محمد الصائغ
شاعر من السودان
محمد الصائغ
أمين جام
شاعرناالأستاذ ( محمد أحمد عبدالقادر ) المشهور بالصائغ من جمهورية السودان . وُلد عام 1920 م في مدينة ( تنقس ) شمال السودان ، وفيها درس المرحلة الابتدائية ، وانتقل إلى مدينة ( أم درمان ) ودرس في معهدها العلمي المرحلتين المتوسطة والثانوية . وتابع دراسته متوجها إلى مصر حيث الجامع الأزهر ، ثم تابع دراسته في كلية دار العلوم ، ومنها تخرج مدرسا للغة العربية . وعاد إلى موطنه السودان وعلم بمدارس الخرطوم الأهلية ثم في ( مدارس الاتحاد ) ، وانتقل بعدئذ إلى مدينة ( ود مدني ) مدرسا أيضا في ( المعهد الأوسط ) ثم في معهد ( النيل الأزرق ) ثم في مدرسة ( مدني الثانوية ) .
عُرف رحمه الله بدماثة الخُلق وطيب المعشر ، والإخلاص في العمل ، والجودة في الأداء ، وكان يُعرف في أوساط مجتمعه بالصائغ ، ذلك لأنه زاول مهنة الصياغة فترة من الزمن ، قبل أن يلتحق في سلك التعليم . عاش معظم حياته العملية في مدينة ( ود مدني ) ، وفيها تزوج ورزقه الله سبحانه ذرية طيبة نحسبها كذلك ولا نزكي على الله أحدا . وفي هذه المدينة وافته المنية عام 1994م ، وفيها دفن وانتقل إلى رحمة الله عزَّ وجلَّ .
إنها البيئة النظيفة التي لم تلوثها الحدائة والعلمنة والنكوص وتجارة الخسران ، بيئة البستان الإسلامي الوريف بظلال الأمن والخير والعزة ، إنها البيئة التي يحاكي فيها شعراء الهم الثقيل قيم دينهم ، ومدارج سُمُو نواياهم وكلَّ متقنٍ في أدائهم ، فكان شعرُهم معبِّرًا عن حقيقة الأمة إذا التزمت بنهج قرآنها وسُنَّةِ نبيِّها صلى الله عليه وسلم . وكان منبرا حلو المحيَّا طلق اللسان ، ثبت الجَنان ، وهكذا يتغنَّى الشعرُ بمآثر أؤلئك الأبطال الفاتحين ، وهكذا جاء الشعرُ الإسلامي في هذا العصر ، ولذلك حوصر أهلُه ، وكُتمت أنفاسُهم في غيابات القهر والنسيان والتَّجاوز المقصود والمدروس ، لأنه يثير أزمة الأمة الجريحة ، ويتألم على حالها المرير ، ويعرف ما يُحاك لها وراءَ الكواليس .
هنا جاء شعر الصائغ حزينا باكيا راثيا ، لأمته لشبابها ، لمستقبلها يقول :
جافى الكرى جفني ولستُ بدارِ |
|
لايكتسي أبدا بثوبِ نهارِ |
صور تناغم حجم الألم الذي يكتنف قلب الشاعر بعد وقوع المصائب على الأفراد أو المجتمعات الإسلامية ، وتوحي بقوة الحقد الأعمى الذي تواجهه الأمة في كل حدب وصوب ، وليجد هذا الألمُ الممضُّ وهذا الحقدُ الفوَّارُ شبابا مؤمنين بالله ،صوَّالين جوَّالين بحقهم في التعبير ، وحقهم في التغنِّي بمآثر عقيدتهم الغراء ، لايخافون لومة لائم ، ولا حقد باغٍ ، لأن هذه الأمة ، ولأن هذا الشباب كما يقول الشاعر الصائغ :
تجري دماؤُكَ من تُقىً وطهارةٍ |
|
في الحقِّ والإسلامِ غيرَ مماري |
أجل : أجساد طاهرة ، وقلوب تعمرها التقوى ، ومواقف لاترضى النفاق أو المماراة ، فلا خوف من سطوة الظالمين وما يملكون من أسباب العزة بالإثم ، فأمرهم إلى الله ، ومصيرهم الهلاك في الدنيا ، والخلود في جهنم يوم القيامة . ويسترسل الشاعر في تعداد صفات المؤمنين ، ويحدد الشباب بشكل خاص فيقول :
سهل العريكة عند ملتمس النَّدى |
|
وإذا أُثيرَ فكالقنا الخطَّارِ |
ويبقى للشاعر أمله البسيم الذي لاتطويه ظلمات القهر والطغيان ، ولا تؤخر مسيرته جفوةُ الإشراقات ذات الأفراح ، حيث يبقى للشعر المتميز بمضامين العقيدة الإسلامية طعما خاصا ، وشذوا عبقا ، يُحببُ إلى النفوس . يقول الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه معلما لولده عبدالرحمن : ( يابني : احفظ محاسن الشعر يكثرْ أدبك ، فمن لم يعرف الشعر لم يؤدِّ حقا ... ) . فالشعر ذو الحكمة والقيم الاجتماعية والإنسانية يبعث الأمل حتى عند اليائسين ، يقول الشاعر محمد الصائغ :
أملٌ بدا كالصبحِ في ثوبٍ قشيبْ |
|
وتوارت الأوهامُ في الغسقِ الرهيبْ |
فالمؤمن لايعتريه يأسٌ ، ولا توقف همَّتَه عواصف الأرزاء ، وإنما هي المسيرة لاينثني أصحابُها ، ولا يتقاعس أربابُها عن أداء الواجبات مهما كانت التبعات . يقول شاعرنا :
أنا لاأبغيك إلا قبسًا |
|
يكشفُ الغُمَّةَ عن تلك الأماني |

