الشيخ عبد الرحمن الباني رحمه الله
كما عرفته (1)
د. حبيب بن مصطفى زين العابدين
لقد كان الشيخ عبدالرحمن الباني - رحمه الله رحمةَ الأبرار وحشرَه في زمرة الصالحين الأخيار، هو وموتانا وموتى المسلمين أجمعين - يمتاز بأخلاق عالية وتواضُع جمٍّ، وقد تعرَّفته بعد عودتي من الدراسة بألمانيا، ودرستُ عليه العديدَ من العلوم الإسلاميَّة والعربيَّة، ومن أهمِّ ما تعلَّمته من الفقيد - رحمه الله - أهميَّةُ اللغة العربيَّة في تدريس العلوم، وأنها المنطلَق لامتلاك العلوم من جديد، وقمت مستفيدًا من نصيحته بتدريس بعض علوم الهندسة المدنيَّة بجامعة الملك فيصل بالدمَّام باللغة العربيَّة، وأصدرتُ عددًا من الكتب التي تخدم تدريسَ هذه الموادِّ بكليَّة العمارة والتخطيط، وهي تعَدُّ من المراجع المهمَّة التي تساعد على فهم هذه الموادِّ بلغتنا الحبيبة.
كما أصدرت كتيِّبًا عن أهميَّة تدريس العلوم باللغة العربيَّة، وألقيت عددًا من المحاضرات والبحوث في هذا المجال؛ بما وفَّره الشيخ لنا من مراجعَ، رحمه الله.
لقد كان الشيخ يدرِّس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلاميَّة، وكان تصحيحُه لأوراق الامتحانات عجيبًا؛ إذ كان درسًا جديدًا وتوجيهًا للطالب بحيثُ يستفيد من أوراق الإجابة في معرفة أخطائه.
طلبنا منه في مرَّة من المرَّات أن يحضِّرَ لنا موضوعًا عن أمر كان يشغلنا في جلسة أسبوعيَّة يحضُرها عادةً حوالي خمسةَ عشرَ شخصًا، فذكر لنا الشيخ أنه رجع إلى أكثرَ من مئة مرجع ليتحدَّث عن الموضوع، ليس في مؤتمر ولا ندوة ولا مُلتقًى، وإنما في جلسة متواضعة لبضعة أشخاص.
رحم الله شيخنا فقد كان يشعُر بالمسؤوليَّة، ويحاسب نفسَه كما يحاسب طلبَتَه، فمن مآثره أنه ظلَّ يحاول بجدٍّ واجتهاد ترجمةَ أحد المراجع الأجنبيَّة التي يتحدَّث فيه كاتبه عن أثر العلوم الإسلاميَّة والعربيَّة في نهضة العلوم الحديثة، وأنها كانت في كثير منها الأساسَ والمنطلَق... حتى تمكَّنَ الأخ محمد بن سعيد السيِّد من تحقيق أمنيَّة الشيخ وصدر المؤلَّف باللغة العربية([2]).
آخرُ ما سمعته من شيخنا الحبيب قبل وفاته - رحمه الله رحمةَ الأبرار - كان في حفل زِفاف ابنتي أمان؛ حيث تكلَّم على العقيدة وأهميَّتها في حياة المسلم بمفهومها الشامل.
ولا ننسى أن ننوِّهَ بالشرح الجميل والمستفيض للشيخ عبدالرحمن الباني لرسالة "العبودية" للعلامة شيخ الإسلام ابن تيميَّة، والذي استفدتُّ منه في كتاب أعكف على إصداره بإذن الله تعالى، عن مفهوم العبادة الشامل بين المظهر والجوهر.
قليلون - في أيامنا هذه - هم المربُّون الذين يتركون بصَمات على حياة غيرهم، وآثارًا طيِّبة في المجتمعات التي عاشوا فيها؛ كمثل شيخنا عبدالرحمن الباني رحمه الله رحمةَ الأبرار.
نسأل الله العليَّ القدير أن يجزيَهُ عن كلِّ ما قدَّمه للإسلام والمسلمين خيرَ الجزاء، ويجعلَ ذلك في ميزان حسَناته، ويجمعَنا به في مستقرِّ رحمته، إنه سميعٌ قريب مجيب.
وكيل الوزارة
رئيس الإدارة المركزية للمشروعات التطويرية
د. م. حبيب بن مصطفى زين العابدين
([1]) كتب صاحب المعالي الدكتور المهندس الفاضل حبيب بن مصطفى زين العابدين وكيلُ وزارة الشؤون البلدية والقَروية هذه الكلمةَ مشكورًا؛ استجابةً لطلبي، لتُنشرَ في كتابي عن شيخنا الجليل الراحل عبدالرحمن الباني رحمه الله. (أيمن بن أحمد ذوالغنى).
([2]) كان الشيخ على مدار قُرابة خمسين عامًا يحثُّ المتخصِّصين والمهتمِّين على ترجمة كتاب العالم البلجيكي جورج سارطون: "مدخل لتاريخ العلم"، وقد استجاب لرغبته مشكورًا رجل الأعمال السُّعودي الفاضل محمد بن سعيد السيِّد، فأخرج منه القسم الخاصَّ بالحضارة الإسلاميَّة بعنوان: "مدخل لتاريخ العلم؛ عصر الحضارة الإسلاميَّة"، وتولَّى ترجمةَ الكتاب د. أحمد عبد الفتَّاح اللَّيثي رئيس الجمعيَّة الدَّولية لمترجمي العربيَّة، وراجعه علميًّا الأستاذ البروفيسور د. عبدالرحمن السليمان من جامعة لوفين ببلجيكا، وراجعه أيضًا شيخنا عبدالرحمن الباني وقدَّم له بمقدِّمة جُعلت تحت عنوان: (بيان فضيلة الشيخ العلامة عبدالرحمن الباني)، وقدَّم للكتاب أيضًا العالم الدكتور محمد مراياتي كبير المستشارين في العلم والتقنيَّة للتنمية المستدامة بالأمم المتحدة، وصدر عن دار السيِّد للنشر، ط1، 1432هـ/ 2011م. (أيمن بن أحمد ذوالغنى).