إبراهيم هنانو
القائد المجاهد المتوكل على الله
إبراهيم هنانو
محمد فاروق الإمام
أحرق أثاث بيته بعد دخول الفرنسيين سورية وقال: (لا أريد أثاثاً في بلد مستعمر).. إنه القائد المجاهد الذي لقبه المجاهدون (المتوكل على الله) عندما أعلن الثورة على الفرنسيين.
إنه إبراهيم بن سليمان آغا بن محمد هنانو، الذي قاد المقاومة في مواجهة الغزو الفرنسي. وكان أحد قادة الثورة السورية الكبار على المستعمر الفرنسي.
ولد إبراهيم هنانو في بلدة "كفر تخاريم" غربي مدينة حلب في غرة عام 1869م. نشأ في أسرة كردية غنية، أتم الدراسة الابتدائية في كفر تخاريم، ثم انتقل إلى حلب حيث أتم دراسته الثانوية. ودرس بالجامعة السلطانية في الآستانة، وأنهى دراسة الحقوق فيها.
بعد إنهاء دراسته عين مديراً لناحية في ضواحي استانبول لمدة ثلاث سنوات، بعد ذلك تم تعيينه قائم مقام بنواحي أرضروم ليبقي فيها أربع سنوات، ثم ليتم تعينه بعدها قاضي تحقيق في كفر تخاريم، حيث بقي فيها ما يقارب الثلاث سنوات.
انتخب عضواً في مجلس إدارة حلب لمدة أربع سنوات، وعين بعدها رئيسا لديوان الولاية لمدة سنتين وكان رشيد طليع والي حلب، الذي شجعه على الثورة في الشمال بالتنسيق مع الملك فيصل الأول، وتم انتخابه ممثلا لمدينة حلب في المؤتمر السوري الأول في دمشق في دورة عام ( 1919 - 1920 م)
اختار الوطنيون الثائرون إبراهيم هنانو لتشكيل قوات عربية على شكل مجموعات من المجاهدين لمشاغلة الفرنسيين الذين احتلوا مدينة إنطاكية والتي كانت تحت سيطرة عزة هنانو أخو إبراهيم، والذي اضطر لتسليم المدينة بناء على أوامر الحكومة العربية في سورية.
وكان أول صدام مسلح بين الثوار والقوات الفرنسية في 23 تشرين الأول عام 1919م، حيث استمر القتال لقرابة السبع ساعات. وأقام هنانو محكمة للثورة لكل من يتعامل مع فرنسا أو يسيء للثورة.
قامت فرق المجاهدين التابعة له، بعمليات نوعية ضد الفرنسيين محققة نجاحات كبيرة، فذاع صيت هنانو وكثر مريديه، بل حتى أن ابنته طلبت خمسة رؤوس لجنود فرنسيين كمهر لها.
أصبح وضعه بعد فترة صعباً بسبب حاجته الماسة للسلاح والعتاد، فقد كان الضغط الفرنسي كبيرً، فاضطر إلى الاستعانة بأصدقائه في تركيا لطلب العون. مما أمن له سلاحاً وذخيرة كانت كافية لإلحاق أضرار فادحة بالفرنسيين في جميع المواجهات، سواء من ناحية الأفراد أو العتاد. و يبلغ عدد المواجهات بين الطرفين التي قادها بنفسه سبع و عشرون معركة. بل أنه في معركة مزرعة السيجري، استطاع أسر جنود فرنسيين. وقام باسترداد مناطق واسعة من السيطرة الفرنسية منها منطقته التي ولد بها كفر تخاريم.
قام الفرنسيون على إثر ذلك بدخول دمشق ومن ثم حلب لقمع الثورة، ولجأ هنانو وقواته إلى جبل الزاوية؛ ضمن المنطقة المحصورة بين حماة وحلب وإدلب، فقام الكثير بالانضمام إليه هنالك مما سمح له بإنشاء قاعدة عسكرية ولتصبح المنطقة مقراً له. أطلق عليه أتباعه لقب المتوكل على الله بسبب قوله توكلنا على الله كلما ذهب مع قواته للإغارة على الفرنسيين.
قام بعدها بنقل منطقة قيادته إلى جبل الأربعين وازداد عدد أتباعه بسرعة بعد انتصاراته على الفرنسيين، فقام هنانو بإعلان دولة حلب و إقامة حكومة مستقلة بإدارته. على إثر ذلك بدأت مفاوضات بينه و بين الفرنسيين ممثلة بكل من الكولونيل فوان و الجنرال غوبو، واشترط هنانو للبدء بالمفاوضات إيقاف تحرك القوات الفرنسية.
قام مصطفى كمال أتاتورك بتوقيع اتفاقية مع فرنسا، وأوقف معونته للثوار السوريين مما أدى إلى إضعاف موقف هنانو في المفاوضات. وأصر الفرنسيون على أن تصبح الدولة التي يطالب بها في المناطق التي تخضع لثورته (إدلب وحارم وجسر الشغور وأنطاكية )، مكبلة بقيود عسكرية مع الفرنسيين. الأمر الذي رفضه هنانو، ورأى به اتفاقاً مذلاً. و اتضح له لاحقاً أن فرنسا تجمع قواتها كلها إلى الساحل السوري. ولهذا كانت تفاوض هنانو لإلهائه فقد قام غورو بجمع 100,000 جندي على الساحل السوري.
حكم الفرنسيون على هنانو أربع أحكام غيابية بالإعدام من قبل محكمة الجنايات العسكرية الفرنسية، ومع سيطرة الفرنسيين على الطرق، ونقص الدعم العسكري لهنانو، اضطر في تموز عام 1921م إلى مغادرة معاقله إلى الجنوب للقاء الشريف عبد الله بن الحسين. وفي الطريق إلى شرق الأردن تعرض لكمين قرب جبل الشعر بالقرب من حماة في 16 تموز عام 1921م، حيث دارت معركة مكسر الحصان بينه وبين الكامنين له، فقد خلالها معظم من كان معه. واستطاع هو النجاة بنفسه. و تم القضاء على ثورته.
لم يتم اللقاء بين هنانو والشريف عبد الله، فأكمل هنانو طريقه إلى القدس حيث قبض عليه الإنجليز في 13 آب عام 1921م و سلموه إلى الفرنسيين.
وبعد القبض على هنانو قُدم إلى محكمة الجنايات العسكرية الفرنسية بتهمة الإخلال بالأمن والقيام بأعمال إجرامية، وعقدت المحاكمة أول جلساتها في 15 آذار 1922م في ظل إجراءات أمن مشددة، وترافع فتح الله الصقال، أبرز محامي حلب للدافع عن هنانو، حيث أظهر أن التهمة باطلة كون هنانو خصم سياسي وليس مجرماً، بدليل أن الفرنسيين قبلوا بالتفاوض معه مرتين ووقعوا معه هدنة.
في 25 آذار عام 1922م طالب النائب العام الفرنسي المحكمة بإعدامه قائلا " لو أن لهنانو سبعة رؤوس لطلبت قطعها جميعاً"· لكن القاضي الفرنسي أطلق سراح هنانو معتبراً ثورته ثورة سياسية مشروعة، معلنا استقلالية السلطة القضائية الفرنسية عن السلطة العسكرية.
كان هنانو أحد أعضاء الكتلة الوطنية، وتولى زعامة الحركة الوطنية في شمال سورية. في عام 1928 تم تعيينه رئيسا للجنة الدستور في الجمعية التأسيسية لوضع الدستور السوري، إلا أن المفوض السامي الفرنسي سعى إلى تعطيل الجمعية التأسيسية والدستور مما أدى إلى خروج مظاهرات تطالب بتنفيذ بنود الدستور. وفي عام 1932م وفي مؤتمر الكتلة الوطنية انتخب إبراهيم هنانو زعيما للكتلة الوطنية. و في عام 1933م لعب دوراً في استقالة حكومة حقي باشا العظم، بسبب نيتها الموافقة على المعاهدة الفرنسية.
في أيلول عام 1933م قام شخص يدعى نيازي الكوسى، بإطلاق النار على هنانو في أثناء وجوده في قريته إلا أن الرصاص أصاب قدمه، وتم القبض على الكوسى في إنطاكية، وحكم بالسجن عشر سنوات، إلا أن المفوض السامي الفرنسي أصدر عفواً خاصاً بحق الكوسى مما دفع الجميع للاعتقاد بعلاقة الفرنسيين بحادثة محاولة الاغتيال.
قصد الزعيم إبراهيم هنانو قريته " ستي عاتكة " للإقامة فيها، وفي صباح الخميس الثاني عشر من تشرين الثاني عام 1935 أحس بألم شديد فأمسك ساعة، وصار يعد نبضه. وحين شعر أن عدد نبضاته يتجاوز المائة، ألقى الساعة من يده، وقال لمن حوله: قولوا لإخوتي . (الوطن بين أيديهم). وتوفي في يوم الخميس الموافق 21 تشرين الثاني عام 1935م، و صلي عليه في الجامع الأموي لتشيعه أهل حلب في موكب مهيب بكل الأسى والحزن والتكريم.
لقد عاش إبراهيم هنانو كما عاش " راما " نقياً كالنار، ثابتاً كالطود، واسعاً - كالبحر، ومات كما تموت الشمعة، التي تحترق لتضيء للناس، وتلتهب حتى تذوب.
مات رحمه الله وقد ترك سورية معقلاً للأحرار وقبلة للثوار ومدرسة للوطنيين والمجاهدين.