المفكر الوطني عبد الحميد الزهراوي
المفكر الوطني
عبد الحميد الزهراوي
محمد فاروق الإمام
ذات نهار عربي من عام 1916 كان كوكبة من عشاق الحرية العرب يتأهبون لملاقاة الموت أمام المشانق التي نصبها جمال باشا السّفاح في دمشق وبيروت بعد محاكمة صورية في سجن عالية بلبنان، وبين هذه الكوكبة كان الشيخ عبد الحميد بن محمد شاكر بن إبراهيم الزهراوي المفكر والشاعر وأحد رموز النهضة السياسية السورية.
وُلِدَ عبد الحميد في مدينة حمص عام 1885وبدأ دراسته فيها بتعلّم اللغة العربية وآدابها ثم عكف على دراسة اللغة التركية فأتقنها، وأتمّ دراسته في المكتب الرشدي بحمص ثم طلب العلوم العقلية والنقلية على أيدي علماء عصره أمثال: الشيخ عبد الستار الأتاسي والشيخ عبد الباقي الأفغاني، ثم اجتهد في التحصيل على نفسه وإذ به يصبح المرجع الأول للمثقفين والأدباء في حمص .
برز نشاط الزهراوي بانتقاد الحكومة العثمانية بجُرْأة متناهية حين أصدر جريدة أسماها (المنبر) السرية عام 1894 حيث كان يحررها ويطبعها على الجلاتين ويوزّعها بنفسه سراً وبالمجّان شارحاً فيها كل ما يريد من تلاحم أبناء الأمة العربية ضد الظلم، وتوقفت ( المنبر) عن الصدور بفعل التسلّط والتشدّد، ووُضعَ الزهراوي تحت المراقبة الشديدة.
في صيف عام 1895 سافر إلى اسطنبول لأعمال تجارية. أثناء وجوده فيها عرف بالنشاط السياسي للطلاب العرب، عندئذ انصرف عن الأعمال التجارية وعمد إلى التعمّق في دراسة كتب العلم والأدب والسياسة في مكتبات اسطنبول، ثم أخذ ينشر في جريدة (المعلومات) التي كانت تصدر باللغة العربية، المقالات التوجيهية والتثقيفية لأبناء الشعب العربي ويوجّه الانتقادات العنيفة للأساليب اللاّإنسانية التي يتّبعها الاتحاديون في البلاد العربية، فعرض عليه منصب قاضٍ في أحد الولايات التي يختارها لكنّه رفض العرض. فأصدر السلطان أمراً بتوقيفه سنة 1897 ثم أرسله للإقامة الجبرية في دمشق ومنحه راتباً شهرياً مقداره / 500 / قرشاً ذهبياً. لكن الشيخ الزهراوي تابع نشاطه الوطني في دمشق وعمل مراسلاً لصحيفة المقطّم المصرية فألقي القبض عليه وأرسل إلى اسطنبول، ثم أُعيد إلى حمص في آذار 1898 وفرضت عليه الإقامة الجبرية في منزله. وهرب إلى مصر وعمل في صحافتها حتى عام 1908 حيث قام رجال ( تركيا الفتاة) باغتصاب السلطة أواخر شهر تموز 1908 وأعلنوا إقرار الدستور العثماني. وبعد هذا الإعلان، انتخبت مدينة حمص ممثلها في مجلس المبعوثان الشيخ عبد الحميد الزهراوي بأكثرية ساحقة في شهر أيلول سنة 1908. فسافر الزهراوي في أوائل تشرين الأول إلى اسطنبول لتمثيل بلده وأمته، وهناك رفع صوته عالياً مطالباً بحقوق أمّته العربية وحرّيتها وأصدر جريدة (الحضارة ) الأسبوعية مع شاكر الحنبلي ثم استقل بها عام 1910 وجعلها منبراً لكل الشباب العرب الذين كانوا يتابعون دراستهم العليا في اسطنبول.
وكان قد تعرّف في حمص على رفيق رزق سلوم حيث تطابقت أفكارهما حول القضية الوطنية، ونصح الزهراوي صديقه رفيق بأن يسافر إلى اسطنبول لدراسة الحقوق فسافر إليها بنهاية صيف 1909 وبدأ يحرّر في جريدة الحضارة.
بدأ المناضلون العرب يهاجمون حزب الاتحاديين التركي وأقروا بتأسيس أحزاب وجمعيات مناوئة له منها:
جمعية الجامعة العربية أسسها رشيد رضا في القاهرة سنة 1909 من أعضــــائها الدكتور عبد الرحمن الشهبندر ورفيق العظم.
جمعية العربية الفتاة تأسست في باريس عام 1911 من أهدافها المطالبة بالاستقـلال التام للبلاد العربية ومن أعضائها : شكري القوتلي وفارس الخوري. حزب اللامركزية العربية تأسس بالقاهرة عام 1912. وجمعية البصرة الإصلاحية. والمنتدى العربي، ثم الجمعية الثورية القحطانية أسسها في مصر حقي العظم سنة 1913 ومن أعضائها عمر الأتاسي، الخوري عيسى أسعد، عبد الحميد الزهراوي، رفيق رزق سـلوم، عزة الجندي.
ويأتي عام 1913 عام انعقاد المؤتمر العربي الأول بباريس الذي كان بداية نهضة عربية قومية وقد ترأس المؤتمر عبد الحميد الزهراوي على الرغم من عدم كونه عضواً في حزب اللامركزية الذي دعا الى المؤتمر لكن أعضاء المؤتمر عينوه رئيساً له لمكانته العلمية والاجتماعية والسياسية وقد قال في المؤتمر كلمته التي ظلت ترن في آذان حكام تركيا الجدد طويلاً..."إن العرب كانوا قد ألفوا الترك وهؤلاء قد ألفوا العرب وامتزج الفريقان امتزاجاً عظيماً لكن كما مزجت بينهم السياسة فرقت بينهم السياسة هذه الرابطة قد أصبحت مهددة بالسياسة أكثر مما كانت مهددة من قبل" !.
اهتمت الحكومة التركية للأمر وأرسلت إليه موفداً خاصاً لإقناعه بالعودة لتحقيق طلبات المؤتمرين فعاد إلى اسطنبول عام 1913 وعُيّنَ عضواً في مجلس الأعيان. واستمر الزهراوي على موقفه من الاتحاديين مع مجموعة من رفاقه أعضاء المؤتمر الذين كانوا يعملون في سبيل حرية بلادهم واستقلالها عن الاتحاديين حكام تركيا الجدد، ففي أواسط شهر آب 1915 ألقي القبض على عدد من المناضلين بأمر من السفّاح جمال باشا منهم الشيخ عبد الحميد الزهراوي، وتمت إحالة المعتقلين إلى الديوان العرفي الذي شكّله في بلدة عالية. وتعرّضوا خلال الاعتقال للإهانة والتعذيب. وبعد محاكمة صورية حكم عليه بالإعدام شنقاً حتى الموت بتهمة خيانة الدولة العليا، وكانت آخر كلماته قبل الإعدام: (إن العناية ترعى وطننا الحبيب إننا سوف نصل إلى الحصول على استقلالنا كاملاً بعد أن ننتقم من الأعداء الخونة) وكان تنفيذ حكم الإعدام في ساحة المرجة بدمشق يوم السبت في 6 أيار 1916 ودفن في مقبرة الشهداء بدمشق.