أبو الأسود الدؤلي
ملك النحو
محمد فاروق الإمام
أبو الأسود الدؤلي هو ظالم بن عمرو بن سفيان, ولد في الكوفة سنة 16 ق.ه/604م ونشأ في البصرة, وهو من سادات التابعين وأعيانهم، يعتبر أول من وضع علم النحو, وشكّل المصحف. صحب الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وشهد معه وقعة صفين. وهو ملك النحو. فهو أول من ضبط قواعد النحو، فوضع باب الفاعل، والمفعول به، والمضاف وحروف النصب والرفع والجر والجزم.
ويظنه البعض أنه هو من وضع النقاط على الأحرف العربية. وهذا خطأ. فأول من وضع النقاط هو نصر بن عاصم بأمر من الحجاج بن يوسف الثقفي.
المُرجّح عند المؤرخين أنه ولد في الجاهلية قبل الهجرة النبوية ب ( 16 ) عاماً .
كان أبو الأسود ممن أسلم على عهد النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم )، وغالب الظن أن أبا الأسود دخل الإسلام بعد فتح مكة وانتشاره في قبائل العرب، وبعد وفاة الرسول ( صلى الله عليه وسلم) انتقل إلى مكة والمدينة .
قيل إن علياً وضع له: الكلام كله ثلاثة أضرب: اسم وفعل وحرف، ثم رفعه إليه وقال له: تمم على هذا. يروى بأن حديثاً دار بينه وبين ابنته هو ما جعله يهم بتأسيس علم النحو وذلك عندما خاطبته ابنته بقولها ما أجملُ السماء ( بضم اللام لا بفتحها ) فأجابها بقوله (نجومها) فردت عليه بأنها لم تقصد السؤال بل عنت التعجب من جمال السماء, فأدرك حينها مدى انتشار اللحن في الكلام وحينئذ وضع النحو. وحكى ولده أبو حرب قال: أول باب رسم أبي باب التعجب.
وقيل إنه كان يعلم أولاد زياد بن أبيه وهو والي العراقين يومئذ، فجاءه يوماً وقال له: أصلح الله الأمير، إني أرى العرب قد خالطت هذه الأعاجم وتغيرت ألسنتهم، أفتأذن لي أن أضع للعرب ما يعرفون أو يقيمون به كلامهم؟ قال: لا، فجاء رجل إلى زياد وقال: أصلح الله الأمير، توفي أبانا وترك بنون، فقال زياد: توفي أبانا وترك بنون!! ادعوا لي أبا الأسود، فلما حضر قال: ضع للناس الذي نهيتك أن تضع لهم.
وقيل لأبي الأسود: من أين لك هذا العلم؟ يعنون النحو، فقال: لقنت حدوده من علي بن أبي طالب. وقيل إن أبا الأسود كان لا يخرج شيئاً أخذه عن علي بن أبي طالب إلى أحد، حتى بعث إليه زياد المذكور: أن اعمل شيئاً يكون للناس إماماً ويعرف به كتاب الله عز وجل، فاستعفاه من ذلك، حتى سمع أبو الأسود قارئاً يقرأ: (إن الله بريء من المشركين ورسوله) كان الرجل يقرأ (رسولهِ) مجرورة أي انها معطوفة على (المشركين) هذا يغير المعنى ،لأن (رسولَه) منصوبة إي أنها معطوفة على الله، فقال: ما ظننت أن أمر الناس آل إلى هذا، فرجع إلى زياد فقال: أفعل ما أمر به الأمير، فليبغني كاتباً لقناً يفعل ما أقول له، فأتي بكاتب من عبد القيس فلم يرضه، فأتي بآخر فقال له أبو الأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه، وإن ضممت فمي فانقط بين يدي الحرف، وإن كسرت فاجعل النقطة من تحت، ففعل ذلك.
وإنما سمي النحو نحواً لأن أبا الأسود قال: استأذنت علي بن أبي طالب أن أضع نحو ما وضع، فسمي لذلك نحواً.
هناك بعض الأفراد أخذوا العلم من أبي الأسود، ودرسوا على يَدَيه، وخاصة علم النحو والعربية، وقراءة القرآن.
كان لأبي الأسود بالبصرة دار، وله جار يتأذى منه في كل وقت، فباع الدار فقيل له: بعت دارك، فقال: بل بعت جاري، فأسلها مثلاً.
وكان ينزل البصرة في بني قشير، وكانوا يرجمونه بالليل لمحبته علياً كرم الله وجهه، فإذا ذكر رجمهم قالوا: إن الله يرجمك، فيقول لهم: تكذبون، لو رجمني الله لأصابني ولكنكم ترجمون ولا تصيبون.
ويحكى أنه أصابه الفالج فكان يخرج إلى السوق يجر رجله، وكان موسراً ذا عبيد وإماء، فقيل له: قد أغناك الله عز وجل عن السعي في حاجتك، فلو جلست في بيتك، فقال: لا، ولكني أخرج وأدخل فيقول الخادم: قد جاء، ويقول الصبي: قد جاء، ولو جلست في البيت فبالت علي الشاة ما منعها أحد عني.
وحكى خليفة بن خياط أن عبد الله بن عباس كان عاملاً لعلي بن أبي طالب على البصرة، فلما شخص إلى الحجاز استخلف أبا الأسود عليها، فلم يزل حتى قتل علي.
اتفقت أكثر الروايات على وفاة أبو الأسود بالبصرة سنة (69 ه/688م) في طاعون الجارف، وعمره خمس وثمانون سنة، وقيل إنه مات قبل الطاعون بعلة الفالج، وقيل إنه توفي في خلافة عمر بن عبد العزيز. وقيل لأبي الأسود عند الموت: أبشر بالمغفرة، فقال: وأين الحياء مما كانت له المغفرة؟.