الشاعر الداعية مبارك راشد الخاطر
(1357- 1421هـ / 1938- 2001م)
هو الأديب الشاعر الداعية، والمؤرخ البحريني، أحد أبرز أبناء الحركة الإسلامية الراشدة في البحرين، وعضو مؤسس في رابطة الأدب الإسلامي العالمية.
مولده، ونشأته:
والأستاذ الأديب المؤرخ مبارك راشد جاسم الخاطر، من مواليد مدينة (المحرق) بالبحرين سنة 1357ه/ - 1938م، ونشأ في أسرة متدينة محافظة، وكان دمث الخلق، كثير الدعابة، له صلات كثيرة بأفراد المجتمع من سائر الطبقات داخل البحرين وخارجها، يكثر الزيارات إليهم، ويلتقي بهم في المنتديات والمؤتمرات، حتى أصبح علمًا من أعلام البحرين يعرفه الناس في معظم الدول العربية وبخاصة دول الخليج.
الدراسة، والتكوين:
تلقى مبارك الخاطر علومه في الكتاب، ثم انتظم في مدرسة الهداية الخليفية بمدينة المحرّق.
ثم التحق بالمدرسة الثانوية بالمنامة، حيث حصل على دبلوم التجارة عام 1955م
ونشأ شاباً طموحاً، مهتماً بالمطالعة والقراءة والكتب، فتوسع علمه، ونمت ثقافته.
الوظائف، والمسؤوليات:
ارتبط الشاعر الداعية مبارك راشد الخاطر بالحركة الإسلامية في البحرين، فكان عضواً مؤسساً في جمعية الإصلاح الاجتماعي في البحرين، وهي تمثل فكر وثقافة الإخوان المسلمين، وشارك في نشاطاتها، وتقلد الشيخ مبارك راشد الخاطر العديد من المناصب أهمها:
- فقد عمل بعد إتمام دراسته بإدارة المحاكم في وزارة العدل والشؤون الإسلامية (1955 -1967).
- كما عمل في مجلس إدارة الأوقاف السنية بالبحرين بين (1967- 1982)
- ثم عمل في وزارة الإعلام (1982 - 1994)، حيث أحيل بعدها على التقاعد.
العضوية:
انتسب الأستاذ مبارك الخاطر في العديد من الجمعيات والمجالس، وكان من الناشطين في العمل الثقافي والتاريخي والتطوعي.
ومن أبرز المنظمات والجمعيات التي انتسب لها:
- حيث كان عضواً في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بالبحرين.
- وهو عضو اتحاد المؤرخين العرب.
- وكذلك كان عضواً مؤسساً بجمعية الإصلاح بالبحرين.
- وهو عضو مؤسس لرابطة الأدب الإسلامي العالمية.
-وعضو جمعية تاريخ وآثار البحرين.
المشاركات:
وقد شارك – رحمه الله - في العديد من المؤتمرات والمهرجانات الأدبية والعلمية منها:
مؤتمر الشباب العالمي الإسلامي، ليبيا (1974).
مؤتمر الدراسات التاريخية للخليج، أبوظبي، (1979).
مؤتمر السيرة النبوية، الدوحة (1979).
مؤتمر الدعوة والدعاة الأول بالمدينة المنورة.
الحلقة العالمية الرابعة لدراسات الخليج، (1981).
مهرجان الشعر العربي في دول الخليج العربية، الرياض، (1988).
كما كان صاحب مواقف وطنية، والتزام عقدي، يعمل في حقل الإسلام، ويدعو إليه، ويجمع الأمة على مبادئه وتعاليمه، وكانت كتاباته ومقالاته وأشعاره تتسم بطابع الالتزام بالإسلام، والذود عن لغة القرآن الكريم، والتراث الإسلامي، وتاريخ المسلمين وأمجادهم ومآثرهم وعاداتهم الفاضلة.
وتعلم الكثير، وعلّم الكثير، وكانت كتبه التي أصدرها دروسًا للأجيال، تنقّل بين الكتب والمراجع، وبين الأضابير والملفات، وبين المكتبات والبلدان، يبحث وينقِّب ويستقصي ويستخلص، كالنحلة تجمع الرحيق من كل البساتين.
تنقّل كذلك بين الرواة من المسنين وأصحاب العلوم والخبرة، يستخرج من ذاكرتهم ما تختزنه، ليضيفه إلى ما يجمع، ويتنقل بين التاريخ والتراث والسير.. كان هذا شأن الشاعر الأديب المؤرخ مبارك راشد الخاطر، وقد كتب الكثير من المقالات، وألقى الكثير من المحاضرات، وألف الكثير من الكتب.
مؤلفاته:
وقد ترك الكتب النافعة، والعلوم المفيدة، ومن أهم مؤلفاته:
1-نابغة البحرين عبد الله الزايد، 1972.
2-القاضي الرئيس قاسم بن مهزع، 1975.
3-الكتابات الأولى الحديثة لمثقفي البحرين، 1978.
4-المنتدى الإسلامي في المنامة، 1981.
5-الأديب الكاتب ناصر الخيري، 1982.
6-مسرحية العلاء بن الحضرمي لعبد الرحمن المعاودة (دراسة واستقراء).
7-المغمورون الثلاثة.
8-ابن مانع بين الخليج والجزيرة العربية.
9-شعراء النهضة الحديثة في الخليج.
10-العلاقة الثقافية بين السعودية والبحرين خلال قرنين.
11-دخول البحرين في الإسلام.
12-ديوان عبد الله الزائد، دراسة وتحقيق: 1996.
13-المؤسسات الثقافية الأولى في الكويت، 1997.
15-رجل ومولد قرن، مبارك سيف الناخي (المراسلات)، 2000.
16-مضبطة المشروع الأول للتعليم الحديث في البحرين، 2000.
17-بواكير العلاقة الثقافية والتعليمية بين بلاد الشام والخليج العربي،(1900 – 1950)
18-مقدمة في تاريخ التعليم في البحرين.
19-مقدمة في تاريخ البلديات في البحرين، (1918 – 1984).
20-مقدمة في تاريخ الصحة في البحرين، (1894-1984).
21- مفهوم العمل لدى سمو الشيخ زايد.
22-مفهوم اصطلاحي جديد للتراث الأهلي.
23-كتاب من عدة أجزاء عن حركة الثقافة في الخليج في المنتصف الأول للقرن العشرين.
24- رسائل مبارك بن سيف الناخي (دراسة وتحقيق).
25- المسرح التاريخي في البحرين والخليج.
26- التعليم الأهلي في الخليج ما قبل التعليم الحديث.
27- شيئًا من الإصغاء يا سادة....وله أعمال أخرى مخطوطة.
مقالاته:
نشر العديد من المقالات التاريخية والأدبية والاجتماعية في الصحف والمجلات الصادرة في البحرين، نذكر منها: صوت البحرين، والخميلة، والبحرين اليوم، والعروبة، والأضواء البحرينية، والمجتمع الجديد، وفي مجلة المجتمع ( الكويت)، ومجلة البلاغ (الكويت)، وفي مجلة الشهاب (لبنان).
من أقواله:
«إن الكتابة في العملية التاريخية لدى المؤرخين، لها عدة مسارات قد لا تستوفى خلال مقابلة صحفية، فهي تقتضي وضع كتاب خاص بها، فبالإضافة إلى ما لها من أنواع الصياغات والاستنتاج لدى أي مؤرخ، فإن المؤرخ الموضوعي هو ذاك الذي يكتب، وكأن على رأسه الطير.
وفيما يخصني، فقد انتهجت أسلم الطرق لأكتب، وذلك بأن أحرص أولاً على وجود الوثيقة المعنية بما سأكتب عن أي حدث له مفهوم تاريخي، غير أنه لابد لي من أن أعطي هذه الكتابة قدرًا موضوعيًا من خلفيتي التاريخية المسترفدة من حافظتي الملمة بالأحداث التاريخية، وبمثل هذه الطريقة يكون الاستنتاج التاريخي للحدث أقرب إلى العقلانية ثم الواقع».
قالوا عنه:
يقول الشيخ عيسى بن محمد آل خليفة: «لقد كانت حياة الأخ الأديب المؤرخ مبارك راشد جاسم الخاطر، حافلة بالإنجازات الأدبية والتاريخية والتراثية والتوثيقية وثريّة من النواحي الفكرية والثقافية، فقد أثرى المكتبة العربية والإسلامية بالعديد من المؤلفات والبحوث والمقالات، كما كانت علاقته بجمعية الإصلاح بالبحرين لها طابع الخصوصية والتميز والعطاء المستمر، طيلة عمرها الذي يمتد إلى ستين عامًا، فقد كان من الأعضاء الفاعلين بالجمعية من يوم 27/7/1947م، وله دوره المشهود والملموس في النهوض بالشؤون الإدارية والثقافية والأدبية والمسرحية وغيرها.
وكانت آخر إنجازاته: احتضان جمعية الإصلاح لحلقة رابطة الأدب الإسلامي العالمية في البحرين، وهو أحد أعضائها المؤسسين».
ويقول السفير حسين راشد الصباغ: «لقد نشأ نادي الإصلاح سنة 1941م بمبادرة ودعم من طلبة مدرسة الهداية الخليفية، واهتم بنشر الثقافة الإسلامية الأدبية والمسرحية، وقد درسنا في مدرسة الهداية على أيدي نفر من الأساتذة المربين الكرام، أذكر منهم: قاسم يوسف الشيخ، وحسن السيد علي، وعبد الله الطائي، وعبد الله الفرج، وغيرهم، وكنا نجد في نادي الإصلاح ضالتنا المنشودة، وكان الأستاذ مبارك الخاطر يملك حسًا أدبيًا وفكريًا واضحًا، إلى جانب أنه الداعية المخلص، والمتبصِّر بأمور دينه ودنياه، وكان يردد دائمًا على مسامعنا، قدرة الإسلام كعقيدة على مواكبة إنجازات العصر الحضارية والعلمية، ومكتسباته الاجتماعية والسياسية، وكان يدعو إلى التمسك بمفاهيم الحرية والعدل والخلق الرفيع واحترام الإنسان وصيانة كرامته وحفظ حقوقه، والدفاع عن النموذج الإسلامي والإصلاحي المنفتح».
ويقول الأستاذ راشد عبد الله المعاودة: «إن موت الأخ الحبيب والشاعر الأديب المؤرخ مبارك الخاطر، أحزننا وآلمنا وهزَّ كياننا هزًا عنيفًا، وجعل القلوب تدمى وتتحسر على العلم والأدب، وعلى القلب الرحوم الحنون الذي كان يحب الخير لكل الناس، كان مؤمنًا تقيًا محتسبًا أجره عند الله، كان يسعى بالخير للناس بطرق أبواب المسؤولين وأهل الخير لمساعدة إخوانهم، والوقوف إلى جانبهم، وكان مخلصًا لوطنه، يسعى بكل طاقته لتقدمه واستقراره، وكان ذا مقدرة عجيبة على كسب قلوب الناس، يردد على مسامعنا: أحبوا الله يحبكم الناس، وكان ذا قلب كبير يحوي العالم بأسره، وله وفاء لكل إخوانه الذين عرفهم، فهو يحبهم وإن اختلف معهم، وكان أحد المساهمين مساهمة إيجابية في تقدم وطننا العزيز: البحرين هذا التقدم الرائع الذي نشهده».
ويقول الأستاذ إبراهيم محمد الحسن: «عرفت الأخ مبارك بن راشد الخاطر، وأنا صغير السن، فهو يكبرني بأكثر من خمسة عشر عامًا، ولكن روح الشباب التي يتميز بها جعلته مقبولاً ممن يصغره، فلم يكن يكل أو يمل من الاتصال بالشباب في زمن لم يكن فيه الشباب معنيّين بالمساجد أو الثقافة الإسلامية. من أوائل الستينيات وحتى نهايتها، كان الأخ مبارك الخاطر فارسًا في ميدان صعب، شحيحًا بمن يمكن هدايته وإيصاله إلى باب المسجد.
لا أنسى محاولاته المتكررة معي، وأنا دائم الجلوس على سيف البحر، فيومًا يدس في يدي المأثورات، ويومًا كتيبًا من هنا أو هناك، ومع ذلك قليل من الكلام عن الأهل والأصحاب ولطائف القول..
لا أنسى ما كان يعانيه الأخ مبارك، وهو ينقل الشباب من حلقة في مسجد الغاوي بشمال المحرق إلى أخرى في جنوب المحرق، وما كان يتعرض له من سباب السفهاء والعبث بسيارته بين الحين والآخر.. كل ذلك، لم يثنه عن الوصول إلى الهدف الذي خطه لنفسه وهو أن يوصل الشباب إلى المساجد، وتلقي العلم والفكر الصافي. لقد كان (رحمه الله) مرهف الحس، قلبه يتوجع على ما تتعرض له الأمة الإسلامية.. ذلك ما كنت أحسه من كلامه وأشعاره».
ويقول الأستاذ خليفة بن عربي: «من المهم أن نتحدث عن فلسفة الأستاذ مبارك الخاطر في حياته، التي رهن نفسه لتبليغها، وتتلخص فلسفة الخاطر في حياته من خلال ذلك الهمّ الذي لازمه طوال عمره، حيث كان دائمًا ما يقيس مدى اتصال أجيال هذه الأمة بأصولها، وكيف ترى هذه الأجيال الناشئة الثقافة، باعتبارها حلقة الوصل الوحيدة بين جيلين، جيل بنى المجد فأعلى ركائزه، وآخر ولد متجرعًا مرارة الهزيمة والخذلان. ويرى أن لا مفر من هذه الوهدة إلا بالتحصن بالاطلاع، وإنماء الفكر النقي بالقراءة المتأصلة، والوعي السليم بأسس العلاقة التي حملت هذه الأمة يومًا على كفها، تيهًا ودلالاً، ولعل هذا هو الفرق الجوهري بينه وبين كثير ممن زجوا بأنفسهم في مضمار التاريخ أو الأدب.
ولعل أكثر ما عرف به الخاطر اهتمامه بالتاريخ، وخاصة التاريخ الثقافي في البحرين ومنطقة الخليج، وقد كرس الجانب الأكبر من حياته الثقافية في هذا المجال، الذي طاف فيه، يروي أخبار أناس لولاه لكانوا نسيًا منسيًا في عالم الشهادة، كالأستاذ عبد الله الزائد، والشيخ العلامة قاسم بن مهزع، وابن مانع، وناصر الخيري، ومبارك الناخي وغيرهم.
ثناء المستشار عبد الله العقيل عليه:
عرفتُ الأخ الشاعر المؤرخ مبارك راشد الخاطر عن طريق الأخ عبد الرحمن الجودر وإخوانه عيسى محمد الخليفة، وقاسم يوسف الشيخ، وجلال المير، وغيرهم، حين زرت البحرين سنة 1964م، وسعدت بلقائهم، ثم تكررت اللقاءات في الكويت والسعودية والبحرين مرات ومرات، وكان آخرها سنة 2000م، حين زرت البحرين وألقيت درسًا بجمعية الإصلاح وبعض المخيمات الشبابية، وكان الأخ الخاطر من المشاركين في النقاشات والحوارات والإجابة على الأسئلة من الإخوة الشباب والحاضرين في الملتقى.
وفي زياراته السابقة للكويت، كنا نلتقي في الندوة الأسبوعية في منزلنا مساء الجمعة، وكان في ذلك الوقت مجموعة طيبة من طلاب البحرين يدرسون بجامعة الكويت كالمدني والكوهجي والمير والحسن وغيرهم من الشباب البحريني الذين يحملون همّ الإسلام، ويعملون في حقل الدعوة الإسلامية، متعاونين مع إخوانهم شباب الكويت في جمعية الإصلاح الاجتماعي، ومشاركين في الرحلات والمخيمات واللقاءات والمحاضرات، وكان هؤلاء الشباب من المتفوقين في دراستهم، والملتزمين بإسلامهم، فكان الأخ الخاطر يلقي عليهم توجيهاته ونصائحه، ويشجعهم على التميّز بالأخلاق الفاضلة، والدراسة الجادة، ليكونوا صورة مشرقة لبلدهم البحرين الذي يعلّق عليهم الآمال الكبار في رقيّه وتقدمه، كما أنهم يمثلون طلائع الخير، وكتائب الإصلاح التي تنتظرها الأمة لتقودها إلى مواطن النصر والسؤدد.
ولقد تحققت آمال الأخ مبارك الخاطر، فكان هذا الشاب وإخوانه هم عدّة البحرين ومناط آمالها، حيث أثبتوا وجودهم على الساحة الوطنية، وقاموا بدورهم البنَّاء في خدمة المجتمع، وتقديم الخير للناس في كل المجالات، في التعليم، والاقتصاد، والاجتماع، والتربية، والدعوة، والسياسة، وأصبحوا يتحركون على الساحة لعلاج المشكلات، وحلّ المعضلات والإصلاح بين الناس، وجمعهم على كلمة الحق والخير.
مبارك راشد الخاطر: شاعراً:
للشيخ مبارك الخاطر إنتاجه الشعري الوفير، فقد أصدر عدة دواوين، منها:
1-أحاديث سمك، ديوان شعر، (القاهرة، مكتبة وهبة، 1999).
2-الصك، ديوان شعر، (القاهرة، مكتبة وهبة، 2001).
3- مخطوط شعري بعنوان: «شيئًا من الإصغاء يا سادة».
وللخاطر باع طويلة في الأدب والشعر، وربما فاجأ قرّاءه لما طلع عليهم بديوان شعره الأول (أحاديث سمك) عام 1999م، وتلاه بالثاني (الصك) عام 2001م، وهو الذي ناهز الستين من عمره حينئذ، إن شعور الخاطر بالأهمية العظمى لأن يتحدث عن غيره هو الذي أخر إصداره الشعري ذاك، فجاء الشعر معلنًا عنه بعد سنين طويلة، كان لها دور بارز في تشكيل فكره الأدبي، ونحت التوجه الفكري عنده، فراح يطلعنا على قصائد كتبها منذ الخمسينيات والستينيات، وحتى أعوامه الأخيرة.
أما أغراضه الأخرى التي كان يدخل على أغلبها أيضًا عن طريق السخرية، فهي كثيرة، ولعل الهم الإسلامي ومشاركته المسلمين أحزانهم كان غرضًا جليًا عنده، ولا غرابة في ذلك، فهو الأديب المسلم الغيور على دينه، والمتعاطف مع قضايا المسلمين الكبرى، وقضية فلسطين تحتل حيزًا كبيرًا من همّه، اسمعه يخاطب الطفل الفلسطيني في قصيدته (بيان الحجر):
وقِّعْ عقود خلاص بالدماء إذا جاد الشهيد بما سما بلا حذر
وقِّعْ عقودك بالأحجار تنحتها من جانب الطور من جلموده الوعر
واقذف به فِكَرًا جاءتك ناقلة مبادئًا من خصوم الله للبشر
يلوّنون بها ثوراتكم وإذا لم يظفروا وسموها وسم محتقر
ثوراتكم صيغ عظمى يفجرها ال عنا من التيه أو من زلة الفكر
سنسترد فلسطينًا وإن رزحت ردحا من الزمن المشؤوم في عثر
فيا فلسطين هذا بعض مجدك والآتي سينقش ختم النصر في الحجر
وربما تناول الخاطر أغراضًا تبين عن عمق فكره، فكم احتلت مناوأة «الشعوبية» حيزًا في ذهنه، وكم أسرَّ لي بأسماء أناس يرى أنهم لا يزالون يحملون هذا الفكر المقيت الذي ظهر واستوى على سوقه في عصور العباسيين. ثم يدلل على تعصب أولئك من كتاباتهم أنفسهم. وقد أشار إلى ذلك ضمنًا في آخر ما رقمه من شعر، وهي قصيدة بعنوان: «ومضة» فقال مما قال:
هي البحرين لا تألو انتماء إلى صلب العروبة ذي الرواء
وكانت كالسليبة يوم أقعى بها «نصور» ساساني الرداء
وكانت فلذة من كبد صقع عروبي الوشائج والرواء
فعادت فلذة سلبت فردت إلى جسد العروبة بالولاء
فكم مما سلبنا من بقاع عروبيات.. ترفل في الشقاء
ففي الإسكندرون لنا مثال وفي الأحواز.. ذات الابتلاء
فمن لي بالشعوبيين.. إني خبرت لبوسهم.. ذا الافتراء
يوالون القويّ.. وذا نفوذ نفاقًا مستمدًا من عداء
دخائلهم تحن إلى أصول شعوبيات.. تنشر في التواء
ويقول في قصيدة ناصحاً إخوانه الذين ركبوا معه قارب الحياة:
أكتب هذا كله لأعصر تجيء بالتعاقب
لكل عصر يزرع الأجيال بالتناوب
إني أنا الآن ابتدأت أستقل قاربي
أبحر في نهر حياتي أبتدي تجاربي
أبي وأمي ضفتا النهر بكل جانبي
لم يسهما إلا قليلاً في اجتلا مواهبي
الفقر ألوى بهما في الحرب عن مطالبي
لذا طفقت بالمجاديف إلى جوانبي
أغرزها أنزعها كأنها مخالبي
محاكيًا ما يفعل الأتراب من أقاربي
وقاربي لم يتميز قط في القوارب
حيزومة كأنما يشق في الغياهب
فيجتلي من غيبها ما جد من عواقبي
ومما تجدر الإشارة إليه، أن مبارك الخاطر كان أحد مؤسسي رابطة الأدب الإسلامي العالمية، عندما دعت الهيئة التأسيسية إلى المؤتمر العام الأول للرابطة في لكنهؤ بالهند عام 1986م، كان الخاطر من أوائل الملبين لهذه الدعوة، وفي هذا الاجتماع تم وضع النظام الأساسي للرابطة، وانتخاب مجلس الأمناء وانتخاب سماحة الشيخ أبي الحسن الندوي (رحمه الله) رئيسًا للرابطة.
وفي عام 1995م، أنشأ الخاطر حلقة رابطة الأدب الإسلامي العالمية في البحرين، متبناة من قبل جميعة الإصلاح، وأصبح هو رئيسًا لها، حتى وفاته (رحمه الله)، وفي هذه الحلقة حلق بجهده وإخلاصه، وكان السبب الأول في إقامة الكثير من الفعاليات الأدبية والشعرية، لقد عمل (رحمه الله) جاهدًا في سبيل نشر الفكر الأدبي الراقي الذي يلامس المشاعر، ويحقق الرغبات الإنسانية الفاضلة النبيلة، وبالتالي فإن له مواقف مشهودة في الدفاع عن نبل مبدئه، والوقوف في وجه دعاة مسخ الأدب والتراث العربي».
وفي شعر الخاطر نزعات تأملية واستبصار لما في الحياة من معانٍ وجدانية، على نحو ما نجد في قصيدته «يكفيني يا عمر» التي يستلهم فيها المأثور الشهير «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً»، كما تأتي قصيدته «صك» صريحة في هجوها لصور العبودية، وغير ذلك. له أبيات طريفة نظمها في امرأة أرسلت له ورداً في مشفاه، تسيطر فكرة القصيدة على حركتها ولغتها فيقل فيها المعنى الشعري، وتنزع إلى التحليل والمباشرة ومراجعة الأفكار الشائعة والمغلوطة في لغة سلسة وتراكيب بسيطة.
ايحاءات من ذكرى المولد:
وهذه قصيدة نظمها الشاعر مبارك الخاطر في ذكرى المولد النبوي الشريف، وصف فيها دعوة الحق، وحث المسلمين على السير على هدى الرسول الكريم واتباع سبيله، وطلب منهم الابتعاد عن سبيل الفسق والضلال، يقول في مستهلها:
هو التنزيل بلغه لسانُ من الملكوت قدسي البيان
ألم تر وقعه في كل باغ ولا وقع المهند والسنان
وإن ظلاله ورفت وعمّت مسجسجة المناخ لكل عاني
تلوناه لحوناً دافقات بتنغيم ..كتنغيم الأغاني
وعقبنا بآهات إذا ما تلاه الشيخ لياً باللسان
وبالسبع التلاوات استمعنا بأنات ..كأنات الكمان
ولم نفقد سوى كأس وطاسٍ وتأويد الأماليد الحسان
ويشكو الشاعر من هجر المسلمين للقرآن إلا في رمضان، فإذا انقضى الشهر الكريم، وضعوا المصحف على الرفوف..
وفي رمضان نتلوه فما من سوى رمضان نعبد في الزمان
وندرسه كفن مستقل لنبرز في البديع وفي المعاني
وبعد هذا الوصف الدقيق لحال المسلمين مع القرآن، يقول الشاعر:
وأما أن نطبق فيه حكماً وتشريعاً ..فذاك من الأماني
وإن ألمعت للفوضى بفكر فإنا من مساوئه نعاني
ويشن الشاعر هجوماً كاسحاً على التغريب ودعاة الانحلال، فيقول:
أبت رجعية التغريب إلا سبيل الفسق يعصف بالكيان
نقيس نهوضنا بشيوع دعر وتسويد الدياثة والزواني
لعمرك إنه نهج غريبٌ تبذ طقوسه تشريع ماني
وتأدية الشعائر فيه سعي حثيث للتفسخ والهوانِ
ويخلص الشاعر للمديح النبوي الشريف، فيقول مناجياً رسول الإنسانية وهادي البشرية:
رسول الله ذكرك فيض نور يردد كل يوم بالأذان
فإن أداء دعوى لجند وإرشاد إلى أسمى المعاني
وأحمد خير من أرسى نظاماً تدين به الحياة مدى الزمان
في ذكرى شهيد القرآن:
وكتب الشاعر مبارك الخاطر قصيدة في ذكرى استشهاد سيد قطب رحمه الله في شهر آب من كل عام، يقول فيها:
حاكموا ثم اسجنوا ثم اعدموا أيها الباغون جوروا واظلموا
لن تبيدوا مؤمناً إلا غدا في ذرى القدوس روح ينعم
إنما الأحرار من بين الورى آية الحق..فلن يستسلموا
في سبيل الله والإسلام قد طلقوا الدنيا وللأخرى سموا
فهو يخاطب الطغاة في مصر، ويقول لهم: حاكموا وأعدموا من تحبون، فإنكم سوف تصنعون من كل شهيد منارة للحق، وحادياً للركب.
جبهوا الطغيان بالإيمان كم وحّد الإيمان قوماً قسموا
فهمُ إذ هزموا الطاغوت لم يغرهم أن يأثموا أو ينقموا
منهمُ عودة والقطب ومن قبلهم جاهد بناؤهمو
وفرغلي الذي راياته هابها المستعمر المتهمُ
ويصل الشاعر إلى غرضه، فيعدد صفات الشهيد سيد قطب وسجاياه الحميدة، فيقول:
أيها القطب الذي شدت به دعوة ..للمجد فيها علمُ
كم تفيأنا ظلالاً نسجت وشيها يمناك كيفما ننعمُ
وملكنا الدرب مجلو الضيا فتهاوت في سناه الظلم
أيها المزجي بياناً نيراً يا يراعاً ثقفته الحكم
أنت في الدعوة قطب راسخ وبك الأقطاب دوماً تختم
سنغذّ السير يحدونا الهدى ساطعاً نمضي به لا نسأم
فهو يقول: إن الشهيد بنى صروح المجد، وتفيأ في ظلال القرآن وكتب تفسيراً قيماً تتداوله الأجيال، وكان صاحب بيان مشرق ساحر، ويعاهد الشهيد بالسير على دربه، فهو الإمام القدوة، رحم الله الشهيد سيد قطب، ورحم الله من رثاه شاعرنا الحبيب مبارك راشد الخاطر.
الجوائز التي حصل عليها:
وقد حصل الأستاذ مبارك راشد الخاطر على العديد من الجوائز والأوسمة التالية:
- جائزة الدولة التقديرية للعمل الوطني.
- جائزة الدولة التقديرية في الأدب والإنتاج الفكري.
- وجائزة الدولة للعمل الوطني (1992).
- وسام المؤرخ العربي من اتحاد المؤرخين العرب، (1987).
أخلاقه، وصفاته:
كان الخاطر يشكّل بحق ظاهرةً متفردةً، بدءًا من ستينات القرن الماضي، حيث كان له دورا بارزا في إثراء الحياة الأدبية والفكرية ليس في البحرين فحسب، وإنما على مستوى الخليج العربي بأكمله، وذلك من خلال مساهماته التي فتحت آفاقاً جديدة للباحثين والدارسين لتاريخ وحضارات المنطقة. لقد كان بحق أحد أبرز جيل المؤرخين والأدباء المبدعين والأمناء، حيث شكّلت مؤلفاته ومشاركاته جسرا وحلقة وصل، حملت على عاتقها مسئولية التعريف بعطاءات جيل الرواد المؤسسين في الأدب والثقافة البحرينية الحديثة المعاصرة، وتوثيق المراحل المبكرة للمجتمع البحريني في قطاعاته وميادينه المختلفة، إضافة إلى رصد الملامح التاريخية لنشأة الظواهر والشخصيات والمؤسسات الثقافية والأدبية.
وقد كان الخاطر مثقّفاً عصامياً، حمل القلم ولم يتركه إلا في العام الذي ودّع فيه الحياة، تاركاً نتاجاً متفرداً من حيث الاهتمامات وأصالة المواضيع وعمق الطرح وحلاوة البيان، مجتهدا في سبر أغوار الظواهر الثقافية والاجتماعية بالقدر الذي تسمح به مصادر تلك الفترة. وعلى رغم أهمية ومكانة هذه القامة البحرينية الشامخة، إلاّ أنه لم ينل التكريم اللائق لا في حياته ولا بعد مماته.
للمؤرّخ الخاطر مؤلفات ودواوين أثرت المكتبة العربية والخليجية والبحرينية، بنتاج فكري لقامة رفيعة رسمت لنفسها مدرسة حقيقية في العطاء بلا ثمن.
لقاءات وحوارات:
التقت القبس، في عددها الصادر في 25 مايو 1981، مع الأديب البحريني مبارك راشد الخاطر، تحدّث عن واقع الحركة الأدبية والثقافية في البحرين، ومواكبتها للنهضة في الوطن العربي، علّل مبارك الخاطر ميله إلى الأدب بأن أساتذته في أواخر الأربعينيات كانوا يهتمون بآداب اللغة العربية ومجال الشعر بخاصة والثقافة العامة، وقال في مؤلفاتي أحاول رصد المعالم الثقافية والفكرية في البحرين والخليج العربي، بشكل يستفيد منه دارسو تراث البحرين والخليج، وفي هذا المجال، أصدرت حتى الآن أربعة كتب، كما أخرجت كمسلسل إذاعي بعنوان «رجل من أرض الحياة»، وأضاف أرجو أن يكون هناك تواصل بين فكر المثقفين الأوائل في النهضة الحديثة بالبحرين والخليج وبين الأجيال المقبلة، فلدينا نقص كبير في مثل هذه الدراسات لعدم توافر المصادر والمراجع.
وفيما يلي نص المقال:
الأديب البحريني مبارك راشد الخاطر زار العراق أخيراً، حيث حضر ندوة مركز دراسات الخليج العربي بجامعة البصرة، والخاطر درس التجارة، لكنه انصرف إلى ممارسة الأدب، وخلال لقائي معه تحدّث عن واقع الحركة الأدبية والثقافية في البحرين، ومواكبتها للنهضة في الوطن العربي.
في بداية اللقاء، علّل مبارك الخاطر ميله إلى الأدب بأن أساتذته في أواخر الأربعينيات كانوا يهتمون بآداب اللغة العربية ومجال الشعر بخاصة والثقافة العامة. كما أن الجو الثقافي الذي تعيشه البحرين منذ تلك الفترة كان مهيمناً من دون الاهتمامات الأخرى، وكذلك لصلة أهل البحرين بالمفكرين في بغداد والبصرة والشام ومصر.
ويواصل الخاطر حديثه قائلاً: وعلى هذا الأساس، استفدنا كثيراً من الجو الثقافي السائد، والأندية والمؤسسات التي نشأت منذ عام 1913، ومنها «نادي إقبال الأول» و«النادي الأدبي بالمحرة» العاصمة السابقة للدولة، حيث أسهم هذان الناديان في نشر الثقافة وتشجيع النشر.. وقد اشترك النادي الأدبي في تكريم المرحوم أحمد شوقي لمناسبة مبايعته أميراً للشعراء، وقدّم له هدية هي عبارة عن «نخلة من الذهب ثمرها من اللؤلؤ».. وقد أشاد شوقي بذلك التكريم في أبيات معروفة.
- وأسأل الأديب مبارك الخاطر عن مؤلفاته والأطر التي تدور فيها.
فيجيب:
- في مؤلفاتي أحاول رصد المعالم الثقافية والفكرية في البحرين والخليج العربي، وأبرزها بشكل يستفيد منه دارسو تراث البحرين والخليج، وفي هذا المجال، أصدرت حتى الآن أربعة كتب هي: «نابغ البحرين عبدالله الزائد» و«القاضي الرئيس قاسم بن مهزاع - قاضي قضاة البحرين من 1875 - 1927»، وهي دراسة مستفيضة طبعتها وزارة الإعلام في الكويت سنة 1975، كما أخرجت كمسلسل إذاعي بعنوان «رجل من أرض الحياة».
والكتابان الآخران هما «الكتابات الأولى الحديثة لمثقفي البحرين» طبع سنة 1978 في مصر، و«المنتدى الإسلامي».
وهناك دراسات أخرى حول هذه المعالم الأدبية والثقافية، أعدها للنشر، وكذلك لي ديوان شعر في الطريق إلى الطبع عنوانه «شيء من الإصغاء يا سادة».
- ماذا تتمنى للحركة الثقافية في البحرين والخليج بعامة؟
- أرجو أن يكون هناك تواصل بين فكر المثقفين الأوائل في النهضة الحديثة بالبحرين والخليج وبين الأجيال المقبلة.
فلدينا نقص كبير في مثل هذه الدراسات لعدم توافر المصادر والمراجع، لأنها نادرة وقليلة، وتوفيرها يهيئ ما يحتاجه دارس تراثنا في المستقبل.
والأديب الخاطر لديه دعوة لحضور المؤتمر الإسلامي في الهند، وكذلك دعوة من وزارة الإعلام الكويتية، وأخرى من رابطة الأدباء في الكويت لإحياء أمسية شعرية خاصة.
وفاته:
توفي الشاعر الداعية مبارك راشد الخاطر في يوم 29/3/2001م، فبكاه الجميع، وحزن أهل البحرين لفقده، فقد كان دعامة من دعاماته، ومعلمًا بارزًا من معالمه.. رحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته مع النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.
مراجع:
1-"معجم البابطين لشعراء العربية في القرنين التاسع عشر و العشرين".
2-مبارك الخاطر في «الجزيرة الثقافي»".
3-محمد، الجفير-سعيد. "بن عربي يستعرض جوانب من حياة مبارك الخاطر من خلال مؤلفاته". صحيفة الوسط البحرينية.
4- رابطة أدباء الشام: وسوم: العدد 894 .
5-شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث: 3/ ص 106، 112.
6- مواقع الكترونية أخرى.
وسوم: العدد 1049