مفكر وداعية إسلامي يرحل بصمت

مفكر وداعية إسلامي يرحل بصمت

محمد فتحي عثمان

فقد العالم الإسلامي قبل نحو أسبوعين المفكر والداعية الإسلامي محمد فتحي عثمان الذي يعد واحدا من أبرز مجددي الفكر الإسلامي الحديث وصاحب دور تنويري كبير ومؤلفات عديدة تميزت بالجرأة في معالجة القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

فقد توفي الراحل في مدينة لوس أنجلوس بولاية كاليفورنيا الأميركية في 11 سبتمبر/أيلول الجاري عن عمر ناهز 82 عاما مضى منها أكثر من 30 عاما متغربا عن بلده مصر.

وبعد وفاته بأربعة أيام نشرت صحيفة لوس أنجلوس تايمز مقالا وصفت فيه الراحل بأنه أكثر العلماء تأثيرا في العالم الإسلامي، وذكرت أنه نموذج فذ لعلماء المسلمين الذين ينطلقون من رؤية ليبرالية وإنسانية عميقة تستند إلى تعاليم الإسلام ونهجه.

وتبعتها بعد ذلك بأربعة أيام صحيفة نيويورك تايمز التي نشرت مقالا مستفيضا عن الكاتب والمفكر الراحل وعدته أحد أهم علامات تجديد الفكر الإسلامي في القرن العشرين.

تفوق علمي

ولد فتحي عثمان في محافظة المنيا بمصر عام 1928، وتخرج في جامعة القاهرة قسم التاريخ عام 1948 (أي وهو دون العشرين)، وقد انضم وهو في الجامعة إلى جماعة الإخوان المسلمين، فكان نصيبه السجن والطرد من العمل.

عاد الراحل بعد ذلك إلى الحقل الأكاديمي، حيث حصل في فترة وجيزة على شهادة ماجستير في القانون بجامعة الإسكندرية (1960) وأخرى في التاريخ من جامعة القاهرة (1962). ثم ما لبث أن التحق بالأزهر مديرا لقسم البحوث والمكتبات، وساهم مع الإصلاحيين في قيادة الأزهر ووزارة الأوقاف وقتها في الجهود الرامية إلى تطوير وإصلاح الأزهر.

في نهاية الستينيات انتقل فتحي عثمان إلى الجزائر حيث عمل محاضرا في جامعاتها، ثم سافر إلى الولايات المتحدة حيث حصل على درجة الدكتوراه من جامعة برنستون، وعمل بعدها محاضرا بجامعة الرياض في المملكة العربية السعودية.

ومن السعودية جاء إلى لندن عام 1981 حيث عمل رئيسا لتحرير مجلة  "أرابيا" -التي كانت تصدر بالإنجليزية- حتى توقفت عن الصدور عام 1986، فانتقل إلى لوس أنجلوس للعمل بالمركز الإسلامي وجامعة جنوب كاليفورنيا.

إبداع فكري

يقول الكاتب فهمي هويدي في مقال قبل يومين إن الفقيد عندما انتقل إلى الولايات المتحدة "كان قد قطع شوطا هاما من رحلته الفكرية حيث اتسمت كتاباته بالجرأة في خوض آفاق الاجتهاد والتجديد، كما اتسمت مواقفه وآراؤه بالسماحة وسعة الأفق والانحياز الشديد للعقل ولقيم الحرية والديمقراطية والمساواة، منطلقا في كل ذلك من فهمه العميق للإسلام".

صدر للراحل أكثر من 25 كتابا معظمها باللغة الإنجليزية، لكن مؤلفه "الفكر الإسلامي والتطور"، الذي صدر في بداية الستينيات، يعد أهم وأبرز مؤلفاته، حيث قدم فيه لأول مرة أطروحات جريئة حول إعادة صياغة الفكر الإسلامي بما يتواءم مع العصر، خاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والديمقراطية وحقوق غير المسلمين.

وعن مؤلفاته التي أصدرها في الولايات المتحدة يقول هويدي إن الراحل انطلق فيها "من موقعه مجتهدا ومجددا وقارئا عصريا للقرآن"، وأبرزها مؤلف كبير في ألف صفحة عن "مفاهيم القرآن" والتصنيف الموضوعي لآياته، وكتابه عن "الآخر" من وجهة النظر الإسلامية، إضافة إلى العديد من المؤلفات الهامة الأخرى.

لقد كان الراحل كاتبا ومفكرا ومعلما وخطيبا وداعية، وكان مناصرا للقضايا الإنسانية مجتهدا في القضايا المعاصرة، خلف العديد من الكتب ومئات إن لم يكن آلاف الرسائل والمحاضرات في شتى مواضيع الفكر الإنساني، كان جلها حول القرآن ومحاولات استجلاء معانيه وتنزيل قيمه على واقع المسلمين اليوم.

من موقع الجزيرة