الشهيد صالح حسناوي
من أبطال انتفاضة الثمانين
شر الإنسانَ من عبودية الطغاة وقيود التبعية المستبدة وجور الظالمين إلا إذا كانت مبادءُها تتغذى باستمرار من طاقة هذا الحبّ العملاق ، وتستمد قوتها وشبابَها من الفعل الحيوي الخلاقعبد الرحيم المنصوري
صامت لو تكلما لفظ النار و الدما
قل لمن عاب صمته خُلق الحزم أبكما
لعل هذين البيتين يصوران أصدق تصوير شخصية الشهيد ، فهدوءه الذي امتاز به كان هدوء العاصفة قبل أن تتمرد و كان صمته صمت البراكين قبل أن تنطلق
***********
كان شهيدنا مبرزا و متفوقا فقد استطاع أن ينال الشهادة الثانوية و هو لم يزل طالبا في دار المعلمين لينتسب بعدها إلى الجامعة و يدرس فيها علوم اللغة العربية و آدابها كما أشار عليه عمه الأديب محمد الحسناوي رحمه الله .
و أما في الحياة العملية فقد كان يعمل في العطل ليساعد أباه ويؤمن لنفسه مصاريف الدراسة
كان رحمه الله يحاول أن يكون مسلما مثاليا صادقا، لذلك ما إن لاحت تباشير الانتفاضة حتى أخذ يستعد للمشاركة فيها و هو الذي اكتوى بنار الفساد الأسدي طالبا في دار المعلمين و الجامعة و اكتوى بنار الفساد الأسدي و هو ضابط في الجيش يؤدي خدمة العلم و اكتوى بنار الفساد الأسدي و هو مدرس ينتقل بين القرى القريبة و البعيدة حسب ما يحلو لأزلام النظام أن ينقلوه فكان يقابل كل ذلك بصبر و هدوء و لكنه الهدوء الذي يسبق العاصفة
ألقي عليه القبض بعد انتفاضة جسر الشغور في آذار عام 1980 م و سيق إلى زنازين الجلادين و ألهبوا جسمه و أضلاعه حتى كلوا ، و جربوا الكهرباء في جسمه فأعياها و أعياهم ، فأفرجوا عنه و لكن إلى حين و أخذوا يراقبونه و يحصون عليه أنفاسه و هو يعلم بذلك و يتحرك بحذر حتى إذا داهمته عناصر الوحدات الخاصة في بيته كان قد حسب حساب هذه المداهمة و احتاط للأمر .
و اعتصم بربى جسر الشغور و شعابها يحمل السلاح و يكيل الصاع صاعين مع فتية آمنوا بربهم ووثقوا بموعوده ،ثأرا للمدينة التي تعرضت للمذبحة في العاشر من آذار
و بقي الشهيد كالليث في غيله بين الوهاد و الجبال ينتقل بحرية بين الشمال و الجنوب يصل إخوانه و يتفقد أحوالهم ، يذكي في نفوسهم الحمية و حب الاستشهاد .
و ما أروع الشهيد عندما كان بعض إخوانه يلحون عليه في الخروج من الجبال بالسفر إلى خارج القطر شفقة عليه و على أطفاله ! ما أروعه في كل مرة يعرض عليه هذا العرض فيقول : هذه الجبال روضي و مراحي و إني أعددت نفسي للجهاد مدة لا تقل عن عشر سنوات و يقول : إن أجدادنا الأوائل حفروا الصخر مغارات و آووا إليها فلماذا لا نفعل نحن فعلهم نتقي بها المطر و البرد ؟ و ننطلق منها عند كل مواجهة
و لم ينس في تجواله و بحثه أن يتفقد بيوت إخوانه المعتقلين ، و يلبي حاجات أولادهم ، و بقي على ذلك عامين أو يزيد .
و لما هبت حماة في عام 1982 م تدفع عن نفسها أشرس هجمة حاقدة كان شهيدنا البطل يعد لمساعدة إخوان الصدق و أهل الوفاء ، فنشط في الجبل مع إخوانه ، و في الليالي المظلمة يغدو و يروح ، و ينسق و ينظم ، و يقول مستبشرا: دنت ساعة الخلاص ، و اقتربت ساعة النصر بإذن الله .
و كم حاول الطائفي الحاقد عدنان مخلوف المحقق في فرع المخابرات العسكرية في إدلب أن يحظى به حيا و لكن خيبه الله
إذا حُم القضاء على امرئ فلا برٌيقيه و لا بحر
ففي أثناء انتقام العصابة الأسدية من مدينة حماة و دك بيوتها فوق ساكنيها بالدبابات و الطائرات و المدفعية ، كان شهيدنا البطل عائدا من إحدى القواعد في الجنوب إلى عرينه و أدركه الصباح ، فجلس و قد أعياه المسير ، و غالب النوم و لكن النوم غلب ، و راح في سبات عميق ، و لم يفق إلا و مكبرات الصوت تنادي عليه : [ استسلم يا صالح .. لا تتحرك فالمكان محاصر ]
فطن صالح إلى أنه يملك أوراقا و مستندات مهمة لا بد من إتلافها ، كما أيقن أن عدوه لن يجرؤ على الاقتراب منه ، و بكل ثبات و هدوء أعصاب ، أخرج ما معه و أشعل فيه النار ثم أمسك سلاحه و سدد و رمى فأصاب و لكن القذائف و الطلقات انهالت عليه كالمطر ، و اشتعل المكان نارا فوقف على قدميه و أفرغ رصاصاته تجاه عدوه ، و مضى شهيدا في عرس علوي إنه عرس الشهيد .
و عاد الحاقدون يحملون عارهم و قتلاهم و عاد صالح ، و لكن جسدا لا حراك فيه
أتوك بكل ما ملكتْ دناءتهم من الغدرِ
وحين سقطتَ لم يجدوا رصاص الغدر في الظهر
هنيئا لك يا صالح .. هنيئا لك مع الشهداء والصديقين . و عهدا أن نحرر سورية و نجعلها مقابر للحاقدين و الطائفيين و أن نتخذ من حياتك نبراسا على دروب التحرر و الخلاص من طغاة الشام .