شخصية الشهيد المجاهد عبد القادر الحسيني في الشعر الإسلامي المعاصر
كيف نعى الفلسطينيون والعرب عبد القادر الحسيني؟
كلمات الرثاء والتعازي في الحسيني عبرت عن الحزن والفقدان لخسارته والتأكيد على المضي في دربه.
خلّف فقدان الشهيد عبد القادر موسى كاظم الحسيني قائد جيش الجهاد المقدس حزنا مفجعا في قلوب الناس.
وكان الحسيني القائد الوطني الأكثر شعبية في ذلك الوقت، لم تمنعه امتيازاته الثقافية ولا ولادته الاجتماعية لعائلة من الطبقات العليا أن يلبس لباس العسكر، ويعيش بين الناس واحدا منهم معبرا عن همومهم، بعيدا عن المكاتب والمناصب وغرف القيادة، وقريبا من ساحات النضال والتضحية، بل متقدما فيها.
وبهذا كان فقدانه في معركة القسطل شهيدا خسارة كبيرة للشعب الفلسطيني في أوج حاجته إلى قيادة وطنية صادقة، مترفعة عن المناصب والاستنفاع منها، وذات كفاءة عسكرية تناسب تحديات ذلك الزمن.
ووقوفا على مظاهر هذا الفقدان العظيم، نرصد هنا نعي المجتمع الفلسطيني ومناضليه للشهيد عبد القادر، وذلك من خلال استقراء أرشيفات الصحف الفلسطينية، وصفحات الكتب التي وثقت لمعارك النكبة.
نطالع في أعداد صحيفة "فلسطين" بعد يوم 8 أبريل/نيسان 1948 رسائل عدة من كل حدب وصوب للتعزية في الشهيد الفقيد، بعيدا عن تعازي أصحاب المناصب الذين خذلوا الحسيني في إمداده بالسلاح.
فقدان الحسيني في معركة القسطل شكل خسارة كبيرة للشعب الفلسطيني في أوج حاجته للقيادة (الصحافة الإسرائيلية)
فقدان الحسيني في معركة القسطل شكل خسارة كبيرة للشعب الفلسطيني في أوج حاجته للقيادة (الصحافة الإسرائيلية)
ذمة الخلود:
نجد التعازي من المنظمات الشبابية والنسائية والمناضلين في مختلف أنحاء فلسطين، ومنها التعزية من الهيئة العربية العليا، وحامية مدينة يافا، واللجنة القومية في يافا، واللجنة القومية في الرملة، وجماعة الإخوان المسلمين في يافا، ومنظمة الشباب العربي في فلسطين، ومن مدارس ومجالس محلية في قرى ومدن متفرقة.
من تلك التعازي ما ورد تحت عنوان "في ذمة الخلود"، ممهورة بتوقيع "أبو ماضي قائد منطقة غزة" يقول فيها "بقلب حزين تلقيت خبر استشهادك، وأنا فخور ببطولتك النادرة..
لقد كنت حرا من أفذاذ أحرارنا فخسرناك، لكن قصة استشهادك ستحيي في النفوس أسمى آيات التضحية في سبيل المثل الأعلى، ففي سبيل الله والوطن وفي ذمة الخلود روحك الطاهرة".
ووصفت منظمة الشباب العرب في رام الله الحسيني بأنه زيّن جبين القضية الفلسطينية بإكليل من الغار. وفي رسالة تعزية ثالثة باسم إبراهيم جاد الله، وصف الشهيد بأنه "سيد المجاهدين… مثله كمثل جعفر الطيار".
ومنها كلمات كتبها عبد الرحمن أبو درة، بدأها ببيت شعر للشاعر العباسي أبي تمام
"وما مات حتى مات مضرب سيفه *** من الضرب واعتلتْ عليه القنا السمر"
قال فيها:
"فاشهدي يا قسطل، واشهد يا تاريخ أننا لم نبخل ولم نتأخر عن كل ما تطلبه الحرية، فمع السلامة يا أبا موسى، وارتع بين حدائق الخلود، بعد أن أديت رسالتك سطرا سطرا، وسيظل هذا المثل الأكبر الذي قدمته عن البسالة العربية فخر الأجيال القادمة".
صحيفة "فلسطين" يوم 9 أبريل/نيسان 1948.. الخبر الأول عن استشهاد الحسيني (الصحافة الفلسطينية)
بطل صنديد:
كما رثاه زميله في الجامعة الأميركية في القاهرة أكرم الخالدي مخاطبا القدس والقسطل "اذكري فتاك الشهيد، وبطلك الصنديد العنيد عبد القادر الحسيني، ثم اسكبي دمعة لتقومي من بعد إلى الميدان مشرقة باسمة، فشهيدك لا يحب الدموع، وهو يكره القعود والخنوع".
وفي صحيفة "لواء الاستقلال" العراقية، كتب أحد من عاصر الشهيد في العراق ينعاه ويرثيه واصفا إياه بأنه "لم يعرف الجزع في حياته"، و"لم يتطرق إلى قلبه الرعب، ولم تعرف نفسه الاستخذاء، فكان في طليعة المقاتلين يحمل سلاحه كغيره من الجنود العرب وهو قائدهم".
وقد وصلت أصداء التعازي إلى أميركا، حيث تلقى أحد أقاربه وممثل الهيئة العربية العليا جمال الحسيني التعازي فيه هناك. وأوردت صحيفة "فلسطين" عن جمال قوله "إن التاريخ سيسجل اسمه بين أمجاد أبطاله، وإذا كانت خسارتنا بفقده عظيمة فقد ضرب من نفسه مثلا عاليا سيحتذيه الكثيرون".
رثاء الشعراء له:
في صحيفة "فلسطين" بتاريخ 13 أبريل/نيسان 1948، وفي صفحتها الثالثة، نشر الشاعر صالح الريماوي نصا قصيرا بعنوان "حزنت بعده البنادق"، أسف فيه لعدم مشاركته في جنازة الشهيد لكونه جريحا من إحدى المعارك، ومقيما في المستشفى الفرنسي بالقدس، ومن ثم أتبع ذلك بأبيات من الشعر يقول في بعضها:
بطل خرّ في الجهاد شهيدا** فالربى أوشكت لذا أن تميدا
قد هوى النسر وهو في ذروة المجد** وقد جاوز السماء صعودا
لاتلوموا حزنا عميقا ودمعا** وفؤادا ممزقا مكمودا
فمصاب البلاد فيه شديد** ومصابي قد كان فيه شديدا
وفي نص شعري آخر نشرته الصحيفة ذاتها، يقول عبد القادر يوسف من طولكرم:
مصاب ليس يعدله مصاب** ورزء جل طاش له الصواب
أحقا قد قضى البطل المفدى ** أحقا قد خبا ذاك الشهاب
أحقا -إيه يا دنيا- توارى** أبو موسى وغيّبه التراب
ورثى الفن الشعبي الفلسطيني فقيد فلسطين عبد القادر الحسيني بالأبيات التالية:
"فلسطين سعدك أفلْ، يومْ أبو موسى انْقتل
لكنهْ قرْب الأجلْ، حكم رب العالمين
رحمهْ من الله عليكْ، يا عبد القادر موسى بيكْ
نادى للوطنْ لبيك، نحميك من الغدارينْ".
ونرى من ذلك الرصد السريع أن كلمات الرثاء والتعازي ركزت على أمرين، التعبير عن مدى الحزن والفقدان لخسارة الشهيد الحسيني، ومن ثم نبهت إلى ضرورة الاستمرار في نهجه وطريقه.
المصدر : الجزيرة
عبد القادر الحسيني في حرب عام 1948م:
في حرب عام 1948، ورغم الفارق بميزان القوة العسكرية لصالح العصابات الصهيونية المسلحة في نواحي التدريب والتسليح، فإن قوات الجهاد المقدس بقيادة عبد القادر الحسيني، تمكنت من إحراز انتصارات مهمة.
عبد القادر الحسيني قائد ثورة 1936م:
في السابع من مايو/أيار 1936، انطلقت الثورة الفلسطينية المسلحة ضد الانتداب البريطاني.
وقد قاد المجاهد عبد القادر الحسيني بنفسه أول هجوم على قرية بيت سوريك إيذانا ببدء الثورة.
هكذا تأسس جيش الجهاد المقدس بالقدس:
مع تزايد التمدد اليهودي في القدس أواخر أربعينيات القرن الماضي أعلنت الهيئة العربية العليا، التي كان يرأسها مفتي القدس الحاج أمين الحسيني، تشكيل جيش الجهاد المقدس للدفاع عن القدس.
الفزيع.. نجدة الثوار لفك حصار الحسيني بالقسطل
بعد سقوط قرية القسطل بأيدي العصابات اليهودية في مارس/آذار 1948، قرر القائد الفلسطيني عبد القادر الحسيني الذهاب إلى سوريا لمقابلة اللجنة العسكرية لفلسطين المنبثقة عن جامعة الدول العربية لطلب السلاح.
بقلم أوس داوود يعقوب
قصائد في رثاء شهيد معركة القسطل:
عشية ضياع فلسطين في العام 1948م، بأيام معدودة خاض القائد الفلسطيني البطل عبد القادر الحسيني معركة القسطل الشهيرة#، التي تعد من أبرز وأهم محطات النضال الوطني الفلسطيني في تاريخ فلسطين الحديث.
وقد كُتبَّ الكثير عن حياة الحسيني ودوره الوطني وبطولاته في التصدي للمشروع الصهيوني والعصابات الإرهابية اليهودية، وحروبها المعلنة ضد شعبنا العربي الفلسطيني منذ ثلاثينات القرن الماضي.
وبمناسبة مرور الذكرى الثالثة والستين لاستشهاد القائد الحسيني، وسقوط قرية القسطل يوم الثامن من نيسان (أبريل) 1948م، وبعيداً عن الكتابات التاريخية والسياسية، نرصد في مقالنا هذا ما جادت به قريحة شعراءنا الفلسطينيين والعرب، من أبيات وقصائد خلدت صفحة مشرقة من تاريخ صراعنا الطويل والمرير مع الحركة الصهيونية وعصاباتها الإرهابية التي سلبت الأرض وشردت الشعب.
الحسيني ومعركة القسطل في سطور..
يعد الشهيد عبد القادر الحسيني أحد القادة العسكريين والوطنيين الفلسطينيين، والده الزعيم الوطني موسى كاظم الحسيني. ولد عبد القادر عام 1908م في مدينة استانبول، في تركيا. وتلقى علومه الأولى في مدينة القدس. وفي سنة 1927م التحق بكلية العلوم في الجامعة الأمريكية في القاهرة، وهناك عايش الحركة الوطنية المصرية في نهوضها، وطرد من مصر نهاية سنة 1932م، نتيجة لنشاطه الوطني.
عاد عبد القادر إلى فلسطين ليعمل محرراً في صحيفة « الجامعة الإسلامية »، التي كان يترأس تحريرها الشيخ سليمان التاجي الفاروقي. ثم انضم إلى الحزب العربي الفلسطيني، الذي ترأسه المرحوم جمال الحسيني. ثم عمل مأموراً في دائرة تسوية الأراضي في فلسطين. وفي هذه الدائرة تمكن عبد القادر من إحباط أكثر من محاولة استيلاء على أراضي عربية. على أنه بعد اقل من سنتين استقال من عمله في تسوية الأراضي، حتى يحضر للثورة على الاحتلال البريطاني والحركة الصهيونية.
ومع اشتعال ثورة (1936م - 1939م) لجأ عبد القادر إلى الجبال وخاض عدة معارك مع الجنود البريطانيين، أهمها معركة الخضر في 4/10/ 1936م، التي سقط فيها القائد السوري سعيد العاص شهيداً، كما أصيب عبد القادر الحسيني إصابة بالغة، وتمكنت القوات البريطانية من أسره، لكنه نجح في الفرار من المستشفى العسكري في القدس وتوجه إلى دمشق حيث استكمل علاجه.
مع بداية سنة 1938م عاد عبد القادر إلى فلسطين، وتولى قيادة الثوار في منطقة القدس. وفي أوائل شهر أيار (مايو) من تلك السنة قاد هجوماً كبَّد القوات البريطانية في القدس وبيت لحم والخليل وأريحا ورام الله وبير السبع خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات. ونجح في القضاء على فتنة دينية كان الاحتلال البريطاني يسعى إلى تحقيقها ليوقع بين مسلمي فلسطين ومسيحييها.
وفي خريف سنة 1938م أصيب عبد القادر بجراحٍ بالغةٍ، في معركة غبر متكافئة مع الجنود الإنجليزي، نقل إثرها إلى المستشفى البريطاني في الخليل، حيث قدموا الإسعافات الأولية له ثم نقلوه خفية إلى سورية، فلبنان ومن هنا نجح في الوصول إلى العراق بجواز سفر عراقي، يحمل اسم محمد عبد اللطيف.
في بغداد عمل عبد القادر مدرساً للرياضيات في المدرسة العسكرية في معسكر الرشيد وفي إحدى المدارس المتوسطة، ثم التحق في أول نيسان (أبريل) سنة 1940م، بدورة لضباط الإحتياط في الكلية العسكرية مدتها ستة أشهر.
وما بين عامي (1941م و1947م) عاش عبد القادر الحسيني في العراق والسعودية ومصر، ثائراً مقاتلاً المحتل البريطاني ومدافعاً عن الحق العربي.
وما أن صدر القرار الأممي القاضي بتقسيم فلسطين في 29/11/1947م قررت الهيئة العربية العليا تشكيل « منظمة الجهاد المقدس المسلحة»، وعين الحاج محمد أمين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا قائداً على الجهاد المقدس. في حين احتل عبد القادر الحسيني موقع القائد العام لهذه المنظمة. وانتقل إلى فلسطين في 22/12/1947م وألف « مجلس قيادة الثورة» و «لجنة التموين وحشد النجدات».
وبالرغم من ميل ميزان القوى العسكري إلى صالح العصابات الصهيونية المسلحة من نواحي التدريب والتسليح والحجم، فإن قوات الجهاد المقدس، بقيادة عبد القادر الحسيني تمكنت من إحراز انتصارات هامة.
وفي أواخر شهر آذار (مارس) سنة 1948م توجه عبد القادر الحسيني إلى دمشق طلباً للسلاح من جامعة الدول العربي لكن رجاؤه خاب وأثناء غيابه عن القدس سقطت قرية القسطل في أيدي العصابات الصهيونية المسلحة فعاد ومعه ستون بندقية انكليزية قديمة وعشرة مدافع رشاشة وبضع قنابل هي كل ما استطاع انتزاعه من الجامعة العربية ولجنتها العسكرية فضلاً عن ثمانمائة جنيه فلسطيني أعطاه إياها الحاج أمين الحسيني. ووصل عبد القادر إلى القدس صباح 7/4/1948م فنظم هجوما مسلحاً على القسطل استطاعت قواته خلاله أن تسترد الموقع في اليوم التالي، وتشاء الأقدار أن يختم هذا القائد المغوار مسيرة حياته النضالية شهيداً، أثناء القتال تاركاً وراءه زوجة وثلاثة أبناء وابنة وقد دفن عبد القادر الحسيني في القدس إلى جانب والده.
في رثاء القائد الشهيد:
في كتابه القيم « الأدب العربي المعاصر في فلسطين»، يورد البحاثة الأكاديمي الدكتور كامل السوافيري قصيدة في رثاء القائد الشهيد عبد القادر الحسيني، للشاعر الكبير الشهيد كمال ناصر (1924م – 1973م)#، بعنوان «مصرع البطل القائد الشهيد»، كان ناصر قد ألقاها في الحفلة التأبينية التي أقامتها كلية «بير زيت » للبطل الفقيد، يقول ناصر في قصيدته:
أيُّها الموت تهْ علينا وفاخر لَمْ يطشْ سهَمْك اللّئَيم الغادِر
أنْت لَمْ تَطْوهِ صغيراً ولكنْ. قد تداعتْ في مقلَتَيه الكَبائِر
أنْت لَمْ تَطوهِ جباناً ولكِن. قد تهَادَى إليْك نشوان ظافِر
كمْ تحاشَيْت أن تراهُ فأِلْوى. يتحدّاك رابط الجأْشِ ثائِر
كمْ سعى في مَجالك الخصْب حتّى بتّ تلْقاه خاشِع الطَّرف خاسِر
******
أيُّها المَوْت لا تَسلْ أنْت أدْرَى كَيْف يردى إلى حِماك المغامِر
دُونكَ النَّعش هلْ تَرى مَن عَلْيه تَلك أُنشُودة الْجِهاد الطَّاهر
رددى صَوتَها الشجى وضجّى يا لَيالي، وزغردِى يا مَقابر
زّارك اليَوْم فارس عربيّ. عانِقِيه فذاك عبد القادر
*** ***
ومَشى القائِدُ الكبيرُ إليْه. ملعباً بالشّباب والشّيب زاخر
ورمى جَبْهة الصَّعاليك بالنَّار. وللصَّعاليك منّا الخناجر
هِيه يا موت أيْن أَنْت فلبت عُصْبة الموت من وراء المحاجرِ
فإذا الأرْض شُعلة ألْهبتها. هَمَسات الجهاد عَبْر الحَناجر
فجثا الحصن في يَديْه ولاحَت راية المجْد بهجة للنَّواظر
ورَنا صامِتاً وفي مقْلَتيْه ومضة النّصر في صُدور البَواتر
فإذا قبضة الرَّدى تدّعيه. لا انتقاماً وإنّما للمفاخر
وإذا الفارسُ الأبي طريحاً. فوق أرْض ندية بالمآثر
لَم يرعْهُ الرَّدى ولكنْ عرتْهُ. مثْلَما يعْترى الغريب المُهاجر
لاحَت الدَّار دارهُ ثمَّ أغفَت مقلتاه عَلى الطُّيوف السَّواحر
*** ***
يا فِلسطين لا تُبالي فإنَّا قد روينا والخصم ظَمْآن صاغِر
مااغْتَصْبنا المجدَ الأثيل ولكن قَدْ ورثْناهُ كابراً عَنْ كابِر
يافِلَسْطين لا تُراعي فَفينا. همَّة تصْفَع الزَّمان القاهِرِ
كلُّ شبْرٍ عَلَى أديمك. سوْفَ يُفْديه شَعْبك المتَضافر
كلّ فردِ معذَّبِ بأمانيه. علَى أمانيك يقظان ساهِر
مزٍّقي حالِك الظَّلامِ وسيري بالْميامِين عبر هذي المجازر
فحرامٌ عليْك أنْ يطلعُ الفَجْر وفي رُبوعك الخضُرْ كافر
*** ***
يا فقيد الشَّباب حسْب المنَايا لَوعة أن تَقُول ماتَ القادرُ
شَمتت زُمرة العِدا واستطارت لحمِاها تزُفّ فيك البَشائِر
هذه دمْعتي تثُور بجفني ثمَّ تَهْوى خضيبة في الخَواطِر
نمْ عَلَى سِدرة الخُلود فهذا خالِد قد أعد فيها الشعائر
لَك ذِكر كالدّهر يَبْقى جنيا في جَبين الخُلود ريَّان عاطِر
ونقرأ قصيدة للشاعر الراحل منيف الحسيني (1899م – 1989م)#، بعنوان « في ذكرى الشهيد عبد القادر الحسيني »، أوردها الأديب الأردني الراحل يعقوب العودات (البدوي الملثم)، في كتابه الرائد « أعلام الفكر والأدب في فلسطين»، كان قد ألقاها في حفلة أقيمت في « جمعية الشبان المسلمين » بالقاهرة إحياءً لذكرى الشهيد الحسيني، وقد صورّ فيها مأساة فلسطين، وما انتابها من عوادي الأيام وصروف الليالي، نقتطف منها هذه الأبيات:
يا فلسطين قد رَمَتْكِ الليالي. بسهامٍ من الرزايا قَواصمْ
فاسأل القَسْطَل الذي ضرسَتْهُ بضعةٌ من نيوبِ تلك الضَراغِمْ
و«الحسينيُّ» مقبلٌ وقد بَسط الموتُ جناحيه والخطْبُ داهِمْ
يا أبا فيصلٍ" وموسى وغازي# وسليلَ الكُماةِ من فَرع هاشِمْ
قد لقيتَ الرّدى ببأسٍ شديدٍ. وبثغرٍ يوم الكريهةِ باسمْ
ومشتْ حولك الميامينُ تتْرى في حنينٍ إلى الشهادةِ دائم
وبريقُ الحديد يلمع حيناً. ثم يَخفى في عِثْيَرٍ مُتراكم
نَعمتْ عينُ من رأى الأروعَ القسّــامّ فخرَ بيضِ العمائم
حنينٍ إلى الشهادةِ ..
كما أورد الدكتور راضي صدوق في مؤلفه « شعراء فلسطين في القرن العشرين ـ توثيق أنطولوجي»، قصيدة ثانية في رثاء شهيد معركة القسطل، للشاعر الراحل فتح الله السلوادي#، عنوانها: « ذكرى استشهاد عبد القادر الحسيني» جاء فيها:
عَلَم الجهادِ الحرِّ عبد القادر ذكراك بالإكبار تملأ خاطري
القَسْطَلُ الحمراء تذكُرُ هِمَّةَّ شَّقَّتْ ِلنَيْلِ المجدِ حُجْبَ مخاطرِ
وحديثُ بأْسِكَ عِزَّةٌ وكرامةُ رَفْعت لدى التِّذكارِ هامةً فاخرِ
آثَرْتَ موتَ الأكرمين فلم تمتْ أنت المُخَلَّد، أنت صَرْحُ مآثرِ
ما مَاتَ مَن دَفَعَ الهَوانَ بروحهِ ومضَى بعزَّةِ أرْيَحيٍّ طاهرِ
لكنَّ من يَرْضي الحياةَ ذليلةً مَيْتٌ وإنْ لم يَثْوَ بين مقابرِ
****
يابْنَ البُطولةِ نم قريرَ العينِ في خُضْر الجِنان على النَّعيم الوافرِ
بين الدِّيار شبيبةٌ جّبَّارةٌ. ستَعودُ للأوطان صَوْلة قاهرِ
ذِكْراكَ لا تَفنى فكلُّ فتى بنا. يَلْقى به الأعداءُ عبدَ القادرِ
هي غَيْمَةٌ رَبْداء حَلَّ قَتامُها. بِخَديعةٍ تمَّتْ بأَمس الدابرِ
سَتِزيلُها ريحُ البُطولةِ في غدٍ. ويَعُودُ للفرْدَوْسِ كلُّ مُغَادرِ
ونقرأ قصيدة ثالثة في كتاب صدوق آنف الذكر، للشاعر المتميز غسان زقطان# عنوانها: « عبد القادر الحسيني »، يقول فيها:
كما أنت...
لم تطرق الأربعين
ولم تفتح الباب كي يدخل العمر
لا شيْب في الشعر
غبارٌ على زيك العسكريّ الأخير
دخانٌ على الجرح
شمس مبلّلة فوق كمّك
والوقت عصر.
كما أنت
نادى عليك الشباب
ولم تسترحْ بعد ..،
نفس الثياب
ونفس الدماء على فضّة الأرض
تسند قلبك للباب .. كيما نمر
وتقطف من حزنه زهرنا.
.. تبلّلنا الشمس في طرف كمّك
خمسين عام
نخّبئ جرحك في كل قلبٍ ودارٍ وجرح
ننقّل صوتك بين البيوت وتحت السنابل
ترسمه في الأماسي النساء لأولادهنّ
ونخفي جوادك عن كل عين
ونسرجه كل صبح.
كما أنت..
أجملنا يا أخانا الكبير
نسير إليك
وتأتي لنا
لخمسين عام # ونحن هناك
وأنهت هنا ...
.....
ليكن ترابك، مثل قلبك، صافياً
ومباركاً وطريّ ...
لم تهدأ الدنيا
كأنك لم تزلْ فيها
تهز على تلال القدس جيشك كاملاً
ملكاً... تتوّجه خواتم شعره العربيّ.
قصيدة رثاء من العربية السعودية..
في ديوان «الصدى الضائع » للشاعر السعودي الراحل أحمد بن راشد آل الشيخ مبارك#. نطالع قصيدة «في رثاء الشهيد عبد القادر الحسيني»، ويقال أن هذه الأبيات عُلِّقت على أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك، وجاء فيها:
فِدىً لك قومٌ دون سعيِك سَعْـيُهم
وإن مَلَأ الدُّنيا بِمَسعاهُمُ الزّمرُ
فَعَلَتَ وقالوا وانتضيتَ وأحجموا
فليتهُمُ الثاوي وأنت لنا الذُّخرُ
لَقِيتَ الرَّدى مثل الرَّدى في مَضائه
إلى أن قضى أو كادَ يَقتُلُهُ الذُّعرُ
فآبَ وفي كَفَّيْهِ أنفَس مُهجةٍ
ورُحْتَ وبُرْدَاك الشهادة والفخرُ
فإن أصبَحَتْ ذي الأرضُ بعدَك مأْتماً
فقد زَهَتِ الفِردوس حين الْتَقَى السَّفْرُ
تلقَّتْكَ بالبُشرى هناك ملائكٌ
وحفَّ بك الفاروق والنَّفَر الغُرُّ
وتاهَ صلاحُ الدين عُجْباً وقدْ رأى
غِراساً لها أخلاقُـهُ الماءُ والبذرُ
وتاهَ أبوتـمام يـرنوا بمقـلةٍ
عن الـملأ الأعلى إليك وتـفـتَرُّ
فتىً مات بين السيف والضرب مِيتةً
تقومُ مقامَ النصرِ إن فاته النصرُ ‘‘
وأثبت في مستنقع الموت رجله
وقال لها مِن دون أخمصُكِ الحشرُ
رضِيتَ الرَّدى دون الأَسار دريئةً
ولَمَّا تقُلْْ أمران أحلاهما مرُّ
ومن طلب النصر المُبين بسيفه
فليس له إلا المَمَاتُ أو النصرُ
بني السِّبط لن تذهبْ دِماؤكُمُ سُدىً
ففي كُلِّ جَنْبٍ مِن خوافِقِنا ثأرُ
حرامٌ على غير السيوف دِماؤكُمْ
أكـان لها في هام بيتِكُمُ وِتْـرُ
ألستُمْ بني القوم الذين توارثَتْ
دِمَاهُمْ على الجُـلَّى المُثَـقَّفَةُ السُّمْرُ
وإمَّا رَنَتْ للمجد منكم عظيمةٌ
يُدكُّ فضاء الله أو يُدرَكُ الأمرُ
يَطيبُ غُبَارُ النَّقْعِ في لَهَوَاتِِكُمْ
إذا طاب في أفـواهِ غيرِكُمُ الخمرُ
سَيَعلَمُ قومٌ ضاعَ ثأرُك بينَهُمْ
بِأنَّ لهم يوماً وإن سَوَّف الدَّهرُ
-
أهم المصادر والمراجع:
١_راضي صدوق، شعراء فلسطين في القرن العشرين ـ «توثيق أنطولوجي»، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2000م.
٢_د. كامل السوافيري، الأدب العربي المعاصر في فلسطين، (1860-1960 م)، دار المعارف، القاهرة، 1975م.
٣_ يعقوب العودات (البدوي الملثم)، أعلام الفكر والأدب في فلسطين، الطبعة الثانية، وكالة التوزيع الأردنية، عمان، 1987م.
٤_ موقع الجزيرة.
٥_ مواقع إلكترونية أخرى.
وسوم: العدد 1054