امام العلمانيين وشيخ العقلانيين.. د. فؤاد زكريا

محمد الرمادي

فينا - النمسا

[email protected]

توفي يوم الخميس - 11. مارس - الأكاديمي والأستاذ الجامعي المصري المتخصص في الفلسفة؛ المفكر الدكتور فؤاد زكريا أستاذ الفلسفة بجامعة عين شمس/القاهرة عن 83 عاماً بعد صراعٍ مع المرض، وتوار عن المشاركة في الحياة الثقافية في الآونة الأخيرة.

ولد زكريا في مدينة بورسعيد الساحلية فى ديسمبر عام 1927م، وتخرج في قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة عام 1949م، نال الماجستير عام 1952م ودرجة الدكتوراه عام 1956م فى الفلسفة من جامعة عين شمس، التي ظل يعمل بها حتى سفره إلى جامعة الكويت عام 1974م، وعمل أستاذاً للفلسفة ورئيساً لقسمها فى جامعة الكويت «1974م ــ 1991م». ترأس تحرير مجلتي «الفكر المعاصر» و «تراث الإنسانية» فى مصر. عمل مستشاراً لشئون الثقافة والعلوم الإنسانية فى اللجنة الوطنية لليونسكو بالقاهرة. وتولى منصب مستشار تحرير سلسلة «عالم المعرفة» الكويتية، وكان من مؤسسيها.

قدم فؤاد زكريا للمكتبة العربية العديد من الأعمال الفلسفية والفكرية المؤلفة والمترجمة بالإضافة الي مقالات ودراسات في الصحف والمجلات تتصل بمشاكل فكرية واجتماعية ونقد السائد في الفكر العربي والواقع المصري. وفي دراساته وكتاباته الفلسفيه يقدم لغه فلسفية رصينة وقدرة فذة علي التحليل والنقد وفهم دقيق للمصطلح الفلسفي.

وللراحل ترجمات ومؤلفات في النقد الثقافي والفلسفة :

«نيتشه» 1956م، و

«نظرية المعرفة والموقف الطبيعى للإنسان» 1962م، و

«اسبينوزا» عام 1962م، ونال عنه جائزة الدولة التشجيعية في مصر، و

«الإنسان والحضارة»، و

«آراء نقدية فى مشكلات الفكر والثقافة» 1975م، و

«الحقيقة والوهم فى الحركة الإسلامية المعاصرة»، 1986م، و

«الصحوة الإسلامية فى ميزان العقل». 1987م، و

«التفكير العلمي»، و

«خطاب إلى العقل العربي»، 1978م،

«دراسة لجمهورية أفلاطون»،

سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1978م،

«آفاق الفلسفة»، 1988م،

الثقافة العربية وأزمة الخليج، 1991م؛ والذي ناقش فيه مواقف بعض المثقفين العرب من دخول الجيش العراقي للكويت 1990م وتحرير البلاد على يد قوات قادتها الولايات المتحدة عام 1991م.

كتب ترجمها

ب. موي: المنطق وفلسفة العلوم (جزآن)،

ر. متس: الفلسفة الإنجليزية في مائة عام، 1963م،

هانز رايخينباخ: نشأة الفلسفة العلمية،

هربرت ماركوز: العقل والثورة، 1970م،

أرنولد هاوزر: الفن والمجتمع عبر التاريخ (جزآن)، 1973م،

والنقد الفني لــ "جيروم ستولينتيز"،

والفيلسوف وفن الموسيقي لــ "بروتنوي"،

ولــ برتراند راسل: حكمة الغرب، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، الطبعة الأولى: العددان 62، 72، الطبعة الثانية: العددان 364، 365

وخاض زكريا مناظرة شهيرة في نهاية ثمانينيات القرن الماضي بمقر نقابة الأطباء بالقاهرة مع الشيخين العلامة الإمام محمد الغزالي- رحمه الله- و د. يوسف القرضاوي. وقد كتب القرضاوي بعد المناظرة كتاباً بعنوان "الإسلام والعلمانية وجهاً لوجه" رد فيه على مقولات فؤاد زكريا وفندها.

والراحل أبرز المعادين للمنهج السلفي ومنتقديه، فقد سخرَ من الاتجاهات الإسلامية المعاصرة الملتزمة بهذا المنهج، وادعى أنها بالتزامها به تُركز على التمسك بشكل الإسلام دون مضمونه؛ فكرسَ حياتَه معادياً للأطروحات الإسلامية وللطرح الإسلامي ولكل حل إسلامي.

ولم تقتصر معارك زكريا على الإسلاميين، وإن كان قد خصهم بهجومه الأعنف، لكنا خاض أيضا معارك عنيفة مع المعسكر الناصري، خاصة من خلال كتابه «كم عمر الغضب»، والذي تضمن انتقادات حادة للفكر الناصري، وبالتحديد الصحفي الناصري المعروف محمد حسنين هيكل.

يذكر أن فؤاد زكريا هو صاحب المقال الشهير «العلمانية هى الحل»، الذي كتبه رداً على المنادين بأن «الإسلام هو الحل»، كما أنه صاحب كتاب "الصحوة الإسلامية في ميزان العقل"، والذي تضمن انتقادات عنيفة للصحوة والحركات الإسلامية، مركزاً بشكل خاص على العلامة الشيخ محمد متولي الشعراوي؛ وناقش افكار الشيخ؛ و د. مصطفي محمود ـ رحمهما الله ـ، وفندَ اراؤهما، ونحت مصطلح "البترو اسلام" وكذلك تفنيده لاراء د. " حسن حنفي" التي كانت ترى ان موجة المستقبل في بلادنا هي ما يسميه بالاصولية الاسلامية موضحاً تناقضات اراء د. حنفي وخطورة الانبهار بجماعة الجهاد التي اغتالت السادات. وفند ايضا تهافت بعض اراء المعارضين التي رأت في الجهاد حليفاً نظرا لعداء الجهاد للسادات.

وصاحب النظرية القائلة «إن الغزو الثقافى الغربى خرافة لا وجود لها»، و «المعرفة العلمية من ضرورات الثقافة والحضارة لدى كل شعب» عبارات كثيرة أطلقها الدكتور فؤاد زكريا الذى رحل عن عالمنا، كانت تشكل منطلقه الفلسفى النقدي الذى قدم من خلاله العديد من الأعمال الفلسفية والفكرية المؤلفة والمترجمة بالإضافة إلى مقالات ودراسات فى الصحف والمجلات تتصل بمشاكل فكرية واجتماعية.

فؤاد زكريا أحد أهم المفكرين فى مصر والعالم العربى، نال جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي عام 1982 عن أحسن كتاب مترجم «حكمة الغرب» تأليف برتراند رسل، جزءان، وجائزة العويس الإماراتية، وجائزة الدولة التقديرية في مصر، وجائزة «جان ماس» التى تمنحها الرابطة الفرنسية للتعليم والتربية.

والراحل.. هل أفسدته الفلسفة أم اعتقد بصحة أفكار النهضة الحديثة الأوروبية والتي أهملت الدين عن عمدٍ وقصد وجعلته مسألة شخصية؛ وأضاعت الثوابت؛ وأمنت بالعقل إيمانا مطلقا فأين ما حلَّ حلت معه، فوضعت الدين بين جدران المعابد وأعمدة أماكن العبادة، ولعل المناخ العام السائد في اوروبا يعين على ذلك!.

ونحن نعتقد أننا بالعقل نصل للثوابت وأن الإختلاف على الثوابت دليل ضعف العقل وليس ضعف الدليل مع غياب المنهجية العقلية والطريقة العلمية في بحث المسألة موضوع الخلاف، ولا يضير أحد إختلاف التبني أو الرؤية ولكل فريق الحق كاملا في طرح رؤيته والدفاع عنها والكاتب لا يزيد الخلاف عمقاً بقدر ما يريد تعميق محاور البحث ومن الخطأ أن ننتصر لفريق بل الأصل الإنتصار لفكرته وصحتها ومدى إنطباقها على الواقع وصدقها، ولكنه ديدن الدهماء وسمة الأغبياء الإنتصار لمن يعجبون به وليس لمن يفهمون قوله ويعتقدون صحة فكره والإنتصار للأشخاص مصيبة فكرية لا تأييد فكرهم وحسن استدلالهم وقوة استنباطهم ودقة الطرح والإستدلال لديهم.

والكاتب من هذا المنبر يطلب ممن لديهم منابر ثقافية ـ عقد ندوات وإقامة مناظرات بين السادة والسيدات اصحاب الفكر والقلم من الإسلاميين والعلمانيين والقوميين العرب يسود مناخها الإخوة الإنسانية، وإعمال العقل والبُعد عن التبعية الفكرية والإنضباع بفكر ورأي غيره!، لإثراء الحوار البناء؛ وبناء قاعدة فكرية متينة .. ونحن سنستفيد.. فهل مِن مجيب! والراحل نفسه ناظر العلماء وفند آرائهم، فلما الإحجام!!.