إضاءة
أ.د/
جابر قميحةالمستشار عبد الله العقيل عاش سفيرًا "فوق العادة للإسلام"، وهو لقب منتزع من طبيعة ما كان ـ وما زال يقوم به ويؤديه في سبيل هذا الدين القويم ـ ، فهو كالسفير دائم التجوال لا من أجل مهمة سياسية، ومفاوضات ومباحثات، وحل كل ما يعن من مشكلات بين الحكومات والشعوب وهذا يقتضي "السفير" كثرة السفر والتنقلات والاتصالات بدون توقف.
وهذا الوصف الذي أطلقناه عليه لا يحمل المفهوم السياسي الرسمي المعروف في وزارات الخارجية، ولكنه وصفٌ عملي دعويٌّ حركي هدفه الانتصار للإسلام، والتعرف على الشخصيات المجاهدة في سبيله.
وعلى سبيل الاستطراد نذكر القارئ هنا أن العرب عرفوا من الجاهلية مهام لها طابعها الديني والاجتماعي، والسياسي منها السدانة: أي خدمة الكعبة، وبيت الله الحرام، والسقاية أي سقي الحجاج بالماء ينبذ فيه الزبيب.
ومن أهمها ـ إن لم يكن أهمها ـ السفارة: أي السعي بالصلح بين القبائل، وهي تحتاج إلى شخصيات من ذوي الحكمة والعقل. وبُعد النظر، وكل هذه المهام تعد من مآثر الجاهلية التي تدل على عظم مكانة القبيلة.
لقد تشرب الأستاذ العقيل مبادئ الإخوان من شبابه، فهو يكتب في أحد مقالاته:
"إن من نعم الله عليّ أن تداركتني رحمة الله ـ عز وجل ـ فكان ارتباطي بدعوة الإخوان المسلمين في مرحلة مبكرة من عمري؛ حيث كنت طالبًا في المدرسة المتوسطة بالبصرة عام 1945م، وكنت وإخواني الطلاب نلتقي بمكتبة الإخوان المسلمين ونعكف على قراءة رسائل الإمام الشهيد، وكتب أنور الجندي، وأحمد أنس الحجاجي، ومحمد لبيب البوهي، وصابر عبده إبراهيم وغيرهم، كما كنا نقبل بشغف على قراءة مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، ثم من بعدها عام 1946م الجريدة اليومية للإخوان، ولاحظنا اهتمام الإمام حسن البنا بقضايا العالم الإسلامي، ومشكلات المسلمين في كل مكان، والعمل على تحرير الوطن الإسلامي من كل سلطان أجنبي.
وكانت جرائد الإخوان ومجلاتهم وكتبهم ونشراتهم ودعاتهم تجوب أنحاء الوطن العربي والإسلامي، وينشرون فكر الإخوان المسلمين، المستقى من الكتاب والسنة. وما أجمع عليه سلف الأمة، فقد أوفد الإمام البنا في الثلاثينيات الأستاذ عبد العزيز أحمد، وأسعد راجح الحكيم، وعبد الرحمن البنا، وعبد المعز عبد الستار إلى فلسطين. وأوفد حسين كمال الدين، ومحمد عبد الحميد أحمد، ومحمود يوسف إلى العراق، وعبد العزيز جلال وعبد الحميدة فودة إلى الكويت، والبحرين، وأحمد زكي إلى اليمن وغيرهم إلى الأردن، وسوريا، ولبنان، وغيرها ... "
وكاتبنا المستشار ـ كما ألمحنا من قبل ـ كان دائم التجوال والسفر في بلاد المسلمين للتعرف على الشخصيات الإسلامية من أصحاب العلم والفقه والجهاد، والتاريخ الناصع في مجال الدعوة الإسلامية، وتقديم هذه الشخصيات للقارئ المسلم للاقتداء، والنهل من تاريخها وتجاربها في الحياة.
وأغلب هذه الشخصيات لا يعرفها القارئ، وربما لم يسمع بها، أو سمع عنها النزر القليل.
ومن ثم كان ما قدمه كاتبنا المستشار العقيل في كتابه "من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية في العصر الحديث" عطاءً له قيمته في مجال الدراسات الإسلامية، والتاريخية. نفع الله به وجعله لسان صدقٍ وحقٍ للإسلام والمسلمين.
***
وقد عرفت المستشار عبد الله من بداية السبعينيات من القرن الماضي... كنت معارًا للعمل في دولة الكويت من الحكومة المصرية، وكان الشيخ حسن أيوب يؤدي رسالة الدعوة الإسلامية بصدق وحب في المجتمع الكويتي بصفة عامة، ومسجد العثمان بصفة خاصة. واستطاع الشيخ أن يصنع من الشباب كيانا متدينًا، ذا وعي مكين، وحاسة إيمانية قوية.
وعرفت الأستاذ العقيل عن طريق ديوانيته الأسبوعية التي كنا نقصدها يومًا من كل أسبوع بعد صلاة العشاء، حيث نتخذ من الديوانية قاعة للنقاش والمدارسة، وتبادل الآراء فيما يحقق الفائدة للمجتمع والتقدم والنهوض بالقيم الخلقية والتربوية.
وكنت استمع إليه بصوته الهادئ في ديوانيته وكأني استمع إلى أستاذنا عبد البديع صقر ـ يرحمه الله ـ في منطقه الهادئ وتأثيره على نفوس من ينصتون إليه.
إنها كلمات من قبيل الوفاء لهذا الأستاذ العظيم آملاً أن يديم الله النفع به للإسلام والأمة، إنه نعم المولى ونعم النصير.