شاعر النيل حافظ إبراهيم
شاعر النيل
حافظ إبراهيم
محمد فاروق الإمام
[email protected]
محمد حافظ بن إبراهيم فهمي المهندس المشهور باسم حافظ إبراهيم،
ولد في ديروط
بمحافظة أسيوط
في
24 شباط
عام
1872م
شاعر
مصري
ذائع الصيت. عاشر
أحمد شوقي
ولقب بشاعر النيل وبشاعر الشعب.
ولد حافظ إبراهيم على متن سفينة كانت راسية على
النيل
أمام
ديروط
وهي مدينة
بمحافظة أسيوط
من أب مصري وأم
تركية.
توفي والداه وهو صغير. وقبل وفاتها، أتت به أمه إلى
القاهرة
حيث نشأ بها يتيماً تحت كفالة خاله الذي كان ضيق الرزق حيث كان يعمل مهندساً في
مصلحة التنظيم. ثم انتقل خاله إلى مدينة
طنطا
وهنالك أخذ حافظ يدرس في
الكتاتيب.
أحس حافظ إبراهيم بضيق خاله به مما أثر في نفسه، فرحل عنه وترك له رسالة كتب فيها:
ثقلت عليك مؤونتي ... إني أراها واهبة
فافرح فإني ذاهب ... متوجه في داهية
بعد أن خرج حافظ إبراهيم من عند خاله هام على وجهه في طرقات
مدنية طنطا حتى انتهى به الأمر إلى مكتب
المحامي
محمد أبو شادي،
أحد زعماء
ثورة 1919م،
وهناك اطلع على كتب الأدب وأعجب بالشاعر
محمود سامي
البارودي. وبعد أن عمل بالمحاماة لفترة من الزمن،
التحق حافظ إبراهيم بالمدرسة الحربية في عام
1888م
وتخرج منها في عام
1891م
ضابط برتبة
ملازم ثان
في
الجيش المصري
وعين في
وزارة الداخلية.
وفي عام
1896م
أرسل إلى
السودان
مع
الحملة المصرية
إلا أن الحياة لم تطب له هنالك، فثار مع بعض الضباط. نتيجة لذلك، فأحيل على
الاستيداع بمرتب ضئيل.
كان حافظ إبراهيم إحدى أعاجيب زمانه، ليس فقط في جزالة شعره بل
في قوة ذاكرته التي قاومت السنين ولم يصيبها الوهن والضعف على مر 60 سنة هي عمر
حافظ إبراهيم، فإنها ولا عجب اتسعت لآلاف الآلاف من القصائد العربية القديمة
والحديثة ومئات المطالعات والكتب وكان باستطاعته – بشهادة أصدقائه – أن يقرأ كتاب
أو ديوان شعر كامل في عدة دقائق وبقراءة سريعة ثم بعد ذلك يتمثل ببعض فقرات هذا
الكتاب أو أبيات ذاك الديوان. وروى عنه بعض أصدقائه أنه كان يسمع قارئ القرآن في
بيت خاله يقرأ سورة الكهف أو مريم أو طه فيحفظ ما يقوله ويؤديه كما سمعه بالرواية
التي سمع القارئ يقرأ بها.
يعتبر شعره سجل الأحداث، إنما يسجلها بدماء قلبه وأجزاء روحه
ويصوغ منها أدباً قيماً يحث النفوس ويدفعها إلى النهضة، سواء أضحك في شعره أم بكى
وأمل أم يئس، فقد كان يتربص كل حادث هام يعرض فيخلق منه موضوعا لشعره ويملؤه بما
يجيش في صدره.
مع تلك الهبة الرائعة، فأن حافظ أصابه - ومن فترة امتدت من
1911
إلى
1932م
– داء اللامبالاة والكسل وعدم العناية بتنمية مخزونه الفكري وبالرغم من إنه كان
رئيساً للقسم الأدبي بدار الكتب إلا أنه لم يقرأ في هذه الفترة كتاباً واحداً من
آلاف الكتب التي تذخر بها دار المعارف، الذي كان الوصول إليها يسير بالنسبة لحافظ،
تقول بعض الآراء أن هذه الكتب المترامية الأطراف ألقت في سأم حافظ الملل، ومنهم من
قال بأن نظر حافظ بدا بالذبول خلال فترة رئاسته لدار الكتب وخاف من المصير الذي لحق
ي
في أواخر أيامه.
كان حافظ إبراهيم رجل مرح وأبن نكتة وسريع البديهة يملأ المجلس
ببشاشته و فكاهاته الطريفة التي لا تخطئ مرماها.
وأيضاً تروى عن حافظ إبراهيم مواقف غريبة مثل تبذيره الشديد
للمال فكما قال
العقاد:
(مرتب سنة في يد حافظ إبراهيم يساوى مرتب شهر) ومما يروى عن غرائب تبذيره أنه
استأجر قطار كامل ليوصله بمفرده إلى
حلوان
حيث يسكن وذلك بعد مواعيد العمل الرسمية.
مثلما يختلف
الشعراء
في طريقة توصيل الفكرة أو الموضوع إلى المستمعين أو القراء، كان لحافظ إبراهيم
طريقته الخاصة فهو لم يكن يتمتع بقدر كبير من الخيال ولكنه أستعاض عن ذلك بجزالة
الجمل وتراكيب الكلمات وحسن الصياغة بالإضافة أن الجميع اتفقوا على أنه كان أحسن
خلق الله إنشاداً للشعر. ومن أروع المناسبات التي أنشد حافظ بك فيها شعره بكفاءة هي
حفلة تكريم
ي
ومبايعته أميراً للشعر في
دار الأوبرا
الخديوية، وأيضاً القصيدة التي أنشدها ونظمها في
الذكرى السنوية لرحيل
مصطفى كامل
التي خلبت الألباب وساعدها على ذلك الأداء المسرحي الذي قام به حافظ للتأثير في بعض
الأبيات، ومما يبرهن على ذلك المقال الذي نشرته إحدى الجرائد والذي تناول بكامله فن
إنشاد الشعر عند حافظ. ومن الجدير بالذكر أن
ي
لم يلقي في حياته قصيدة على ملأ من الناس حيث كان الموقف يرهبه فيتلعثم عند
الإلقاء.
حافظ كما يقول عنه
خليل مطران
"أشبه بالوعاء يتلقى الوحي من شعور الأمة وأحاسيسها ومؤثراتها في نفسه, فيمتزج ذلك
كله بشعوره و إحساسه، فيأتي منه القول المؤثر المتدفق بالشعور الذي يحس كل مواطن
أنه صدى لما في نفسه". ويقول عنه أيضاً "حافظ المحفوظ من أفصح أساليب العرب ينسج
على منوالها ويتذوق نفائس مفرداتها وإعلاق حلالها." وأيضاً "يقع إليه ديوان فيتصفحه
كله وحينما يظفر بجيده يستظهره، وكانت محفوظاته تعد بالألوف وكانت لا تزال ماثلة في
ذهنه على كبر السن وطول العهد، بحيث لا يمتري إنسان في أن هذا الرجل كان من أعاجيب
الزمان".
وقال عنه
العقاد
"مفطوراً بطبعه على إيثار الجزالة و الإعجاب بالصياغة والفحولة في العبارة."
كان شوقي
يعتز بصداقه حافظ إبراهيم ويفضله على أصدقائه. وكان حافظ إبراهيم يرافقه في عديد من
رحلاته وكان لشوقي أيادي بيضاء على حافظ فساهم في منحه لقب بك وحاول أن يوظفه في
جريدة الأهرام
ولكن فشلت هذه المحاولة لميول صاحب الأهرام - وكان حينذاك من
لبنان
- نحو الإنجليز وخشيته من المبعوث البريطاني
اللورد كرومر.
سافر حافظ إبراهيم إلى
سورية،
وعند زيارته للمجمع العلمي
بدمشق
قال هذين البيتين:
شكرت جميل صنعكم بدمعي ... ودمع العين مقياس الشعور
لأول مرة قد ذاق جفني ... على ما ذاقه دمع السرور
لاحظ الشاعر مدى ظلم المستعمر وتصرفه بخيرات بلاده فنظم قصيدة
بعنوان الامتيازات الأجنبية، ومما جاء فيها:
سكتُّ فأصغروا أدبي ... وقلت فأكبروا أربي
يقتلنا بلا قود ... ولا دية ولا رهب
ويمشي نحو رايته ... فنحميه من العطب
فقل للفاخرين: أما ... لهذا الفخر من سبب؟
أروني بينكم رجلاً ... ركيناً واضح الحسب
أروني نصف مخترع ... أروني ربع محتسب؟
أروني نادياً حفلاً ... بأهل الفضل والأدب؟
وماذا في مدارسكم ... من التعليم والكتب؟
وماذا في مساجدكم ... من التبيان والخطب؟
وماذا في صحائفكم ... سوى التمويه والكذب؟
حصائد ألسنٍ جرّت ... إلى الويلات والحرب
فهبوا من مراقدكم ... فإن الوقت من ذهب
وله قصيدة عن لسان صديقه يرثي ولده، وقد جاء في مطلع قصيدته:
ولدي، قد طال سهدي ونحيبي ... جئت أدعوك فهل أنت مجيبي؟
جئت أروي بدموعي مضجعاً ... فيه أودعت من الدنيا نصيبي
ويجيش حافظ إذ يحسب عهد الجاهلية أرفق حيث استخدم العلم للشر،
وهنا يصور موقفه كإنسان بهذين البيتين ويقول:
ولقد حسبت العلم فينا نعمة ... تأسو الضعيف ورحمة تتدفق
فإذا بنعمته بلاء مرهق ... وإذا برحمته قضاء مطلق
ومن شعره أيضاً:
كم مر بي فيك عيش لست أذكره ... ومر بي فيك عيش لست أنساه
ودعت فيك بقايا ما علقت به ... من الشباب وما ودعت ذكراه
أهفو إليه على ما أقرحت كبدي ... من التباريج أولاه وأخراه
لبسته ودموع العين طيّعة ... والنفس جياشة والقلب أواه
فكان عوني على وجد أكابده ... ومر عيش على العلات ألقاه
إن خان ودي صديق كنت أصحبه ... أو خان عهدي حبيب كنت أهواه
قد أرخص الدمع ينبوع الغناء به ... وا لهفتي ونضوب الشيب أغلاه
كم روح الدمع عن قلبي وكم غسلت ... منه السوابق حزناً في حناياه
قالوا تحررت من قيد الملاح فعش ... حراً ففي الأسر ذلّ كنت
تأباه
فقلت يا ليته دامت صرامته ... ما كان أرفقه عندي وأحناه
بدلت منه بقيد لست أفلته ... وكيف أفلت قيداً صاغه الله
أسرى الصبابة أحياء وإن جهدوا ... أما المشيب ففي الأموات أسراه
وقال:
والمال إن لم تدخره محصناً ... بالعلم كان نهاية الإملاق
والعلم إن لم تكتنفه شمائل ... تعليه كان مطية الإخفاق
لا تحسبن العلم ينفع وحده ... ما لم يتوج ربه بخلاق
من لي بتربية النساء فإنها ... في الشرق علة ذلك الإخفاق
الأم مدرسة إذا أعددتها ... أعددت شعباً طيب الأعراق
الأم روض إن تعهده الحيا ... بالري أورق أيما إيراق
الأم أستاذ الأساتذة الألى ... شغلت مآثرهم مدى الآفاق
أنا لا أقول دعوا النساء سوافراً ... بين الرجال يجلن في
الأسواق
يدرجن حيث أردن لا من وازع ... يحذرن رقبته ولا من واقي
يفعلن أفعال الرجال لواهياً ... عن واجبات نواعس الأحداق
في دورهن شؤونهن كثيرة ... كشؤون رب السيف والمزراق
تتشكّل الأزمان في أدوارها ... دولاً وهن على الجمود بواقي
فتوسطوا في الحالتين وأنصفوا ... فالشر في التّقييد والإطلاق
ربوا البنات على الفضيلة إنها ... في الموقفين لهنّ خير وثاق
وعليكمُ أن تستبين بناتكم ... نور الهدى وعلى الحياء الباقي
وقال في الصد عن اللغة العربية ونسيان أمرها:
رجعت لنفسي فاتهمت حصاتي ... وناديت قومي فاحتسبت حياتي
رموني بعقم في الشباب وليتني ... عقمت فلم أجزع لقول عداتي
ولدت ولما أجد لعرائسي ... رجالاً وأكفاء وأدت بناتي
توفي حافظ إبراهيم في الساعة الخامسة من صباح يوم الخميس 21
حزيران عام 1932م، وكان قد أستدعى 2 من أصحابه لتناول العشاء ولم يشاركهما لمرض أحس
به. وبعد مغادرتهما شعر بوطء المرض فنادى غلامه الذي أسرع لاستدعاء الطبيب وعندما
عاد كان حافظ في النزع الأخير، توفى رحمه الله ودفن في مقابر
السيدة نفيسة.
وعندما توفى حافظ كان
أحمد
شوقي يصطاف في
الإسكندرية
وبعدما بلّغه سكرتيره – أي سكرتير شوقي - بنبأ وفاة حافظ بعد ثلاث أيام لرغبة
سكرتيره في إبعاد الأخبار السيئة عن شوقي ولعلمه بمدى قرب مكانة حافظ منه، شرد شوقي
لحظات ثم رفع رأسه وقال أول بيت من مرثيته لحافظ:
قد كنت أوثر أن تقول رثائي ... يا منصف الموتى من الأحياء
آثاره الأدبية:
الديوان.
البؤساء: ترجمة عن فكتور هوغو.
ليالي سطيح في النقد الاجتماعي.
في التربية الأولية. ( معرب عن الفرنسية)
الموجز في علم الاقتصاد. ( بالاشتراك مع خليل مطران )