البطل خالد فيصل
البطل خالد فيصل
بطولات خالدة
نعمان فيصل
كان المجاهد خالد فيصل يحمل قلباً عامراً بالإيمان وحب الأوطان منذ نعومة أظفاره متحمساً للقتال، فحمل راية الجهاد والمقاومة ضد الانتداب البريطاني الجائر، والاحتلال الإسرائيلي الغاشم، والدفاع عن فلسطين وعروبتها في حرب عام 1948, وأبلى بلاء حسنا على الرغم من حداثة سنه التي لا تتجاوز العشرين، حتى ارتقى إلى العلا شهيداً في تلك المعارك التي دارت رحاها بين العرب واليهود.
ولد الشهيد خالد محمد فيصل في حي الشجاعية بمدينة غزة عام 1929، وتلقى علومه الدراسية في مدينته، وكان له شرف الجهاد عام 1948 مع إخوانه المتطوعين من الإخوان المسلمين بقيادة البطل المصري أحمد عبد العزيز الذين قدموا من مصر العروبة, وقاد الدبابة (إحدى مخلفات الجيش الإنجليزي)، التي قام شقيقه المناضل صبحي فيصل بإصلاحها، واستطاع المترجم له مع إخوانه المجاهدين بشجاعة وإقدام تحرير مستعمرة كفار دروم في 10 مايو 1948، كما أُسر في هذه المعركة عدد من اليهود مع أسلحتهم وعرضوا من قبل الجيش المصري في شوارع غزة، وبعد يومين في 14 مايو أحرز خالد فيصل ورفاقه بقيادة أحمد عبد العزيز انتصاراً ساحقاً باحتلالهم قلعة (عراق سويدان)، وإليه يرجع الفضل في اقتحام مستعمرة كفار نتسانيم التي كانت تشكل عائقا على الجيش المصري, إذ كانت محصنة تحصيناً قوياً, فأعد القائدان محمد نجيب، وعبد الحكيم عامر، خطة محكمة لتحرير المستعمرة، وعُهدت إلى الكتيبة التاسعة القيام بذلك، تدعمها سرية مصفحات، وفيلق مدفعية ثقيلة، وبطاريتا مدافع مضادة للطيران، وسرب طائرات مقاتلة، وعند الساعة التاسعة من صباح يوم 8 يونيه 1948 بُدىء في تنفيذ الخطة, فتقدمت وحدة المشاة من الشمال الغربي يقودها الكابتن خليف, ولما غدت على بعد 40 يرداً من السياج الشائك الشمالي اصلاها العدو ناراً حامية سقط خلالها خليف شهيداً مع عدد من رجاله، فتراجع الباقون واحتموا وراء خط المصفحات, ثم تقدمت موجه ثانية وردت على أعقابها أيضاً، ثم انقضت طائرتان تقذفان المواقع الإسرائيلية بينما تقدمت بعض المصفحات من الشرق والشمال الشرقي، وهي تقصف المواقع الثلاثة المواجهة لها، وأصيبت أول مصفحة اقتحمت الموقع، وكان يقودها (البطل خالد فيصل) الذي استشهد يومها (8 يونيو 1948)، وتقدمت المصفحات الأخرى التي تليها بعنف، وتمكنت من ضرب ثلاثة معاقل، وقتل مَنْ فيها.
وصفه المناضل الكبير جمال عمر الصوراني بقوله: "من الفدائيين الأوائل, لم أر شاباً بشجاعته وإقدامه وتحمسه في الجهاد والدفاع عن عروبة فلسطين، فحماسه المتواصل وإصراره على تحرير مستعمرة كفار نتسانيم كان ملفتاً للأنظار، وقد رأيت عملية استشهاده البطولية والشجاعة التي أذهلت الجميع أمام عيني..".
يروي المؤرخ إبراهيم سكيك مشهد جنازته فيقول: "من أيام غزة الخالدة التي لا تُنسى يوم تشييع جنازة البطل الشهيد خالد فيصل الذي كان يقاتل ضمن المتطوعيين للدفاع عن فلسطين مع الإخوان المسلمين في حرب عام 1948، حيث انتشر الخبر بأنه خلاف لجميع الذين معه من مجاهدين، لم يتردد في الدخول إلي مستعمرة كفار نتسانيم شمال غزة، وتجرأ وحده غير مبال بما قد يصادفه من ألغام أو كمائن في الحقول المحيطة بالمستوطنة، وقاد المصفحة التي اقتحم بها تلك الحقول، وكان له الفضل في تحريرها، لكن لغماً قوياً انفجر به فأودى بحياته. وكان الخبر محزناً لأهل غزة لفقدها شاباً بطلاً جريئاً قضى نحبه على ثرى هذه المستعمرة، وسرى الخبر، فاجتمع الشباب عند المسجد العمري الكبير، ورأيت عدداً غير قليل من الأكاليل التي تشيد بمناقب البطل ومآثره الخالدة التي أعدتها المؤسسات الوطنية، وأذكر منها: عصبة التحرر الوطني، والإدارة العمالية، ودائرة الأوقاف، ونادي غزة الرياضي، والنادي الأرثوذكسي.. وسرت في جنازة الشهيد كغيري من آلاف المشيعيين في موكب مهيب قلَّ أن شهدت غزة مثيلاً له، حيث تقدمته القيادات الوطنية الفلسطينية والمصرية المتطوعة، حتى وري الثرى في مقبرة ابن مروان، التي دفن فيها كثير من شهداء حرب 1948 بما في ذلك الشهداء المصريين الذين تم نقل جثثهم فيما بعد إلى مصر العطاء".
ومما تجدر الإشارة إليه أن صورة الدبابة التي كان يقودها رحمه الله موجودة في المتحف العسكري المصري بالقلعة، وعليها اسم البطل خالد فيصل, ومنقوش اسمه أيضا في ميدان الشهداء بإجديدة بحي الشجاعية على لوحة رخامية مكتوب عليها (فلسطين التي تعرف الشهداء, فهم أنبل بني البشر وأكرم منا جميعا).
المراجع:
1- نعمان عبد الهادي فيصل. أعلام من جيل الرواد من غزة هاشم: منذ أواخر العهد العثماني وحتى القرن العشرين، إصدار: 2010.