أسعد دياب .. والتناغم بين المنطق والجمال
أسعد دياب .. والتناغم بين المنطق والجمال
د. محمد حسان الطيان
رئيس مقررات اللغة العربية بالجامعة العربية المفتوحة بالكويت
عضو مراسل بمجمع اللغة العربية بدمشق
[email protected]
كالنسيم العليل ..رقةً
وكالماء السلسبيل... عذوبةً
وكالنغم الجميل... جرساً وأنساً
وكأرْز لبنان الأشم ... عراقة وأصالةً
كان الأستاذ الدكتور أسعد دياب رحمه الله وبرّد مضجعه..
وبالرغم من تقلبه في مناصب ومراتب لا يطالها إلا أولو العزم من الرجال – قاضيا
ووزيرا ورئيسا للجامعة ...._ لم تنل تلك المناصب من إنسانيته, ولم تؤثر في طيبته,
ولم تقلل من عروبته. فقد كان إنسانا قبل كل شيء..وعربيا فوق كل شيء.
عرفته في مجلس أمناء الجامعة العربية المفتوحة الذي يرأسه صاحب السمو الملكي الأمير
طلال بن عبد العزيز وجلالة الملكة رانية العبد الله، بحكم كوني أمينا للمجلس, فرأيت
فيه الرجل الغيور على هذه الجامعة المنافِحَ عنها المتأمل فيها كل الخير لأنها
جامعة الفقراء من جهة, وجامعة الأمة كل الأمة من جهة أخرى, فقد حققت هذه الجامعة
بنظره أحلام الآلاف من المحرومين من ركب التعليم العالي _ ذكورا وإناثا.. شيبا
وشبانا.. كبارا وصغارا – واستطاعت أن توحد العرب تحت راية علمية واحدة يولد سؤال
المعرفة في إحدى قاعاتها فيتردد صدى الجواب على مساحة وطن عربي بحجم آمالنا
العربية.
كنت أقرأ على محيا هذا الرجل كل معاني الحب والعزة والكرامة..
لم يكن كثير الكلام ..لكنه إذا تكلم نطق بالحكمة.
ولم يكن كثير النقاش والجدل .. لكنه إذا خالف حكم بالعدل.
ولم يكن بالشاعر ..لكنه إذا كتب أو عبَّر سيّد من سادات الكلمة والتعبير.
وكنت كلما لقيته هشَّ لي وبشَّ, وأراني من صنوف أريحيته ووده ما يثلج الصدر ويغمر
الفؤاد بالبهجة, وكان يروق له أن يقرأ لي ما كتبه من كلمات في مناسبات شتى لما يعرف
من كَلَفي بالأدب والبيان والكلمة الساحرة. وكان يسحرني حقا..فقد أوتي براعة في
أساليب التعبير يعيى بها أولو الاختصاص في هذا الفن, ويطرب لها كل صاحب ذوق رفيع.
استمع إليه يصف رصيفا له في عالم القضاء بكلمات ليست كالكلمات, إنها الدر في
مكامنه, والذهب في مناجمه، ولعمري إنه كان يصف بها نفسه:
"فإذا كان القضاء عدالة ومعرفة وتجردا وعفة وكرامة ونزاهة وتواضعا وجرأة وعدم
انحياز ..فهو كان كذلك.
متواضع النفس عن كبر.
جريء عند الحاجة إلى قرار.
مطواع العبارة لأنه مالكها.
صريح الرأي لأنه حر.
عف الضمير عن الهوى.
عف الفكر عن المغالطة.
عف النفس عن المخادعة.
صديق وفيٌّ إلى غير انتهاء.
لا يقطعه يأس..ولا يردعه وعيد.. ولا يعصف به طمع.
قاض إنسان يتوسل القلب والفكر معا في سبيل عدالة يقول بها ويسكن إليها."
أي بيان هذا ؟ وأي يراع وراءه؟! إنه يراع أديب فنان يختفي وراءه قاض إنسان..
ولقد أحسن والله كل الإحسان حينما خاطب القاضي الرئيس غالب غانم لدى تكريمه في
المجمع الثقافي العربي بقوله:
" غالب غانم أنت قاض وأديب فزت بنعمتين.. نعمة التناغم بين المنطق والجمال، أليس
المنطق هو جمال الفكر. أوليست العدالة هي جوهر الجمال."
لَمْ يَمُتْ مَنْ يَزُولُ مِنْ عَالَمِ الْحِسِّ وَتَأبَى آثارُهُ أَنْ
تَزُولاَ
أيها الراحل عن دنيانا.. لازلت خالدا في ضمائرنا وقلوبنا.. فسلام عليك في الخالدين,
ولك منا دعاء المحبين.
لَئِن حَسُنَت فيكَ المَراثي وَذِكرُها لَقَد حَسُنَت مِن قَبلُ فيكَ
المَدائِحُ