إبراهيم بيومي مدكور
أحد أهم رجال الفكر والفلسفة واللغة والسياسة
حسين علي محمد حسنين
كاتب وباحث/ عضو إتحاد كتاب مصر
*ولد إبراهيم بيومي مدكور فى أول يناير عام 1902 بقرية أبو النمرس بمحافظة الجيزة. فى صغره حفظ القرآن وأتم مراحل دراسته الأولية بمسقط رأسه ، ثم التحق بالأزهر ، وبعد إتمام علومه الأزهرية إلتحق بمدرسة القضاء الشرعي . وحصل على دبلوم دار العلوم عام 1927 واشتغل بالتدريس بإحدى مدارس القاهرة الابتدائية .
* فى عام 1928 تم ترشيحه إلى بعثة بإنجلترا ، لكن نظرا لميوله إلى حزب الوفد تدخل بعض الأشخاص المعادين لسياسة الوفد وألغيت بعثته إلى إنجلترا . لم يتوقف التآمر ضده عند هذا الحد بل تم نقله إلى منطقة أدفو الواقعة فى أقاصي جنوب مصر (يذكر فى هذا الخصوص أن إبراهيم مدكور كان من المناصرين لحزب الشعب أي حزب الوفد وقد تم اعتقاله وإيداعه السجن السياسي أثناء ثورة 1919 ) . لكن إبراهيم مدكور رفض ذلك الظلم وقدم استقالته وسافر إلى فرنسا على نفقته الخاصة ، ولم يكد يمضى عام حتى رد إليه حقه، وضم إلى البعثة مرة أخرى .
* وفى باريس درس الفلسفة والقانون واللغة المصرية القديمة واللغات الأوربية الحديثة ثم حصل على ليسانس الفلسفة من جامعة السوربون فى عام 1931 ، وحصل أيضا حصل على ليسانس الحقوق من جامعة باريس عام 1933 . وفى نهاية عام 1934 حصل إبراهيم مدكور على درجة الدكتوراه فى الفلسفة من جامعة السوربون ، وعاد إلى مصر لينضم إلى هيئة التدريس بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول فى مارس 1935م ، ثم انتدب للتدريس فى بعض الكليات الأزهرية .
* فى نفس العام (1935) تكونت (أسرة الفلسفة) من أربعة من الأساتذة المصريين هم : الشيخ مصطفى عبد الرازق ، والدكتور إبراهيم مدكور ، ويوسف كرم ، والدكتور أبو العلا عفيفي . ثم انضم إليهم بعد ذلك عدد من الأساتذة الأجانب المقيمين بمصر .
* وفى عام 1937اختير عضوا بمجلس الشيوخ، وظل فيه خمس عشرة سنة نقد فيها نظم الحكم، ونادى بإصلاح الأداء الحكومي ، ودعا إلى تحديد الملكية الزراعية . ولم تصرفه عضوية مجلس الشيوخ عن البحث والدرس حتى بعد أن إضطر للاستقالة من الجامعة نزولا على مبدأ عدم الجمع بين الوظيفة وعضوية البرلمان . ويذكر أنه كان يؤمن بأن السياسة يجب أن تقوم على مبادئ ثابتة وأصول واضحة تحارب الطغيان وتتنزه عن الأهواء، ونتيجة لذلك اضطر لتقديم إستقالته من حزب الوفد أكبر الأحزاب السياسية، وآثر أن يكون مستقلا وبعيدا على الأحزاب .
* وعلى الرغم من أن مجمع اللغة العربية كان معنيا باللغة العربية فى بدايته إلا انه صدر مرسوما ملكيا بتطوير المجمع والعمل على مواكبة النهضة الأوربية الحديثة وحاجة مصر إلى النهضة الاقتصادية والعسكرية والصناعية والاجتماعية والسياسية أيضا ، وعليه جاء المرسوم الملكي بتعيين عشرة من العلماء الأكفاء فى مختلف العلوم . وفى 28 نوفمبر عام 1946 انضم الدكتور إبراهيم مدكور إلى عضوية مجمع اللغة العربية وجاء انضمامه إلى مجموعة (العشرة الطيبة) لدعم (مجمع اللغة العربية وتطويره وتحديثه دوليا) . وكانت هذه العشرة تضم كل من : الدكتور إبراهيم بيومي ، والدكتور أحمد زكى ، والأستاذ زكى المهندس ، والدكتور عبد الرازق السنهوري ، والشيخ عبد الوهاب خلاف والأستاذ مصطفى نظيف ، والدكتور محمد شرف والأستاذ محمد فريد أبو حديد ، والشيخ محمود شلتوت ، والدكتور عبد الوهاب عزام . وبهذه العشرة اكتمل عدد أعضاء المجمع ليصل إلى 40 عضوا، ويذكر أن الدكتور مدكور كان المتحدث بإسم العشرة الطيبة ، وكانت كلمته الأولى فى المجمع باسم اللغة المثالية. وقد إشترك مدكور فى عدد من اللجان أهمها: لجنة الفلسفة والعلوم الاجتماعية، ولجنة المعجم الكبير التى إختصها بنصيب وافر من علمه ووقته، ثم أصبح كاتب سر المجمع عام 1959م .
* وفى عام 1961 أصبح الدكتور مدكور أمينا عاما للمجمع وبعدها رئيسا خلفا لـ طه حسين فى عام 1974 وإستمر رئيسا له حتى عام 1995 .
* وقد استطاع الدكتور مدكور خلال تلك الفترة البالغة 21 عاما أن يضع بصماته فى المجمع عبر إنجازاته الملموسة بشكل حقق له الريادة . فقد شهد المجمع فى عهده ازدهارا فى حركة مطبوعاته وخاصة المعجمات فأخرج : (1) المعجم الوسيط فى جميع طبعاته.
(2) معجم ألفاظ القرآن الكريم . (3) أصدر بحثا له أهمية كبيرة حول مدى حق العلماء فى التصرف فى اللغة. (4) مجموعات المصطلحات لتعريب التعليم الجامعي فى شتى الميادين والفنون، (5) تنشيط اتصال المجمع بالحركة العلمية والثقافية الدولية والمحلية، وأصبحت الهيئات العلمية والإعلامية تسعى إليه باحثة عن إنتاجه، وبذلك اتخذ المجمع وضعه الطبيعي بين مراكز الإشعاع الثقافي والحضاري فى مصر. (6) وأشرف على إخراج كتاب(الشفاء) لابن سينا . (7) وكتاب(المغنى) للقاضي عبد الجبار . (8) وكتاب(الفتوحات الملكية) لمحيى الدين بن عربى . (9) ثم الموسوعة العربية الميسرة التى أخرجتها الجامعة العربية بالتعاون مع مؤسسة فرانكلين .
*
وقد منحته جامعة بريستون الدكتوراه الفخرية عام 1964م تقديرا لخدماته العلمية
ونشاطه فى التبادل الثقافي بين أبناء العروبة وأبناء الغرب.
* فى مجال عمله بالفلسفة قدم الدكتور إبراهيم دراسة عن نشأة المصطلحات
الفلسفية فى الإسلام ، ودراسات عن الغزالي وإبن خلدون وإبن سينا ، كما قدم
دراسة عن العلاقة بين منطق أرسطو والنحو العربى ، وله كتاب بعنوان الفلسفة
الإسلامية-
منهج وتطبيق ، كما
اشترك مع يوسف كرم فى إصدار تمهيد فى تاريخ الفلسفة فى أواخر الثلاثينات تنفيذا
لبرنامج إصلاح التعليم الثانوي . أيضا أسهم فى الذكرى الألفية لابن سينا فى بغداد
عام 1951 ،
وأسهم
فى طهران(إيران) وباريس بأعماله الفلسفية ، إضافة إلى إسهاماته الأخرى فى
دمشق(سوريا) ولبنان .
* وبعد قيام الحركة المباركة(أي ثورة يوم الأربعاء الموافق 23 يوليو 1952) تم الاهتمام بالدكتور إبراهيم مدكور لمكانته الفكرية والثقافية ، ومن ثم عين وزيرا للإنشاء والتعمير فى وزارة على ماهر فى 6 سبتمبر 1952 وذلك بأمر الوصاية الملكية المؤقتة ولكن بعد 24 ساعة فقط قدم على ماهر استقالته فى 7 سبتمبر 1952 . وبذلك أصبح وأمسى الدكتور إبراهيم مدكور وزيرا ليوم واحد فقط .
بعد ذلك تم تعيينه مسئولا عن لجان المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب الذى تأسس عام 1956 ، وظل كذلك إلى أن تأسس المجلس الأعلى للثقافة فى عام 1980 ، كما أسهم كثيرا فى المجالس القومية المتخصصة والمنظمات العربية والإقليمية المعنية بالتربية والثقافة والعلوم .
وللدكتور مدكور مؤلفات عديدة منها:
(1) "نشأة المصطلحات الفلسفية في الإسلام"،
(2) "في الفلسفة الإسلامية"،
(3) "في الفكر الإسلامي"،
(4) "منطق أرسطو والنحو العربي"،
(5) "مدى حق العلماء في التصرف باللغة العربية"،
(6) "مجمع اللغة العربية فى ثلاثين عاما ماضيه وحاضره"،
(7) "مع الخالدين"،
(8) كما دعا إلى تطوير اللغة والابتكار في المجمع،
(9) وحاضر فى جامعات ومعاهد مختلفة شرقا وغربا من بينها السوربون
هذا وقد توفى إبراهيم بيومى مدكور فى عام 1996 .