حيدر محمود
أحمد الجدع
عرفته عندما قال : "لا" في وجه الرجل الذي سبحت بحمده كل الجماهير العربية وهو يسفك دماء العلماء ويعلقهم على أعواد المشانق، قالها حيدر محمود وهو لازال في ريعان الشباب
هذه "اللا" تُسَجَّل له، لأنه موقف شاعر شجاع.
عرفته آنذاك من خلال قصيدته التي نشرها عام 1957م.
عرفته روحاً شاعرة، ولم ألتق به شخصاً إلا عندما تقدم لرأب الصدع الذي انشعب في اتحاد الناشرين الأردنين عام 2005 وكنت آنذاك واحداً من الستة الذين اجتمعوا برئاسته وانتهى الاجتماع بتسطير وثيقة أدت إلى مصالحة الطرفين.
عرفته إذن من خلال موقفين نبيلين، ثم تابعته شاعراً مبدعاً رائعاً ما بين هذين التاريخين وما بعدهما.
كان واحداً ممن يوقعون قصائدهم تحت راية "رابطة الوعي الإسلامي" أول رابطة للشعراء من ذوي التوجه الإسلامي، وكان مقر الرابطة في سورية، وأنا كتبت عن هذه الرابطة ، تاريخها وشعرائها، وذلك في مجلة المجتمع الكويتية عام 1978م.
وحيدر محمود شاعر إسلامي يقترب من الصوفية وإن لم يخالطها، فهو يصرح دائماً بأنه معجب برأس الصوفية "محي الدين بن عربي" وبكتابه "الفتوحات المكية" ويقول بأنه قرأ هذا الكتاب أكثر من عشرين مرة.
ولشاعرنا حيدر محمود قصائد في حب الرسول ، ولأنها متولدة من روح الشاعر فإن قارئها يحبها، ويمعن في حبها كلما كرر قراءتها، وهذا ما فعلته أنا في قصيدته "طه"، لقد أعجبت بها وأحببتها، واخترتها واحدة من بين أجمل مئة قصيدة في الشعر الإسلامي المعاصر التي أصدرتها في أربعة أجزاء ، ومطلع القصيدة :
أما فؤادي فهو ليس بناس لكن سهمك جارحٌ ومواسِ
وحيدر محمود أيضاً شاعر يسكن روحه حبُّ فلسطين وأبناء فلسطين ، لا يدفعه إلى هذا
الحب كونه من أبناء فلسطين فحسب، بل يدفعه إلى ذلك أولاً موقع القدس ومسجدها
الأقصى في نفس كل مسلم، ومن هنا انطلقت قصائده التي تمثل قمة الإبداع لديه، وله
أكثر من قصيدة متفوقة
في
فلسطين وشعب فلسطين، ولكن أكثر هذه القصائد إبداعاً وتفوقاً قصيدته "أيوب
الفلسطيني" التي يقول في مطلعها:
لو ذاق أيوب بعضاً من مصائبنا لكان سمي "أيوب الفلسطيني"
وقلت أنا في حق هذه القصيدة الفريدة: لو أن شعب فلسطين قدّر هذه القصيدة حق قدرها
لكتبها بمداد الدماء وعلقها على جدران الأقصى...
وحيدر محمود أيضاً شاعر عروبي يحمل همّ العروبة فوق كاهل القصيد، ويغضبه أن يرى تقاعس المسؤولين العرب عن واجباتهم القومية، كما يؤلمه ما يرزح تحت وطأته هذا الشعب العربي من قهر وظلم وطغيان!
له أكثر من قصيدة تتوقد فيها جمرات البراكين غضباً لما نحن فيه، وهذه قصيدته ، "الشاهد الأخير" شاهدة على ما أقول ، وأنا قد اخترتها من بين أشهر القصائد العربية المعاصرة في الجزء الأول من كتابي "أشهر القصائد العربية المعاصرة – قصائد لها تاريخ" ومطلع القصيدة:
على من تنادي أيهاذا المكابد ولم يبق في الصحراء غيرك شاهد
وكل أبياتها جمرات، وفيها يناجي القائد العربي المنتظر فيقول له:
وكن منجلاً مستأصلاً كل زائد فقد كثرت منا وفينا الزوائد!!
لقد وصلت ثورة البركان في هذا البيت عنفوانها!
وحيدر محمود أيضاً أردني تغنى بمحبة الأردن ملكاً وشعباً ووطناً، ففي عمان الوطن قال أروع ما يمكن أن يقال في مدينة:
أرخت عمان جدائلها فوق الكتفين فاهتز المجد وقبلها بين العينين
بارك يا مجد منازلها والأحبابا وأزرع بالورد مداخلها بابا بابا
أما محبة حيدر محمود للاسرة الهاشمية وملوكها فحدث عن ذلك ولا حرج، فهو شاعرهم
المعاصر بلا منازع، اسمعه يقول:
كأني عشت عمري مرتين لأني عشت عصر "أبي الحسين"
أتذكر وأنا أقرأ هذا المطلع الرائع الشاعر "سلم الرابح" وهو ينشد السيدة زبيدة زوجة
الرشيد مؤيداً تولية العهد لابنها محمد الأمين ،وعندما قال:
قد بايع الثقلان مهديَّ الهُدى لمحمد بن زبيدة ابنة جعفر
قالت زبيدة: املأوا فمه درا...
هذه انطباعات لا أكثر عن أخي وصديقي الشاعر الكبير حيدر محمود، واختم وأقول: يا شاعرنا الكبير ، لو أنك عشت عصر القصيد لعلقت قصائدك وعدت من السموط .