مصطفى الغلاييني.. المدقق والمصلح
مصطفى الغلاييني.. المدقق والمصلح
محمد امين فرشوخ*
وُلد الشيخ مصطفى بن محمد سليم بن محيي الدين الغلاييني في بيروت (لبنان) عام 1885، وتوفي فيها عام 1944، لأسرة ورعة تقتية وميسورة.
درس الغلاييني في بيروت على ايدي الشيخ عبد الباسط الفاخوري مفتي بيروت، والشيخ صالح الرفاعي والشيخ عبد الرحمن الحوت والشيخ محيي الدين خياط، قبل ان يسافر الى مصر ليقرأ في الجامع الازهر على الشيخ محمد عبده مفتي الديار المصرية وسواه، ممن كان لهم الفضل في بتضلعه في العربية والعلوم الشرعية.
عمل الغلاييني مدرسا في كثير من مدارس بيروت، اهمها الكلية الاسلامية للشيخ الازهري، والمدرسة السلطانية، والكلية الشرعية. كما عمل في الصحافة، وفي التأليف، في الوقت الذي كان يرتاد حلقات علمية يتدارس فيها مع زملاء له كتابات في الوطنية للامام الافغاني وعبده والكواكبي ورضا، مما اسهم في تزكية رؤيته للاصلاح وانخراطه في نشاط سياسي ضد الفساد الذي استشرى ايام السلطان عبد الحميد، فانضم الى حزب الاتحاد والترقي مخلصا لقوميته العربية، كما اصدر مجلة النبراس عام 1909 داعيا الى التعاون والاتحاد والوفاق بين شعوب الدولة العثمانية.
وقد تابع الدعوة الوطنية بعد الانتداب الفرنسي على لبنان وسورية، فراح ينظم القصائد في القومية والوطنية ويحذر المستعمرين من غضبة الشرق، فاعتقله الفرنسيون سبعة اشهر لم تفت من عضده، بل قوّت اندفاعه في قول الحق، ثم نفوه الى عمان، حيث درّس الامير طلال بن عبد الله مدة ثلاثة عشر شهرا، وبعد عودته الى بيروت نُفي ثانية الى فلسطين في عام 1925، قبل ان يعود نهائيا الى بيروت الى مهنة التدريس.
كان الغلاييني اديبا ولغويا دقيقا وشاعرا، وضع كتبا عديدة في اللغة والتربية والتاريخ والدين، منها: جامع الدروس العربية، الثريا المضيئة في الدروس العروضية، نظرات في اللغة والادب، اريج ازهر، عظة الناشئين، الاسلام روح المدنية، نظرات في السفور والحجاب، التعاون الاجتماعي، نخبة من الكلام النبوي، فضلا عن ديوان شعر ضم قصائده في الفخر والحكمة والوطنية.
تأثر الغلاييني بالشيخ محمد عبده والشيخ جمال الدين الافغاني، وقد رأى ان الاصلاح له وسيلة وحيدة هي احياء العاطفة الدينية عند المسلمين، واظهار التمسك بالدين خشبة خلاص توصل الى المدنية الحقة.
لذا كتب داحضا كلاما لـ«كرومر» الذي قال: «المسلمون لا يمكنهم ان يرقوا سُلّم الحضارة الا بعد ان يتركوا دينهم وينبذوا القرآن». فرد الغلاييني قائلا في كتابه: «الاسلام روح المدنية»: «ان الدين الاسلامي هو الوحيد الذي يرافق العقل جنبا الى جنب ويتمشى مع المدنية في طريق واحدة، ويصافح الانسانية يدا بيد.. وهو الذي رفع شأن الانسانية من حضيض الهوان الى ربوة العز والشرف، واخذ بيد الضعيف حتى اذل من عسف القوي وظلمه.. وهو الذي خلص الناس من عقيدة الشرك وكسر عن عقلهم قيود الاوهام، ونجاهم من فساد الاخلاق».
وقد رأى الغلاييني ان للعقل مكانة بارزة في الاسلام، متأثراً بالشيخ محمد عبده.
وفي كتابه: «الدين والعلم» يورد انه ليس في الدين ما ينافي العلم بل «ان الدين الحق والعلم الحق اخوان، ابوهما الحق وامهما الحقيقة». واكد ان العلم لا يعارض الدين، بل هو: «نور يُهتدى به في تفسير آيات الله في الاكوان، وفي كتبه التي انزلها على رسله لهداية خلقه، وقوة لو استعملها علماء الدين، فأحسنوا استخدامها، لتغلبوا على نزعات الصدور.. للدين طريق قويم، وللعلم طريق قويم، وغاية الاول تطهير النفس، وغاية الآخر كشف اللبس».
وفي كتب الغلاييني الاجتماعية كان دائما المرشد الذي ينشر الاصلاح، فقد صب اهتمامه حيثما وجد اعوجاجا او وضعا مشبوها. وابتدأ باصلاح الفرد وتربيته تربية صالحة، لانه يرى: «انه حيثما يوجد فرد صالح يتواجد مجتمع صالح وبالتالي امة صالحة». فاهتم الغلاييني باصلاحات التعليم واساليبه، والقضاء والمحاكمات، والمرأة وحقوقها، وشؤون المجتمع والسياسة.
وقد نشر كثيرا من المقالات في «النبراس» داعيا الى تعليم المرأة ومطالبا بحقوقها لما في ذلك من نفع وخير لاولادها، بل للمجتمع بأكمله وللامة برمتها.
رحم الله الشيخ مصطفى الغلاييني، العلامة الاديب، والقاضي المشرع، واللغوي المدقق، والصحافي الخطيب، والمربي الفاضل.
* كاتب وباحث لبناني