المفكر والباحث السوري برهان بخاري
المفكر والباحث السوري برهان بخاري
محمد فاروق الإمام
[email protected]
في الثلاثين من شهر نيسان عام 2010م غيب الموت المفكر والصحفي السوري برهان بخاري
عن عمر يناهز تسع وستون عاماً قضاها في التأليف والتأريخ والمساهمة الفاعلة في
مختلف الأحداث السياسية والفكرية التي عصفت بالمنطقة
ولد الباحث برهان بخاري في دمشق عام 1941م، وساهم في جميع الأحداث السياسية
والفكرية التي عصفت بالمنطقة، ويمكن تقسيم نشاطاته قبل عام 1979م إلى قسمين
رئيسيين:
القسم الأول: ويتعلق بالتعليم ، فلقد ابتكر عدداً من الوسائل التعليمية لطلاب
المدارس، ثم قام بتنفيذ مشروعه الخاص بمحو الأمية للكبار، وأعدّ بعد ذلك مناهجه
لتعليم اللغة العربية للأجانب، وتعليم اللغات الأجنبية للعرب، ووضع عدداً كبيراً من
الكتب والأبحاث في هذا الميدان .
القسم الثاني: وله علاقة بالفكر والأدب حيث مارس كتابة المقالة الصحفية والنقد
الأدبي والقصة القصيرة والرواية والشعر والمسرح، وكتب للصحف والمجلات والإذاعة
والتلفزيون والسينما والمسرح.
وفي عام 1979 دعي إلى طشقند عاصمة أوزبكستان للاشتراك في العيد الألفي لابن سينا،
وکانت هذه الدعوة وراء دخوله الواسع إلي عالم الأكاديمية، حيث ترجم لأوّل مرة قطعاً
أدبية من الأوزبكية إلى العربية مباشرة – كانت الترجمة قبل ذلك تمرّ عبر اللغة
الروسية – ثم وضع الأسس العلمية لأوّل معجم أوزبكي عربي وعربي – أوزبكي، وكتب عدداً
ضخماَ من الدراسات حول بنيوية اللغة الأوزبكية وعلاقتها التاريخية مع اللغة
العربية، ونال عدداَ من شهادات التقدير والألقاب الأكاديمية.
ولقد تعززت جهوده الأكاديمية باستضافة جامعة الكويت له كأستاذ زائر عام 1983م، حيث
ساهم في تطوير بحث حول الصوتيات العربية بما يعرف بالكلام المركب صناعياً
والكومبيوتر، ولقد مهدت الأبحاث الطريق له لانتقاله إلى العالمية حيث قام بتصميم
جهاز كومبيوتر قادر على تنضيد جميع أبجديات العالم والتعامل معها، ولقد قامت
بتنفيذه شركة ((مونوتايب)) البريطانية، حيث عرف عالمياً بلوحة مفاتيح البخاري.
وبعد عام 1986م عاد إلى دمشق واعتكف لإنجاز مشروعه الضخم المعروف بإعادة بناء
التراث العربي والإسلامي على الكومبيوتر، والذي يتألف بشكل أساسي من عشر موسوعات،
أهمها موسوعة الحديث النبوي الشريف والتي يربو عدد أجزائها على مائة جزء، قام
بطباعة الجزء الأول منها والباقي قيد النشر، ولقد قام بشرح مشروعه في عدد من
اللقاءات الصحفية والتلفزيونية والإذاعية باللغة العربية والإنكليزية.
وفي تشرين الأول عام 1995م بدأ بكتابة سلسلة مقالاته في صحيفة (تشرين) الدمشقية
الرسمية صباح كل أحد، ولقد أثارت مقالاته ضجة واسعة في جميع الأوساط السورية
والدولية، نظراً للجرأة الفكرية والعلمية ولعمق التحليل المدعم بالبيانات
الأكاديمية التي اتصفت بها.
وقد حملت تلك المقالات عناوين صارخة مثل: لماذا نعيد كتابة التاريخ – مؤرخ دمشق
الكبير ليس مؤرخاً – الديمقراطية ورقعة الهوامش – القفز في الماء البارد – هل نحالف
الشيطان – رسالة مفتوحة إلى بل كلينتون ... وغيرها.
درس برهان
بخاري - وهو من أصول أوزبكية - الفلسفة واللغة الانكليزية بجامعة دمشق، وابتكر
عدداً من الوسائل التعليمية الميسرة لطلاب المدارس. وفي السبعينيات
من القرن الماضي قام بمشروعه الخاص لمحو الأمية لدى
الكبار في سورية، حيث
كان يقوم بجولات ويعقد لقاءات في القرى السورية
والمخيمات الفلسطينية ويقدم الدروس ويوزع مؤلفاته مجاناً، كما أعد بعد ذلك مناهجه
لتعليم اللغة العربية للأجانب وتعليم اللغات الأجنبية للعرب.
برهان بخاري، العالم
النشيط والحالم الكبير، كان بيته أشبه ما يكون
بمركز ثقافي يمور بالنشاط،
حيث كان يشرف على إعداد معجم تاريخي لألفاظ
العربية، كما أشرف على موسوعة الحديث الشريف، وبدايات الموسوعة الشعرية، فضلاً عن
اهتمامه العلمي العميق
بالحاسوب ونظامه العربي. وإذا كان من الصعب علينا
أن نحيط بما اشتغل وأبدع وأنجز، فقد آثر في حياته الحافلة أن يظل في عداد الجنود
المجهولين، بعيداً عن المناصب والمكاسب والامتيازات.
ولقد أمضى الباحث البخاري ثلاث سنوات في أوروبا من عام 1984 إلى 1986م في مراكزها
العلمية وجامعاتها، وشارك في عدد من المؤتمرات والمعارض الدولية الخاصة بالترجمة
الآلية، ووضع أسس نظريته الخاصة بالترجمة الآلية، والتي عرفت فيما بعد بنظرية اللغة
العليا (السوبرا لنغوا) والقادر على الترجمة الفورية إلى جميع لغات العالم دفعة
واحدة.