النورسي رائد التجديد والحداثة الإسلامية
للدكتور فكرت رفيق السيد
أستاذ في الفكر السياسي الإسلامي المعاصر في جامعة كركوك
عابدين رشيد أحمد
كتاب ممتع، طريف ،نافع , يفرض نفسه ليكون واحداً من فرسان مواكب الدراسات والبحوث القيمة لعالم رسائل النور ــ للأستاذ بديع الزمان سعيد النورسي – الزاخر بروائع الحقائق ونفائس القيم وكنوز الأنوار والأسرار ما لا يعرف مداها إلا الله عز وجل الذي ألهمه ووفقه الى هذا الإنجاز الكبير الذي يشهد له مئات من الباحثين العلماء والمحققين الخبراء , نظراَ لكون ارتباطه الوثيق بعظمة آيات القرآن المعجز البيان .
صدر الكتاب عن دار فضولي للنشر في كركوك ،2012 ، ويقع في (120)ص من الحجم المتوسط .
وقد أعجبتني في الكتاب طريقة اتباعه الأسلوب السهل والواضح في مقدمته لبيان أحوال ما عليه المجتمع العالمي المعاصر من فوضى الأفكار وانحرافات المذاهب ومتاهات الضلالات.
إلا أن الذي لفت نظري أكثر كاتب البحث الجدير بالقراءة الجادة والمناقشة على أسس الحوار الحضاري لقرننا الحالي : حسن عرضه وفهمه للسياسة العبقرية التي إتبعها الاستاذ سعيد النورسي العلامة المجدد بعلمه الغزير وذكائه الخارق وإلهامه المبارك , بينما أساء فهمها بعض القراء من المثقفين المسلمين المهتمين بقضايا واقع الحركات الاسلامية في العالم الى حد النقد الجارح والاتهام الباطل وهم عاجزون عن ادراك سر موقفه الحكيم السديد من عالم السياسة المعاصرة التي تديرها وتهمين عليها ولا يزال ؛شياطين الجن والأنس الماردين المستبدين الطغاة في الأرض .
والحق إنني ما كنت أتصور أن الأستاذ الكاتب الباحث (فكرت السيد ) سدد الله خطاه الى كل حق وخير - على هذه الدرجة من الفهم والإلمام والدقة والبراعة في رحلة اكتشافاته في عالم رسائل بديع الزمان سعيد النورسي- أحد أنجح أعلام التجديد الذين كان لهم شرف المشاركة في هذه المهمة القدسية مع مطلع فجر القرن العشرين أمثال : حسن البنا , ومحمد اقبال , وسيد قطب والمودودي وغيرهم ممن نعرفهم و ممن لا نعرفهم فالله أعلم بهم .
فبخٍ بخٍ للأستاذ (فكرت) مما قدمه من خدمة غير مسبوقة على هذا المستوى - على مبلغ علمي- للفكر الاسلامي الجديد , بما ألقاه من ضوء كشَاف جديد على حقيقة فلسفة ذلك الشعار النورسي العظيم بإعلانه الصارخ المدوي (أعوذ بالله من الشيطان والسياسية) الذي ظلمه بعضهم - كما قلنا- لضيق عقليتهم السياسية وسوء قراءتهم للواقع العالمي الراهن فضلاً عن قصور فهمهم لمفهوم السياسة عند النورسي المجاهد الصامد كالطود الأشم أمام طوفان وأعاصير الإلحاد والإستبداد والفساد ذلك الثالوث الملعون المدمر للفضائل الإنسانية المكرمة الخالد .
هذا وليكن معلوماً لدينا كلنا هذه الحقيقة بل هذه البديهة وهي : أن الذين يعيشون أو بالأخرى يقفون كالمتفرجين على مشارف عالم السياسة قد يظنون أن السياسة هي مجرد قراءة الكتب أو المجلات أو الجرائد السياسة أو هي مجرد كلام لغو وثرثرة ولقلقة لسان في المجالس والمناقشات من غير أن يخوضوا غمارها ويسبحوا في تيارها ويعيشوا أخطارها ومفاجآتها،هؤلاء أنى لهم أن يفهموا فلسفة السياسة الحقيقية للعمالقة الدعاة المفكرين الميدانين أولئك الذين خبروا هذا العالم الذي يموج كالبحر الهائج بكل غموض ومجهول ومفاجأة ما لا يجرؤ الخوض فيها إلا أصحاب سفينة كسفينة نوح - عليه السلام - ذات ألواح ودسر تجري بأعين الله سبحانه تعالى وإلا حطمتها الأمواج الثائرة والعواصف البارقة الراعدة .
فالسياسة الاعظم والكياسة الأحكم - عند أهل العقل والايمان في كل مكان وزمان أن تخرج من شرورها وأشرارها ومن جبروتها و جبابرتها بأقل التضحيات وأسلم العواقب بأذكى المواقف وأمهر الدهاء . وأنت - مع كل ذلك - محتفظ بمقومات شخصيتك : تؤدي واجبك بأحسن ما يكون وتبلغ رسالتك بأصدق ما يكون وتسلم راية دعوتك بكل ثقة وأمل الى من بعدك بأصفى وأقوم وسيلة ومنهج على سراج النورين : كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) ليواصل الجيل القادم الصاعد الجسور بإذن الله .. عبقريته وجهاده في معارك الاسلام مع الجاهلية والأصنام: ذلك الصراع الأزلي القائم الدائم الى يوم القيامة بين الايمان والكفر , والخير والشر , والحق والباطل والطيب والخبيث والنور والظلام على صورة من الصور وعلى شكل من الأشكال , ذلك لأن لكل عصر صورة أو صور ، ولكل دهر شكل أو أشكال , الكل يتجدد و يتثالب , ولكن الأسماء شتى والحقيقة واحدة : {وتلك الأيام نداولها بين الناس}.
فالأحوال والأوضاع وما تجري في الدنيا من أحداث وتقلبات إنما هي وقائع وطبائع السنن الإلهية الحكيمة المقصودة المطردة مادام الإنسان والشيطان للابتلاء والامتحان على ظهر هذا الكوكب الحي الدوار , فالصراع محتدم يفور كالتنور بين أمة التوحيد وأمة الشرك الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.