نعماء بنت محمد المجذوب
(1355/1936 ـ 1435/2014)
محمد علي شاهين
أديبة إسلاميّة قديرة، من أبرز كتّاب الرواية الإسلاميّة المعاصرة، وكاتبات القصّة القصيرة، وأكثرهنّ فنيّة، وهي كاتبة للأطفال، وشاعرة مقلّة، عضو رابطة الأدب الإسلامي العالميّة، ورابطة أدباء الشام.
ولدت في مدينة طرطوس، نشأت في رعاية أبيها الشاعر الإسلامي محمد مصطفى المجذوب، وكان بيته بيت علم وفضل ودعوة في فترة كانت سوريّة تعجّ بالحيويّة والنشاط الفكري والأدبي، وقضت شطراً كبيراً من طفولتها في مدينة اللاذقيّة تلك المدينة الساحليّة الجميلة التي تركت في وجدانها أجمل الذكريات وأخصبها.
درست في المدارس الحكوميّة مناهج المراحل الدراسيّة الثلاث، وقرأت الكثير من كتب الأدب والتراث التي كانت مكتبة أبيها تذخر بها، ونالت درجة البكالوريوس في الآداب من جامعة دمشق، والماجستير من الجامعة الإسلاميّة بالمدينة المنوّرة.
تزوّجت في سن مبكّرة بالإسلامي الحركي محمد نعسان عرواني المراقب العام الأسبق لجماعة الإخوان المسلمين في سوريّة، ورافقته إلى مدينة حماه، وبها أكملت المرحلة الثانويّة، وكانت رفيقة دربه وجهاده في سوريّة وديار الاغتراب.
وكانت تقود المظاهرات النسائيّة في مدينة حماه في الخمسينات، وتلقي الكلمات الحماسيّة ضدّ محاولات علمنة الدولة وهي تسدل الحجاب على وجهها.
نشرت روايتها الأولى (مارد في صدري) في عام 2004 وكانت فخورة بها، ثم نشرت روايتها الثانية (الزمن المفقود) في عام 2006.
وعندما صدرت روايتها الأولى كتبت أقول: لست أغالي إذا قلت: إنّ مشاعر الكاتبة المبدعة نعماء محمد المجذوب قد ذابت في هذه الرواية الجديرة بالقراءة، وهي تعبّر بقلمها الساحر عن مشاعر المضطهدين الصامتين، وتقتحم بخيالها المجنّح عالمهم الحزين، وترسم البؤس في وجوههم، وتنطق الكلمات الجامدة في أفواههم، بأسلوب رمزي رفيع، وبلغة سهلة وعبارات جزلة.
وعنيت بالقصّة القصيرة فكتبت مجموعة (جلنارا وقصص أخرى) وتضم المجموعة عدداً من القصص الشيّقة وهي: (مداراة في الغربة) و(العمّة سكينة) و(البراءة أقوى) وقصّة (هديّة مباركة) و(وداعاً للشيطنة) و(وطن وإن جار) و(غريب) و(رشفات من الحياة) (وتأمّل في الطبيعة ...ثمّ) .
وفي مجموعة (تداعيات موقف) نقرأ قصّة: (مطاردة) و(جحود وعقوق) و(أمنة نعاس) و(أصوات وأصداء).
ولها مجموعة قصصيّة (هدى وقصص أخرى) باسم القصّة الأولى، وتضم المجموعة ثماني قصص: (هدى) و(ما أعنده) و(معذرة يا شيخنا) (ما أحلى الرجوع إلى الطبيعة !) و(جراح) و(كانت أنيسي) و(سميري في سفري) و(أرض الحلم).
وقدّمت للمجموعة الأديبة عبير الطنطاوي بكلمات رقيقة تحدثت فيها عن شاعريّتها وغربتها فقالت: رأيت في أحد الأيام ركنها التي تجلس فيه وتكتب كتاباتها، فما رأيت سوى قرآناً كريماً وتفاسير لهذا القرآن العظيم ومجموعة أوراق وأقلام، نظرت نظرة خاطفة سريعة فعرفت كم أنا أمام امرأة عظيمة غزيرة العلم، غزيرة العاطفة.
الأديبة نعماء المجذوب لم تنل حظّها من اهتمام النقّاد المنافقين، ومن رعاية الدولة المشغولة بكبت الحريات وقمع الشعب، وانحازت إلى جانب المعارضة الإسلاميّة في سوريّة منذ مطلع الثمانينات، وإلى قضيّة الحريّة والعدالة الاجتماعيّة، وكان لمجزرة حماه الأولى والثانية، ومصادرة بيتها أثر عميق في أدبها الحزين، وفضّلت أن تسكن الغربة، ولم تكن نادمة.
وكانت رحمها الله امرأة فاضلة شديدة الاهتمام برعاية أسرتها ونظافة بيتها، وتربية أولادها الذين اضطروا للهجرة طلباً للعلم وبحثاً عن العمل والحريّة.
وكان لها درس اسبوعي للنساء في مسجد مجاور لبيتها، وآخر للفتيات في بيوتهن، تفسّر كتاب الله بأبلغ لسان، وتعرب بعض الكلمات، وتجيب على أسئلتهن، وعرف عنها تدينها وحرصا على أداء صلاة الجماعة في مسجد العز بن عبد السلام الذي ساهمت في إقامته تحت العمارة التي تسكن إحدى بيوتها.
وهي شاعرة مجيدة مقلّة صرفت جهدها في ميدان النثر، ونظمها يدل على امتلاكها ملكة الشعر، ومن جيّدها قصيدة بعنوان: (همسة في أذن بنت العقيدة) مطلعها:
بنتَ العقيدة بنتَ الفضل والأدبِ سليلةَ المجدِ والتاريخِ
والحسبِ
بنتَ العروبةِ والرحمنُ يحفظُها من كلِّ عادٍ على الأخلاق مغتصبِ
كوني على حذرٍ من كلِّ شائبةٍ إنَّ الزمانَ زمانُ الشكِّ والرِّيبِ
صوني جمالكِ عن نفس مخادعةٍ ونظرةٍ من سهامِ الغدرِ لم تخبِ
وتتحدّث الشاعرة المجذوب عن شيطان شعرها في مقالة تحت عنوان: (خاطرة وامضة) فتقول: شيطان الشعر ما أحمقه!! إن استدعيته عاندني وكابر، وإن أهملته جاذبني ونازل، فأنا معه في كرّ وفرّ، لا يدعني أستريح فوق صخرة شامخة، وإن هربت منه إلى مرج أخضر، وعانقت السنابل الذهبية، وتسلقت الأيكة المروية، وشدتني الأنوار العلوية، وحلقت بين الكواكب المتناثرة، والبروج الدائرة والمتاهات المنسية، فاجأني بركلة قصية، هوت بي في القيعان السفلية.
شيطان شعري، ما أحمقه، ما أعنده!!
ثم تقول: كلمات باسمة يلقيها في خاطري، معطرة، ندية بالحب، غزيرة بالمعرفة، ينثرها على أشلاء أعصابي، فوق بساط مزركش، ألوانها مغرية، أضواؤها باهرة، أشكالها ناطقة، فأقتنص اللحظات، كي ألملمها في خيط وردي، أزين به نافذتي، أو أحبسه بين دفتي دفتري، ويجذبني الأمل، وتعصف في داخلي الهمّة، ثم فجأة تطير المفردات، وتحلق بين جفنيَّ المغلقتين، وتخبو الأنوار، وتتلاشى الرغبات، وتختنق البسمات.
شيطان شعري، ما أغدره، ما أسفهه!!
وكتبت قصّصاً لأحبابنا الصغار، وسيناريوهات للجيل القادم، وأغاني للأطفال، وأعتقد أنّ أديبة مثل المرحومة نعماء المجذوب، تمتلك تراثاً يجب جمعه والمحافظة عليه.
وبعد شيخوخة صالحة انتقلت إلى الرفيق الأعلى الأخت الفاضلة أم عز الدين الأديبة الإسلاميّة في مدينة عمّان ليلة الثلاثاء الموافق 14/10/2014، وشيّعت في اليوم التالي، وصدف أن توفيت في اليوم ذاته زوجة الشيخ سعيد حّوّى فصلي عليهما معا في مسجد أّم المؤمنين عائشة بمنطقة عبدون، ودفنتا في مقبرة سحاب الإسلاميّة.