مالك بن نبي في ذكراه
وحاجة الأمة الملحة لفكره
جمال زواري أحمد ـ الجزائر
ونحن نعيش ذكرى وفاة فيلسوف الحضارة المفكر المبدع مالك بن نبي رحمه الله، وفي ظل ما تعيشه الأمة من أحداث جسام، وانقسامات واصطفافات وصراعات حادة، وتخلف تنموي رهيب، وأفول حضاري مقيت، وغياب شبه تام عن المواقع الفاعلة في العالم، وتبعية مطلقة للقوى الاستعمارية القديمة المتجددة، وتقليص فاضح لهوامش قيم الحرية والديمقراطية والسيادة لحساب قيم القمع والاستبداد والذيلية، وتزييف كبير للوعي، وتغييب لفكر النهوض والتحرر والإبداع.
كل هذا الحاصل في الأمة على مدى امتدادها الجغرافي كله تقريبا، يجعلها في حاجة ملحة لفكر مالك بن نبي، وبلورة حلول عملية لكل ما سبق من إشكاليات وتحديات، وانجاز الكثير من جداول التشغيل الواقعية لذلك من الصيدلية الفكرية الثرية والمتنوعة لمالك بن نبي، والتي بقي الكثير منها ــ للأسف الشديد ــ خاما لم يستغل ويستثمر بعد بالشكل الكافي الذي يتناسب وقيمة الإبداع والتميز والعمق الذي ميز هذا الفكر الأصيل، حيث عالج ابن نبي وعلى مدار نصف قرن تقريبا كل القضايا التي أشرنا إليها في مقدمة المقال وغيرها كثير.
فهاهي تمر أكثر من أربعين سنة على رحيل مالك وما زالت الأمة تعيش بين الرشاد والتيه، ولا زالت مشكلة الأفكار قائمة فيها في إطار الصراع الفكري المحتد على أشده في ساحتها، ولازال العالم الإسلامي في مهب معارك التخلف والاستبداد والتمزق والتبعية والفقر والجهل وغيرها وليس معركة واحدة فقط ، يبحث من خلالها بشكل ملح عن وجهته الصحيحة من أجل التغيير لتحقيق شروط النهضة لميلاد مجتمع أكثر تشبعا بالظاهرة القرآنية في ظلال فكرة كومنولث إسلامي.
كما أن المسلم الذي توجه إليه مالك بن نبي بفكره ليكون له دور فاعل ورسالة إيجابية في إنتاج الحضارة من جديد وامتلاك مقوماتها، على ما يبدو أنه ما زال لم يقم بهذا الدور ولم يؤد هذه الرسالة بالشكل الواعي والمطلوب، وهو في الثلث الأول من القرن الواحد والعشرين، ولا زال لم يلج عالم الاقتصاد باحترافية كما يجب بعد، حيث أن اقتصاده بقي استهلاكيا تابعا ذليلا إلى حد الآن.
على العموم نؤكد من خلال إطلاعنا وقراءتنا لفكر مالك بن نبي أن الأمة ما زالت وستبقى وبشكل أكثر إلحاحا الآن أكثر من أي وقت مضى في حاجة ماسة إلى تأملاته الفكرية والإستشرافية المبدعة، فهو بحق كما قال عنه الدكتور محمد المبارك رحمه الله وهو يقدم كتابه وجهة العالم الإسلامي للقراء:((لا أقول إنه ( ابن نبي )، ولكن أقول إنه ينهل من نفحات النبوة وينابيع الحقيقة الخالدة)).