القائد البطل إبراهيم هنانو (2)
يا شباب الثورة السورية الأبطال
هؤلاء هم آباؤكم وأجدادكم الكرام
فاقتدوا بهم ، وسيروا على نهجهم
د. أبو بكر الشامي
ولد إبراهيم هنانو في بلدة "كفر تخاريم" في محافظة إدلب في سوريا.
ونشأ في أسرة غنية ، حيث كان والده سليمان آغا أحد أكبر أثرياء مدينة حلب، ووالدته كريمة الحاج علي الصرما من أعيان كفر تخاريم ..
أتم الدراسة الابتدائية في كفر تخاريم ، ثم انتقل إلى حلب حيث أتم دراسته الثانوية، ثم درس الحقوق في استانبول .
بعد إنهاء دراسته عين مديرا للناحية في ضواحي استانبول لمدة ثلاث سنوات ، ثم تم تعينه قائم مقام بنواحي أرضروم ليبقي فيها أربع سنوات ، ليتم تعينه بعدها قاضي تحقيق في كفر تخاريم ، حيث بقي فيها ما يقارب الثلاث سنوات.
انتخب عضوا في مجلس إدارة حلب لمدة أربع سنوات، وعين بعدها رئيسا لديوان الولاية لمدة سنتين وذلك عند رشيد طليع والي حلب، والذي شجعه على الثورة في الشمال بالتنسيق مع الملك فيصل. وتم انتخابه ممثلا لمدينة حلب في المؤتمر السوري الأول في دمشق في دورة (1919 - 1920)
ولما أعلن الفرنسيون انتدابهم على سورية عقد اجتماعاً في منزل قائم مقام ادلب عمر زكي الأفيوني نهاية عام 1919 ، جمع فيه كبار ووجهاء ادلب والمناطق المجاورة لها وعدداً من الوطنيين من انطاكيا والحفة واللاذقية، لتنظيم شؤون الثورة، وتم الاتفاق على اختيار هنانو لتأليف قوات عربية على شكل عصابات من المجاهدين لمشاغلة الفرنسين ...
ومن مواقف هذا البطل العظيم التي سجّلها له التاريخ أنه قام بجمع أثاث بيته وأحرقه معلنا بداية الثورة ، وقال جملته المشهورة : لا أريد أثاثاً في بلد مُستعمر، وهو موقف مشابه لما فعله القائد العظيم طارق بن زياد في فتح الأندلس ...
وكان أول صدام مسلح بين الثوار والقوات الفرنسية في 23 أكتوبر 1919م، حيث استمر القتال لقرابة السبع ساعات ، وكانالنصر حليف المجاهدين .
ثم أقام هنانو محكمة للثورة لكل من يتعامل مع فرنسا أو يسيء للثورة ، ثم استلم راية القيادة والجهاد ضد الفرنسيين بعد استشهاد القائد البطل الشهيد يوسف العظمة رحمه الله ، وخاض مع الفرنسيين عشرات المعارك ، دوّخ فيها قياداتهم ، وأربك خططهم ، ونغّص عليهم احتلالهم .
بل أنه في معركة مزرعة السيجري، استطاع أسر جنود فرنسيين. وقام باسترداد مناطق واسعة من السيطرة الفرنسية منها منطقته التي ولد بها كفر تخاريم.
قام الفرنسيون على إثر ذلك بالتضييق عليه ، فلجأ وقواته إلى جبل الزاوية ؛ ضمن المنطقة المحصورة بين حماة وحلب وإدلب، فقام الكثير بالإنضمام إليه هنالك مما سمح له بإنشاء قاعدة عسكرية ولتصبح المنطقة مقرا له. أطلق عليه أتباعه لقب المتوكل على الله بسبب قوله توكلنا على الله كلما ذهب مع قواته للإغارة على الفرنسيين.
قام بعدها بنقل منطقة قيادته إلى جبل الأربعين وازداد عدد أتباعه بسرعة بعد انتصاراته على الفرنسيين ، فقام هنانو بإعلان دولة حلب وإقامة حكومة مستقلة بإدارته.
حكم على هنانو أربع أحكام غيابية بالإعدام من قبل محكمة الجنايات العسكرية الفرنسية، ومع سيطرة الفرنسيين على الطرق، ونقص الدعم العسكري لهنانو، إضطر في يوليو 1921 إلى مغادرة معاقله إلى الجنوب حيث حاول التفاوض مع الشريف عبداالله. وفي الطريق إلى شرق الأردن تعرض لكمين قرب جبل الشعر بالقرب من حماة في 16 يوليو 1921م، في معركة مكسر الحصان حيث فقد معظم من كان معه. واستطاع هو النجاة بنفسه ولجأ إلى القدس ، حيث قبض عليه الإنجليز في 13 أغسطس 1921م وسلموه إلى الفرنسيين.
ولكن القاضي الفرنسي أطلق سراح هنانو معتبراً ثورته ثورة سياسية مشروعة، معلنا استقلالية السلطة القضائية الفرنسية عن السلطة العسكرية.
توفي إبراهيم هنانو يوم الخميس الموافق 21 نوفمبر 1935م، وصلي عليه في الجامع الأموي بحلب ، ولقد نطق وهو على فراش الموت مخاطباً من حوله :
( قولوا لإخوتي الوطن أمانة بين أيديهم ).
ولقد كان أول من أبلغ بنبأ وفاته الصاعق ، رفيق دربه وجهاده سعد الله الجابري، الذي بادر إلى نعيه إلى رجال الكتلة الوطنية، والملوك والأمراء والوزراء، وكبار الشخصيات العربية. وقد أذن المؤذنون في الجوامع، وقرعت الأجراس في الكنائس، وهي تنعى للأمة زعيمها ورجلها المناضل. عتم الحزن أرجاء الوطن العربي كله، وتدفقت برقيات التعازي من كل مكان. وشيع الفقيد الكبير إلى مثواه الأخير، يوم السبت الرابع عشر من تشرين الثاني تشييعاً حافلاً، لم تشهد البلاد مثيلاً له من قبل. وشاركت في التشييع وفود من مختلف الأقطار العربية والمحافظات السورية.
رحم الله القائد البطل الإدلبي ، قاهر الفرنسيين ، إبراهيم هنانو وأسكنه فسيح جنّاته
وألهم شباب ثورتنا الأبطال الاقتداء به ، والسير على نهجه ، حتى تحقيق أهداف شعبنا الناجزة في الحريّة والكرامة ...
يا شباب الثورة المباركة ((الوطن والشعب أمانة في أعناقكم )) التوقيع إبراهيم هنانو