الشيخ عدنان الدبس
من الجهاد في فلسطين...
إلى الدعوة في نيجيريا
د. محمد بن بديع موسى
الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين وعلى آله وأصحابه أجمعين.
".. بصراحة عَتَبي على إخواني السلفيين كونهم لم يطرقوا بعدُ أبواب نيجيريا, ذلك البلد الإفريقي الذي يجتهد المبشرون على أبنائه بأساليبهم المتنوعة, وإمكاناتهم المادية الكبيرة. لكن فضل الله علينا عظيم, فالدعوة قد أثمرت ثماراً مباركة في بلادنا, وذلكم أن الله عز وجل قد فتح لها باباً من أبواب الخير, فدخلته الدعوة السلفية في مطلع القرن الرابع عشر الهجري لتجد أحسن القبول عند أبنائنا, أتعلمون كيف كان ذلك؟ وعن طريق مَن؟ إنه التاجر السوري (عدنان الدبس) رحمه الله , الذي أحضر عند قدومه من دمشق كتاب (صفة صلاة النبي _ص_) للشيخ محمد ناصر الدين الألباني حفظه الله , وكان ذلك التاجر يصلي معنا في أحد المساجد, فلفت أنظارنا هذا الكتاب الذي يشرح أهم عبادة بعد توحيد الله عز وجل بطريقة سهلة ميسرة ماعهدناها من قبل حيث يصف صلاة رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ من التكبير إلى التسليم كأنك تراها ,وهو القائل عليه السلام: (صلوا كما رأيتموني أصلي)..".
بهذه الكلمات افتتح الشيخ أمين الدين أبو بكر (رئيس جمعية الدعوة في نيجيريا ) محاضرته القيمة في حملة الأصالة بمخيم منى في حج عام 1420 هـ ,حيث كان نخبة من طلبة العلم الشرعي أصحاب المنهج السلفي يحضرون تلك المحاضرة القيمة التي تحدث فيها الشيخ عن تأريخ الدعوة السلفية في نيجيريا وإنجازاتها .
وبعد أن أنهى الشيخ محاضرته اقتربتُ منه وشكرته, وأخبرته عن صلة النسب بيني وبين ذلك التاجر المجاهد عدنان الدبس وأنه ما زال على قيد الحياة في دمشق، وهو كثيراً ما يأتي إلينا, وينزل عندنا في عمان .
كم كان سرور الشيخ أمين الدين عند سماعه خَبَر (أبي سليمان) وأنه مازال على قيد الحياة ، فسألني عن صحته وأحواله ,وطلب مني أن أبلغه السلام , ثم أثنى عليه, وذكر لي فضله في نشر الدعوة السلفية في (كانو) أكبر مدن نيجيريا من حيث السكان،ثم من بعدُ في نيجيريا كلها ،وأنه كان يأتي إليهم بكتب الشيخ الألباني تباعاً كلما ذهب الى دمشق .
الشيخ عدنان بن مصطفى الدبس رحمه الله، عرفه أهل مدينة (كانو )في نيجيريا تاجراً , وداعية إلى الله بحسن خلقه, وكرمه ،واستقامة تعامله،وعرفه أصحابه وأقرانه وإخوانه من أبرز مؤسسي الحركة الإسلامية في سوريا من أمثال الدكتو مصطفى السباعي رحمه الله, والدكتور محمد الصباغ , وزهيرالشاويش, وعصام العطار, وغيرهم, عرفوه بشجاعته ,وجرأته في الحق , ونبل أخلاقه , عرفوه مجاهداً في فلسطين مع كتيبة الإخوان التي خرجت مع الدكتورالسباعي فكان قائداً عسكرياً خاض عدة معارك بنفسه, ولطالما حدثنا عن معركة القطمون ومعركة عين كارم وغيرها .
والحديث في هذا الجانب الهام أتركه لنقرأه من مذكراته التي خطها بيده والتي يحتفظ بها ابنه سليمان فلعله يتحفنا بإصدار هذه الوثائق التأريخية التي تتعلق بتأريخ جهاد الحركة الاسلاميةوموقفها من قضية فلسطين .
وأشهد أن الشيخ عدنان ما كان يذكر من جهاده في فلسطين إلا ما نسأله عنه مما قرأناه أو سمعناه عنه فكان يتكلم بما تسعفه به ذاكرته ،ويستطيعه لسانه وبكل تواضع, وذلك لأنه تعرض لحادث سيارة في دمشق عام 1979 م
بقي على إثره في المستشفى عدة شهور وفقَدَ ذاكرته مدة طويلة لكن لسانه كان يلهج دائماً بذكر الله عز وجل, وعبارات العداء للنظام الحاكم في سوريا ، مما أربك كثيراً زواره والممرضين في المستشفى آنذاك .
الشيخ عدنان الدبس كان ذو همة عالية حتى أواخر عمره الذي امتد قرابة التسعين عاماً، وكان محافظاً على اتباع السنة, وكثير الخلطة بالشيخ عبد القادر الأرناؤوط رحمه الله ، ودائم المتابعة لإصدارات الشيخ الألباني, يعرف له مكانته , ويهتم بآرائه, ويحرص على اقتناء ماصدر من كتبه كلما جاء إلى عمان, ولا يتركها حتى يُتمّ قراءتها قبل عودته إلى دمشق .
رحمك الله أبا سليمان، وأسكنك فسيح جناته, وجزاك عنا وعن المسلمين خير ما يجزي به عباده الصالحين .
والحمد لله رب العالمين.