الدكتور تمام حسان في رحاب الله
هامة علت في سماء العلم
الدكتور تمام حسان في رحاب الله
د. نعيم محمد عبد الغني
الدكتور تمام حسان عمر عالم من طراز فريد آتاه الله بسطة في العلم والجسم، سمعت عنه صغيرا، ورأيته عندما التحقت بكلية دار العلوم جامعة القاهرة عام 1996م وكان ضمن كوكبة من الأساتذة التي شكلت وجداني وشخصيتي كما شكلت شخصية آلاف من الشباب الذين تتلمذوا في هذه الكلية العريقة التي تعلمنا فيها احترام الكبير وتقدير أهل العلم والفضل.
لقد رأيت أساتذة لي ممن اشتعل رأسهم شيبا يقبلون يد أستاذي الدكتور تمام وهو ينزعها انتزاعا رافضا أن يقبل أحد يده حتى لو كان في سن أحفاده، بل كان يرفض رحمه الله أن يتحدث عن نفسه، وإذا أقيمت له ندوة ليحتفي الباحثون به وأتت كلمته الختامية رأيت كلمته محاضرة عامة يتحدث فيها عن بناء اللغة العربية وروعة البيان القرآني.
سيرة حافلة
ولد الدكتور تمام حسان 27 يناير عام 1918 م وتوفي اليوم الثلاثاء 11 أكتوبر2011، وبذلك يكون قد عاش 93 عاما أمضاها في محراب العلم عالما ومتعلما.
بدأ الدكتور تمام حياته بحفظ القرآن حيث أتمه وعمره أحد عشر عاما ثم درس بالأزهر ثم دار العلوم ليعمل بعدها مدرسا ثم يحصل على الدكتوراه من لندن في أواخر الخمسينات ليرجع مدرسا في كلية دار العلوم التي ترقى بها حتى صار عميدا لها عام 1972 وطوف في العالم ليعمل إما ملحقا ثقافيا أو أستاذا أكاديميا ليترك بصمة واضحة في كل عمل يتولاه وكل منصب يتقلده، فهو من نقل علم اللغة الحديث إلى العربية وهو أول من أسس قسما للدراسات اللغوية في جامعة الخرطوم وأسس قسما للتخصص اللغوي بجامعة أم القرى وتولى أمانة اللجنة الدائمة للغة العربية بالمجلس الأعلى للجامعات وكان عضوا بمجمع اللغة العربية منذ عام 1980م.
ذكريات الطفولة والشباب
الدكتور تمام من الذين لا يتحدثون عن أنفسهم كثيرا، ويفضل شغل الوقت في العلم، وفي ذلك دليل على تواضعه الجم وأدبه العالي، غير أنه في برنامج حديث الذكريات عام 2003 ذكر بعضا من قصة حياته، ومنها أنه حفظ القرآن في قريته ولم يجد معلما لأحكام التجويد، فذهب ليتعلم أحكام التجويد في قرية فرشوط على بعد 20 كم من قريته على يد الشيخ توفيق القاضي، وهنا تبدأ رحلة السفر في طلب العلم التي امتدت حتى وفاته، فقد سافر بعدها إلى القاهرة ليحصل على الابتدائية الأزهرية وكان عمره أحد عشر عاما، ثم استقر في القاهرة ليسافر عام 1945 إلى لندن ويحصل على الماجستير والدكتوراه من هناك على يد العالم اللغوي الشهير (فيرث).
ويذكر الدكتور تمام أنه تأثر في طفولته وشبابه بشخصيات كثيرة منهم أساتذته في دار العلوم حيث كانوا قدوة في العلم والأخلاق وخص بالذكر الشيخ محمد صالح هاشم الذي كان يدرس لهم مادة الأدب في صورة جذابة، ويروي الدكتور تمام بأنه كان يدخن وهو طالب، وتلك عادة أهل صعيد مصر، ومر عليه أستاذه فأخفى السيجارة في كمه حتى احترق، احتراما لأستاذه.
الدكتور تمام حسان والثورة
عاش الدكتور تمام حسان –رحمه الله- أربع ثورات، ثلاث مشهورات وأخرى لا يعلمها كثير من الناس، فأما الأولى فكانت ثورة 1919 م وكان عمره وقتئذ عاما، ثم ثورة 1952 وكان وقتها في بريطانيا، ثم ثورة الخامس والعشرين من يناير التي قامت قبل أن يكمل عامه الثالث والتسعين بيومين، وقد خص الدكتور تمام بالذكر الثورة التي لا يعلمها كثير من الناس، حيث قام الأزهريون في الثلاثينات من القرن الماضي بثورة ضد شيخ الأزهر الشيخ الظواهري، وكان قائدهم في الثورة الشيخ محمد حسن الباقوري وزير الأوقاف الأسبق رحمه الله ثم حكم على الجميع بالسجن شهرا مع إيقاف التنفيذ، وبعدها جاء الشيخ محمد المراغي شيخا للأزهر الشريف.
الدكتور تمام والجهاد ضد إسرائيل
يتميز الدكتور تمام بشهامة لا حد لها فهو رجل كريم مضياف، طلق الوجه، يستقبل الناس استقبالا حسنا، ومن شهامته أنه سجل اسمه في المتطوعين للدفاع عن فلسطين سنة 1948م، وذهب الإخوان ولم يستطع هو الذهاب معهم لأنه كان في لندن وقتها وقال: "حزنت حزنا كبيرا، لأني كنت أريد أن أدافع عن فلسطين)، وعندما استقر في مصر وعمل بالتدريس في دار العلوم قام العدوان الثلاثي على مصر وذهب ليتطوع كي يقاتل، وكان قد جاوز الأربعين من عمره، فقال له الجيش إن عمره كبير، غير أنهم لم يحرموهم المشاركة، فعمل مدربا للعسكريين في دمنهور، وكان برتبة ملازم ثان، وكان يقول نحن أولى بالدفاع عن بلدنا هل سنؤجر أحدا للدفاع عنا؟
جوائز نالها الدكتور تمام
نال الدكتور تمام حسان جوائز متعددة كان آخرها جائزة الملك فيصل عام 2006 وكرم في المؤتمر الدولي للغة العربية في المغرب، كما نال جائزة آل بصير في المملكة العربية السعودية عام 1984م وحصل أيضا على جائزة صدام سنة 1989 م.
لقد شرفت هذه الجوائز بأن نالها الدكتور تمام الذي لم يختلف عليه اثنان في علمه، غير أنه للأسف لم ينل جائزة دولية من بلده مصر التي كان وجهة مشرقة لها في العالم، فاسم الدكتور تمام حسان غني عن أي بيان.
أثر الدكتور تمام في تلاميذه
لقد شرفني الله بأن كنت تلميذا للدكتور تمام حسان فحضرت له ثم قرأت أغلب كتبه مرارا وتكرارا، وتعلمت منها الكثير، وطوال دراستي للماجستير والدكتوراه أجد أن كثيرا من الأفكار التي تتناولها الساحة العلمية قد طرقها أستاذنا الجليل وكتب فيها وأشار إليها، ونبه عليها. ولقد تأملت في كثير من البحوث العلمية في اللغة العربية فوجدتها مستقاة جميعها من أفكار الدكتور تمام حسان، ولك أن تطالع كل المؤلفات اللغوية التي صدرت منذ بداية الستينات فستجد أن للدكتور تمام حضورا بها.
لقد كنت في عام 2002 بندوة أقامها نادي دار العلوم احتفاء بالدكتور تمام وامتلأ النادي بتلاميذ أستاذنا ومحبيه، ورأيت كبار الأساتذة مثل الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف والدكتور الطاهر مكي والدكتور محمد الطويل وغيرهم يذكرون كلاما عنه تدمع له العين، ويحفز همم الشباب الصغير، وشرفت بأن رافقت أستاذنا الدكتور تمام حسان يومها إلى المترو، إذ لم يكن يستقل في أواخر سني عمره سيارة خاصة، لضعف بصره، بل كان يركب المواصلات العامة، وانبسط في وجهي وأخذ يلاطفني ويسألني عن دراستي وظل واقفا معي على سلم المترو قرابة ربع ساعة وكان قد جاوز الثمانين والوقت برد، وأنا في أشد الحرج منه، ولكن سعيد بهذا الوقت الذي أمضيه وحاسدا نفسي على هذه الدقائق التي أحكيها الآن وكأنها مرت منذ وقت قصير.
مؤلفاته
ألف الدكتور تمام مؤلفات متميزة في مجالها، وأكثر الكتب التي اشتهر بها الدكتور تمام -رحمه الله- كتابه اللغة العربية معناها ومبناها الذي وضع نظرية لغوية أحدثت جدلا كبيرا، وقامت عليها مؤلفات كثيرة، ومن وجهة نظري فإن لكل علم علماء يمثلون محطات مهمة يتوقف الباحثون أمامها كثيرا، وعلم اللغة والنحو العربي به محطات أبرزها سيبويه وعبد القاهر والدكتور تمام حسان.
إن كتابه اللغة العربية معناها ومبناها يبث فيه الدكتور تمام حديثا عن نظرية القرائن، حيث تكلم عن اللغة العربية في مستوياتها الأربع الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية، وجاء كتابه البيان في روائع القرآن تطبيقا على هذه النظرية حيث قرأ القرآن وتعايش معه فترات طويلة ولمح تفسيرات لغوية ولطائف لم تذكرها قبله كتب اللغة والتفاسير ومن هذه اللطائف تفسيره لقوله تعالى: (وقال يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة)، فقال: ذكرت كتب التفسير أن سيدنا يعقوب قال لهم ادخلوا من أبواب متفرقة خشية أن يحسدوا إذا دخلوا من باب واحد، والرأي غير ذلك؛ فإخوة يوسف أتوا وهم جوعى وقد بدا الهزال عليهم، وأتوا مصر يطلبون الطعام، فعلى أي شيء يحسدون، وذكر –رحمه الله- أن السبب الذي فعل سيدنا يعقوب ليقول لهم ذلك هو أنه يخشى على هلاكهم إن دخلوا من باب واحد، وقد جرب يعقوب مرارة فقد الولد.
قالوا عنه:
عالم جاد
يذكر أستاذي الدكتور محمد حماسة عبد اللطيف أن الدكتور تمام عالم جاد، ويقول: "كان مشرفي في الماجستير حيث كان موضوع الرسالة عن الضرورة الشعرية في النحو العربي، ولما علم الدكتور أن القسم أسند هذه الرسالة إليه أخذ يقرأ عن الضرورة الشعرية ثم قال لي إنه قرأ جيدا ووضع تصورا للموضوع، فنظرت فيه فقلت: أهذا منزلا أنزلكه الله، أم هو الرأي والمشورة؟ فقال بل هو الرأي والمشورة، فقلت إنني من خلال معايشتي للموضوع وضعت تصورا ثم عرضته عليه، فطلب مني أن أكتب فصلا من الرسالة ليقرأه، فأعددت فصلا وأنا أضع نصب عيني أن عالما كبيرا سيقرأ، ثم دفعته للدكتور تمام فأجازه، وطلب مني أن أسير على ذلك".
متواضع واسع الاطلاع
قال عنه الدكتور عبد السلام حامد الأستاذ بجامعة قطر: كان رحمه الله متواضعا واسع الاطلاع سألته عن فكرة بحث فأحاط بمخططه في لحظات ولما قدمت البحث امتدحه.
من أعلام النهضة:
قال عنه الدكتور أحمد درويش الأستاذ بجامعتي قطر والقاهرة:
د تمام قامة إنسانية وعلمية وهو واحد من أعلام نهضة التجديد اللغوي في مصر والعالم العربي، ونقول له مودعين ما قاله ابن الرومي: إنا إلى الله راجعون..فقد غال الردى سيرة من السير
رجل وقور
قال عنه الأستاذ
الدكتور أحمد الحوفي يوم استقباله عضوا بالمجمع:
"إن زميلنا الجديد يتصف بما ترجونه جميعًا من رزانة ووقار ودقة وأناة وسعة اطلاع
وتواضع ودماثة." ( مجلة المجمع ج 47).
أول من أضاف للنحو بعد سيبويه
قال عنه الأستاذ الدكتور سعد مصلوح متحدثا عن كتابه اللغة العربية معناها ومبناها: "هذه أول إضافة للنحو العربي بعد سيبويه فمنذ رحل سيبويه إلى يومنا هذا لم يضف للنحو شيء جديد، وتمام حسان هو من أضاف عبر نظرية القرائن"
- من رواد علم اللغة الحديث
- قال عنه الدكتور عبد الراجحي: "دار العلوم قدمت علم اللغة الحديث للعالم العربي من خلال رواد هم تمام حسان وعبد الرحمن أيوب وإبراهيم أنيس".