السجن، ويجعل القائد عمر البشير، ويأمره أن يدخله السجن، ويدير الأمر من داخل محبسه بالأوراق.
بعد ذلك ظهر الترابي، وخرج من السجن، وعرف وضعه، وانفتح النرابي بعدها على العالم العربي والعالم الإسلامي، ودعا الناس إلى السودان، وكنا ممن دُعي إليه.
وكان منهج الترابي منهجا عروبيا إسلاميا، يركز على عدة أمور:
- قضية الإيمان بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبالشريعة والتربية منهاجا عاما.
- حرية الشعوب جزء من الفرائض الإسلامية، التي نجاهد في سبيلها.
- حرية التعبير والفكر والمقاومة للظلم فرائض أساسية.
- قضية فلسطين قضية أصلية، لا يجوز التهاون فيها. والدفاع عنها فريضة.
- العدالة الاجتماعية ومحاربة المظالم والطغيان والفساد جزء لا يتجزأ من الإسلام.
- الأمة الإسلامية في مشارق الأرض ومغاربها أمة واحدة، يجب أن تتوحد، ولا يجوز أن تتفرق.
- نسالم كل من يسالمنا ونضع أيدينا في يده، ونعادي كل من عادانا.
- البشرية كلها أبناء آدم، وكلهم إخوة، وعليهم أن يتحابوا ويتعاونوا.
وقد التقيت الدكتور الترابي منذ فترة قصيرة في مكتبي بالدوحة، حيث تفضل هو بزيارتي حين جاء إلى قطر، وكانت آخر زيارة له. وظللنا نحو الساعتين، نتشاكى هموم الأمة، ونتدارس في حلولها، والعمل من أجلها، وكنا في ذلك نعمل سويا من أجل أمتنا، وهاتفته منذ أيام قلائل، ودعوته للمساهمة في الكتاب الذي يصدره مركز القرضاوي للوسطية والتجديد، عن سيرتي وأنشطتي، بمناسبة بلوغي التسعين في شهر سبتمبر القادم. ورحب بإسهامه فيها، وأنه سيرسل مشاركته إلى مكتبي حين ينتهي منها. ثم كان قدر الله أسبق: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ}.
وقد ساءني أن أحد الإخوة قال عنه: إنه ليس منا !!وشبهه آخر بهيكل مصر، وأنا أرى ذلك من الغلو المجافي للإسلام. فالدكتور حسن الترابي رجل لا ننكر فضله وجهوده في الدعوة الإسلامية, وفي الحركة الإسلامية في السودان, وفي مقاومة الصهينة والصليبية، والعِلمانية واللادينية, ولكنه ليس معصومًا, ولديه شطحات في بعض الأمور, ننكرها عليه جميعًا. وقد قال الشاعر:
ومن ذا الذي ترضي سجاياه كلها * كفى المرء فضلا أن تعد معائبه
وقد اختلفت مع الترابي في مسائل عديدة، تحدثت عنها في بعض البرامج التلفزيونية، وضمنتها الجزء الخامس من فتاواي، وليس هذا موطن بسطها.
وهذا لا يعني إهمال الترابي وإغفال اجتهاداته، فقد ظل رجل السودان والعرب والمسلمين. وقد يختلف الناس حوله، لكنه يعتبر أحد رجالات الأمتين العربية والإسلامية بالفكر والدعوة والتربية والجهاد والسياسة، وإن مؤلفاته ومعارفه وتوجيهاته التي استفادها تلامذته وأصدقاؤه محفوظة مبثوثة مدونة. فقد ظل مرتهنا حياته لهذا الدين وأمته الكبرى، وعمل من أجله، واجتهد فيه، وللمجتهد أجران إن أصاب، وأجر إن أخطا. وإن في رحيله لثلمة للإسلام والمسلمين.
ليس من شأن الناس أن يتفقوا في كل شيء، ولا مانع أن يكون هناك خلاف بين الترابي وغيره.
ولا يعني هذا أن الترابي ينبغي أن يكون على حق في كل كلمة ينطق بها، أو كل قضية يتبناها، فكلٌّ يؤخذ منه ويرد عليه، إلا النبي صلى الله عليه وسلم.
والدكتور الترابي أحد إخواني ? وإن اختلفت معه في بعض الأمور- وليس من أخلاقي أن أخاصم إخواني.
اختلف الترابي وإخوانه في عدد من القضايا الفكرية والسياسية، وساءني ذلك كما ساء كثيرا من الإخوان المسلمين في أنحاء العالم العربي. وطالبني الإخوة أن أقود حركة من كبار الإسلاميين لمحاولة رأب الصدع، وتسوية الخلاف، واتفقنا أنا والإخوة القادة: الشيخ عبد المجيد الزنداني من اليمن، والشيخ فيصل مولوي من لبنان، والدكتور إسحاق الفرحان من الأردن، وأن ينضم إلينا من السودان الأخ الدكتور عصام البشير: وزير الإرشاد والأوقاف في الخرطوم. وكلنا من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وظللنا أكثر من عشرة أيام نتشاور ونتحاور مع الفريقين؛ لنقرب ما بينهما. وسافرنا بالطائرة إلى بعض الجهات في السودان؛ لنشاهد بأعيننا، وتعبنا كثيرا، ولكن لم نصل إلى موقف عملي يوحد الجميع. فتعصب كل من الفريقين حال بيننا وبين النجاح. وقد قال الشاعر:
عليَّ السعيُ فيما فيه نفعي * وليس عليَّ إدراكُ النجاح
والترابي وإن كان يشاور من حوله, فقد كانت له خصوصية تدفعه لارتكاب بعض الأشياء التي لا نرضاها, كتسليمه كارلوس إلى فرنسا, مع أنه من الرجال الأحرار الذين دافعوا عن المستضعفين ضد الدول الطاغية, وقد أسلم في آخر الأمر وتزوج سودانية, فكان لا ينبغي أن تسلم رقبته لفرنسا ذات الاستعمار القديم, وذات التطلع الابتلاعي الجديد.
وكان للترابي رحمه الله آراء في الفقه والأحكام يراها كثير من الناس مسرفة, ونزاعة إلى الغلو في الاجتهاد, ومحاولة طأطأة رأس الشريعة العالية, لتنزل إلى قاع المجتمع, الذي بدأ يتضعضع وينخفض, وينزل إلى أسفل إلى حد كبير, وهو ما أحس أني غير مستريح إلى هذه الاجتهادات التي أعتبرها شاذة.
على أن للترابي ميزة ليست لغيره من السياسيين, إنه ليس مجرد زعيم سياسي, ولكنه رجل فقه ودعوة, ينطلق في كل مواقفه وأعماله من فكر مؤطر, وهو فكر ينبثق من الإسلام, أي من القرآن والسنة، وما تفرع عنهما من الأصول والمقاصد والقواعد, وهو لا بد أن يستند إلى هذه الأصول, ويحتكم إليها, ويسائلها وتسائله, ويجاوبها وتجاوبه, فإن تجاوبت معه في الجملة وأعطته فرصة, ولم يجد من يرد عليه غلطه, ويبين له موضع خطئه, فهو معذور, بل هو مأجور حتى وإن أخطأ, وهذه إحدى روائع الاجتهاد الإسلامي. المهم أن يكون الشخص قد بلغ مرتبة الاجتهاد, وأن يراجع في مسألته كل ما يمكنه, وأن يتشاور مع أمثاله من أهل الاجتهاد, ومن أهل الفكر ما يستبين به الموقف كله بما له وما عليه, ثم يتخذ الموقف على بصيرة, فإن كان صوابًا فله أجران, وإن كان خطأ فله أجر واحد, كما جاء في حديث عمرو بن العاص في الصحيحين.
والدكتور حسن الترابي, الطموح إلى الامتلاء بالعلم والإيمان, وإلى مقاومة الطغيان والفساد, الذي قرن بينهما القرآن حين قال: {الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر:11-14] وإلى الوقوف في وجه الجبابرة والمستكبرين في الأرض من الصهاينة والصليبيين والماديين الذين قال قائلهم: إن أهل الدين زعموا أن الله قد أيد الدين في الأرض، ولكنا نقول: ليس صوابًا أن الله خلق الإنسان، وإنما الصواب أن الإنسان هو الذي خلق الله!
وقف الترابي في وجه الطغيان الماركسي, وفي وجه الطغيان الرأسمالي (الأمريكي وأتباعه), وفي وجه الطغيان الصهيوني, ولكنه رضي أن يقاوم هذه الطغيانات الكبيرة المتألهة، بالحياة العادية القليلة, لا يريد أن يسكن القصور الشامخة, ولا أن يركب السيارات الفارهة, ولا أن يعيش الحياة الناعمة, يريد أن يعيش كما يعيش الناس, ويتعب كما يتعب الناس.
ولهذا رحب بأن يعارض, وأن يقول الحق كما يراه, وأن يغالب الباطل, وإن أداه ذلك إلى الدخول في صراع مع كثير من إخوانه وتلاميذه الذين نقلهم من الكوخ إلى القصر, ومن الأسفل إلى الأعلى.
وظل ينتقل من معتقل إلى سجن, ومن سجن إلى معتقل, حتى لا يكاد يهنأ له عيش في بيته, وقد دعيتُ إلى إحدى المنتديات في السودان, للمشاركة في الاجتماع الثامن لمؤسسة القدس العالمية بالخرطوم، منذ سنوات، لكني رفضت المشاركة حتى تفرج الحكومة السودانية عن زعيم المؤتمر الشعبي: حسن الترابي، فلما أبى المسؤولون، رفضت أن أحضر مثل هذا المؤتمر في بلد يُسجن فيه رجل في مكانة الترابي وتضحياته وعمره! فقد بلغ الثمانين، ولا يزال يحمل إلى السجن!! ومن أتباعه!!
د حسن الترابي غني النفس, كما جاء في الحديث: “ليس الغنى عن كثرة العرض, إنما الغنى غنى النفس”. وكما جاء عن سيدنا علي:
يعز غني النفس إن قلَّ ماله ويغنى غني المال وهو ذليل!
ويقول أبو فراس الحمداني:
إنَّ الغنيَّ هو الغنيُّ بنفسهِ ** وَلَو أنّهُ عارِي المَناكِبِ، حَافِ
ما كلُّ ما فوقَ البسيطةِ كافياً، ** فإذا قَنِعتَ فبَعضُ شيءٍ كافِ
عاش الترابي في بيته, وكما سمعت من سفير السودان بالدوحة يقول: إنه حتى لا يملك بيته في الخرطوم. حسن الترابي العالم المؤلف القائد صاحب الكتب المتنوعة لا يجد ما يمتلك به بيتا متواضعا.
كم دعانا الدكتور إلى بيته, فأكلنا فيه الأكلات السودانية المعروفة, وامتلأت بطوننا من خيره وحلوه, ومع هذا يقول عارفوه: إنه لا يملك ما يملك الآخرون من أموال في البنوك, أو من عقارات في النواحي, أو من غير ذلك مما يملك الناس.
حياك الله يا أخي حسن, وحيا أرضا أنجبتك, وبارك الله فيك وفي تلاميذك وأبنائك وإخوانك, وإن خالفوك أحيانًا ووافقوك أحيانًا, وكلهم معك على الخط السليم, وعلى الصراط المستقيم {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153].
وكان الله معك يا أخي إبراهيم السنوسي في قيادة الجماعة، ومحاولة توحيدها مع المجموع الإسلامي, وما ذلك على الله بعزيز.
وأوصى أبناء السودان بما أوصيتهم به في كلمتي في بالمركز الثقافي السوداني بالدوحة, وقد تجمع السودانيون على اختلاف مشاربهم وتوجهاتهم, وطلبت منهم أن يتخذوا من موت الترابي شعارًا لهم لتتحد القلوب, وتجتمع الصفوف, وتتصاف الهمم, ويعمل الجميع على كلمة سواء: ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئًا، ولا يتخذ بعضنا بعضًا أربابًا من دون الله.
وهو ما سمعت أخي الأستاذ خالد مشعل نادى به الإخوة السودانيين في الخرطوم, أن يجعلوا منه مبدءًا لوحدة الصفوف.
نسأل الله لاخينا الحبيب حسن الترابي أن يجزيه خيرا عما صنع لدينه وعما صنع لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن يغفر له ويرحمه، وأن يتقبله عنده في الصالحين، وأن يغفر له أخطاءه في الاجتهاد، وأن يخلفه في ذريته وإخوانه بخيرما يخلف به عباده الصالحين.
{ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر:10
حسن عبد الله الترابي ( ١٩٣٢ - ٢٠١٦م ):
هو مفكر وزعيم سياسي وديني سوداني. ويعتبر رائد مدرسة تجديد سياسي إسلامي. عمل الترابي أستاذاً في جامعة الخرطوم ثم عين عميداً لكلية الحقوق بها، ثم عين وزيراً للعدل في السودان. وفي عام 1988 عين وزيراً للخارجية السودانية. كما أختير رئيساً للبرلمان في السودان عام 1996.
المولد، والنشأة:
ولد حسن عبد الله الترابي سنة 1932 في مدينة كسلا شرقي السودان وسط أسرة متدينة ميسورة تنتمي إلى قبيلة البديرية، توفيت أمه وهو صغير، وكان والده قاضيا وشيخ طريقة صوفية ودرّسه علوم اللغة العربية.
الدراسة، والتكوين:
تابع الترابي دراسة الحقوق في جامعة الخرطوم منذ عام 1951 حتى 1955، وحصل على الماجستير من جامعة أكسفورد عام 1957، دكتوراة الدولة من جامعة سوربون، باريس عام 1964.
يتقن الترابي أربع لغات بفصاحة وهي العربية، والإنجليزية، والفرنسية، والألمانية.
مسيرته السياسية:
بعدما تخرج الترابي عاد إلى السودان، وأصبح أحد أعضاء جبهة الميثاق الإسلامية، وهي تمثل أول حزب أسسته الحركة الإسلامية السودانية والتي تحمل فكر الإخوان المسلمين.
وأصبح لجبهة الميثاق الإسلامية بعد خمسة سنوات دور سياسي أكثر أهمية، فتقلد الترابي الأمانة العامة بها عام 1964.
عمل الترابي في ظرف سياسي كان اللاعب الأساسي فيه طائفتا الأنصار والختمية ذاتا الخلفية الصوفية واللتان تدعمان حزبي الأمة والاتحادي ذوي الفكر العلماني.
بقيت جبهة الميثاق الإسلامية حتى عام 1969 حينما قام جعفر نميري بانقلاب. تم اعتقال أعضاء جبهة الميثاق الإسلامية، وأمضى الترابي سبعة سنوات في السجن. ثم أطلق سراح الترابي بعد مصالحة الحركة الإسلامية السودانية مع النميري عام 1977.
أعلنت حكومة نميري فرض قوانين الشريعة الإسلامية في عام 1983، وانقلبت بعدها علي جبهة الميثاق الإسلامية - حليفتها في السلطة - وقد عارض الشعب هذا الأمر بواسطة الإجراءات القانونية مثل حل البرلمان السوداني، وبواسطة المظاهرات مما أدى إلى ثورة شعبية ضد حكم نميري في عام 1985. أسس حسن الترابي بعد عام الجبهة الإسلامية القومية، كما ترشح للبرلمان ولكنه لم يفز. في يونيو عام 1989، اقام حزب الترابي انقلابا عسكريا ضد حكومة المهدي المنتخبة ديمقراطيا وعين عمر حسن البشير رئيسا لحكومة السودان.
في عام 1991 أسس الترابي حزب المؤتمر الشعبي العربي الإسلامي الذي يضم ممثلين من 45 دولة عربية وإسلامية، كمانتخب الأمين العام لهذا المؤتمر. وقف الترابي ضد التدخل الأجنبي في المنطقة بحجة تحرير الكويت إبان الغزو العراقي عام 1990 مما أدى إلى تدهور العلاقات مع الغرب وبعض الدول العربية. اختلف مع حكومة الإنقاذ حول قضايا، أهمها الفساد، والشورى، و الحريات، وحل البشير البرلمان في أواخر عام 1999، وبعدها أصبح الترابي أشهر معارض للحكومة. شكل مع عضوية حزبه الموتمر الشعبي في 31 يونيو 2001. وحوى المؤتمر معظم قيادات ورموز ثورة الإنقاذ الوطني، والمسؤولين الكبار في الحكومة الذين تخلوا عن مناصبهم.
ثم اعتقل في عام 2001 لتوقيع حزبه مذكرة تفاهم مع الحركة الشعبية، ثم اعتقل مرة أخرى في مارس 2004 بتهمة تنسيق حزبه لمحاولة قلب السلطة.
يعد الترابي من أشهر القادة الإسلاميين في العالم ومن أشهر المجتهدين على صعيد الفكر والفقه الإسلامي المعاصرين، وله كتاب في تفسير القرآن وكتاب في أصول الفقه ومؤلفات أخرى في مجالات الإصلاح الإسلامي والسياسة. ولهُ العديد من الرؤى الفقهية المتميزة والمثيرة للجدل ومن آخر هذهِ الفتاوي إمامة المراة للرجل في الصلاة، كما أصدر فتوى تبيح زواج المرأة المسلمة من أهل الكتاب وهو أمر خالف فيهِ المذاهب الإسلامية المتبعة وقامت هيئة العلماء السودانية والرابطة الشرعية بتكفير الترابي وقالت بأنه زنديق مرتد عن الإسلام وطالبت بإستتابته وأعتبرت أرائه إفساد وليست إجتهاد.
في أيلول من عام 2012 قابل طرفة بغجاتي مع روديجر نيبرج الشيخ حسن الترابي، وحصلوا على دعمه لهم في محاربة ختان الإناث والسعي لإيقافه.
من مؤلفاته:
قضايا الوحدة والحرية (عام 1980).
تجديد أصول الفقه (عام 1981).
تجديد الفكر الإسلامي (عام 1982).
الأشكال الناظمة لدولة إسلامية معاصرة (عام 1982).
تجديد الدين (عام 1984).
منهجية التشريع (عام 1987).
المصطلحات السياسية في الإسلام (عام 2000).
الدين والفن.
المراة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع.
السياسة والحكم
التفسير التوحيدي
عبرة المسير لاثني عشر السنين
الصلاة عماد الدين
الإيمان وأثره في الحياة.
الحركة الإسلامية... التطور والنهج والكسب.
التفسير التوحيدي.
وفاته:
توفي حسن الترابي في السودان بإحدى مستشفيات الخرطوم. رويال كير إثر وعكة صحية مفاجئة يوم 5 مارس 2016.
ونعته الكثير من الشخصيات العربية والإسلامية كالناشطة اليمنية توكل كرمان و مقتدى الصدر و راشد الغنوشي وحركة حماس.
أمين حسن عمر: الترابي رائد التنوير الإسلامي في السودان (1من2)
الثلاثاء، 13 أبريل 2021م
على الرغم من أن الإسلاميين في السودان قد حكموا السودان نحو ثلاثة عقود كاملة، إلا أن تجربتهم كانت في أغلبها تعكس طبيعة المواجهة مع النظام الدولي، الذي تحفظ ولا يزال يتحفظ على إشراك الإسلام السياسي في الحكم.
أما الآن وقد انتهت تجربة الإسلاميين في السودان، فإن ذلك يسمح بإعادة قراءة التجربة وتأملها، وليس هنالك طريقة أكثر قربا من من معرفة أسرار واتجاهات الحركة الإسلامية السودانية وأكثر صدقا من قراءة تجارب وأطروحات قياداتها.. وهذا ما فعله القيادي فيها الدكتور أمين حسن عمر، بسلسلة مقالات يسجل فيها سيرة قيادة الحركة الإسلامية في السودان، تنشرها "عربي21" بالتزامن مع نشرها على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في سياق تعميق النقاش ليس فقط حول تجارب الإسلاميين في الحكم، وإنما أيضا في البحث عن علاقة الدين بالدولة.
رموز التنوير:
الحركة الإسلامية في السودان التي باتت تسعى جماعات محلية وقوى إقليمية ودولية لشيطنتها ومحاولة بناء حواجز فاصلة بينها وبين أجيال صاعدة لم تشهد بزوغ فجر الحركة ولم تعرف تاريخها ولم تتعرف على إنجازاتها ولا وقع آثارها في المجتمع والدولة، ولا هي اطلعت على تضحيات جهادها عبر الحقب، وربما لم تقرأ صحائف فكرها ولم تعرف وقائع دعوتها في مجتمع كان مقسما بين نخبة متغربة ومجاميع أهلية مقلدة، فكان المجتمع بين تغريبتين واحدة في المكان والثانية في الزمان، حتى طلعت الحركة الإسلامية الحديثة بمصابيح تنويرها ورموز نهضتها على الناس فبدلت بإذن الله أحوالا كثيرة وارتقت مراقي عسيرة في دروب التغيير والتطوير.
وفي هذه الحلقات سوف أتجشم محاولة التعريف ببعض رموز التنوير الإسلامي وعلى رأس هؤلاء وأولهم ذكرا وأكثرهم فضلا الدكتور حسن عبدالله دفع الله الترابي، هو زعيم الحركة الإسلامية بلا منازع، وهو قائدها الفكري ورمزها الأول بين الرموز من الرجال.
نشأ في بيت علم
ولد الترابي أول شباط (فبراير) 1932 في مدينة كسلا بشرق السودان في بيت علم مؤثل ومجلس علم مؤصل، فجده هو الشيخ حمد الترابي المشهور بالنحلان كان من أعمدة العلم والفقه في السودان (1704م).. أوقد نار القرآن ونهض بواجبات تعليم علوم الدين بعد أن هاجر في طلب العلم إلى بلاد الحجاز، حيث صار له ذكر بين للعلماء ونادى فيهم بدعوة دينية إصلاحية أنكرها أهل التقليد في الحجاز.. فتعرض الشيخ حمد للاعتقال والسجن.. فلما عاد لبلدته أنشأ فيها مركزا علميا جعل لها ذكرا بين البلدات والمدائن حتى وقتنا هذا.
وكما هو الحال المعروف في السودان فقد توارثت الأسرة أمر القيام على تحفيظ القرآن وتعليم العلوم الدينية حتى انتهي الأمر إلى الشيخ عبد الله دفع الله الترابي، والذي كان أول خريجي القسم العالي بمعهد أم درمان العلمي.. فقد كانت دراسته صقلا لعلوم تلقاها عن أبيه وأعمامه وأجداده ثم عمل بعدئذ بالقضاء، فكان من أوائل القضاة الشرعيين، حيث عمل ثلاثين سنة.
وكان لهذا الشيخ العالم الفاضل أثر قوي على أبنائه ومنهم حسن الذي حفظ القرآن يافعا على يديه بروايتي الدوري وورش واطلع على علوم القرآن وتفاسيره وجملة من علوم اللغة والعقيدة والفقه مما يدرس في مثل هذه المراكز العلمية في السودان. وفوق ذلك فقد أخذ الابن عن أبيه عاطفة دينية قوية جياشة كانت هي الحافز له للانضمام لثلة من الطلاب ذوي التوجهات الإسلامية في مدرسة حنتوب الثانوية وذلك في النصف الثاني من عقد الأربعينيات.. ثم ما لبث أن صار أحد قلة من الطلاب التحقت بحركة التحرير الإسلامي بجامعة الخرطوم 1949، التي أسسها الطالبان بابكر كرار ومحمد يوسف محمد وكلاهما كانا يدرسان في كلية القانون التي التحق بها الطالب حسن الترابي.
وصار حسن من أصلب عناصر الحركة وأهم كوادرها، ما أهله ليكون أميرها في العام 1954 إبان مؤتمر العيد، وهو المؤتمر التأسيسي الفعلي للحركة الإسلامية السودانية والذي انطلقت الحركة من بعده إلى المجتمع الواسع بهمة عالية وخطة قاصدة وسعي حثيث.
وفي جامعة الخرطوم واصل الطالب حسن جهده الدؤوب لتحصيل العلم فأكب على ترسيخ حفظه للقرآن بقراءتي ورش والدوري واجتهد في تكثير تحصيله وتعميق فهمه لعلوم القرآن والفقه وكان ذا ولع خاص بقراءة كتب التراث الإسلامي وآداب اللغة العربية وأصول الأحكام وفقه المذاهب وأقوال الفرق المختلفة في العقائد، ما أهله ليكون شيخا بين أقرانه يستفتونه في ما أشكل عليهم ويرجعون إليه في ما اختلفوا حوله.
بيد أنه لم يكن منغلقا على علوم التراث الإسلامي بل تفتح بنهم كبير على العلوم العصرية وأعانته طبيعة دراسته القانونية بانشراحها على علوم السياسة والاجتماع واللغة، فأقبل على كل تلك العلوم مستعينا بملكته في اللغة الإنجليزية ثم ابتعث إلى بريطانيا، حيث درس للماجستير في علوم دستورية وإدارية وجنائية فنال الماجستير في القوانين سنة 1957م، وفي تلك المدة كان منفتحا بذهنية الإسلامي الملتزم على ضروب الثقافة السائدة في المجتمع الإنجليزي، ثم عاد ليعمل محاضرا بكلية القانون جامعة الخرطوم، ثم ما لبث أن غادر إلى باريس، حيث التحق بجامعة السوربون ونال دبلوم الدراسات العليا ثم دكتوراه الدولة في القانون العام المقارن. وأتاح له بقاؤه في باريس أن يطلع على جانب آخر من أنماط الثقافة الغربية وأن ينهل من جوانب عديدة من الفكر الاجتماعي والفلسفي عبر إجادته للغة الفرنسية التي برع فيها ودرس فلسفاتها وفقهها وسهل له إلمامه باللغتين الإنجليزية والفرنسي أن يتعلم اللغة الألمانية فيما بعد.
عاد الدكتور الترابي للسودان في مطلع العام 1964 ليعمل محاضرا بكلية القانون ثم صار عميدا للكلية ودرج على إقامة محاضرات تنويرية عامة في السياسة والدستور.. وكانت المحاضرات تمثل تحديا للنظام العسكري آنذاك والذي كان يتلمس طريقه للانفتاح السياسي، لكن محاضرة الدكتور الترابي عن جنوب السودان والتي هاجم فيها سياسة النظام المنقبضة المتشددة هنالك أدت إلى الصدام مع الشرطة ما فجر ثورة أكتوبر بعد استشهاد طالبين من الجامعة..
قام الترابي عمليا بالدور القائد في موكب التحدي الذي شيع فيه الشهيد القرشي ثم في الموكب الذي اتجه إلى القصر مطالبا بتنحي الحكومة. وكان هو أول المؤسسين لجبهة الهيئات وممثل جامعة الخرطوم فيها وكان على رأس الوفد الذي فاوض الرئيس إبراهيم عبود لتأمين انتقال سلس للسلطة إلى المدنيين.
وبعد نجاح انتفاضة أكتوبر استقال الترابي من منصبه في عمادة كلية القانون ليتفرغ لزعامة جبهة الميثاق الإسلامي التي دعا كيانات عديدة إسلامية للتحالف تحت لوائها فضمت عناصر الحركة الإسلامية وعناصر سلفية وطرقا صوفية وشخصيات وزعامات أهلية، وفي انتخابات العام 1965 حاز الترابي على أعلى الأصوات في دوائر المثقفين (الخريجين) وأصبح أحد نجوم الجمعية التأسيسية التي تشكلت لتكون برلمان الثورة وجمعيتها التأسيسية لوضع الدستور الجديد للبلاد.
وكانت مواقف الترابي ملهمة لعقد ما سمي بمؤتمر المائدة المستديرة لتحقيق السلام في جنوب السودان حيث دعا صراحة إلى تطبيق نظام فيدرالي لإعطاء الجنوب خصوصية يستحقها، ولكن الأحزاب لم تكن متحمسة للفيدرالية ونشأت لجنة الاثني عشر لمواصلة المداولة حول طبيعة الحكم الإقليمية تمهيدا لتضمينه في الدستور وكان الترابي بحكم تخصصه المرجع الأول عند كتابة مقترحات دستور 1968 الذي ما كادت اللجان تفرغ من إعداده حتى فجأها اليسار بانقلاب في مايو 1969.
أمين حسن عمر: الترابي رائد التنوير الإسلامي في السودان (2من2)
د. أمين حسن عمر
الخميس، 15 أبريل 2021 11:54 ص بتوقيت غرينتش
على الرغم من أن الإسلاميين في السودان قد حكموا السودان نحو ثلاثة عقود كاملة، إلا أن تجربتهم كانت في أغلبها تعكس طبيعة المواجهة مع النظام الدولي، الذي تحفظ ولا يزال يتحفظ على إشراك الإسلام السياسي في الحكم.
أما الآن وقد انتهت تجربة الإسلاميين في السودان، فإن ذلك يسمح بإعادة قراءة التجربة وتأملها، وليس هنالك طريقة أكثر قربا من من معرفة أسرار واتجاهات الحركة الإسلامية السودانية وأكثر صدقا من قراءة تجارب وأطروحات قياداتها.. وهذا ما فعله القيادي فيها الدكتور أمين حسن عمر، بسلسلة مقالات يسجل فيها سيرة قيادة الحركة الإسلامية في السودان، تنشرها "عربي21" بالتزامن مع نشرها على صفحته الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في سياق تعميق النقاش ليس فقط حول تجارب الإسلاميين في الحكم، وإنما أيضا في البحث عن علاقة الدين بالدولة.
رموز التنوير
الحركة الإسلامية في السودان التي باتت تسعى جماعات محلية وقوى إقليمية ودولية لشيطنتها ومحاولة بناء حواجز فاصلة بينها وبين أجيال صاعدة لم تشهد بزوغ فجر الحركة ولم تعرف تاريخها ولم تتعرف على إنجازاتها ولا وقع آثارها في المجتمع والدولة، ولا هي اطلعت على تضحيات جهادها عبر الحقب، وربما لم تقرأ صحائف فكرها ولم تعرف وقائع دعوتها في مجتمع كان مقسما بين نخبة متغربة ومجاميع أهلية مقلدة، فكان المجتمع بين تغريبتين واحدة في المكان والثانية في الزمان، حتى طلعت الحركة الإسلامية الحديثة بمصابيح تنويرها ورموز نهضتها على الناس فبدلت بإذن الله أحوالا كثيرة وارتقت مراقي عسيرة في دروب التغيير والتطوير. وفي هذه الحلقات سوف أتجشم محاولة التعريف ببعض رموز التنوير الإسلامي وعلى رأس هؤلاء وأولهم ذكرا وأكثرهم فضلا الدكتور حسن عبدالله دفع الله الترابي، هو زعيم الحركة الإسلامية بلا منازع، وهو قائدها الفكري ورمزها الأول بين الرموز من الرجال.
اشتهر بذكاء نادر:
اشتهر د. حسن الترابي بذكاء نادر أخاذ وجرأة نادرة ومقدرة عالية على التعبير والإفصاح وقد انقسم الناس من حوله إلى أكثرية غالبة أمنت على تمكنه وغزارة علمه واستقامته وجاذبية شخصيته وإلى أقلية أثارت حوله الأقاويل، واتهمه بعض هؤلاء بالمكر والدهاء والطموح الخطير والغرض المرغوب المحسوب، وغلا بعضهم فاتهموه بالمروق من الدين والزندقة والتجرؤ على الخلف والسلف، بيد أن الجميع يجمعون على ذكائه وجرأته وأسلوبه الأخاذ، وظل بعض خصومه يذكرونه بذلك في سياق من التهجم الظالم والتجني البغيض.
وأما الناظر الموضوعي المتدبر المتملي لأحواله الدارس لأفكاره فيذكر المرء بسيرة الإمام عبد الرحمن بن خلدون والذي عاش حياة عاصفة وتقلب بين موقف المعارض الثائر وبين موقف الوزير المعاون على البر والتقوى. وقد كان ابن خلدون صاحب فكر ثاقب وذا جرأة في مراجعاته لأقوال السالفين المعاصرين وقد شابه حال الدكتور الترابي هذه الحال فقد تنقل الرجل في بلاد عديدة وشاهد بعين الناقد البصير أحوال الأمم المختلفة وتحدث بألسنتهم واختلط بمجاميعهم وتنقل في السودان بين الريف والحضر وبين العامة دارسا مريدا في الخلاوي وبين النخبة طالبا ومحاضرا وناشطا وسياسيا فاعلا.
اشتهر د. حسن الترابي بذكاء نادر أخاذ وجرأة نادرة ومقدرة عالية على التعبير والإفصاح وقد انقسم الناس من حوله إلى أكثرية غالبة أمنت على تمكنه وغزارة علمه واستقامته وجاذبية شخصيته وإلى أقلية أثارت حوله الأقاويل،
وقد جمع جملة من علوم التراث وعلوم العصر وثقافاته ولغاته وفلسفاته فأورثه ذلك الهجين المنقى حسا ناقدا وبصرا نافذا وقلبا جرئيا حديدا لا يخاف ولا يخشى ثم كان في حياة السياسة ثائرا في أكتوبر وقائدا سياسيا وحزبيا بعد ذلك ومعارضا في سجون الإستبداد اليساري ومصالحا للسلطة القائمة من بعد ذلك، ومشاركا فيها ومهندسا لمشروع إسلام الحياة والتشريع في السودان، وقائدا لجبهة إسلامية ذات نفوذ كبير في السياسة والحياة العامة في السودان، وفي هذا الإبان لم يشهد استقرارا أسريا ولا أمانا ماديا ولا منجاة من الاضطهاد والاعتقال والرهق النفسي الذي تجلبه أعاصير السياسة فى السودان.
بيد أنه رغم كل هذه الطوارق والعواصف ظل طالبا للتعلم لا يمل وقارئا للكتب والمجلات السيارة والدوارة لا يفتر، ومحاضرا ومحاورا ومناظرا، فأسهم في الحركة الفكرية والثقافية في السودان والعالم العربي والغربي بآلاف المحاضرات والمقابلات والمناظرات. وأعد مئات البحوث والدراسات وشهد المؤتمرات المنتديات وتحرك بفاعلية عبر المؤسسات الفكرية والثقافية الدولية مثل المنظمة العربية للثقافة والتربية والفنون ومجمع الفقه في مكة المكرمة والمجلس الأسلامي الأوروبي بلندن والمؤتمر الإسلامي العالمي بباكستان والمعهد الإسلامي العالمي بواشنطون وفي أثناء ذلك عمل أستاذا زائرا أو عضوا في مجالس الجامعات الإسلامية والأوروبية وشارك في سياق هذا الجهد العلمي في وضع دستور دولة الامارات العربية المتحدة وشارك بتقديم النصح القانوني في مراجعات ضياء الحق في باكستان في سياق أسلمة القوانين هنالك.
التجديد ديدنه:
ونشر العديد من الكتب في مختلف المجالات ومن بين تلكم كتاب الإيمان أثره في حياة الإنسان، والصلاة عماد الدين، والحركة الإسلامية والتحديث، وحوار الدين والفن، وكتاب الدين والتجديد، وكتاب أصول الأحكام ونظامها في الإسلام، والديموقراطية والشورى، والمرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع، وكتاب تجديد أصول الفقه، وكتاب المسلم بين الوجدان والسلطان، وكتاب السياسة والحكم، وكتاب المصطلحات السياسية في الاسلام، وكتاب منهجية التشريع الاسلامي، وكتاب مقاصد الشريعة، وكتاب الأشكال الناظمة للدولة إسلامية معاصرة، وكتاب الحركة الإسلامية في السودان المنهج والتطور والكسب، وخطاب الأمة الإسلامية لأصحاب الملل الأخرى، وكتاب تجديد الفكر الإسلامي، والتفسير التوحيدي للقرآن الكريم.
وقد اشتهر الترابي على نطاق العالم الإسلامي بدعوته للتجديد وألف في ذلك المؤلفات وأقام مئات المحاضرات وأعد كثيرا من البحوث.. وكما هو معتاد الناس انقسموا حول دعوته لفريقين فريق المحافظة والتقليد وفريق المراجعة والتجديد وألف المحافظون التقليديون الكتب في الإنكار عليه وذمه بل وتكفيره أحيانا، لكن التيار الغالب في الحركة الإسلامية والمجتمع تلقى دعوته بالتقدير والتفهم الكبير لدواعيها والإدراك العميق لمغازيها فأدرجتها الحركة الإسلامية ضمن منهاجها الفكري بل مرتكزا مهما لهذا المنهاج الفكري.
وقد حركت دعوته هذه بين تلاميذه ومحبيه نزعا قويا لمراجعة العلوم الأصولية ومدارسة الفقه فروعا وأصولا، والاعتناء بالاطلاع على المذاهب الفكرية الأجنبية ونشطت المنتديات وحركت الحوارات حول الآراء المختلفة والأفكار المتفرعة وأحيت بين الإسلاميين خاصية حب العلم والمدارسة والمراجعة وأكسبت الحركة العامة للإسلاميين في السودان قدرا عاليا من التفتح الذهني والمرونة في الرأي وروح السماحة ونزعة المبادرة والتحديث وابتعدت بالحركة عن الطائفية المغلقة والعصبية الجامدة والظاهرية الساذجة وكلها أدواء أدت للعزلة والتطرف في الرأي بين كثير من الحركات الإسلامية في أنحاء العالم رغم صدق التوجه وقوة الإيمان والاستعداد لبذل الجهد والتضحيات العظام.
الترابي ... حياة الافكار (1)
د. أمين حسن عمر
ربما قليلون من الناس هم من يأخذ بوصية الفيلسوف رالف إمرسون “لا تذهب حيث يأخذك الطريق بل أذهب حيث لا يوجد طريق وأترك هنالك أثراً” ، وكان د. الترابي من هؤلاء الفئام القليل . ولاشك أن من يأخذ بهذه الوصية سوف يتعرض لإبتلاءات عظمى ومهددات ومخاطر جمة ولكنه بقدر ما يكون الإبتلاء يكون الأثر الذي يفتح طريقاً جديداً للعابرين. وصاحب هذا القلم أحد السابلة على الطريق الجديد الذي شقه على الأرض العراء الدكتور حسن الترابي. وأني إذ أكتب بعد أسبوعين على وفاته ينشأ في خاطري معنى المناسبة بين المداد الأسود وفكرة الحداد ، فإنه مما يثير الأشجان الكئيبة أن نكتب عن من نحب بإستخدام الأفعال الماضية ولكنها سنن الحياة وفق مشيئة الله . والسعيد من وفق لتمضي مشئيته على سنن المشئية الإلهية . ولقد عاش د. الترابي حياة بمعيار متوسط الأعمار ليست بالقصيرة ولكنها بمعيار إحتشادها بالمعاني كانت جد قصيرة. وكان المكان الذي يحل به الترابي يفارق معتاده المعهود وكان الزمان الذي يشغله الترابي ينسى أعتياده المعلوم .فهو ليس بالرجل العادي ولو إعتاد الناس حضوره بين إيديهم وظهرانيهم . وهم سيعرفون له فضله وقيمة حضوره بعد أن أقفر المكان من ظله والزمان من فعله . وكما قال الفيلسوف الألماني شبنهور “فقداننا الشيء هو ما يعلمنا قيمته”. وعندما توفي الترابي كتب عن مماته المحب والمبغض , كتب عنه الشرق والغرب ، والعبارة التي رافقت أقوالهم جميعاً أن مماته يضع حداً لحقبة بأكملها . ولكن الذي لم يقولوه هو القول إن كان ممات المرء يضع تعريفاً لفترة من الزمان فلاشك أن حضوره هو الذي أعطى هذه الفترة معالمها وهويتها المميزة . وأوجز المقال أن نقول كان الترابي رجلاً وليس مثل سائر الرجال لأن فكرته كان ساطعة وإرادته كانت حادة قاطعة.
وكانت مشئيته الخيرة تتقدمها رؤية فكرية نيرة .
وكانت الأفكار لديه على هدى النبؤة هى مصباحه الذي يستضيء به في دياجير زمان الالتباس وعصر حيرة الناس.
وكانت الفكرة لديه تتولد على مهل، وتختبر مرة بعد أخرى بغير كلل ولا ملل . ثم ما تلبث أن تستقر على مرفأ الإطمئنان فحينئذ لا يثنيه شيء مهما كان عن القول بها .
ولا تردعه غرابتها على أسماع أهل المعتاد الموروث عن الجهر بها والاعلان عنها . وكان دكتور الترابي يعي ويدرك أن السير على طريق “اللامُفكر فيه ” والمسكوت عن الجهر به هو طريق من لا يؤثر السلامة والعافية والمعافاة من العوام والخواص.
إن أعلام أرباب الفكر وقادته هم مصابيح التنوير في زمان العتمة. ولقد وصف الكتاب العزيز الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بأنه سراج منير .
ودأب السراج أن نوره للعامة وناره هو وحده من يكتوي بها، والعلماء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم هم ورثة الأنبياء، هم ورثتهم في العلم والصادقون منهم هم ورثة الأنبياء في حظوظ الدنيا والأخرة. ولكم تقل حظوظ الدنيا لأمثال هؤلاء ولكم تعظم حظوظ الأخرة لمن عُد في زمرتهم وسار في صحبتهم. ولئن كان للغرب المزدهر مادياً في زماننا هذا عصر ظلمته وعتمته وزمان تنويره وتفكيره، فإن عالم الإسلام يوشك ان ينفك اليوم من الظلمة المدلهمة إلى بادئة الفجر ثم إلى ساطعته .
وذلك بفضل رجال من أمثال الدكتور الترابي وأمثاله قليلون. وهم من أفنوا أعمارهم ليصنعوا زمان التنوير لمن جايلهم وعاصرهم.
ولئن كانوا قد لاقوا المشقة والإعنات في ذلك السبيل فإنما ذلك هو شأن الرواد الذين يسيرون خبباً إلى مدى الانظار.
وهم قد ذهبوا كما يقول الفيلسوف البريطاني توماس كارليل “إلى أقصى مدى يمكنهم رؤيته وعندما وصلوا هنالك كان بامكانهم أن يروا إلى أبعد مدى” فهذه حياة تقصر عن مداها الاعمار ولو طالت.
الترابي .. رجل فكرة
قد لا يبدو لأول وهلة للملاحظ والفاحص كم أثرت الفكرة الصوفية (بعيدة الجذور في تربة السودان الثقافية وفي بيت آل الترابي بصفة خاصة ) على حياة وتفكير الدكتور الترابي. فالحياة الأصيلة لدى أهل التصوف هي حياة الباطن الواعي المتحنث المتغير المتجدد الأحوال . فهي حياة الفكرة التي تملأ الوجدان ثم ما تلبث تفيض على سائر الإنسان . فتصبغه بصبغتها وتسمه بسمتها ،فيكون هو الفكرة التي تسير على أقدام وتبصر بالأعين وتسمع بالآذان وتبطش بالأيادي.وقديماً قال أفلاطون بما يشبه ذلك المعنى . فقد كان أفلاطون فكروياً روحانياً فالحياة الحقة عنده هي حياة الأفكار والمثل والصور الذهنية المعقولة . وكان لفكرته هذه آثارها على فلاسفة الشرق والغرب من لدن أرسطو إلى هيجل . ولكن مصدر الفكرة لدى الفلاسفة المسلمين (ذوي الأصالة )كان مرجعه للايمان وليس إلى الفلسفة . ذلك أنهم أدركوا أن جوهر الايمان معرفة ، وأن جوهر المعرفة هي فكرة مركزية. ولذلك حثوا السير وبالغوا في الطلب والبحث والتنقيب عن تلكم الفكرة الجوهرية التي هي لب المعرفة.
ولقد وصل الموفقون إلى شاطيء تلكم الفكرة لكنهم أدركوا أنها أقيانوس المعاني والأسرار ، وأن الارتحال إليها تفنى دونه الأعمار .
ذلك أنهم أدركوا أن الواحد هو أصل كل شيء فلا يكون شيء إلأ وهو منسوب إليه .
وعلموا أن توحيد الواحد بالاقتراب بالأفكار والاعمال إليه هي رحلة الدنيا والأخرة. وأيقنوا أن حقيقة الحقائق هي فكرة توحيد الواحد الأحد.
فشغلوا أنفسهم بالتعريف بالفكرة باضاءتها بأسرجة العقول وتجسيدها معناها بالصور البلاغية والبيانية وبالأمثلة الواقعية والأسوة العملية .
ثم أنهم أدركوا بالعقول أن كل ذلك هو مجرد أقتراب وما ثمة وصول.
وأن الموفق هو من وفقه الله، والمقرب هو من قربه الله، والمنبأ هو من نبأه الله، والملهم هو من الهمه الله . وكان علمهم هذا هو الأخر قبس من أقباس التوحيد . فلا غرو اذاً أن تطوف حياة الترابي حول فكرة التوحيد . فقد نشأ في ترابها وشرب وأستقى من كأسها وطاسها . فجمع بين منهج المجاهدة الروحية لدى أهل التصوف ومنهج الاجتهاد العقلي لدى أهل التفلسف. ولكنه نظر إلى ذلك كله من منظور القرآن الذي حفظه وتشرب معانيه صغيراً ، فسقت معاني القرآن الزكية الندية فسائل أشواق روحه الوامقة الصبية.
فكان القرآن (من ابتداء حياته إلى إنتهائها في الدار الفناء) صاحب مجلسه ومؤنسه، ومسامره ومحاوره .
فقد كان يعلم أن القرآن وإن كان أُنزل على النبي صلى الله عليه وسلم على حاله وعلى أحوال زمانه ،فهو صالح لإلهام كل زمان ومكان، لأنه مستودع المعاني المشاكلة للأحوال كل الأحوال على تحول المكان والزمان .
يجد فيه كل ضالٍ هدايته، وكل حائر ضالته ،وكل طالب حاجةٍ حاجته، مما يشفى الجروح ويشبع أشواق الروح، ويهدي إلى خيري الدنيا والأخرة.
كانت فكرة التوحيد هى الكعبة التى تطوف حولها الأفكار والمعانى كما تطوف الجسوم والأبدان حول الكعبة المشرفة.
فليست رحلة الحج الا الرمز للارتحال بالروح والجسد للواحد الأحد.
نواصل ،،،
#ذكرى_الرحيل:
الترابي: الأسرة قوامها التراضي:
يلحظ د. الترابي شدة اهتمام الدين والقرآن بالأسرة . وهو اهتمام ليس له نظير في فلسفات التربية ولا في الشرائع الدينية الأخرى . فالأسرة إنما تؤسس ابتداء على تعارف وتشاور وتراضي بين طرفين وزوجين يتعاقدان على إنشاء تلكم الأسرة الصغيرة.
ونظام الأسرة ونظام القوامة فيها قائم على (عقد قوامة الرضا لا الجبر ويترتب على كل فرد في الأسرة زوج وزوجة وابناء واجبات وتنشأ له حقوق لا يسمح الدين لزوج أو أب ان يصادرها أو ان يستبد بأمرها). وكما اجتمعت الأسرة على التراضي تتفرق على التراضي ان لم تلتئم على الألفة والمحبة فإن (حدث طلاق يلزم تدبير الأثار ورعاية مصائر الأولاد بالشورى ، فإن ارادا فصالاً عن تراضي منهما وتشاور فلا جناح عليهما) وكما لا يسمح بنشوز الزوجة لا يسمح بنشوز الزوج . والنشوز هو الخروج على عقد التراضي (وان امراة خافت من بعلها نشوزاً أو أعراضاً فلا جناح عليها ان يصلحا بينهما صلحاً والصلح خير ) فالأسرة إنما يُستدام اجتماعها وترابطها بالتراضي والتشاور فيتعلم الفرد الناشيء فيها ان لا قوام لحياة الجماعة إلا بالتراضي والتشاور.
أمين حسن عمر
من كتاب الترابي حياة الأفكار
#ذكرى_الرحيل
الترابى: عندما غاب القمر:
كان الترابى ملء السمع وملء البصر وملء المكان.كنا ونحن أيفاع نتنظر موعدنا لزيارته ونتهيأ لها كما يتهيأ واحدنا لمناسبة العمر.وكنا نقول لبعضنا البعض إذهبوا بنا لنشتاخ اى لنقصد الشيخ فهو من قليل أناس تتوق الأنفس وتظمأ لزيارتهم لتنهل من الفكر الأصيل والأنس الجميل وحلو المزاح وفاكهة الكلام المباح.
وكان المكان الذي يحل به الترابي يفارق معتاده المعهود وكان الزمان الذي يشغله الترابي ينسى أعتياده المعلوم .
فهو ليس بالرجل العادي ولو إعتاد الناس حضوره بين إيديهم وظهرانيهم . وأنتم ونحن وهم سنعرف له حق فضله وقيمة حضوره بعد أن أقفر المكان من ظله والزمان من فعله .
وكما قال الفيلسوف الألماني شبنهور "فقداننا الشيء هو ما يعلمنا قيمته".
صحيفة الراكوبة
د. أمين حسن عمر : لم نكن نلتقي بالترابي لكثرة اعتقالاته في السبعينات
الخرطوم (سونا)- قال الدكتور أمين حسن عمر القيادي الإسلامي البارز إننا في بداية عام 1974 لم نكن نلتقي بالترابي كثيرا ، لكثرة اعتقاله في تلك الفترة ، إلا أننا التقيناه بعد اعتقالنا معه ، مما أتاح لنا فرصة الاستفادة كثيرا من أفكاره وآرائه .
وأضاف لدي مخاطبته سلسلة وثائقية (تجربتي) التي نظمتها أمانة الإعلام والعلاقات العامة بالاتحاد الوطني للشباب السوداني، اليوم بقاعة الشهيد الزبير للمؤتمرات، ” أن الترابي أوصانا بان ننفتح أذهاننا خلال فترة السجن لان الإبداعات تخرج من المعاناة خاصة في مجال حفظ القرآن والتفسير وقراءة كتب الأئمة السابقين كما كان يوصينا بدراسة السنن وسيرة ابن خلدون ” . وأشار إلى أن مؤلفات الترابي الكثيرة ساهمت في تبصير الشباب بكثير من القضايا ، موضحاً أن فكر الترابي تجاوز المحلية إلى العالمية ، وتأثر به عدد كبير من النشطاء في مجال الدعوة الإسلامية حول العالم.
وقال أمين إن من أكثر الشخصيات الإسلامية التي تأثر بها الشيخ الترابي، الدكتور بابكر كرار، وخاصة في مجال أساسيات الفكر الإسلامي وعلوم التفسير المختلفة، فضلا عن إسهاماته الكثيرة في القضايا الوطنية بجانب ما اتصف به من تفاني وجاذبية وترغيب في فكره .
وأكد أمين معرفة الترابي وعلمه بالقراءات المختلفة، بجانب إلمامه بالعلوم الإنسانية، ويشهد له بذلك الكثير من العلماء، فضلا عن ما اشتهر به من أخلاق فاضلة وصبر جم، ونظرة إستراتيجية عميقة واصطبار على المقاصد التي يريدها.
وقال أمين حسن عمر إن فترة عمله بمكتب شيخ الترابي بوزارة العدل لأكثر من عامين تعد من أهم فترات حياته، وان ما تعلمه عن قرب من شيخ حسن كان دافعا قويا للاستمرار للأمام ويمثل مرجعية في الكثير من القضايا، وأضاف ” كان يعلمنا الاهتمام بأصول الدين وليس العموميات، مما يؤدي الى ترجمة أفكاره إلى مواضيع عملية وعلمية يمكن للأجيال القادمة الاستفادة منها بصورة اشمل، وأكد رعاية شيخ حسن للشباب واهتمامه بتأهيلهم للمصلحة العامة من اجل مستقبل أفضل وكان كثير الإصرار علي دخول الشباب لمجلس شورى الحركة الإسلامية، مما ساهم في دخول عدد منهم في منتصف السبعينات، مضيفا أن كثيرا من القضايا التي يطرحها الترابي في ذلك الوقت لم يتمكن الكثيرون من فهمها.
وسرد الدكتور أمين حسن عمر سيرة الدكتور الترابي حتى مرحلة الانتفاضة ومن ثم العام 1988م، حيث شهدت تلك الفترة ظهور صحبفة الراية والتي كانت توزع أكثر من 70 ألف نسخه في اليوم، واعدا الشباب بالاستمرار في سرد مسيرة الترابي خلال الحلقات المقبلة.
إلى ذلك أكد الطاهر السليني مساعد رئيس الاتحاد الوطني للشباب السوداني اهتمام الاتحاد بصورة خاصة بالتوثيق لمسيرة الشيخ المرحوم حسن عبد الله الترابي لما قدمه للبشرية والإنسانية في مختلف المجالات العلمية والبحثية، وأشار الى ان برنامج سلسلة الحلقات الوثائقية عن الترابي ستستمر خلال الفترة المقبلة، ويتم خلالها الاستماع إلي شخصيات عاصرت الشيخ التربي وأخري لها معلومات عن حياته، مناشدا جميع المهتمين بالبحوث بضرورة المشاركة في هذا البرنامج حتى تعم الفائدة للجميع.
فيما أشاد الأستاذ عبد الرحمن محمد عبد الرحمن أمين أمانة الإعلام بالاتحاد، بالدور الكبير الذي يقوم به الاتحاد للتوثيق للشخصيات البارزة بما يخدم البشرية في مختلف المجالات خاصة الإسلامية، مضيفا أن الاتحاد يولي الشيخ الترابي اهتماما خاصا، وسيعمل على الوصول لجميع الشخصيات التي عاصرته والاستماع إليهم.
وتحدث عدد من المفكرين والكتاب والإعلاميين معددين مآثر الشيخ حسن الترابي .
امين حسن عمر يرثي الترابي: قبر ثوى فيه حسن فيه المكارم تقترن
قبر حسن الترابي
قبر ثوى فيه حسن
فيه المكارم تقترن
فيها الحجا فيه التقى
فيه الفطن
فيه
الكريم بن الكريم
بلا منن
فيه الشريف بن الشريف
بلا درن
تبكى عليه الطير فى وكناتها
والوحش فى بيدائها
يبكى الوطن
ابكى طويلا
هل يفارقنى الشجن
لو كان قبرك كالطلول
وقفت ابكى بالدمن
لو كان تسقيه الدموع
سقيته الدمع الهتن
لكنها سنن الحياة
وقد رضينا بالسنن
الشيخ أمين حسن عمر ينعي الترابي بقصيدة “الشيخ مات” يقول فيها:
الحزنُ أخرس منطقى ولسانى لكن دمعى مظهرٌ أحزانى
الشيخ مات وتلك شرُ حقيقةٍ تأبى على الانكارِ والسلوانِ
مات الترابى يا لهول مقالةٍ هزت ثباتى صدعت أركانى
فكأنها الزلالُ حل بمهجتى وكأنها الطُوفان عم كيانى
آلهمَ إن الموت وعدٌ صادقٌ فجميع ُمن يمشى عليها فانى
لكننا نحيا الحياة تشبثاً ونظنُ نيلَ الخلدِ بالامكانِ
نسعى ونكدحُ غافلينَ كأننا لم ندرِ أن العيش للنقصانِ
وبأن ذا الوصل الذى سيسرُنا سيصيرُ للتوديعِ والهجرانِ
وبأن ما تعطى الحياةُ وديعةً مرهونةٌ للعطبِ والفقدانِ
فالربحُ فيها مؤذنٌ بخسارةٍ والعزُ فيها مؤذنٌ بهوانِ
اليومُ عاودنى الأسى وشجانى صوتٌ نعاك ليتَ كان نعانى
يا ساعدى ومساعدى ومثاقفى ومساعفى من علمِك الربانى
أنت الذى أوبت للتوحيد رونقه الذى قد كان للتوحيد منذُ زمانِ
أنت الذى أعطيت للتجديد معناه الذى أغناه من علم ٍ ومن ايمانِ
أحييت معنىٍ للشعائر داثراً وشرحت معنىَ الحكمِ والسلطانِ
زعموك مبتدعاً لأنك مبدعٌ فهم الجناةُ ولست أنت الجانى
صرحُ الديانة شدتهُ بعزيمةٍ ورفعت أسقفه على الاركانِ
والدعوة ُ الغراءُ أنت أمامُها للنهضةِ العصماءِ أنت البانى
حكمُ الشريعةِ أنت كنت بصيرَه ونصيرَه بفصاحة ٍ وبيانِ
علمتنا نحيا الحياة عزيزةً ودعوتنا لمحبةِ الأوطانِ
أندسُ فى هذا الترابِ مكارماً ونلفُها فى القبر بالأكفانِ
أيموت من أحيا المواتَ بربعنا أم أنه يحيا بلا جثمانِ
يا ربِ أنت خلقتهُ ورزقتهُ فأكرمهُ يا رحمانُ بالغفرانِ
هو حافظُ القرآنِ جاءك ضارعاً آنسهُ بالآياتِ والقرآنِ
وأجعل وفادتهُ عليك كريمةً ,أحجبهُ من خوفٍ ومن أحزانِ
ثم الصلاةُ على النبىِ محمدٍ فى السرِ والاجهارِ و الاعلانِ
في رثاء رجل القرن الشيخ الدكتور حسن الترابي رضي الله عنه
بقلم د.محمد أحمد عثمان
أستاذ الاقتصاد بالجامعة الوطنية-السودان
جاء النّعِىُ وفى أطنابه خبرٌ
تناقلته وكالاتٌ وانباءُ
صدعَ الفؤادُ ورامنى ألمٌ
وتجاهمتنى وتيرةٌ غمّاءُ
*****
رحل الترابى عن منابِرنا
وتقطّعت من فقده أحشاءُ
ياويح نفسى وقد إنتابها وهنٌ
تنازعتها تضاريسٌ وأنواءُ
*****
ياويلَ نفسى والأيام مدبرةٌ
إن الفراقَ شديدُ الوقعِ رزّاءُ
نظرتُ صوب المسجد المحَزونِ مكتئباً
وقد تنّكر إقلابٌ وإقواءُ
فوق المنابرِ والمحرابِ منْتّحِبٌ
وفي المآذنِ نوّاحٌ وبّكاءُ
تشكو (أمامة)من آلامها وجعاً
وتذرف الدمعَ في جنبيك (أسماءُ)
*****
(صديقُ) يكتم أنفاساً معانِدةً
ويكتوى الحزنَ إذ مسّته ضرّاءُ
لله درّ أبيكَ الضخمَ مفخرةً
لا توجِدّن فإن الوجدَ جبّاءُ
*****
و(عصامُ) يحزم حزنَه جزِعاً
اذ تبتليه قصيدةٌ عصماءُ
لله درك في الغلواءِ محتسِباً
يقَع البلاءُ وجُلّ الحزنِ مّكاءُ
*****
رحل الفقيهُ الى مثواه تاركَنا
صدراً تكالبَه هّدٌ وإعياءُ
أنت العِصامِىُ سام السهلَ ممتنِعاً
أنت الربيعُ وأنت الخصبُ والماءُ
قدت الفريقَ وقدت الربعَ مجتمعاً
وكنت بالقرآنِ بنّاءُ
يامن رعيت حقوقاً قد صدعتَ بها
ونازعتكَ غُويغاءٌ ودهماءُ
*****
فأصفح عليك سلام الله في سَعةٍ
فالسمحُ يعفو ودون الحقِ غَلواءُ
مهما تقّطعت الأسبابُ وانحسرت
فرجعَ روحِكَ للأرواحِ إجلاءُ
*****
ياطفرةً بزمانٍ ضَلّ ساعِيَهُ
لا يحتويك شبيبُ الصّبِ إطراءُ
(يامن يعزُ علينا ان نفارقه)
كنت الكريمَ صبوحَ الوجهِ وضّاءُ
*****
يامن تواريت في جوف الثرى جسداً
فإن روحَك في مأوى وعلياءُ
إن كنت قد خاصمتُكَ جَدلاً
فلأجلِ تلك الحّيةِ الرقطاءُ
أو كنت قد عاندتُك أمداً
فلأمرِ تلك الضبعُ والحرباءُ
إن كنت قد وادعتهم وأمنتهم
*****
فلقد رأوك مخاتِلاً خبّاءُ
ماكنت أحسبنى أقلاكَ في زمنٍ
إن المحبَ شديدُ العزمِ وفّاءُ
رحم الله الشيخ الداعية المجدد حسن الترابي، وأسكنه فسيح جناته..وغفر الله ذنوبه وضاعف في حسناته.
المصادر :
١- موقع الجزيرة نت.
٢- الموسوعة التاريخية الحرة.
٣- الموقع الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين في مصر.
٤- موقع إخوان سورية.
٥-موقع الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
٦- مقالات أمين حسن عمر .
٧- مواقع الكترونية أخرى.
وسوم: العدد 1004