عبد اللطيف زغلول شاعر وأديب فلسطيني راحل
عبد اللطيف زغلول شاعر وأديب فلسطيني راحل
1915 – 1992
د. لطفي زغلول /نابلس
الشعر تفريغ لأحاسيس ومشاعر وانفعالات على وريقات بيضاء، تزهر عقودا من الكلمات تسبح في بحور شعرية لها أوزانها وقوافيها ولون من العاطفة يُسبغ عليها.
نبذة من سيرته الذاتية / قراءة انطباعية في ديوانه نفح الذكرى/ قراءة في سمات فضائه الشعري / مقتطفات من شهادات أدبية عنه بأقلام كتّاب فلسطينيين وعرب / مختارات من قصائده
بقلم نجله: د. لطفي زغلول
ولد المرحوم الشاعر والأديب الفلسطيني الحاج عبد اللطيف زغلول في العام 1915 في أحد أحياء مدينة نابلس القديمة التي كانت آنذاك تحت ظلال الحكم العثماني الذي كان في أواخر أيامه. يعود بنا تاريخ ولادته إلى فترة عصيبة من تاريخ بلاد الشام التي كانت تعيش آنذاك ما عرف بالتاريخ الشعبي "السفربرلك"، وهو فترة الحرب العالمية الأولى "1914-1918" التي أسفرت عن هزيمة الدولة العثمانية، وخروجها من بلاد الشام التي سقطت في أيدى الإحتلالين البريطاني والفرنسي مقاسمة بينهما حسب اتفاقية "سايكس بيكو".
كان رب الأسرة والده "الحاج سعيد" يتباهى على الدوام بماضيه العسكري، فقد كان ضابطا في الجيش العثماني. كان على الدوام يذكر بافتخار جده الأكبر الذي كان هو الآخر ضابطا في جيش إبراهيم باشا إبن محمد علي باشا والي مصر الذي جاء على رأس حملة على بلاد الشام. كان الحاج سعيد يردد دائما أن أصل عائلته من مصر.
في أثناء خدمته العسكرية حارب "الحاج سعيد " في اليمن وسوريا وشرقي الأردن. في العام 1908، وهو آخر عهده بالعسكرية، كان في صفوف حرس الشرف العثماني الذي رافق الإمبراطور الألماني وليام "غليوم"، الذي زار القدس آنذاك حاجا إلى أماكنها المقدسة. وقد حصل على "نيشان" ألماني أسوة بزملائه الذين كانوا في حرس شرف الإمبراطور. بعد أن انتهت خدمته، رجع إلى نابلس مسقط رأسه، وعمل في إحدى مصابنها فترة من الزمن، ثم استأجر دكانا قريبة من داره، حيث اشترى نولا، وأخذ يغزل عليه بيوت الشعر التي كان البدو الرحل يستخدمونها، ثم عمل بقالا حتى سن متأخرة، حيث ترك العمل نهائيا.
في ظل هذه الظروف ولد "عبداللطيف"، وكان له أخ آخر إسمه "أحمد" أكبر منه. تلقى دروسه الإبتدائية في المدرسة الهاشمية، ثم انتقل بعد ذلك إلى المدرسة الصلاحية الثانوية. كان عبد اللطيف تلميذا ذكيا ومجتهدا. حفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب، وكان مولعا بالشعرالعربي، فحفظ الكثير منه. أبدى عبد اللطيف اهتماما ملحوظا بالتاريخ العربي الإسلامي. إلا أنه كان لافت النظر في حبه للغة العربية التي أتقنها نحوا وصرفا، وهذا لم يمنعه من أن يتقن اللغة الإنجليزية أيضا.
.
نظرا للظروف المعيشية القاسية آنذاك، فقد أنهى مدرسته الثانوية دون أن يستكمل دراسته الجامعية. يومها قدم طلبا لدائرة البريد فقبل موظفا في مدينة حيفا. في بداية تعيينه عمل ما بين فلسطين التي كانت تحت الإنتداب البريطاني ومصر التي كانت هي الأخرى ترزح تحت الإحتلال البريطاني أيضا في توزيع البريد المنقول بالقطار الواصل بينهما آنذاك والذي كان ينتهي في مدينة "العريش" المصرية. بعد ذلك انتقل إلى العمل المكتبي في دائرة بريد حيفا.
خدم عبد اللطيف عدة سنوات في حيفا. في بداية الأربعينات كانت الحرب العالمية الثانية على أشدها. إنتقل إلى بريد نابلس حيث عمل هناك حتى انتهاء فترة الإنتداب البريطاني 1948. في العهد الأردني شغل عدة وظائف في سلك البريد. كان مراقبا لهاتف بريد نابلس الذي كان مقره في مبنى المحافظة الحالي الذي دمرته قوات الإحتلال الإسرائيلي في اجتياحها للأراضي الفلسطينية عام 2002. ثم انتدب من قبل وزارة المواصلات الأردنية آنذاك لتأسيس دوائر بريد في كل من سلفيت ودير الغصون. في العام 1963 تولي إدارة بريد قلقيلية. في العام 1965 أصبح مساعدا لمدير بريد نابلس. في العام 1967، وقبل ثلاثة أيام من الإحتلال الإسرائيلي صدر كتاب إحالته على التقاعد.
كانت عائلة عبداللطيف زغلول بسيطة. في العام 1937 تزوج عبداللطيف من إحدى قريباته التي كانت عائدة من "هوندوراس" في أميركا الوسطى. قام بتغيير اسمها من "ماريا " إلى "أمل"، ولكنها ظلت تحمل إسم "مريم" في جواز سفرها وأوراقها الثبوتية الأخرى. جدير بالذكر أن أمها كانت سيدة مسيحية من بيت لحم، يقال إنها اعتنقت الإسلام فيما بعد. رزق عبداللطيف من مريم خمسة أولاد وبنتا واحدة، هم: لطفي، هدى، نزار، محمد، عدنان، وعماد.
نظم عبد اللطيف الشعر في سن مبكرة جدا، وكان يكتب قصائده على قصاصات من الورق تعرضت في كثير من الأحيان للضياع أو التلف، أو أنه كان يهديها لأصدقائه أو أقربائه. لم يخطر في باله أن يحتفظ بأشعاره إلا متأخرا. نشرت له قصائد في الصحف والمجلات التي كانت تصدر في ذلك الوقت، كما أنه شارك في أمسيات شعرية، ومهرجانات أدبية كثيرة، وكان عضوا نشيطا في عدة نواد ومنتديات أدبية وفكرية، وأذيعت له قصائد كثيرة عبر إذاعات عربية عدة. في هذا السياق، كانت تربطه بالشاعرة الفلسطينية المرحومة فدوى طوقان روابط صداقة متينة، فكتب لها عدة قصائد، سنأتي عليها لا حقا.
يمكن القول إنه لم يكن حريصا على قصائده، إذ كان يردد دائما أنه سيكتب أفضل منها وأحسن. علاوة على ذلك كله فهو لم يمنح نفسه لقب شاعر، ولم يخطر قط في حسبانه أن يكون له ديوان شعر في حياته. لقد كان نظم الشعر بالنسبة له تفريغا لأحاسيس ومشاعر وانفعالات على وريقات بيضاء، فتزهر عقودا من الكلمات تسبح في بحور شعرية لها أوزانها وقوافيها ولون من العاطفة يسبغه عليها.
هنا لا بد من الوقوف عند حادثي ضياع لتراثه الشعري، وتحدبدا قصائده الوطنية. كان الأول في العام 1967 حين احتلت مدينة نابلس آنذاك على أيدي القوات الإسرائيلية، قام عبد اللطيف بإخفاء مجموعة من قصائده الوطنية كان محورها القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي مع بعض الخرائط لفلسطين التاريخية، ليجد أنها أصابها التلف الشديد لدى معاودة استخراجها من الحفرة التي دفنها فيها. أما المرة الثانية فكانت مصادرة بعض قصائده ضمن مواد ثقافية أخرى لدى الدخول بها عبر الجسر مرسلة من الأردن حيث كان يقيم في أواخر أيامه.
وفاء لذكراه فقد قام أنجاله بإصدار ديوان شعري له، وطباعته في العام 2004، حمل عنوان "نفح الذكرى".. مختارات من تراثه الشعري. يقع الديوان في 160 صفحة من القطع المتوسط ذي الورق الصقيل الفاخر. طبع من هذا الديوان ألفا نسخة، وزع معظمها على أصدقائه وأحبابه، وكثير ممن تذكروه مجانا.
نفح الذكرى
هو عنوان اخترته للإرث الشعري لشاعرنا الراحل عبد اللطيف سعيد زغلول، وبرغم فقدان مجموعة من قصائد هذا الإرث، أو ضياعها، تجمع لدي كم كبير منوع الأغراض من هذه القصائد، الأمر الذي فرض علي أن أختار منها، وأنتقي نماذج معينة تضيء فضاءاته الشعرية، في حين تحفظت على غيرها لأسباب خاصة.
نفح الذكرى: مجموعة شعرية مختارة من شعر الشاعر الراحل عبد اللطيف زغلول، قمت بتصنيفها إلى ثلاثة فضاءات:
الفضاء الأول: "في محراب الإيمان"، تضيئه نخبة مختارة من قصائده الدينية والصوفية التي نظمها في العقدين الأخيرين من عمره، يوم كان يقيم في مكة المكرمة، في جوار بيت الله الحرام، والمدينة المنورة في جوار الحرم النبوي الطاهر.
الفضاء الثاني: "من كل روض قصيدة"، وهي هنا ذات تنوع كبير، كتبها لكل من أحب وانتمى وعاش في كنفهم، وبخاصة لأحفاده، وأصدقائه.
الفضاء الثالث: "ملاعب الهوى والشباب"، تضيئه نخبة منتقاة من قصائده الغزلية والعاطفية أيام "عنفوان الشباب"، كما كان يصفها. هي في الواقع قصائد نظمها في أواخر الأربعينيات وأكثرها في الخمسينيات من القرن العشرين المنصرم. ثمة الكثير من قصائده لا تزال تسكن أوراقا خطها ذات يوم بقلمه ومداد إحساسه ومشاعره، تحفظت على نشرها لأسباب خاصة، واحتراما لذكراه.
قراءة.. في سمات فضائه الشعري
إن القارىء لشعر الراحل عبداللطيف زغلول بكل ألوان طيفه، يمكن أن يخرج بصورة ذهنية مفادها أن قصائده لها مواصفات يمكن إجمالها بمتانة التركيب اللغوي والقواعدي نحوه وصرفه، مزدانة بحلة بلاغية وطول نفس شعري، دون أدنى تكلف في رص بنيان منظومة القوافي، وبخاصة في قصائده التي تتعدى خمسين بيتا وهي كثر.
وتظل صدقية العواطف في الشعر بعامة ساحة نقاش وأخذ ورد، ويمكن أن يقال في اتجاهاتها الشيء الكثير. شاعرنا تنبع قصائده من عواطف جياشة، وتفيض بها وبخاصة في قصائده الدينية والوطنية والإجتماعية. إنه كغيره من الشعراء له سبحاته وصولاته وجولاته على أجنحة الخيال الشعري الذي سافر فيه إلى عالم المرأة والجمال والغزل. لقد نظم الكثير من القصائد الغزلية في ريعان شبابه وعنفوانه، تلك الفترة من حياة الإنسان التي يسودها مناخ تقلب العواطف والأهواء، وعدم استقرارها وسيطرة الإنفعال الوقتي والتأثر اللحظي.
هنا لا بد من الإشارة إلى تلك الأيام التي عاشها شاعرنا، فقد كانت وسائل الإلتقاء بالجمهور لإسماعه الشعر تتمحور حول اجتماعات الأصدقاء وسهراتهم. أما الدائرة الأكبر فهي المناسبات والإحتفالات الدينية والوطنية والإجتماعية، وهناك الصحف المحلية التي تنشر بين الفينة والأخرى القصائد والموضوعات الأدبية. أما الصحف العربية فهي محدودة. كانت الذروة في لقاء الجماهير تتمثل في الإذاعة الصوتية، ويمكن القول بأن شاعرنا قد جرب كل هذه الوسائل ولكن بدرجات متفاوتة ومتباينة.
إضاءة لفضائه الشعري
ترك المرحوم عبداللطيف زغلول مجموعة كبيرة من القصائد الشعرية في الموضوعات الدينية والوطنية والوجدانية والغزلية والإجتماعية، وهي هي الموضوعات التقليدية التي كانت أكثر رواجا إبان حياته، والتي ظلت تضيء فضاءه الشعري حتى آخر أيامه مع فارق أنها أخذت بالإنحسار شيئا فشيئا مع تقدمه في العمر فيما يخص كل الموضوعات باستثناء الدينية والصوفية والوطنية منها التي انحصر إبداعه في مجالها.
هنا لا بد من الإشارة إلى أن شاعرنا وتحديدا في عنفوان شبابه كما كان يحلو له أن يسمى تلك الفترة من عمره، نظم القصائد الغزلية ذات الأبعاد والإتجاهات المختلفة. وقد اتسم بعضها بالجرأة، إلا أنها لم تصل إلى حد الإبتذال والمجون. في هذا الصدد له العديد من القصائد اخترت بعضها وأنزلتها في هذه المجموعة مثالا لا حصرا، هادفا من وراء ذلك التركيز على الجانب الصوفي الديني الذي اختاره في النهاية، وظل ثابتا عليه حتى أسلم الروح إلى بارئها.
هنا يجدر التذكير بأن الراحل عبد اللطيف قد قضى حوالي عقدين من عمره في الديار الحجازية، وبخاصة في مكة المكرمة. ليس هناك من أدنى شك في أن مجاورة بيت الله الحرام في مكة المكرمة، والحرم النبوي الشريف في المدينة المنورة، كان لهما دور رئيس في توجهه الديني الصوفي.
بالنسبة لشاعرنا عبد اللطيف زغلول، كان الشعر لغته الإجتماعية والفكرية والثقافية والسياسية والعاطفية والعقائدية. كان يترجم أحاسيسه وتفاعله مع بيئته إلى انفعالات ينظمها قصائد يحلق على أجنحتها في سماء الجماعة الإنسانية التي يعيش معها، ويتقاسمان السراء والضراء. كانت هذه القصائد تفتح له بابا يدخل من خلاله ليشارك ويساهم في كل التفاعلات الجارية في مجتمعه ليجد نفسه طواعية، وانتماء لوطنه وأهله مكافحا منافحا موجها مباهيا مفاخرا مغازلا من خلال قصائده لعلها تكون إسهاما يشعره أنه قدم شيئا في حياته غير خدمته من خلال عمله ووظيفته. لكنه كان يصرح على الدوام أنه لا يبغي في المقام الأول إلا أن يعبر عن مكنونات مشاعره وعواطفه، وما يجيش في بحور رؤاه تجاه وطنه وأهله وعقيدته وتاريخ أمته.
كان يقول لي ردا على إلحاحي ومطالبتي إياه أن يصدر ديوانا شعريا له: " أنا لا أفكر في هذا الموضوع في حياتي. أنت يا لطفي شاعر، وأتنبأ لك بمستقبل باهر في الشعر فإذا أحببت أن يكون لك ديوان أو أكثر فإنني أتمنى لك التوفيق. أما بالنسبة لي ففي هذا الصندوق توجد مجموعة من أوراقي الشعرية بخط يدي، وبعد أن أغادر هذه الدنيا الفانية إلى دار البقاء، إفعل بها ما تشاء".
في اليوم الثاني من شهر كانون الأول عام 1987- وهو آخر عهده بالوطن ومسقط الرأس مدينة نابلس- أي قبيل نشوب الإنتفاضة الفلسطينية الأولى بخمسة أيام، كرر لي صبيحة مغادرته أرض نابلس" تذكر ما قلته لك يا لطفي بشأن أوراقي، إن الأرث الوحيد الذي يمكن أن أتركه لك هو هذه الأشعار، وهذه المكتبة العامرة بأمهات الكتب".
مواقف وآراء
كان الراحل الشاعر عبد اللطيف زغلول، يحب اللغة العربية حبا جما، ولا عجب في ذلك فهي من منظوره اللغة التي أنزل الله بها القرآن الكريم، وهي اللغة التي تحتضن وتختزن كنوز العلم والمعرفة والأدب التي فاض بها الإبداع الحضاري العربي الإسلامي. إنها لغة الجمال والرقة والعذوبة والخيال والفروسية والبلاغة والفصاحة، وهي لغة الإنتماء القومي والعقائدي، وهي أخيرا لا آخرا أم اللغات السامية جميعها.
ما زلت أتذكر قوله لي: "لن تكون يا لطفي كاتبا أو شاعرا إذا لم تعشق لغتك وتتقنها صرفا ونحوا وبلاغة، وكان على الدوام يردد: بئس قول لم يهذبه الكتاب"، ويقصد هنا القرآن الكريم ببلاغته وفصاحته.
من رسالة وجهها إلى أبنائه، أقتطف: ""إشتغلت في الحياة وشققت طريقي فيها شأن كل فقير محروم من حطام الدنيا، غني بنفسه وروحه وعزيمته وإيمانه، حتى تمكنت من تأمين مستقبلي إلى حد ما. حرمت من التعليم العالي، فآليت على نفسي التحصيل والمطالعة الدائبين حتى ثقفت نفسي بما قصر عنه أبناء الأثرياء المترفين. قاسيت ألم الفقر وذقت مرارة الحرمان، فلم أفقد ثقتي بنفسي وبالله حتى ضمنت لي عيشا وسطا شريفا حلالا. تنعمت واخشوشنت وبقيت في الحالين متمسكا بأخلاقي وديني ومثلي في الحياة، وحظيت طوال ذلك باحترام الجميع. عاشرت جميع الطبقات، وعشت مع كل الناس في جحيم هذا ونعيم ذاك. كنت إذا شعرت بتقصير عن مجاراة المنعمين، أغطي هذا النقص بتجاريبي في الحياة من علم وثقافة ومعرفة عامة. فإن رأيت أن هذه البذرة ألقيت في تربة غير صالحة، إنسحبت بكل لطف وهدوء حتى يتاح لي مجال أصلح أو ظرف أنسب".
تجدر الإشارة إلى أنه عمل مستشارا لغويا لبعض الجامعات في الأردن والسعودية. وقد ترك مجموعة من المقالات النثرية في موضوعات شتى. كان دائم التغني بنمطية الشعر العربي وتقنياته المتوارثة. كان يقول ليس هناك من شعر عرفته البشرية كالشعر العربي القائم على أسس متينة من البحور والأوزان والقوافي. ليس كل كلام مهما رق وعذب وتجمل بشعر له حسب ونسب وانتماء إلى صرح حضاري هو هذا النمط ذو الخصوصية والتميز والشخصية المتفردة، والذي وحد شعراء العربية وضبط مسيرتهم إلى الإبداع. كان يصرح على الدوام أنه لا يؤمن بالشعر الحر كبديل مسخ لهذه القامة المنتصبة الشامخة المتمثلة بالشعر العمودي، ومع أنه لا يعتبر الشعر الحر شعرا، إلا أنه احترمه باعتباره فنا أدبيا يقف عند عتبات الشعر العربي، ولكنه لا يدخل إلى صرحه.
شهادات أدبية
وفاء لوعد الينابيع التي لا تجف
من شهادة مطولة عن الشاعر الراحل عبد اللطيف زغلول
بقلم الشاعر والكاتب الفلسطيني علي الخليلي
لم يبحث الشاعر الراحل عبد اللطيف زغلول "1915-1992" عن الشهرة في حياته، وحتى أنه لم يحرص فيها على لقب "شاعر"، كما أنه لم يحرص بالتالي على تجميع شعره ونشره في ديوان.
كان مكتفيا بما يفيض من شاعريته المتألقة على من حوله من أهله وأصدقائه الأقربين في مدينة نابلس. كنت منذ طفولتي، واحدا من أصدقاء أبنائه، وبخاصة إبنه محمد "إبن صفي"، وأما إبنه البكر لطفي " الشاعر المعروف لطفي زغلول"، فكان أكبر مني بسبع سنوات.
كنت أقرزم الشعر في مطلع الخمسينيات، حين كان الراحل عبد اللطيف زغلول يكتب الشعر أو"يقرضه" بإتقان عال، أقارنه فيه بالشاعرة الكبيرة، إبنة الحارة ذاتها، فدوى طوقان، بخاصة بعد صدور ديوانها الأول "وحدي مع الأيام".
مقتطف من قراءة في ديوان "نفح الذكرى" بقلم أ. سليمان فيومي / الجامعة الأميركية/ بيروت
خرج الشاعر الراحل عبد اللطيف زغلول من رحم قصبات نابلس التراث والتاريخ، وفي أحضان واديها المجنح بالفل والياسمين. أضاء سنا من جبل النار رؤى إبداعه. لم يطلب الشاعر شهرة أو مجدا، بل تجلى الله والوطن والحب والإنسان في فضاءاته الشعرية.
قضى الراحل عبد اللطيف زغلول حياته يحمل فكرة معقولة عن الحياة، ويسعى لهدف معقول فيها. كان الكتاب "خير جليس له في الأنام". لم يفكر أن يحتفظ بأشعاره، أو أن يكون له ديوان شعر في حياته أو بعد مماته. لكنه ترك مجموعة كبيرة من القصائد الشعرية التي تناولت مختلف الموضوعات الوطنية والدينية والوجدانية والغزلية والإجتماعية التي ظلت تضيء فضاءه الشعري، ومع تقدمه بالعمر ومجاورته للبيت العتيق في مكة المكرمة، والحرم النبوي الشريف في المدينة المنورة، إقتصر إبداعه على الموضوعات الدينية والصوفية والوطنية.
مقتطف من شهادة الأستاذة الجامعية الدكتورة يمنى أ. جابر / باريس
أهداني الصديق الشاعر الدكتور لطفي زغلول نسخة من ديوان "نفح الذكرى" لوالده الراحل عبد اللطيف زغلول. للوهلة الأولى فوجئت بأن والده كان شاعرا. تصفحت هذا الديوان، فإذ بي أمام شاعر فذ حريص على لغته العربية نحوا وصرفا وبلاغة. الحق أقول إنه شاعر عملاق، إلا أنني تساءلت: لماذا لم نسمع بهذا الشاعر الفذ من قبل؟.
جاءني الجواب سريعا، لقد كان صاحب هذا الديوان زاهدا، لم يطلب الشهرة والمجد. كان يتجنب تسليط الأضواء عليه، حتى أنه لم يشأ أن يكون له ديوان شعري في حياته. يا الله ما أعظم هذا الإنسان شاعرا وأديبا!. ما أغنى هذا التراث الشعري الذي خلفه، رغم ضياع الكثير منه وفقدانه. إنه شاعر فحل، لا تقل شاعريته عن شاعرية أي شاعر عرفناه وقرأناه، بل إنها تتفوق في جوانب عدة على الكثيرين من هؤلاء. إنني أثمن عاليا مجهودات أنجاله الذين أحيوا تراث والدهم الشعري، فأصدروا له ديوانا شعريا يضم مختارات من هذا التراث وفاء لذكراه. طوبى لهم، ولهذا الشاعر والأديب الراحل عبد اللطيف زغلول الذي كان مجهولا، واليوم أضحى علما من أعلام الشعر العربي.
مقتطف من شهادة الدكتور عبد الرحمن أقرع / جامعة النجاح
كان الشاعر والأديب عبد اللطيف زغلول يحب أبناءه حبا جما، وقد كافح كفاحا مستميتا حتى حقق هدفه السامي في تعليمهم جميعا تعليما جامعيا، فنجحوا في حياتهم العملية.
في حياته كان يعامل هؤلاء الأبناء كأصدقاء له، وكان يحضر بعضا من جلساتهم مع أصدقائهم يناقشون أمور حياتهم الدينية والدنيوية، فكانوا يستمعون إليه مرشدا وموجها وشاعرا، يسدي إليهم بنصائحه، ويتلو عليهم بعض قصائده.
أما نجله الأكبر الشاعر والكاتب د. لطفي فقد نال رعاية من لدن والده، تتمثل في إرشاده، وتوجيهه للإهتمام بلغته العربية صرفا ونحوا وبلاغة، وفي أكناف هذا الوالد الشاعر واللغوي عاش د. لطفي ردحا من الزمن، نهل فيه من معين والده اللغوي والأدبي الذي لا ينضب، ومن ينابيعه التي لا تجف. إن د. لطفي لا ينسى هذا لوالده، فهو يذكر على الدوام فضله عليه.
مقتطف من شهادة الأكاديمية أ. د. صافيناز يسري / الولايات المتحدة الأميركية
حين اطلعت على ديوان الشاعر الراحل عبد اللطيف زغلول، أحببت أن أعيد قراءته، فوجدتني أمام قامة شعرية عملاقة. عندها تملكتني الحيرة، وتساءلت: لماذا لم نسمع عن هذا الشاعر المبدع قبل الآن؟. كان الرد واضحا وجليا في المقدمة التي كتبها نجله الأكبر الشاعر والكاتب د. لطفي زغلول. لقد كان الشاعر الراحل عبد اللطيف زاهدا، لم يجر وراء الأضواء، ولم يبحث عن الشهرة في حياته. إلا أن هذا السلوك الإنساني لم يرق لنجله، ولا لكل أنجاله الآخرين، فكان أن أصدروا لوالدهم ديوانا يحمل عنوان "نفح الذكرى".. مختارات من تراثه الشعري، وفاء لذكرى والدهم الذي تنفح ذكراه عبقا على مدى الأيام للأجيال التي لم تعاصره، وحق لها أن تحظى بنفحات من إبداعه. إنني أثمن عاليا وغاليا هذه الخطوة التي قام بها أنجاله فردا فردا، وأخص بالذكر نجله الأكبر الشاعر والكاتب د. لطفي زغلول.
مقتطف من شهادة نجله الأكبر الشاعر والكاتب الدكتور لطفي زغلول
إنه والدي، ذلك المسلم العربي الفلسطيني الذي خرج من رحم قصبات نابلس التراث والتاريخ. في أحضان واديها المضمخ بعبق الفل والياسمين، أضاء سنا من جبل النار رؤى إبداعاته. كان شاعرا ولغويا فذا لم يطلب الشهرة، ولم يجر خلف بريق الأضواء.
تجلّى الله والوطن والحب والإنسان في فضاءات أبجديته الشعرية. غادر الدنيا، وترجل عن صهوة أيامها، تاركا من نبض روحه تراثا شعريا وأدبيا، ما زالت ذكراه تنفح عبقا، وكلماته تضيء ألقا. وفاء لهذا الإنسان، أصدرت له مختارات من تراثه الشعري تحت عنوان "نفح الذكرى"، وأفردت له مساحة مرموقة من موقعي على الشبكة العنكبوتية، أضاءتها صورته ونسخة من نفح الذكرى، وقراءات في شعره بأقلام نقاد وكتاب فلسطينيين وعرب، لعلها تدخل بسلام، وتستقر بأمان في ذاكرة الوطن المعطاء.
أعلام نابلس في القرن العشرين
لفتة كريمة من صاحب هذه الموسوعة لأعلام مدينة نابلس السيد زهير الدبعي "أبو إسلام" الذي أفرد للشاعر الراحل عبد اللطيف زغلول صفحة،"51-52" من " موسوعة أعلام نابلس في القرن العشرين" ذكره فيها، وسرد نبذة من سيرته الذاتية، وما كان له من إنجازات إبداعية في مجالي الشعر والأدب باعتباره أحد الأعلام المبدعين في هذه المدينة الخيرة المعطاءة.
شهادة الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب
شهادة تكريم
للشاعر والأديب الراحل – عبد اللطيف زغلول
تتشرف الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب بمنحه هذه الشهادة تعبيرا عن اعتزازها بإنجازاته البارزة في مجال تخصصه، وتقديرها العميق لإسهاماته المتميزة في ميادين اللغة والفكر والثقافة، وتثمينا لعطائه المبدع والخلاق الذي استحق مكانته المرموقة في التراث الحضاري والإنساني، وكان له عظيم الأثر في دعم وتعزيز مسيرة النهوض والتقدم والإرتقاء لهذه الأمة. إن تكريم الجمعية للأعلام النابهين الراحلين منهم والأحياء هو إعلاء لقيم الأصالة والإنتماء، وإبراز للقدوة والمثال، وتجسيد للمبادىء التي تأسست عليها الجمعية، وما زالت تسترشد بها، وتستضيء بهديها.
سائلة العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته وعظيم غفرانه.
عامر محمود العظم
رئيس الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب
التاريخ: الثلاثاء 1 يناير 2008
الموافق 22 ذي الحجة 1428
مقتطفات مختارة من قصائد الشاعر الراحل عبد اللطيف زغلول
يمكن الرجوع إلى صفحة الشاعر في موقع نجله د. لطفي زغلول
حيث يوجد ديوان نفح الذكرى
مقتطفات من قصيدة خواطر في بيت الله الحرام
إلى الكعبةِ الغرّاءِ يمّمتُ محرِما - ووجهتُ وجهي للمهيمنِ
مسلما
وودعتُ آثامي وتبتُ لبارئي - فلم أرَ مثلَ التوْبِ للنفسِ معصما
وأقبلتُ عطْلاً من ثيابٍ وزينةٍ - فحسبي إزارٌ باتَ للزهدِ توأما
ورحتُ ألبّي لاهفاً متشوقاً - إلى ذلك الوِرد الذي يطفىءُ الظما
وقفتُ أمامَ البيتِ والركنِ خاشعا _ وعاينتُ من حولي المقامَ وزمزما
وطفت ببيتِ اللهِ والقلبُ ضارعٌ - لمولاهُ يرجو أن يمنَّ ويرحما
وفاضت دموعي إذ تبدَّ لناظري - ذنوبي.. وعمري كادَ أن يتصرّما
مقتطفات من قصيدة تذكير الساهين
رُويدَكَ يَا ابنَ آدمَ هَل وَفيتَ بِما استَرعاكَ
ربُّكَ واتّقيتَ
وهل خالفتَ نفسَكَ في هواها - لِيحفظَ مَا رعيتَ ومَن رَعيتَ
أمِ الدنيا سبتكَ فهِمتَ فيها - وغَرَّكَ مَا كَنزتَ ومَا جَنيتَ
ولم تعبأْ بحلٍّ أو حرامٍ - ولا مِن أينَ جَاءكَ مَا اقتَنيتَ
وأعمتكَ المباهجُ والأماني - فَلمْ تَرَ هوَّةً فِيها هَويتَ
وألهاكَ التكاثرُ والتباهي - فَأرداكَ الغُرورُ ومَا دَريتَ
فكم حمّلت نفسَكَ من ذنوبٍ - وآثامٍ لِتملُكَ مَا اشتَهيتَ
وكم أسرفتَ في جمعٍ وكسبٍ - فَبعتَ بِغيرِ تَقوى واشتَريتَ
وكم قارفتَ سلباً وابتزازاً – بكثرةِ ما رشيتَ وما ارتشيتَ
ظَننتَ المَالَ يُخلدُ جَامعيهِ – خُدعتَ فما اعتبرتَ وما ارعويتَ
ألم تَقنعْ بِما يُغنيكَ دَهراً – وتطمعُ في المزيدِ أما اكتفيتَ
مقتطفات من قصيدة شهيد القسطل
إهنأْ بِفَوزِكَ بِالمقامِ الأوَّلِ – بينَ الفَوارِسِ يا
شَهيدَ القَسطلِ
نِلتَ الشَهادَةَ راغِباً في نَيلِها – والمَوتُ يُعشَقُ في ظِلالِ المُنصَلِ
لو تُفتَدى لَفداكَ كُلُّ مُناضِلٍ – مُتعطِّشٍ لورودِ ذَاكَ المَنهَلِ
هيّا القَ رَبَّكَ في الفَراديسِ العُلى – لَكَ في جِنانِ الخُلدِ أرفَعُ
مَنزِلِ
سَنظلُّ نَذكرُ مِنكَ رَمزاً خالِداً – للتضحِياتِ منَ الطِرازِ الأمثَلِ
ضحيَّتَ بِالنفسِ العَزيزَةِ راضياً – ولَحقتَ بالأبرارِ لم تَتمهَّلِ
أعليتَ راياتِ الحِمى خَفّاقةً – باسمِ القضيَّةِ ظَافراً لم تُخذَلِ
هذي فلسطينُ انتَخَتكَ فَصُنتَها – من طعنةٍ غدَّارةٍ في المَقتَلِ
والقُدسُ قد نَادتكِ في صَلواتِها – فَحميتَها من شرِّ عَادٍ مُقبِلِ
أقسمتَ أن تَحمي الحِمى من شَرِّ .. هذا الغاصِبِ المُتطفِّلِ المُتسلِّلِ
مقتطفات من قصيدة بورسعيد
أثناء العدوان الثلاثي 1956
تِيهي بِتاجِ النَّصرِ
والخُيَلاءِ |
|
يا مَعقلَ الأحرارِ
والبُسلاءِ |
عرس نابلس الأبيض
الثلج في نابلس (1950)
أطلَّ بحسنِهِ .. أضحى
وأمسى |
|
وسطَّرَ ذكرياتٍ ليسَ
تُنسى |
ديوان فدوى وحدي مع الأيام
كيف تكون وحيدة مع الأيام من أبدعت "وحدي مع الأيام"
من وحي الديوان وواجب الشكر
نابلس 19/11/1955
أيَّ لُطفٍ أوليتِني يَا أُخيَّة – أيَّ طَوقٍ طوَّقتِني
بِالهَديَّة
أيَّ فَضلٍ حَمّلتِني فإذا بِي – كَاهِلي مُثقلٌ ونَفسي رَضيَّة
أيُّ جِيدٍ لا يَقبلُ الطَّوقَ يَأتي – من لَدنْ "فَدوى" لَفتَةً أخويَّة
ذاكَ دِيوانُها فأعظمْ بِسفرٍ – ضَمَّها بَاقةً لحوناً شَجيَّة
ردَّدتها لُهاةُ "فَدوى" فَجاءتْ – نَغماتٍ يَتيمَةً عَبقريَّة
أودَعتها عُصارَةً من فُؤادٍ – نَذرتهُ لغايةٍ عُلويَّة
فَغدا بَلسَمَ الجِراحاتِ يَأسو – كُلَّ جُرحٍ وهوَ الذَّبيحُ الضَّحيَّة
إنَّهُ سَلوةُ الحَزينِ المُعنَّى – إنَّهُ الطبُّ للنفوسِ الشَّقيَّة
إنَّهُ مُفزعُ المَشوقِ إذا ما – هزَّهُ الشَّوقُ للأماني النَّديَّة
إنَّهُ خيرٌ من جَميعِ الهَدايا – إنَّهُ نَفحةُ الرَّبيعِ الشَّذيَّة
سَوفَ يَبقى على الزَّمانِ جَليسي – وأنيسي .. أعززْ بِهِ من هَديَّة
وفاء زنبقة
أجملْ بِها مِن
زَنبَقة
فهيَ الَّتي بَاتتْ
عَلى |
|
وبطيبِها مَا أعبَقَه
بِحلمِها مُستَغرِقَة
|
في محراب أبي
إلى أبي الشاعر والإنسان
د. لطفي زغلول
تُقرئِكَ الزَّنبَقةُ البَيضاءُ..
الحُبَّ وَفاءً .. كُلَّ صَباحْ
يَا شَاعِرَها الصَّبَّ الصَّداحْ
مَن غَيرُكَ .. هَامَ بِها شَوقاً
مَن غَيرُكَ .. غَازَلها عِشقاً
والعِشقُ لِزنبَقةٍ في حُكمِ الشِّعرِ مُباحْ
قَبسٌ من فَيضِ سَناكَ..
يُسافِرُ ما بينَ الأقمارْ
يَرتادُ مَداراً بَعدَ مَدارْ
وأراكَ.. يُطلُ مُحيَّاكَ المَسكونُ رُؤىً
نَزلتْ تَتوضَّأُ وتُصلّي في مِحرابي
تَتلو هَمساً آياتِ الحُبِّ..
فَتغمرُ بِالحُبِّ كِتابي
وتُلوِّنُ هذا الزَّمنَ المُجدبَ بِالنوَّارْ
الَّليلُ حَزينٌ بَعدَ رَحيلِكَ.. لَيلَ نَهارْ
ما زالَ أَسيراً في مَنفاهُ..
من الآصالِ إلى الأسحارْ
والمَوعِدُ دَقّتْ سَاعتُهُ
رَقصتْ أنجُمُها سَاحتُهُ
لكنَّ الفارِسَ ما وطئتْ..
قَدماهُ السَّاحةَ.. أو خَفَقتْ
في أوجِ عُلاها رَايتُهُ
وسؤالٌ يَعصِفُ كالإعصارْ
هلْ حَقّاً غِبتَ..
وغَابَ شِراعُ سَناكَ عنِ الأنظارْ
الَّليلُ يَحنُّ إلى السمّارِ..
فَبعدَكَ أقفرَ حُضنُ الَّليلِ.. مِنَ السُمّارْ
لم تَلمسْ يُمناهُ أكوابَ الشِّعرِ..
ولا طافَ الساقي بِشرابٍ..
يُطفئُ في شَفتيهِ عَطشَ النّارْ
يا مَطرَ الكَلماتِ المِدرارْ
أُنثرْ كَلماتِكَ في مِحرابِ الحَرفِ رُؤىً
لوِّنْ بِالحُبِّ يَبابَ الأيّامِ الجَدباءْ
إمسحْ بِصلاتِكَ جُرحَ الَّليلاتِ الَّليلاءْ
يَا صَوتاً ما غَابَ صَداهُ
يا مَوجةَ كِبرٍ تُبحِرُ في بَحرِ إباءٍ
لم يُنهِ الإعصارُ مَداهُ
حَلّقْ في أوجِ فَضاءاتٍ.. تُمطِرُ عَبقا
أبحرْ في ضَوءِ نَهاراتٍ.. تَزهو ألقا
قفْ عندَ المَرفأِ مُنطَلقا
جَدّفْ جَدّفْ.. مِجدافُكَ لم يَرهبْ يَوماً
غضبةَ بَحرٍ.. وَحشَةَ إبحارْ
أو تَجديفاً عَكسَ التيّارْ
إن كُنتَ هُناكَ.. فَمنكَ أَنا
ما زِلتُ هُنا.. مَا زلتُ هُنا
كَلماتُكَ لِي.. تَنسابُ على عَطشِ القَلبِ
تُورِقُ حُبَّاً.. تِزهِرُ حُبَّاً
تَحملُ من قلبِكَ لي قَلباً
كَلماتُكَ تُدخِلُني زَمناً.. غَيرَ الزَّمنِ
تُهديني وَطناً يَسكُنُني
وَطناً.. أَحملُهُ في رَكبي
كَلماتُكَ.. أقرأُها شَمساً
تَغتالُ العَتمَةَ في دَربي