الشهيد القائد عبد القادر حشاني
عمر محمد العبسو
قال الله تعالى : (( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر ، وما بدلوا تبديلاً )) .
المولد والنشأة :
ولد الشهيد القائد عبد القادر حشاني في 26 ديسمبر 1956م في قسنطينة في الجزائر .
ونشأ في كنف والده المجاهد إبراهيم حشاني الذي يعتبر أول أمين عام لمنظمة المجاهدين في الشرق الجزائري .
دراسته :
تخرج من معهد البتروكيمياء من بومرداس بالجزائر بشهادة مهندس.
متزوج وأب لأربعة أبناء ، وبتاريخ 29 / 3/ 2009م ألقى الشيخ علي بلحاج كلمة مؤثرة في حفل زفاف ابن عبد القادر حشاني .
أعماله :
عمل بشركة سوناطراك لمدة 9 سنوات بمدينة سكيكدة كأحد مسؤولي مشروع الغاز الرابط بين الجزائر وإيطاليا وبقي في هذا المنصب لغاية يوم اعتقاله .
بدأ نشاطه السياسي في السبعينات من القرن العشرين ، كان من قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر سنة 1989م إثر تعديل الدستور وفتح المجال لتأسيس أحزاب سياسية .
أصبح رئيس المكتب التنفيذي الوطني للحزب بعد اعتقال رئيس عباسي مدني وعلي بلحاج إثر الإضراب العام سنة 1991م .
بعدها عقدت الجبهة الإسلامية للإنقاذ مؤتمرا لها سمي بمؤتمر ( الوفاء) عقد في مدينة باتنة، وتمَّ على إثره انتخاب عبد القادر حشاني كرئيس للمكتب التنفيذي الوطني للجبهة .
استطاع أن يغير خطاب الجبهة إلى خطاب عقلاني ومعتدل، وحقق انتصاراً كبيراً في الانتخابات التشريعية في 26 ديسمبر 1991م والتي ألغتها القيادة العسكرية في الجزائر .
سجنه واعتقاله :
اعتقل أول مرة عام 1984م مع كوكبة من الدعاة والمشايخ بعد تجمع بسكرة . اعتقلته السلطة الجزائرية في 22 جانفي 1992م ، بتهمة تحريض الجيش على العصيان ، على أثر دعوة الجيش إلى احترام الدستور ،وحماية خيار الشعب من أجل حفظ استقرار الوطن ووحدة الجزائريين ، وأودع سجن سركاجي ، إلى أن تمّ الإفراج عنه في 7 جوان 1997م ، شريطة عدم ممارسة النشاطات السياسية بعد اعتقال دام أكثر من خمس سنوات بدون محاكمة .
أبدى تحفظات على واضحة إزاء قرار الجيش الإسلامي للإنقاذ وهو الجناح المسلح لجبهة الإنقاذ وقف عملياته العسكرية ، واصفاً إياه بالاستسلام .
كما تحفظ على خطة الوئام التي تقدم بها الرئيس بوتفليقة في وقت سابق واعتبرها غير كافية .
ثم واصل نشاطه السياسي بعد وخروجه من السجن من أجل مصالحة حقيقية بين أبناء الجزائر لا مصالحة صورية إقصائية ، ورفض الحلول الوسطى مع النظام ، ولكن يد الغدر لم تمكنه من القيام بدوره العقلاني والحكيم والرزين في حلّ الأزمة الجزائرية
وانطفأ المصباح :
في اتصال هاتفي مع الأستاذ فؤاد لموشي قال الشيخ حشاني بأنه لا يريد راحة أيام بل راحة أبدية ، وكأن الشيخ أحس بدنو الأجل ، وقد حقق الله مراده بنيل الشهادة ، ومن ثم تمّ اغتياله في 22 نوفمبر( تشرين الثاني ) 1999م .بجوار مبنى مديرية الأمن الوطني بباب الواد بالجزائر العاصمة ، وشيع جثمانه الألاف من الجزائريين ، ودفن بمقبرة القطار بالجزائر .
وكان لاغتيال القيادي الثالث في الجبهة الإسلامية للإنقاذ عبد القادر حشاني على يد أحد أعضاء الجماعة الإسلامية المسلحة الذي ألقي القبض عليه، وصدر ضده حكم بالإعدام.
وفي عام 1999 م بعث الشيخ عباسي مدني زعيم جبهة الإنقاذ رسالة والتي تعبر عن تراجعه عن تأييد قانون الوئام المدني، وجاء ذلك احتجاجاً على مقتل حشاني .
ونفى المجرم فؤاد بوليمة أن يكون هو من اغتال الرجل الثالث للجبهة الإسلامية للإنقاذ المحظورة عبد القادر حشاني وزعم أن مسؤول جهاز المخابرات الجزائرية ( محمد مدين ) المدعو ( توفيق ) أجبره على الاعتراف بقتل القيادي في جبهة الانقاذ وتوعده بالانتقام منه إن هو رفض ذلك .واعترف من قبل بأنه عضو في الجماعة الإسلامية المسلحة منذ 1995م ، ولكنه لم يشارك في أعمال القتل بل شارك في الإعلام والاتصال ، ولم يقبض على مسدس معه كما زعم الأمن بل كان معه هوية مزورة باسم صحراوي فاتح .
وأكدت الممرضة ( بلخير ليلى ) الشاهدة الرئيسية والتي تعمل في عيادة الأسنان التي اغتيل داخلها الشهيد عبد القادر حشاني ، ((أن الشخص المتهم هو من كان داخل العيادة، وهو من أطلق النار على حشاني بطلقة واحدة على قفاه )) .
وأكد الشاهد الثاني ( كركاش عبد الله ) أن المتهم سأله : هل هذا حشاني ، المهندس الكيميائي ومن قادة الإنقاذ فأجاب : نعم ، وسأله هل أنت معه أجاب بالسلب ، فبادر فؤاد بوليمة بإطلاق النار على حشاني وهو يتوجه صوب الباب للخروج بعد تلقي العلاج .
وشهود آخرون أكدوا أن سيارة مدنية يعتقدون تابعة للشرطة كانت يوم الواقعة مقابل عمارة العيادة ، وأكد شاب يعمل حارساً لموقف سيارات على قارعة الطريق ، أنه شاهد نفس السيارة وعلى متنها شخصان معهما جهاز للاتصال اللاسلكي ولما سألهما إن كانا يحتاجان مساعدة أجابه السائق ( نحن في مهمة ) .
وأكد حسن لعريبي وكان عضواً في البرلمان أنه حمل عرضاً من الجنرال توفيق إلى الشهيد حشاني مختصره أن يساند حشاني مشروع الوئام الوطني ، مقابل الحصول على امتيازات مادية هائلة بما فيها سيارة وفيلا في العاصمة وما يريد من المال .ولكن الشهيد البطل رفض العرض المغري ، وأصرّ على أن يعرف الناس الحقيقة قبل أي مصالحة حتى لا تكون مخادعة ومغالطة . بعد ذلك الرفض بيومين كان الاغتيال برصاصتين في عيادة طبيب الأسنان .
وأكد الابن الأكبر للشهيد حشاني أنه كان مع أبيه يوم قابله حسن لعريبي وقدّم له العرض ، وأضاف : والدتي تعرف تفاصيل العرض .
ثم أصدرت محكمة جزائرية حكماً بالإعدام على (فؤاد بوليمة) بتهمة القتل العمد ، وحيازة أسلحة غير مرخصة، وإلقاء القبض على أوراق خاصة بالشهيد حشاني في حوزته .
لم تفقد الجزائر بموته واحداً من رجال السياسة فحسب بل فقدت أحد أعزّ أبنائها المخلصين وبطل من أبطالها ، قتل الشهيد عبد القادر حشاني ليسكت دعاة العلمانية صوت الحق والاعتدال، ويخرسوا خصومهم، ويفسحوا المجال أمام بحر الدماء الذي ما زال ينزف في الجزائر الحبيبة .
قالوا عن الشهيد عبد القادر حشاني :
ذكر الوزير السابق أحمد طالب الإبراهيمي أنه كان شاباً ناضجاً يتسم بفكر منفتح ، وله رؤية واضحة للدولة الحديثة ثم ذكر الإبراهيمي في قناة الجزيرة ( شاهد على العصر) يوم 28 / 7/ 2013م قال : لما فازت جبهة الإنقاذ الإسلامية في الجزائر في المرحلة الأولى جاءني الشاب عبد القادر حشاني وكان يتردد علي ليستشيرني . فقلت له إن هذه النتيجة لن تمرّ على خير . قال : فماذا ؟ قلت له : لا بدّ من التنازلات .فذهب ثم جاء فقال قائلاً لقد اتفقنا على إجراء تنازلات ، ألا وهي :
1- سنكتفي بما حصلناه في المرحلة الأولى وسنوجه ناخبينا للتصويت إلى حزب آخر حتى يحدث التوازن .
2- لن نسعى إلى رئاسة الوزراء أو تشكيل الحكومة .
3- سنكتفي بثلاثة حقائب وزارية فقط هي : التعليم – العدالة – الشؤون الاجتماعية ، وبالفعل قمت بترتيب لقاء له مع صهر الشاذلي رئيس الجمهورية ، وأخبرته بهذه التنازلات حتى يبلغها للرئاسة ، وأظن أنه بعد وصول خبر هذه المقابلة وما أسفرت عنه إلى قيادات الجيش . قاموا بإقالة الشاذلي أو أنه أجبر على الاستقالة بعد أربعة أيام ، وقاموا بعدها بإلغاء نتيجة الانتخابات والانقلاب المشهور على جبهة عباسي مدني
وبعد :
هذه الصفحات القليلة لا تكفي بالتعريف بهذه القامة الجزائرية الشامخة، ولكنها جهد المقل، وندعو الإخوة في الجزائر أن يساهموا في رفع الظلم عن دعاة الإسلام الذين غيبوا عمداً لينساهم التاريخ ، وويل للطغاة من قلم التاريخ ....