الدكتورة مريم صالح
الدكتورة مريم صالح (أم أحمد)
الداعية والمربية وعضو المجلس التشريعي الفلسطيني
بقلم الوزير المختطف المهندس وصفي قبها وزير شؤون الأسرى
خاص وحصري مركز أحرار لدراسات الأسرى
صادف قبل وقت غير بعيد الثامن من آذار يوم المرأة العالمي، وقد استيقظت مبكراً وجلست على البُرش (سرير النوم في السجن) وأخذت أستذكر المرأة الفلسطينية بعطاءاتها وتضحياتها الكبيرة، استذكر ملاحمها البطولية ومشاركتها الرجل في مقاومة الاحتلال، أستذكر دورها الذي تقوم به في كافة وتفاصيل الحياة الفلسطينية حيث سجلت وجسدت نموذجاً وقدوة لكل نساء العالم.
يأتي هذا اليوم وشعبنا الفلسطيني يتعرض للمجزرة تلو المجزرة بل ويتعرض لمحرقة جديدة أكبر تُسعر نيرانها وتضطرم ويزداد أوارها بأجساد المرأة الفلسطينية وأطفالها حيث يجعل الاحتلال من هذه الأجساد وقوداً لمحرقته التي ملأت روائح لحوم النساء والأطفال المنبعثة منها كل أرجاء المعمورة دون أن ينتفض أحد أو يُحرك ساكناً انتصاراً للمواثيق الدولية وحقوق الإنسان والطفل التي حرقتها قذائف الاحتلال بأحدث مبتكرات تكنولوجيا الحرب، وما بعض التحركات التي شوهدت والأصوات التي سُمعت عبر الفضائيات قد جاءت خجولة ولم ترتق إلى مستوى الجريمة التي اقترفها الاحتلال.
استذكر المرأة الفلسطينية التي لطالما عاشت مذابح رهيبة، استذكر عظمة هذه المرأة التي منها الشهيدة والأسيرة، والجريحة، نرى منها الأم المربية، الموظفة والعاملة، نرى الوزيرة وعضو المجلس التشريعي.. أستذكر ومن خلال شريط عطاءات وتضحيات هذه المرأة خنساء فلسطين المجاهدة الأخت مريم فرحات (أم نضال) والدة ثلاثة شهداء وعضو المجلس التشريعي، أستذكر أم شادي براش والدة شهيدين وثلاثة أسرى، أستذكر أم إبراهيم (زوجة القيادي في حركة الجهاد الإسلامي المجاهد الأسير الشيخ بسام السعدي) والدة شهيدين وشقيقة شهيد أستذكر والدة الحاج خضر ضبايا، أمينة ضبايا والدة شهيدين وأسيرين، أستذكر أم ناصر حميد والدة شهيدين وثلاثة أسرى.. أستذكر الأسيرة المبعدة أحلام سليمان جوهر من بلدة حوارة الناشطة في حقوق الإسنان والتي اعتقلت بتاريخ 23/1/2008 وبعد أن خضعت للتحقيق أبعدت يوم الخميس 6/3/2008 إلى الأردن بالرغم من أهلها يعيشون في حوارة – نابلس، أستذكر الأسيرات خلف القضبان أمثال المجاهدة الكبيرة أحلام التميمي التي ارتقت منازل العظماء وهي تعبر عن إيمانها ورسالتها الوطنية غير آبهة بتلك المؤبدات (16 مؤبداً) أستذكر قاهرة السعدي وعطاف عليان وآمنة منى وفاطمة الزق وطفلها الأسير يوسف والذي لم يتجاوز عمره السنتين، أستذكر نورة الهشلمون التي ينتظرها أطفالها السبعة منذ أكثر من سنة ونصف وهو هي تساوم على الإبعاد وترك وطنها مقابل الإفراج عنها، والقائمة طويلة تصل إلى أكثر من خمسة وتسعين أسيرة من المناضلات والمجاهدات والتي كان آخرها الغالية في جامعة النجاح الوطنية تسبيح الخياط.. أستذكر الداعية والمربية وعضو المجلس التشريعي وزيرة شؤون المرأة السابقة الأخت المجاهدة الدكتورة مريم صالح التي اختطفها الاحتلال وغيبها قسراً خلف القضبان لتلتحق بمثلي الشرعية الفلسطينية المختطفين والمغيبين في بطن الحوت.
مريم المرأة الفلسطينية والإنسان من أولئك الأمجاد وأولئك الذين يعجز الفاخرون بالحديث عنهم وعن عطاءاتهم وآثارهم.. مريم عنوان الكبرياء والشموخ خلف القضبان وهي رمز ونموذج المرأة الفلسطينية المعطاءة والمضحية الصابرة والمحتسبة فقد شوهدت مؤخراً وهي مقيدة الأيدي والأرجل في المحكمة مفعمة بالأمل والابتسامة تعلو محياها، ساخرة من القضاء الذي يكرس الظلم والحرمان، ليس أكثر من غطاء لتمرير وتبرير ممارسات الاحتلال مريم التي عرفتها أقبية التحقيق ومورس ضدها أبشع أنواع التعذيب النفسي والجسدي والوضع في زنزانة انفرادية تحت الأرض منعزلة عن العالم الخارجي حيث كانت لا تستطيع النوم ولا تعرف مواعيد الصلاة، وقد استطاعت بفضل الله وبعزيمتها وقوة إيمانها وإرادتها من الصمود أمام الافتراءات والأباطيل حيث فشل المحتل من أن ينتزع منها اعترافاً أو يلفق لها آخر فحولها في الاعتقال الإداري قبل أن يتم نقلها إلى سجن تلموند في مجمع هشارون حيث تقبع الآن والاعتقال الإداري ليس بأقل من سيف مسلط على رقاب أكثر من ألف أسير فلسطيني، وقد عمدت إسرائيل على استخدامه ضد المعتقلين دون تهمة أو محاكمة وهذه السياسة قديمة جديدة منذ اليوم الأول من عمر الاحتلال.
وعندما نذكر بفخر المرأة الفلسطينية فإننا نذكر د. مريم صالح التي تعتبر في طليعة النساء حيث حظيت بثقة الشعب الفلسطينية ودفع بها هذا الشعب العظيم إلى قبة المجلس التشريعي. وقد تبوأت موقعاً وزارياً.. ففي محاضن التربية الإسلامية السمحاء وما تحمله من قيم دينية وإنسانية نشأت وترعرعت وهي التي اختارت لباس الحشمة والتقوى وقد تجذر في قلبها الإيمان العميق بعد أن اجتازت مرحلة التكوين الدقيق من التربية والتحصيل العلمي، وهي التي الآن تحمل درجة الدكتوراه في الشريعة الإسلامية.
مريم صالح التي قلبت صفحات نضال وجهاد الشعب الفلسطيني ووجدت في أفعال المجاهدين والمناضلين التضحية الكاملة والبطولة الرائعة تتجلى عن أبهى صورها قد عاشت المحنة وشاهدت بأم عينها كيف يصبر هذا الشعب وكيف استهان الأسرى العذاب، وسخروا بإيذاء المحتل لهم، وهي التي تعيش اليوم محنة الأسر بصبر وثبات واحتساب، فمناقب الشعب الفلسطيني والأمة الإسلامية وهموم هذا الشعب وآماله وتطلعاته والإيمان الراسخ ببين حنايا د. مريم يشكل لها نيرات يهديها إلى الطريق القويم الذي شقته لنفسها، وها هي بقيودها وثقة شعبها بها قد جعلها في الصدارة بين نساء فلسطين وهي التي أيضا اسمها يتردد في الأوساط العلمية والثقافية والفكرية والدعوية والسياسية في فلسطين وهي التي عاشت وعاصرت الحوادث الجسام في مسيرة نضال وكفاح الشعب الفلسطيني شاء لها القدر أن تعيش في خضم حياة السجون، فشعورها في أعماقها أنها من الذين يتسلطون عليها ويغيبونها خلف القضبان ويعرضون عليها هذه المحنة.
والمرأة الفلسطينية من أكثر النساء في الشرق الأوسط التي لعبت دوراً فعلاً على مسرح الحياة السياسية وهي التي شاركت في كل الفعاليات فصنعت المواقف والأحداث وأعطت صورةً واضحة ونموذجية لما تتمتع به من شجاعة وإقدام وريادة في العمل.
مريم التي يعرف عنها الصبر والحلم وهي التي تكظم غيظها وتصفح عمن أساء إليها وتعفو.. فالإباء والخلق العال من ميزاتها وهي التي لا تؤذي أحداً بكلامها فغضبها لا يكون إلا لله تعالى، وهي واسعة العلم ورحبة الاطلاع لها أسلوب مميز في منهجها التعليمي حيث أنها عظيمة التأثير في نفوس طلابها تؤكد على الدوام بأننا يجب أن نعيش حياة الشعب حتى نستطيع أن تخدمه ولا بد أن نتفاعل مع شرائح المجتمع المختلفة ونتعلم منها أيضاً وخاصة أننا نعيش في الزمان الصعب.
لقد آلمها الاقتتال الفلسطيني- الفلسطيني والأحداث الداخلية المؤسفة التي عصفت بالساحة الفلسطينية وتابعت بحسرة أخطر تلك الأحداث وأشدها.. حيث سالت الدماء وصبغت رمال غزة وتراب الضفة بالأحمر القاني وشكلت لطخة عار في جبين النضال الفلسطيني، وهي التي تؤكد على الدوام أن نار الفتنة لا تطفئها نار التحريض والثأر، لأن شارب السم لا يعالج بشربة سم أخر، والشر لا يعالج بالشر وبهذا السياق نؤكد على أهمية وضرورة توفير إعلام موضوعي وغير متحيز ليكون متنفساً لكل الأقلام الشريفة والأصوات الوطنية الحرة ونتمنى على أصحاب الأقلام الفصائلية أن تبتعد عن ما يثير الكوامن في النفوس وأن يكون حِبْرها ومدادها يدعو إلى ما يوحد الكلمة ويجمع الصف لا كما نقرأ يومياً لا يدعون إلا إلى قطع الأواصر بين أعضاء الجسد الواحد ولا ينظرون للمصلحة العليا للوطن إلا من خلال المصالح الحزبية والفئوية.. نريد أقلاماً تبعث على الهدوء وعدم تسفيه آراء الآخرين.. أقلاماً لا تقترف جرائم أخرى تضاف إلى الجرائم الشنيعة التي يقترفها الاحتلال صباح مساء بحق فلسطين والشعب الفلسطيني وبحق الوحدة الوطنية.. وينسحب الأمر على من يخرجون علينا ويطلون على الشعب والأمة عبر الفضائيات حيث أن تصريحاتهم التحريضية وآرائهم ومواقفهم المتحيزة تعكس نفسها وتغذي الأحداث في الساحة الفلسطينية والإناء بما فيه ينضح.
لقد سمعتها وهي تتحدث وتتألم لما وصلت إليه الحالة الفلسطينية من اقتتال وتناحر وكانت صرخاتها مدوية بأنه آن الأوان لفتح صفحة جديدة من الوفاق الوطني يكون عنواناً لهذه المرحلة الدقيقة، لأن أي مشادات بين الأطراف الفلسطينية هو بعيد كل البعد عن المصلحة الوطنية ولا يخدم القضية بل يصب في خانة تضييع الحقوق في الداخل والشتات.. وعليه لا بد من التوافق الأخوي والتوافق الوطني من أجل رفع المعاناة عن شعبنا، فهناك مسؤولية تقع على كاهل الجميع وهناك ضرورة لرأب الصدع بين الأشقاء والابتعاد عن المشاحنات وتصفية الحسابات الشخصية والحزبية التي تضر بمجمل القضية.. وها هي اليوم تراقب ما يجري من أحداث والألم يتفاعل في أعماقها ويخترق كيان نفسها ويسبب لها العذاب والآلام التي تضاف إلى آلام المحنة في السجن.. ترقب الأحداث ومن زنزانتها وهي تتألم في كيانها لما أصاب الوطن من تفرقة وقتل من قبل الاحتلال وولوغ في الدماء الفلسطينية وحرق تلك الأجساد الغضة والطرية من أطفال فلسطين أميرة أبو عصر، ومحمد البرعي، وملك كفارنة وجاكلين أبو شباك وتسبيح .. و... و....
الدكتورة مريم تنظر إلى المرأة بشكل عام من خلال ما روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم "إنما النساء شقائق الرجال" ولهذه الأخوة في نظرها مقتضيات كثيرة منها أن كفء الرجل في إنسانيته ومساوية له في القدرة والقدر حيث المساواة بقوله وإرشاداته وتعليماته والذي سواهما من نفس واحدة بالمثالية والكمال (الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء..) فالإسلام هو الذي انتشل المرأة من الهوة المظلمة وحفظ لها قدرها وقيمتها..
وحول النهوض بالمرأة وتطويرها فتؤكد د. مريم صالح أن النوايا الحسنة وقوة الإرادة غير كافيين لإحداث التغيير المنشود إذا لم يكن هناك خطط قصيرة وبعيدة المدى لإحداث التغيير في ظل النظرة المغلوطة للمرأة التي تقف وراءها عادات وتقاليد ومفاهيم مغلوطة لا تمت للإسلام بصلة لأن المجتمع وفي حالات كثيرة من خلال بعض إفهام الناس غير مستعدين للتخلي عن مألوفاتهم وعاداتهم إلا إذا شعروا بالحاجة الماسة إلى التغيير لخدمة المصالح ومن هنا لا بد من خطط تربوية وثقافية وإعلامية لتحقيق إعادة ترتيب بعض التصورات وتصويب الآخر والانتباه إلى بعض الأمور المنسية بالإضافة إلى شحذ الهمم لتكون أكثر حساسية للاستجابة وتجاه المتطلبات المتجددة لحياتنا المعاصرة ولا بد من التبصير بالعادات الذميمة المستشرية والتخلص من حالة الغوص وقصر النفس في العمل وقصر النظر بالتعاطي مع المستجدات.
إن مريم التي تمتلك العلم وروح الداعية الحق تختزن طاقة هائلة للتحري والبحث والتفتيش عن الحقيقة فلا ترفض لمجرد الرفض وإنما تستمع وتدرس كل الدعوات التي تحثنا كي تستجيب للتغيرات والدعوات المتعلقة بالمرأة وشأنها بالتحديد، ومن ثمّ تزين الأمور وفق ميزان تحقيق خيرا لخيرين ودفع شر الشرين لنشر المبادئ والقيم التي تؤمن بها غير آبهة لقسوة المعطيات المحاضرة ولا لحجم المعوقات الماثلة، وتقول نحن لسنا كالغرب لأننا لا نستطيع إن تسلك مسالك الغربيين في التغيير والتعاطي مع الحياة الأسرية وهياكلها ودور المرأة فيها، فنحن بحاجة ماسة إلى إجراء دراسات معمقةً حول طبيعة التحديات التي يواجهها السواد الأعظم من النساء انطلاقاً من إيجاد الوعي على نحو يمكنها من أن تفرق بين الأفكار التي لها جذور ثقافتها ودينها وبين الأفكار الدخيلة عليها لأن الخبز المروج لها هذه الأيام ليس مصنوعاً من قمحها والثوب الذي يراد لها أن تلبس ليس من قماشها وذوقها كما يراد لها أن تستجيب وتتعاطى مع الرؤى والقيم المفروضة عليها من خلال محاولات إحداث التغيير في شخصيتها وسلوكها وبما يحقق المخططات التي تستهدفها، لذلك فقد كان ضمن خطة عمل د. مريم في الوزارة تنظيم العمل النسوي وإيجاد وحدة خاصة للمتابعة وتنسيق والإشراف على البرامج التي تنفذ في الأراضي الفلسطينية والممولة من الخارج حيث أن هناك عدد كبير من المؤسسات والجمعيات النسوية بعضها يتعاطى ويتعامل بلا حدود وبدون تحفظ مع البرامج المختلفة التي تطال كل نواحي شؤون المرأة، هذه الفوضى البرامجية لا بد لها من ضبط ولا بد من تعاون وتكامل وإيجاد التخصصية في هذه المؤسسات ولا بد من الوقوف مطولاً أمام أهداف هذه البرامج الممولة بكرم زائد لألننا لا نستطيع أن نقتنع بأيّ تفسير جديد للأنشطة الحياتية مسايرة لما يتطلبه النمو السريع بعيداً عن أصولنا ومبادئنا وأخلاقيات شعبنا لأن السم قد يدس بالدسم والعسل، وهنا يكون دور الوزارة لا للتغيير من أجل التغيير ولا للتضييق على العمل والبرامج، لذلك لا بد من فلترة ما يُسوق لنا من خبز وثياب
من هنا نبع حرص د. مريم من أجل التخلص من ضعف التخطيط والتركيز على إيجاد وتوفير رؤية إصلاحية واضحة وفق سياسات معتمدة من قبل السلطة صاحبة القرار والتي تقر هذه السياسات.
إن عدم الوضوح بالافتقار إلى السياسات والرؤى والخطط بجعل العمل النسوي يتردد ويراوح مكانه بين فجيعتي الاستسلام للأزمة ومنزلقات طرق الخلاص منها، وهذا تحديداً ما يقلق د. مريم التي تنظر للمرأة الفلسطينية نظرة حب واحترام وتقدير وثقة فهي شريكة الرجل ومكملةً له وهي التي أظهرت من دروب الشجاعة والتضحية ما لم يعرفه أي مجتمع آخر، فالكثيرات من النساء الفلسطينيات جرت على أياديهم جلائل الأعمال، فأقوالها وأعمالها قد بهرت العالم ولا زالت مثار الإعزاز والإكبار وهي التي صبرت على الأذى وثبتت على المواقف والمبادئ الوطنية وهي القائدة المرشدة والخطيبة المفوهة والمناضلة التي زاحمت الرجال في مقاومة الاحتلال وسطرت مواقف نضالية وجهادية فريدة، ومن يطيق ما تطيقه المرأة الفلسطينية في ظل احتلال غاشم ومجرم وحصار خانق طال رغيف الخبز وحبة الدواء.
لقد لعبت د. مريم دوراً هاماً في الساحة الفلسطينية وأثبتت كفاءة وجدارة في إدارة شؤون الوزارة ويقظة تامة وإخلاصاً منقطع النظير في نشر رسالة المرأة الفلسطينية وقد حرصت أشد الحرص على تمتين العلاقة بين المؤسسات التي تهتم وتعنى بشؤون المرأة والتواصل مع الوزارات في السلطة لمتابعة الأقسام المختصة بشؤون المرأة بالتنسيق مع الوزراء في تلك المؤسسات ومتابعة المرأة في كافة مواقع عملها وقد وقفت حائلاً دون تيارات الفتن والخلافات داخل الوزارة لما عرفت به من حسن التدبير والتصرف وايضا عمدت اختيارها الكادر المؤهل ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب وتقديرها الصحيح لعواقب الأمور.. لذلك فقد عرف لها أنها كانت شديدة في العمل الإداري لا تخشى في الله لومة لائم .. تتابع وتهتم بالطلبات أمامها .. تحسن الإصغار وتعالج الشكاوي وتحترم صلاحيات الموظفين والمسؤولين وتوزع الأعباء في الوقت الذي رفضت فيه الفوضى الإدارية والتجاوزات في الصلاحيات والاتصال والتواصل مع مؤسسات وسفارات علم الوزيرة، ووقفت بصرامة في وجه الذين عزّ عليهم أن يروا امرأة وشخصية كالدكتورة مريم على رأس الوزارة، هؤلاء الذين يرجون بأن الإسلاميين يريدون العودة بالمرأة إلى عهود الجمود والجهالة التي عاشت فيه خلال القرون الأخيرة، لقد استفزهم سمتها بجلبابها واحتشامها، لقد استفزتهم أفكارها السياسية لذلك لم يتوان أحد منهم عن نشر الإشاعات حول عرض الجلباب على الموظفات والوقوف في وجه التشريعات التي تنصف المرأة، وإن وضع المرأة أمام هذه السياسة الجديدة سيتراجع عقود إلى الوراء وقد وجدت هذه الإشاعات والافتراءات آذان صاغية في أوساط المؤسسات الرسمية والشعبية الأوروبية وقد كان ذلك واضحاً في اجتماع مع وفد برلماني أوروبي الذي عبر لنا وبحدة عن استيائه من السياسات تجاه المرأة، وخلال النقاش الطويل والهادئ وضحنا الموقف الرسمي وصوبنا ما لدى الوفد من معلومات مغلوطة وقد همس د. ناصر الدين الشاعر وزير التربية والتعليم في أذني عن مصدر المعلومات التي استقاها الوفد. وبالفعل فقد تكشفت الأمور واستطعنا من إقناع الوفد وتجلية الأمور عندما طلبنا نقاش الموضوع بوجود الأخوة في حركة فتح والذي ضم الأخوة أحمد غنيم وأمين مقبول والأخت فدوى البرغوثي وقد تحدث الأخ أحمد غنيم بموضوعية وطلب من الأخت فدوى "أم القسام" أن توضح أكثر وبالفعل ترسخت القناعة لدى الوفد الأوروبي بأن ما لديه من معلومات مغلوطة وبقصد التشويه، وقد استغرب الوفد التوافق والانسجام بيننا كوزراء في الحكومة العاشرة ورفد الأخوة في فتح الذي ساعد مشكورين بالتوضيح وتصويب ما سمعه الوفد الأوروبي من تلك المصادر، وقد وضعت لاحقاً الأخت د. مريم بكافة التفاصيل التي لم تستغرب ما سمعت حيث أكدت لي أن التشويه والإشاعات من المعوقات التي تواجهها في عملها وتنفيذ خطتها للنهوض بواقع المرأة الفلسطينية، وقد تحدثت د. مريم عن رؤيتها وخطتها وأفكارها من خلال التواصل مع المؤسسات والوفود الرسمية والشعبية المحلية والخارجية كما وتحدثت عبر الصحافة بكل أنواعها واستطاعت بالفعل من توضيح الصورة وتقدم الحقيقة كاملة وأن تقدم نموذجاً عملياً وحياً عن المرأة الإسلامية المجلببة والمحتشمة بأنها ليست منطلقة كما يصورها أعداء الفكر الإسلامي وأن الأمر غير تلك الصورة التي يحاول البعض أن يرسمها ويصورها ويسوقها داخلياً وخارجياً من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية والتنظيمية.
لقد قدمت د. مريم رؤيتها بجرأة عامرة بالإقناع والأدلة الدامغة والإحصاءات الدقيقة والممارسات العملية على أرض الواقع وقدمت مثالاً بالوضوح والتجرد والفكر النقي والشعور الصادق وأكدت أن وفاء المرأة العميق لدينها وارتباطها الوثيق بهذا الدين لا يعني ولا بأي حال من الأحوال انطلاقاً وتخلفاً. وكان لخبرة ومعرفة د. مريم بالناس ومن حولها وبأهدافهم ومقاصدهم ودوافعهم دوراً في تعرية أصحاب الأنا، فتجربة مريم في الحياة جعلتها تعرف أن هناك من هو تافه يرتفع كما ترتفع الفقاقيع ويطيش على شبر ماء , وهناك من هو سافل وحاقد يرسب كما يرسب الطين , وان هناك من هو شريف ووطني ومجاهد يحركه مصلحة الوطن والبحث عن الحق في محيط الحق إن عطاء د. مريم وعملها دلَ وبلغ الدلالة على المهنية والشفافية والعدالة التي جسدتها خلال مسيرتها المهنية وفي الوزارة , كما أن ذلك قد عكس سعة وعمق الاطلاع على كل ما يدور حولها ليس على الساحة الفلسطينية وإنما في كل ما يؤثر فيها من حوادث وأحداث وتيارات وأفكار, من هنا فقد لمعت وتألقت كداعية عابرة وزاهدة تجسد ما يختلج في أعماقها من إيمان وهي التي طورت شخصيتها الدعوية وبلورت مركزها في الأسرة والمجتمع ووازنت بين كل نواحي وجوانب متطلبات حياتها تجاه التزاماتها كأم وزوجة وداعية ورائدة مجتمع حيث تلمس الفعالية في كل خطوة من خطواتها وتطوير المرأة و الرضا بها والدفع بها إلى كافة المجالات كي تتمكن من أخذ دورها ومساهمتها في بناء الوطن ومؤسساته , وتعزيز وتمتين دورها في إنشاء الأسرة كونها نظاماً اجتماعياً لا بد من التمسك به وحفظه من الانهيار واستبقائه قوياً وصلباً لا يؤثر فيها عواتي الأيام وسوء الظروف والأحوال كونه دعامة متينة للمجتمعات السليمة وتقويه العوامل الاجتماعية والأخلاقية والنفسية .
د. مريم تدرك وتتابع دور المرأة وما منحت من حقوق وفرضت عليها من واجبات لتكون عنصر فعال في المجتمع وتدرك أيضا أن المرأة لازالت تعاني من وطأة القيود التي تفرضها عليها بعض التقاليد والعادات التي لا تمت للإسلام بصلة , فكانت ولا زالت تسعى للرفع من مركز ومكانة المرأة الاجتماعي في كافة المواقع.
وسيبقى اهتمام د. مريم بالمرأة حينما وأينما تكون وسيبقى عطاءها بلا حدود حتى ترى المرأة وقد توصلت إلى كامل حقوقها بدون التباس أو غموض أو غُبن وفي إطار منظومة والقيم الدينية والأخلاقية والوطنية .
وكلمة أخيرة د. مريم التي جمعت إلى حسابها فضلا ماديا وعلميا وبيتا يظلله الحب والتفاهم والانسجام . بيت دين وتقوى , حيث البر والرعاية والحنان من كافة عناصر وأركان أسرتها وهي التي استطاعت توفير الاستقرار والسعادة في هذا البيت إلى جانب الاضطلاع بمهام عملها وصلاحياتها كمحاضرة في كلية الدعوة وأصول الدين – أبو ديس , وجامعة القدس المفتوحة ومن ثمَّ كعضو في المجلس التشريعي الفلسطيني ووزارة شؤون المرأة وقبل ذلك كداعية ورائدة مجتمع وهي التي تحمل عبئ البيت وما يترتب عليه من متطلبات والتزامات , وما النجاحات التي حققتها في مجالات عملها وفي مسيرة عطاءها ما كانت لتحقق لولا ارتباطها بزوج مؤمن ومتفهم وهو وشريف ورفيقاً لها ومحباً لها , وهي التي وهبها الله من هذه الزيجة المباركة وبهذا الرجل الكبير والعظيم الأبناء والبنات , هذا الزوج الرائع الذي وفر لزوجته مريم كل عوامل ومقومات نجاحها برضا وسعادة ويشد على الأيدي إرضاءً لله سبحانه وتعالى وكسباً للأجر واستشعاراً بأن المسؤولية جماعية , وسيبقى هذا الرجل المؤمن الصالح والتقي والنقي مثال الرجل الفلسطيني الحر والزوج الوفي لزوجته وشعبه ووطنه .