"حلمي القاعود" قاهر العلمانيين والحداثيين!
"حلمي القاعود" قاهر العلمانيين والحداثيين!
أ.د. حلمي محمد القاعود |
محمد عبد الشافي القوصي |
قبل نصف قرن من الزمان؛ جاء به (محمد فريد أبو حديد) من قريته بمحافظة البحيرة، وألقى به في أتون العاصمة؛ فتعلَّق بالفن الراقي، ثمَّ تعمَّق عشقه بالأدب الرفيع، وبلغ ذروته عندما عمل مع الناقد الكبير (عبده بدوي) في مجلة "الشِّعر"! هذا إلى جانب دراسته بدار العلوم على أيدي الأكابر، أمثال: الطاهر مكي، وتمام حسان ... فرسم طريقه على هدي جيل الأساتذة؛ وسار على نهجهم .. فلمْ يصالح، ولمْ يداهن، ولمْ يجامل .. بلْ ظلَّ مرابطاً في موقعه، مقاتلاً في ثغره، يطلق خيله بضراوة، ويسدِّد رميه بمهارة .. حتى زلزل خصومه زلزالاً شديداً!
نعم! لقد واجه "الماركسيين" وأبلى فيهم بلاءً حسنا، ونازل "التغريبيين" وأسقط أقنعتهم الزائفة، وداس على "السلفيين" وجعلهم مضحكةً للعالمين!
أجل! لقد تصدَّى –ولا يزال- لليساريين، والناصريين، والغوغائيين، والمهرِّجين، والمبهرجين، والمجدِّفين، وسائر الأقزام، وربائب الأنظمة القمعية!
إنه الناقد الأديب (حلمي القاعود) الذي شخّص الواقع الثقافي الراهن بدقة متناهية، فقال: إنَّ الواقع الأدبي المعاصر امتلأ بالكثير من المتناقضات التي أدت إلى اختلال المعايير، نتيجة لتراكمات عديدة؛ جعلت أصحاب المواهب الحقيقية بعيدين عن مجال التقدير والإنصاف، وفى الوقت ذاته أتاحت الفرصة لعديمي الموهبة وطلاب الشهرة أنْ يحتلوا الواجهة الأدبية، ويلقوا من الحفاوة والدعاية ما لا يستحقونه"!
* * *
لقد أعلن (حلمي القاعود) ولاءه لدينه، عندما اختار موضوع رسالته للدكتوراه، بعنوان (محمَّد في الشِّعر العربي الحديث). وأعلن ولاءه لأمته عندما ألَّف كتابه "القصائد الإسلامية الطوال في الشِّعر الحديث". وأعلن ولاءه لحضارته عندما ألَّف كتابه "الأدب الإسلامي الفكرة والتطبيق"، وأعلن عن هويته عندما ألَّف كتابه "الواقعية الإسلامية في روايات نجيب الكيلاني"!
ثمَّ امتطى جواده، واستلَّ سيفه، وألقى به فوق رأس الأفعى، وأخرج كتابه الشهير "لويس عوض: الأسطورة والحقيقة"، ثمَّ انهال على أرطبون الحداثة، وأصدر كتابه "التنوير: رؤية إسلامية"، ثمَّ هدم معبد الحداثة على مَن فيه، وأصدر كتابه "الورد والهالوك: شعراء السبعينيات في مصر"؛ الذي امتعض منه عبيد الفرانكفونية، وغلمان السكسونية، وغيرهم من ثمرة الحمل السفاح!
لمْ يتوقف (حلمي القاعود) عن المنازلة لحظةً واحدة ... لأنه يشعر بأنَّ أرضه سليبة، ومقدساته منتهكة، وتاريخه مسروق من قِبَل العصابات الماركسية والعلمانية، وإخوانهم من الرضاعة!
هذا؛ وقد نشر مئات المقالات، وعشرات الأبحاث، كما أمطر المكتبات بوابلٍ من الكتب الجديرة بالاقتناء، مثل: مدخل إلى البلاغة القرآنية، النقد الأدبي الحديث، الرواية التاريخية في أدبنا الحديث، إنسانية الأدب الإسلامي، الوعي والغيبوبة دراسات في الرواية المعاصرة، مسلمون لا نخجل، أهل الفن وتجارة الغرائز، جاهلية صدام وزلزال الخليج، واسلمي يا مصر، وغيرها.
* * *
لعلَّ هذا الهاطل العرِمِ من المقالات والمؤلفات؛ يكشف عن مدى حبه للحياة، ومدى تفاؤله بالمستقبل؛ على الرغم من كثافة الحجب، وكثرة الأسلحة، وضراوة الخصوم!
يقول حلمي القاعود: "إنه بالرغم من ذلك، فإنَّ جيل (الصحوة) استطاع أن يستعيد هوية الأمة، وكتّاب الرواية الإسلامية يملكون وعياً حاداً بالواقع والتاريخ ويستشرفون المستقبل ويواجهون تحديات الهيمنة العلمانية واليسارية والطائفية التي تترصد التوجه الإسلامي وتحاربه بضراوة وبخاصة في مجالات الفكر والأدب، وكان في طليعة هؤلاء الرجال محمد فريد أبو حديد، وعلي أحمد باكثير، ونجيب الكيلاني، ومحمد حسن عبد الله، وعماد الدين خليل، وغيرهم .. الذين حولوا الأدب الإسلامي إلى واقع عملي يعبِّر عن نفسه في تطبيقات ميدانية، جعلت من الرواية الإسلامية أمراً واقعاً يتحدى المعارضين، ويرغمهم على الاعتراف بوجودها وكيانها".
* * *
في أتون معاركه التي يخوضها ضد الماركسيين والعلمانيين واليساريين المتأمركين؛ لمْ ينسَ أنْ يصفع أدعياء السلفية وغلمان الوهابية؛ الذين أطلق عليهم لقب "أصحاب الِّلحى التايواني" بعدما تسابقوا لتقبيل "البيادة" في 30 حزيران الشهير .. ليعلم الجميع أنَّ "أصحاب الِّلحى التايواني" خدَّام الأنظمة، وتربية الأجهزة الأمنية ... فسوف يعلمون!
هذا؛ وعلى الرغم من النيران التي أشعلها حلمي القاعود في نعش الحداثة، وفي أوكار العلمانية؛ إلاَّ أنَّ ذلك لم يحل بينه وبين انتزاع أثمن الجوائز الأدبية بجدارة .. وبعزَّة نفس!
فقد حاز –مؤخراً- على جائزة النقد الأدبي من المجلس الأعلى للثقافة عن كتابه "تطور الشِّعر العربي"، كما حاز –من قبل- على جائزة مجمع الخالدين، وجائزة المجلس الأعلى للثقافة ... فطوبى له وحسن مآب!