عبد الله بن زيد آل محمود
أحمد الجدع
عبد الله بن زيد آل محمود التميمي، قاضي قطر منذ دخلتها عام 1964م، وخرجت منها بعد ثلاثين عاماً وكان لا يزال قاضيها، وتوفي رحمه الله عام 1997م.
كان قاضياً وخطيباً ومؤلفاً، بل كان مؤسساً للقضاء الشرعي في قطر، وحمل عبأه لسنوات امتدت من عام 1359هـ 1939م حتى وفاته عام 1417هـ 1997م وهي مدة تقترب من ستين عاماً، وهو زمن قلما وجدنا عالماً امتدت ممارسته للقضاء بمقداره .
أقول هذا احترازاً، أما أنا فلم يصل إلى علمي نبأ عالم غيره امتدت ممارسة للقضاء ستين عاماً!
كان خطيباً مفوها، يتناول في خطبه قضايا عصره ومشاكل مجتمعه، لهذا كنا نحرص على تأدية صلاة الجمعة في مسجد الدوحة الكبير الذي كان يتولى الخطابة فيه.
كان الشيخ رحمه الله من أعلام الصحوة الإسلامية، بل كان في صحوته سابقاً لزمن الصحوة المتعارف عليه، فهو من العاملين السابقين في بعث الوعي الإسلامي المعاصر.
لم يكن الشيخ منغلقاً على مذهب معين، بل كان له استقلاليته فأفتى في مسائل كثيرة أثارت نقاشات حادة ومعارضات شديدة، ولكنه لم يأبه لها، واستمر في تيسيره على الناس مستمداً تيسيره من الكتاب الكريم والسنة المطهرة.
أذكر أنه أفتى بجواز الإحرام من جدة لركاب الطائرات والسفن، وقد اتبعت أنا فتواه، فكنت أحرم للعمرة من جدة، وقد أديت العمرة عشرات المرات ، وفي كل مرة منها أصل بالطائرة إلى جدة وأحرم من الفندق الذي أنزل فيه ثم أقصد مكة المكرمة.
ومن أكثر الآراء التي أثارت نقاشاً طويلاً واعتراضاً واسعاً رأيه في المهدي المنتظر ، فقد صرح وكتب نافياً أن يكون هناك مهدي ينتظر، وذلك في رسالته: "لا مهدي ينتظر بعد الرسول محمد خير البشر".
وقد أصبحت الآن أميل إلى ذلك، وخاصة بعد أن تبين لي أن رسولنا الكريم قد بين لنا مراحل الإسلام وأن ما نحن فيه الآن من حكم جبري يقهر المسلمين قهراً تأتي خلافة راشدة على منهاج النبوة يبسط الإسلام فيها عدله على كل البشر، ويكون فيه خلفاء كل واحد منهم مهدي يعمل بحكم القرآن وسنة سيد المرسلين، فبدلاً من مهدي واحد نتطلع إليه، يكرمنا الله بمهديين ينشرون نور الإسلام الذي يبدد ظلام الجبر الذي خيم على المسلمين اليوم، ثم يعم عدله الناس أجمعين.
انتشرت في قطر طباعة الكتب الإسلامية وتوزيعها مجاناً داخل قطر وخارجها ، وتولت ذلك إدارة إحياء التراث الإسلامي ووزارة الأوقاف ورئاسة المحاكم الشرعية.
وقد زرت الشيخ عبد الله بن زيد في مكتبه بالمحكمة مستمنحاً بعض الكتب التي كانت توزعها المحكمة، وقد لاحظت أن الشيخ قام بنفسه إلى مخزن الكتب وأحضر ما طلبته وناوله لي مناولة رافضاً أن يقوم بهذا العمل أي موظف في المحكمة على كثرتهم، طالباً بذلك الأجر من الله.
وقد كتب الشيخ رسائل كثيرة، ثم جمعها وطبعها في مجلدات ثلاث بعنوان "مجموعة رسائل الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود" ثم أصدر مجلداً رابعاً بعنوان "الحكم الجامعة لشتى العلوم النافعة "وهذه المجلدات الأربعة عندي، وهي أمامي وأنا أكتب هذه الكلمة.
ومن ثمرات الشيخ رحمه الله ابنه عبد الرحمن ، وعندما كان وكيلا لوزارة الأوقاف عمل جاهداً على إصدار مجلة "الأمة"وقال لي بأنه سوف يجعلها مجلة مميزة، وقد كانت كذلك مضموناً وإخراجاً، وقد كانت في زمانها أم المجلات الإسلامية، وقد انتشر توزيعها والإقبال عليها حتى أخذت تخصص طبعات منها تطبع في دولها وتوزع فيها، وقد عمت شهرة هذه المجلة الآفاق .
وقد كان فضل هذا الإصدار وفضل رعايته لهذا الغصن الباسق للشيخ عبد الله رحمه الله.
إذا كان للصحوة الإسلامية المعاصرة رجالها فإن لها باعثيها وعلى رأس باعثيها هذا الرجل العالم العامل الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود التميمي.