أحمد أبو خليل القباني
حسين علي محمد حسنين
كاتب وباحث/ عضو إتحاد كتاب مصر
· تأثر بالفرق الفرنسية التى كانت تزور دمشق، وبدأ فى تكوين أول فرقة مسرحية من بعض أصدقائه من الهواة فى عام 1865.
· باع كل أملاكه وبنى مسرحا مستقلا وظل يلاقى النجاحات المتواصلة حتى عام 1882 عندما تم إغتيال مدحت باشا وتولى مكانه حمدي باشا الذى وافق على أمر السلطان عبد الحميد الثانى بإغلاق مسرح القبانى بعد أن وشى به بعض المتشددين السوريين للسلطان بأن فنه يفسد الشباب.
· دعاه المطرب المصري عبده الحامولى إلى ترك الشام والعمل فى التى كانت تشجع فن المسرح وترعى هواته بقوة فى ذلك الوقت . ووصل القبانى إلى مصر فى أول يونيو 1884 ولاقى نجاحا كبيرا فى الإسكندرية والقاهرة.
· فى عام 1897 وأثناء قيامه بجولة مسرحية فى أقاليم مصر جاءه خبر إحتراق مسرحه الذى أقامه فى سوق الخضار بالعتبة الخضراء ، وحزن حزنا شديدا عندما علم أن الفاعلين من أبناء بلده المتشددين الذين رفضوا فنه .
القاهرة: حسين حسنين
ولد أحمد أبو خليل محمد أقبيق بدمشق عام 1842 ، وقد عرف بالقباني لأنه عمل بمهنة القبانة مع خاله أبو أسعد النشواتى فترة من الزمن فى دمشق . نشأ القباني فى أسرة متدينة حيث درس فى طفولته بـ " كتاب " الحى لتحفيظ القرآن ، ثم إنتقل إلى المسجد الأموي ودرس فيه علوم اللغة والدين .
بالإضافة إلى دراسته الدينية كان يميل إلى حضور الليالى الفنية التى كانت تقام بمقاهى دمشق وملاهيها، وكان يستمع إلى حكايات أبى زيد الهلالى والظاهر بيبرس وملاحم عنترة إبن شداد والزناتى خليفة . خلال تلك الفترة إهتم القبانى بالغناء والموسيقى والتواشيح ، وقد سبب له ذلك توترا فى علاقته مع والده وأساتذته الذين حرموه من الدراسة مما أدى قيام والده بطرده من المنزل فلجأ إلى خاله الذى شجعه على مزاولة هذا الفن والعمل معه فى مهنة القبانة بسوق البذورية بدمشق . ومن هنا بدأ القبانى فى التردد بحرية على ليالي السمر والغناء ، وهكذا تعلم الموسيقى دون خوف أو ضغوط خارجية . كما تردد على ملاعب الأراحوز وفرق التمثيل الصغيرة .
بتطور الأحداث بدأ القبانى فى تكوين أول فرقة مسرحية من بعض أصدقائه من الهواة فى عام 1865 ، ومع إصراره على العمل فى المسرح تعرف عليه جمهور عريض إلى أن شاهده والى دمشق صبحى باشا عام 1871 الذى كان محبا للفن ، لذلك قدم له المعونات الكثيرة .
أما عن تطور فن القبانى فيرجع إلى قيامه بمشاهدة الفرق الفرنسية التى كانت تزور دمشق ، إضافة إلى إطلاعه على الكتب والمجلات المتخصصة فى فن المسرح والغناء والموسيقى حتى تعلم إعداد الديكورات والإضاءة والماكياج ، كما تعلم التأليف المسرحي والإخراج توزيع الأدوار وتلحين الأوبريتات والأغانى الجماعية بمصاحبة الرقص الشعبي.
إستمر القبانى فى نجاحات مستمرة حتى عام 1878 عندما ذاع صيته وشاهده الوالى مدحت باشا وقرر مساعدته رسميا فى إنشاء مسرح خاص به وأمده بمعونة مادية تقدر بنحو 900 ليرة عثمانية سنويا. فى ذلك الوقت إنضم إليه الفنان المسرحي إسكندر فرح وقدما معا مسرحية الشاه محمود بحضور الوالى وجمهور كبير من أعيان سوريا . وذاع صيت فرقته وضمت إليها عناصر نسائية وهما الممثلتان لبيبة مانللى ومريم سماط .
تفرغ القبانى للمسرح وباع كل أملاكه وبنى مسرحا مستقلا تكلف نحو 2000 ليرة عثمانية وظل يلاقى النجاحات المتواصلة حتى عام 1882 عندما تم إغتيال مدحت باشا وتولى مكانه حمدى باشا وكان واليا ضعيفا غير محب للفن . فى تلك المرحلة أصدر السلطان عبد الحميد الثانى أمرا بإغلاق مسرح القبانى بعد أن وشى به عدد من خصوم الفن بسوريا مدعين أن ذلك الفن المسرحى الغنائي يفسد الشباب من الفتيان والفتيات ، وظل أولئك الخصوم يطاردونه فى كل مكان .
ترك القبانى الفن وإعتزل الحياة الإجتماعية حتى زار المطرب المصري عبده الحامولى الشام ولما علم بما حدث للقباني قام بزيارته ودعاه إلى مصر التى كانت تشجع فن المسرح وترعى هواته بقوة فى ذلك الوقت . ووصل القبانى إلى مصر ، لكنه فى البداية فضل البقاء فى الإسكندرية حيث كان يوجد بها صديق له يدعى سعد الله حلابر أحد تجار الشام وذلك فى أول يونيو 1884. وفى 23 يونيو 1884 نشرت جريدة الأهرام إعلانا قالت فيه: قدم إلى ثغرنا(أى الإسكندرية) من القطر السورى جوق من الممثلين للروايات الغربية يدير أعماله حضرة الفاضل الشيخ أبو خليل القبانى الدمشقي ، الكاتب المشهور، والشاعر المفلق ، وقد إلتزم للعمل قهوة الدانوب المعروفة بقهوة سليمان بك رحمى فى جوار شادر البطيخ القديم والجوق مؤلف من مهرة المتفننين فى ضروب التمثيل وأساليبه وبينهم زمرة المنشدين والمطربين تروق لسماعهم الآذان وتنشرح الصدور ، فنحث أبناء الجنس العربى على أن يتقدموا إلى عضد المشروع بما تعودوا من الغيرة .. والتمثيل سيبدأ به هذه الليلة غرة رمضان المبارك عند الساعة الثامنة بعد الغروب (أى بعد الإفطار بساعتين) وسيتتالى فى كل ليلة حتى نهاية الشهر ، وأول رواية تشخص "أنس الجليس" وهى بديعة مسرة ، وأوراق الدخول تباع فى باب المحل بأثمانها المبينة وهى خمس فرنكات للدرجة الأولى ، وأثنين للدرجة الثانية ، وفرانك واحد للدرجة الثالثة ، وهى قيمة زهيدة فى جنب الفوائد المكتسبة.
هكذا لقي القبانى فى مدينة الإسكندرية إقبالا كبيرا وهو ما شجعه على الإنتقال بعد ذلك إلى القاهرة التى إستأجر فيها مسرح البوليتياما حيث عرض عليه مسرحياته الغنائية التى كان يؤلفها ويلحنها ويمثلها ، وكان عبده الحامولى (1845-1901) يشاركه أحيانا بالغناء ، وكذلك المطربة ألمظ ( زوجة الحامولى) ثم بعض مطربى فرقة سلامة حجازى.
ولما إتسعت إمكانيات القبانى المسرحية والفنية كثرت العناصر النسائية لديه وشاهد جمهوره عناصر كثيرة مثل ألمظ ولبيبة مانللى ومريم سماط وملكة سرور ، بالاضافة إلى كبار الممثلين والمطربين مثل عبده الحمولى وإسكندر فرح ومحمود رحمى وغيرهم . وظل أبو خليل القبانى يقدم فنه المسرحى فى مصر حتى عام 1900 حيث قدم خلالها (أى خلال السنوات الست) نحو ثلاثين مسرحية مؤلفة ومسرحية واحدة مترجمة عن راسين هى "متريدات" . وقد تميز مسرح قبانى بالآتى: (1) إستلهام موضوعاته من التاريخ العربى والإسلامى وحكايات ألف ليلة وليلة والبطولات الشعبية ، وفى هذا الخصوص كان القبانى يحتفظ بسياق الأحداث ولا يغير فيها إلا قليلا وذلك فى حدود المتطلبات المسرحية مضيفا إليها ألحانه وأغانيه العربية . (2) حرص على أن تكون اللغة المستخدمة فى أعماله خليطا من الفصحى واللهجات العامية معتقدا أن ذلك يحظى بقبول شتى الطبقات وكل ذوق. (3) أدخل الرقص الإيقاعي الجماعي فى بعض مشاهد مسرحياته ، ومن أبرز الرقصات التى أدخلها رقصة السماح وهى رقصة أندلسية وقد صاحبها بالتواشيح ويرقصها الرجال والنساء وهى منتشرة فى سوريا وأدخلها القبانى إلى مصر ولاقت ترحيبا بالغا. (4) تضمنت مسرحيات القبانى الكثير من الأغاني الجماعية والفردية من نوع الأوبريت، وقد تعددت فيها الألحان ، ولكل لحن مقام يتفق مع نوع الكلام الملحن ومناسبته فى المسرحية . (5) إلمامه بأنواع الديكور الذى يتمشى مع جو التمثيل ، وكان ديكوره بسيطا ومقنعا فكانت المناظر تمثلها ستائر خضراء ترمز إلى القصور والثراء ، والستائر الحمراء تمثل العرس والأفراح والستائر الزرقاء تمثل البحر والسماء ، والستائر السوداء تمثل السجن والتعذيب والأحداث المؤلمة. وكانت الإضاءة تلعب دورا جوهريا مع تلك الرموز. (6) كان يقوم بإدارة المسرح والإخراج وتأليف الأشعار والأزجال ويقوم بتلحينها وغنائها أحيانا ، بالإضافة إلى التمثيل . كما كان يقوم بالتمثيل الصامت فى بداية العرض المسرحى .
أما العيوب التى كانت تؤخذ على مسرح القبانى(ضرورة مراعاة الزمن والتذكير بأن الحركة المسرحية كانت فى بدايتها) فقد تمثلت فى كثرة السجع والزخارف اللفظية وركاكة الإسلوب أحيانا وحشد المسرحية بكثير من الألوان الفنية كالرقص والغناء والشعر والنثر والفصحى والعامية فى وقت واحد .
تجول القبانى بفرقته فى أنحاء مصر وحظي بإعجاب الجمهور المصري ، كما زار بلده دمشق والشام وقدم عروضه هناك ، وسافر إلى الولايات المتحدة وعرض مسرحياته فى شيكاغو عام 1892 . ومن المسرحيات التى قدمها: عنترة العبسى على مسرح زيزينيا بالإسكندرية فى 9 أغسطس 1884 ، ومسرحية أنس الجليس على مسرح دار الأوبرا فى 9 يناير عام 1885 . وقدم العديد من المسرحيات منها : - ناكر الجميل ، - الشاه محمود ، - أسد الشرى، - لوسيا ، - هارون الرشيد ، - أنس الجليس ، - عفيفة ، - ملتقى الحبيبين ، - جميل وجميلة ، - عرابى باشا ، - السلطان حسين ، - عنترة العبسى ، -متريدات ، - الأفريقية ، - ولادة ، وغيرها .
وفى عام 1897 وأثناء قيامه بجولة مسرحية فى أقاليم مصر جاءه خبر إحتراق مسرحه الذى أقامه فى سوق الخضار بالعتبة الخضراء ، وحزن حزنا شديدا عندما علم أن الفاعلين من أبناء بلده الذين رفضوا فنه عندما كان بدمشق فى بداية حياته الفنية مما جعله يهجر سوريا الى مصر . ولفرط حزنه ساءت صحته فقررت زوجته العودة إلى دمشق بعدما حصل على وعود بتكريمه ، وأثناء وجوده بدمشق إستدعاه صديقه أحمد عزت العابد رئيس كتاب الباب العالي إلى الآستانة وتوسط له لدى حكومتها حتى أفرجت عن أملاكه وأجرت عليه راتبا شهريا يكفيه هو وأسرته ولكنه توقف عن العمل بالمسرح حتى وفاته فى 21 يناير 1903 .