الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد
الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد
محمد فاروق الإمام
الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد، الذي وافته المنية السبت يوم 6 تشرين الأول من عام 2012م في مستشفى "عين النعجة" العسكري، عن عمر يناهز 83 سنة بعد صراع طويل مع المرض، هو ثالث رئيس جزائري يتولى السلطة بعد أحمد بن بلة وهواري بومدين.
تم انتخاب الشاذلي بن جديد رئيسا للجزائر في 1979 بحكم كونه العسكري الذي يتمتع بأعلى رتبة في الجيش، فضلا عن أنه كان محل توافق بين أبرز وجوه المؤسسة العسكرية آنذاك مثل قاصدي مرباح الذي كان يشغل منصب رئيس الاستخبارات الجزائرية، والذي كان يعتبر الرجل الأقوى في البلاد، وكبار مسؤولي اللجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني والأمن الوطني مثل بوتفليقة وطالب الإبراهيمي...
بعد سنة فقط من وصوله إلى السلطة، واجه الشاذلي بن جديد في أبريل/نيسان 1980م أول أزمة سياسية والتي تعرف بأزمة "الربيع البربري" قام على إثرها بإرسال القوات الخاصة إلى مدن منطقة القبائل – تيزي وزو وبجاية والبويرة- من أجل وضع حد للتظاهرات الضخمة التي نظمها الأمازيع- سكان منطقة القبائل- للمطالبة بالديمقراطية وبحقوق الإنسان، فضلا عن الاعتراف دستوريا باللغة الأمازيغية. وأدى القمع العنيف إلى مقتل حوالي 200 شخص، معظمهم من طلبة جامعة تيزي وزو وتقديم المئات للقضاء.
حاول الشاذلي بن جديد في الثمانينات أن يترك بصمته على الحياة السياسية والاقتصادية من خلال إطلاق مشاريع تنموية واقتصادية حيوية وإبعاد، بشكل سلس، بعض الوجوه العسكرية التي كانت تتمتع بنفوذ قوي في الجهازين السياسي والاستخباراتي، لكنه لم يتمكن من تغيير النظام بأكمله من الداخل، بل بات العسكر هم المسيطرون على الحكم الحقيقي في الجزائر.
ولم تساعد أزمة النفط في 1986 والتي أدت إلى تدهور سعر برميل البترول إلى أدنى مستوى له – إذ وصل في بعض الأحيان إلى 7 دولارات للبرميل الواحد- الشاذلي بن جديد على مواصلة سياسة التنمية والبناء التي اتبعها بومدين والاستمرار في تقديم المساعدات الاجتماعية سواء بشكل مباشر أو من خلال دعم الدولة للمواد الاستهلاكية والسكن والزراعة والتعليم والصحة.
وأدى تدهور الاقتصاد وانتشار الفساد داخل الدولة ومؤسساتها وظهور البطالة في بلد لم يكن يعرف البطالة إلى بروز مشاكل اجتماعية كبيرة في المجتمع الجزائري، إضافة إلى انشقاقات سياسية داخل حزب جبهة التحرير الوطني، وهو الحزب الوحيد الذي حكم الجزائر من 1962 حتى 1989.
أضعفت انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 1988 حكم الشاذلي بن جديد بشكل كبير بعد أن خرج عشرات الآلاف من الجزائريين إلى الشارع في كبريات مدن الجزائر مثل الجزائر العاصمة ووهران وعنابة وقسنطينة من أجل المطالبة بتحسين أوضاعهم المعيشية وإصلاح المنظومة السياسية الجزائرية. ومثل ما جرى في تيزي وزو في 1980، خرجت دبابات الجيش الجزائري مرة ثانية إلى الشارع وقمعت المظاهرات بالقوة، ما أدى على مقتل حوالي 500 شخص واعتقال المئات.
وردا على هذه الانتفاضة التي يسميها البعض "بالربيع الجزائري" قام الشاذلي بن جديد بتعديل الدستور والسماح بالتعددية الحزبية والإعلامية، إضافة إلى حرية تشكيل الجمعيات.
وعلى ضوء هذا التعديل الدستوري، عرفت الجزائر بين 1989 و1992 ربيعا ديمقراطيا حقيقيا نتج عنه تشكيل أكثر من 60 حزبا سياسيا وصدور عشرات الصحف والمجلات الخاصة، إضافة إلى جمعيات في شتى الميادين... فيما تم تنظيم أول انتخابات محلية حرة في 1991 فازت بها جبهة الإنقاذ الإسلامية التي كان يتزعمها عباس المدني وعلي بلحاج.
ورغم المخاوف من استيلاء الإسلاميين على البرلمان الجزائري والإنذارات التي قدمت للرئيس الشاذلي بن جديد بداية 1992، إلا أن هذا الأخير أصر على تنظيمها، ما أدى إلى تقدم جبهة الإنقاذ الإسلامية في الدور الأول. ولم يتمكن الشاذلي بن جديد الذي كان مستعدا للتعايش مع الإسلاميين من إنهاء إصلاحاته السياسية، بل قام الجيش بتنحيته في أواخر 1992، فضلا عن وقف المسار الانتخابي وحل حزب جبهة الإنقاذ الإسلامية.
وفي أواخر عام 1992، ظهر الرئيس الشاذلي بن جديد على التلفزيون الجزائري متعب الوجه ووجه خطابا قصيرا جدا للشعب الجزائري قال فيه "إيمانا مني بمسؤولياتي في مثل هذه الفترة الخطيرة التي تمر بها بلادنا، أعتقد أن الحل الوحيد لإنهاء الأزمة هو أن أبتعد عن الساحة السياسية".
ولد الشاذلي بن جديد في قرية بوثلجة بولاية الطارف يوم 14 نيسان/أبريل من عام 1929، وكان الرئيس الرابع للجزائر منذ التكوين والاستقلال من 9 فبراير/شباط، 1979 وحتى 11 يناير/كانون الثاني 1992.
انضم بن جديد إلى الجيش الفرنسي كضابط غير مفوض وحارب في الهند الصينية. في بداية حرب الاستقلال الجزائرية من فرنسا عام 1954، انضم بن جديد إلى جبهة التحرير الوطني ونتيجة لذلك، كوفئ بمنحة القيادة العسكرية لمنطقة وهران الجزائرية عام 1964. بعد الاستقلال، ترقى في الرتب حتى أصبح عقيد في 1969.
كان بن جديد وزيرًا للدفاع من نوفمبر/تشرين الثاني 1978، وحتى فبراير/شباط 1979. وأصبح بعد وفاة هواري بومدين رئيسًا للجزائر خلافًا لما كان يعتقد أن يخلف بومدين في الرئاسة مرشحون مثل عبد العزيز بوتفليقة أو محمد صالح يحياوي. حيث كان بن جديد يحسب على أنه تحرري موالي للغرب.
أثناء فترة رئاسته، خفف بن جديد من تدخله في الاقتصاد وخفف المراقبة الأمنية للمواطنين. في أواخر الثمانيات، ومع انهيار الاقتصاد بسبب انخفاض أسعار النفط بسرعة، اشتدت حدة التوتر بين أجنحة النظام الداعمين لسياسة بن جديد الاقتصادية من جهة. ومن المعارضين لسياسة بن جديد والمطالبين بالعودة إلى النهج المؤسس. في أكتوبر/تشرين الأول 1988، اندلعت احتجاجات شبابية ضد بن جديد احتجاجا على سياسات التقشف مما أدى إلى انتشار اضطرابات هائلة في مدن وهران، و عنابة، وأخرى أدت إلى أن يقوم الجيش بقمعها بشكل وحشي وأدى هذا إلى مقتل المئات. وفي سعيه للبقاء سياسيًا، دعا بن جديد إلى الانتقال للديمقراطية والسماح بالتعددية الحزبية. على أية حال، تدخل الجيش الجزائري لإيقاف الانتخابات الديمقراطية من جلب حركة الجبهة الإسلامية للإنقاذ إلى السلطة. مما أدى إلى استقالة بن جديد ودخول البلاد في حرب أهلية دموية وطويلة.
بعد يناير/كانون الثاني 1992 ابتعد بن جديد عن الحياة السياسة. في أواخر 2008، ظهر بن جديد عندما ألقى خطابًا مثيرًا للجدل في مدينته الأصلية الطارف. ومنذ أن تقاعد، افتتح بن جديد مسلخا في فينسبري بارك، لندن حيث تستقر جالية جزائرية كبيرة هناك.
توفي يوم السبت 6 اكتوبر/تشرين الأول من عام 2012م، الرئيس الجزائري الأسبق الشاذلي بن جديد عن عمر ناهز 83 عاما، في مستشفى"عين النعجة العسكري" بالعاصمة الجزائرية حيث كان يرقد في قسم العناية المركزة إثر تعرضه قبل أيام لأزمة قلبية حادة.