الشيخ محمد الغزالي في ذكراه
عاش ثائرا ومات واقفا
ودفن بين أهل الفقه وأهل الحديث
جمال زواري أحمد ـ الجزائر
مرّت أمس الذكرى التاسعة عشر لرحيل الشيخ محمد الغزالي رحمه الله يوم 9 مارس 1996، والذي جمع في حياته ما تفرق في غيره، فتجد فيه أصالة العالم ووعي المفكر وهمة المصلح وهم الداعية وإشراقة الأديب وروحانية الصوفي وهيبة المربي.
عاش حياته العلمية والفكرية والدعوية ثائرا بحق ضد كل أنواع الجحود والجمود التي أصابت واقع الأمة ونخبها المختلفة من ناحية، والفكر الإسلامي وميدانه من ناحية أخرى، فناضل بشراسة وكتب ضد الاستبداد وكوارثه فكان كتابه((الإسلام والاستبداد السياسي))، والاستعمار ومخططاته فكان كتابه((الاستعمار أحقاد وأطماع))، ووقف في وجه كل الأفكار الدخيلة من شيوعية ورأسمالية وعلمانية واستشراق وتنصير فكانت كتبه(( الإسلام في وجه الزحف الأحمر))و((الإسلام المفترى عليه بين الشيوعيين والرأسماليين))و((من هنا نعلم))و((دفاع عن العقيدة والشريعة ضد مطاعن المستشرقين))و((صيحة تحذير من دعاة التنصير))و((التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام)).
وفي الوجهة الأخرى وقف بحزم وجرأة ضد كل أفكار الجمود والتزمت والغلو التي أصابت الساحة الفكرية الإسلامية الحديثة، وكذا الممارسات التي شوهت ميدان الدعوة والعمل للإسلام فكانت مواقفه الصريحة وكتبه الكثيرة في هذا المجال منها كتب((مع الله دراسات في الدعوة والدعاة))و((هموم داعية))و((علل وأدوية))و((مشكلات في طريق الحياة الإسلامية))و((السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث))و((تراثنا الفكري في ميزان الشرع والعقل))((ليس من الإسلام))و((كيف نفهم الإسلام))و((الحق المر))و((قضايا المرأة بين التقاليد الراكدة والوافدة)).
كل ذلك مع ما كان له من فضل في توجيه وترشيد العمل الإسلامي المعاصر والفكر الإسلامي عموما في كتب مثل((عقيدة المسلم))و((خلق المسلم))و((فقه السيرة))و((دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين))و((الإسلام والطاقات المعطلة))و((سر تأخر العرب والمسلمين))و((ركائز الإيمان بين العقل والقلب))و((جدد حياتك)) وغيرها من المكتبة الغزالية المتنوعة والعامرة.
فقد كان الشيخ الغزالي رحمه الله موسوعيا في جبهات كفاحه والقضايا التي تناولها قلمه السيّال رصدا وتجلية وكتابة وبحثا وتحليلا وتفكيكا وشرحا وردا وتصحيحا وتصويبا، وبأسلوب السهل الممتنع عميق الفكرة جزل العبارة قوي الحجة جميل طريقة العرض موفق في توظيف النص من الكتاب والسنة مع قدرة فائقة على استعمال الهزل في مجال الرد والتقريع، مما كان له أبلغ الأثر في مسيرة الفكر والعمل الإسلامي الحديث، مع ما صاحب ذلك من نشاط ميداني مباشر في الدعوة إلى الله ومقارعة الاستبداد والانحراف والفساد، بحيث كان رجل مدارسة وممارسة في نفس الوقت، إلى أن مات واقفا منافحا عن الإسلام في مهرجان الجنادرية الثقافي بالمملكة العربية السعودية، ليدفن في البقيع بين قبري الإمام مالك بن أنس والإمام نافع مولى عبد الله بن عمر رضي الله عن الجميع لتتحقق عمليا وسطيته ومنزلته التي دافع عنها في أحد كتبه بين((أهل الفقه)) و((أهل الحديث)).
رحم الله الشيخ الغزالي وغفر له وجزاء الجزاء الأوفى لما قدمه لدينه ودعوته وأمته.