حيدر محمد عباس
أحمد الجدع
الأخ الصفي الوفي، حيدر محمد عباس خضر ، كان مسؤولاً عن قسم الطلاب بجماعة الإخوان المسلمين في جنين عندما كنت أنا أحد هؤلاء الطلاب.
أذكر أنني دخلت مبنى دار الإخوان المسلمين لأول مرة وأنا في الصف الثالث الإعدادي ، كما أذكر أن الأستاذ حيدر قد ضمني إلى إحدى الأسر التي كانت مكونة من عدد من الطلاب ممن كانوا في مستوى علمي متقارب، وقد محت الأيام أسماء هؤلاء الطلاب ما عدا طالبين اثنين هما حسين راغب وأحمد بخيتان، ولست أدري ماذا فعلت الأيام بهما، فقد فرقت ما بيننا البلاد، فقد ذهب حسين إلى السعودية وأحمد إلى الكويت.... ولا علم لي فيما وراء ذلك .
عندما أنهيت التوجيهية عينت مدرساً في مدرسة حطين الإعدادية التي كان مبناها يقابل مسجد جنين الجامع الذي بنته السيدة فاطمة خاتون حفيدة السلطان الغوري، وكنا نسميه الجامع الكبير، وعندما خيرت فيما إذا كنت أحب أن أبقى في هذه المدرسة أو أنقل إلى مدرسة جنين الابتدائية اخترت الأخيرة لأن فيها أستاذي حيدر محمد عباس.
كنا في هذه المدرسة مجموعة منسجمة من المعلمين، وكنا نكثر من الرحلات إلى قرى جنين وإلى بعض المعالم المعروفة فيما تبقى من فلسطين.
وأذكر أن مدير المدرسة عندما نقلت إليها كان الأستاذ مراد مرعي، وهو رجل فاضل، كان قد علمني في الصف الرابع الابتدائي وأذاقني "الفلقة" ظلماً وعدوانا، ولكن المدرسين في ذلك الزمان كانوا يعتبرون القسوة مع الطلاب، حتى الصغار منهم ، قيمه تربوية!
والغريب أن الأستاذ مراد اعتبر نجاحي في الحياة حتى أصبحت مدرساً تحت إدارته من حسناته ومن مفاخره ، وأن ذلك النجاح كله من نتائج هذه الفلقة اللعينة !
ثم إن الأستاذ مراد ترك الإدارة وجاء من بعده الأستاذ سفيان السوقي وهو أحد أساتذتي في المدرسة الثانوية حيث علمني مادة الزراعة نظرياً وعملياً، وكان لطيفاً معي ومع سائر المعلمين...
كانت سنوات التلمذة في مدارس جنين مضطربة، فقد سادت فيها الأحزاب وخاصة ما كان منها ملتزماً بالأفكار اليسارية، وقد أَسَفَّتْ هذه الأحزاب في عدائها للإسلام، وسمعنا منها شتائم نابية على شاكلة :
يا حبيبي لو تشوف خدود أمينة تترك المصحف وتعوف الصلاة!!
وغيرها من الهتافات التي لا تقبل النفس تسطيرها في كتاب!
وكان الأستاذ حيدر عباس في ذلك الزمن هو الذي يوجه الطلاب من جماعة الإخوان بعيداً عن هذه الاضطرابات، فقد كان مما يغيظنا كثرة أهل الباطل وقلة أهل الحق.
وذات صباح، وبينما كنا واقفين على شرفة الإخوان المطلة على الميدان الرئيس في مدينة جنين ثار شجار بين المتظاهرين من حزب البعث ونظرائهم من الحزب الشيوعي، وعندما اقترح أحد الواقفين على الأستاذ حيدر، وقد كان كبيرنا، أن يصلح ما بين الفريقين المتشاجرين قال لنا: دعوهم، ثم ضرب المثل المعروف "فخار يطبش بعضه"!
ولست أدري كيف وصل قوله هذا إلى هؤلاء الذين ثاروا وهاجوا وماجوا، وقال لي أحد أساتذتي ممن ينتسبون إلى حزب البعث: أهذه أخلاق الإسلام؟ فلم أستطع أن أجيبه لصغر سني أولاً ولهيبة الأستاذية ثانيا.
كنا نخرج مع الأستاذ حيدر إلى القرى المجاورة لجنين بهدف التنزه ونشر الدعوة، ثم لتنشيط الأجسام حتى نتحمل المهام الجسام، جزى الله هذا الرجل خيرا.
ثم إن ظاهرة الخروج للعمل في دول الخليج انتشرت بين معلمي الأردن بسبب إغراءات الرواتب ، فخرجت أنا إلى السعودية وخرج أخي حيدر عباس إلى قطر ، وبعد أن عملت في الطائف ثلاث سنوات ساهم أخي حيدر في انتقالي إلى قطر حتى نعود ثانية كما كنا.... معاً في مكان واحد.
وقضيت في قطر ثلاثين عاماً كانت كلها خير، ومن هذا الخير أن الصلات مع أخي حيدر ظلت وثيقة ومتصلة لم يكدرها مكدر، ولا زالت كذلك حتى يومنا هذا وقد انتقلنا من قطر إلى الأردن الحبيب.