عصام العطار
عصام العطار
بقلم: حسني أدهم جرار
عصام العطار أديب ذوّاقة يتقن فنّ الكلمة المؤثرة، وخطيب مفوّه من خطباء العربية النادرين في هذا العصر الذي غلبت فيه العُجمة وضاع فيه البيان.. وهو داعية وهب حياته لدعوة الإسلام، ودافع عن قضايا أمته، ،اضطر للعيش في ديار الغربة، وتفرّغ للعمل الإسلامي في أوروبا.
حياته:
ولد عصام العطار في دمشق لعائلة عريقة عُرفت بالتقوى والعلم، وتلقّى فيها علومه ثم أكملها بمطالعاته الخاصة الواسعة، وعمل في التربية والتعليم فكان من ألمع العاملين في هذا الحقل بدمشق، كما أنه وهب حياته للدعوة الإسلامية منذ فجر شبابه حتى غدا من أعلامها في العالم الإسلامي، وعرفه الناس مفكراً حكيماً وسياسياً صادقاً وقائداً مجاهداً وقف في وجه الانحراف والاستبداد ودافع عن قضايا الأمة في جرأة نادرة.. وعندما زاد طغيان الناصرية وأعوانها في فترة الوحدة بين مصر وسورية. كان عصام العطار من الأصوات النادرة التي جهرت بموقفها من الطغيان وندّدت بأساليبه وبخاصة في خطبه الشهيرة بمسجد جامعة دمشق وجامع "دنكز" وكانت تلك الخطب تستقطب الجماهير الإسلامية ومنها آلاف الشباب . وبعد انفكاك الوحدة بين مصر وسورية وعودة الدعوة الإسلامية للعمل العام كان عصام قائداً لها في سورية، وخاض الانتخابات النيابية على رأس قائمة إخوانه ففاز بالنيابة عن دمشق فوزاً ساحقاً تجاوز فيه السياسيين الكبار العريقين في العمل السياسي، وأثار ذلك الفوز حفيظة أعداء الدعوة الإسلامية، كما كان موضوعاً لتعليقات المعلقين والمراسلين الأجانب الذين قام بعضهم بدق أجراس الخطر ويحذر من فوز العطار وإخوانه وما يمثله ذلك من نهضة إسلامية شعبية.وبعد الظروف السياسية التي مرّت بها سورية منذ أواسط الستينات اضطر الأستاذ عصام للعيش في ديار الغربة فتفرّغ للعمل الإسلامي في أوروبا وبخاصة في حقل الطلاب العرب والمسلمين القادمين للدراسة والتخصص، وقد أعطى هذا الجهد ثمرات مباركة لا تزال تزيد وتنمو.. على أنه رغم ذلك العمل فإن الأستاذ العطار لم ينقطع عن المشاركة في الاهتمام بأمور المسلمين والدعوة الإسلامية في سورية وبقية العالم الإسلامي.
شعره:
لم يكن عصام العطار شاعراً محترفاً إلا أن له نفثات شعرية ضمنها نجاوى فكره وذوب نفسه المحترقة لهموم الإسلام والمسلمين، وقد جاء شعره صورة صادقة له في تواضعه وإبائه، وكفاحه المستمر، والتزامه لحدود الإسلام وجهاده في سبيله.
للأستاذ عصام شعر قليل قبل الغربة، نظمه في الأربعينيات، دعا الناس فيه إلى التمسّك بالدين والثبات على الحق، والوقوف في وجه الظلم والظالمين.
قال في قصيدة بعنوان "ثورة الدين"(1) نظمها عام 1943م:
ثورةُ الدّين ثورةُ الوحي والعقل
تسامتْ أصلاً وروحاً
وفِكرا
مشعَلُ الحقِ والعدالةِ
سارت
بهما في الزّمان عصراً
فعصرا
تملأُ الأرضَ والجوانحَ نوراً
وتُحيلُ الحياةَ حبّاً
وخيرا
ما لقومي -لقد آسيتُ لقومي
قد تجافَوا عن الحنيفةِ
صَدرا
حملوا راية التُّراب
وألقَوْا
راية اللهِ عزاً
ونصرا
فإذا الأنفُ في الرّغام
خضيبٌ
وإذا بالهوان دُنيا
وأخرى
أيها المؤمنُ الأبيُّ
تقدّم
نَحملِ الشمسَ والكواكبَ
ذِكرا
لا يرُعكَ الظلامُ سادَ
وهيّا
نقذفِ الحقَّ في الدّياجير
فجرا
أُصدُقِ الله نيّةً
وجهادا
يُنبتِ القفرُ والجلاميدُ
نصرا |
ورأى العطار الناس يبتعدون عن الحق ويزوّرون التاريخ وينقادون خلف المصالح والأهواء، فقال في مقطوعة بعنوان "تزوير2)
قد زوّروا الحقَّ والتاريخَ واختلقوا مـن الأكاذيب ما يندى له الخجلُ
والناس جهـلٌ وأهـواءٌ ومصلحةٌ تُطـوى الحقيقـةُ والتزويرُ ينتقلُ
تـوزّعتْهم على إغـرائهـا سُبُلٌ وليس لله مـا تُفضي لـه السُّبلُ
ولما كان كثير من الناس لا يستجيبون لدعوة الخير والصفاء بين منهجه في الحياة بقصيدة بعنوان "الله قصدي" (3) قال فيها:
سيان عنديَ إن أثنَوْا وإن كفروا(4) الله قصـديَ لا الدنيـا ولا البشر
أُصفيهِـمُ والحـب أنقـاه وأخلصَهُ ولا أسائل هل ذموا وهل شكروا
أحيا مع الله ، فالـدنيـا وزينتهـا هبـاءة، وخلـود الذكر والعُصُرُ
وعندما وجد بعض الناس يتنكرون له، نراه يبث شكواه في قصيدة بعنوان: "وما أبالي"(5)، يقول فيها:
ومـا أبـالي إذا التاريخ أنصفنـي أو جـار في حكمه أو خان أو كذبا
ومـا أبالي: لسانُ الدهـر تـوجني بالحمد أم أَعْمَـلَ الأنيابَ والقُضُبا
الظالمـون على شتـى مذاهبهـم قد مـزقوني- وما باليتهم - إربا
الله قصـدي وهـذا الكـون أجمعه لم يستثر رغبا في النفس أو رهبا
حسبي طهـارة قلبـي في مقاصده والنهجُ، ما رضي الرحمن أو طلبا
إن نلت مرضاتَهُ فالشمس دون يدي فكيـف أقبـل فـي آمالي الشهبا
ويرى شاعرنا الطغاة يتجبرون في الأرض عن سفه وعدم فهم وإدراك لمعنى الحياة ولنهايتها، فيقول في قصيدة بعنوان: "بعض التجبر يا فرعون"(6):
بعض التجبر يا فرعون عن سفه فالله أكبـر مـن كـل الطواغيت
مـاذا الريـاسةُ والدنيا بأجمعها والمرءُ في حفرة في جوف تابوت
لا ينـفع المـرء عند الله سلطتُه ومـا تملَّكَ من مـال ومن صيت
أما الغربة، فهي قدر كثير من الدعاة في هذا الزمان... الغربة عن الأوطان حيث منعوا من العيش فيها، والغربة عن الحياة التي امتلأت بالفساد والانحراف.. إنه زمن الغربة الذي وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء.. قالوا يا رسول الله وما الغرباء؟
قال: الذين يصلحون عند فساد الناس"(7).
والأستاذ عصام من الدعاة الذين طالت غربتهم عن أوطانهم، وحركت الغربة كوامن الشعر في نفوسهم.. فنظم شعرا فيه اللوعة والألم، وفيه صدق العاطفة والتصوير، وفيه إحساس عميق بمأساة العرب والمسلمين ومأساة الإنسان في هذا العصر..
إنه يشعر بطول الغربة، ولا يرى نهاية قريبة لها، فيقول والألم يعتصر قلبه واللوعة تملأ نفسه(8):
ثورةُ الدّين ثورةُ الوحي والعقل
تسامتْ أصلاً وروحاً
وفِكرا
مشعَلُ الحقِ والعدالةِ
سارت
بهما في الزّمان عصراً
فعصرا
تملأُ الأرضَ والجوانحَ نوراً
وتُحيلُ الحياةَ حبّاً
وخيرا
ما لقومي -لقد آسيتُ لقومي
قد تجافَوا عن الحنيفةِ
صَدرا
حملوا راية التُّراب
وألقَوْا
راية اللهِ عزاً
ونصرا
فإذا الأنفُ في الرّغام
خضيبٌ
وإذا بالهوان دُنيا
وأخرى
أيها المؤمنُ الأبيُّ
تقدّم
نَحملِ الشمسَ والكواكبَ
ذِكرا
لا يرُعكَ الظلامُ سادَ
وهيّا
نقذفِ الحقَّ في الدّياجير
فجرا
أُصدُقِ الله نيّةً
وجهادا
يُنبتِ القفرُ والجلاميدُ
نصرا |
ويزداد به الشوق إلى إخوانه في الشام، ويشعر بالوحشة في ديار الغربة، فينظم هذه القصيدة علها تخفف عنه ما يكابد من حرقة وألم، فيقول فيها9)
تطاول ليلي والسهاد
مرافقي
وما أطْوَلَ الليلَض البهيم
لآرق
غريب يقلبه الحنين على الغضا
ويرمضه شوقا إلى كل
شائق
تناءت به دار وأوحش منزل
وظلله هم مديد
السُّرادقِ
أحبائي يا مهوى الفؤاد
تحية
تجوز إليكم كل سد
وعائق.
لقد هدني شوق إليكم
مبرِّحُ
وقَرَّحَ جفني دافق بعد
دافقٌ |
ولكن الغربة عند شاعرنا غربة مؤمن صابر لايعرف اليأس، وإنما ينتظر إشراقة الفجر.. اسمتع إليه، وهو يقول:
لابد الليل أن ينزاح
غيهبه
ويشرق الفجر بعد الظُّلْمِ
والظُّلَمِ
اليأس في ديننا كفر ومنقصة
لايُنْبِتُ اليأسَ قلب المؤمن الفهم
سنصدع الليل مهما اشتد
غيهبه
ونحمل الفجر للإنسان
والأمم
فجر من العدل والإسلام
مؤتلق
نهدي سناه لأهل الأرض
كلهم |
مصادر الدراسة:
1- مجلة الشهاب اللبنانية- العدد الثامن والتاسع- السنة الأولى عام 1386هـ ، 1967م.
2- مجلة الرائد- العددان ،77 ،78 1405هــ، 1985م.
3- مجلة المجتمع اللبنانية سنة 1964م.
4- شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث، الجزء الأول، الطبعة الأولى، 1978م.
5- قصيدة "رحيل"، الدار الإسلامية للإعلام- بون، 1985م.
مختارات من شعره:
1- "من شكاة القلب" نظمها الأستاذ عصام في ديار الغربة وقد اشتد به الحنين إلى إخوانه وأهله ووطنه.. فكانت هذه القصيدة تعبيرا عن خلجاتِ نفسه وتصويرا لومضات مشاعره وصدق عاطفته، وقد نشرت في مجلة الشهاب اللبنانية في العدد الثامن من السنة الأولى عام 1386هـ 1967م.
وقد قام بعض شعراء الحركة الإسلامية بمعارضتها، ومن هؤلاء الأستاذ راتب السيد الذي نشر معارضته بعنوان "صدى القلب" في مجلة الشهاب العدد التاسع من نفس العام، ومطلعها:
يا صاحب الشّوق هيّجْتَ اللواعج بي
أذكرتني العهد عهد الإخوّة
النّجبِ
طال اغترابك حتى سال
مدمعنا
شوقاً إلى الحبّ حبّ الدين
والأدب
أما الأحبّة فالأشواق
تحرقهم
إلى اللقاء ولو في السبعة
الشّهب
سنلتقي يا أخي مهما النّوى بعدت
مهما زكا الشوق في أحشاء مغترب
لابدّ من رجعة مهما المزار
نأى
مهما عدا المعتدي أو جدّ في
الطّلب
الله أكبر إنّا سوف
نسمعها
وسوف نشدو بها في الفوز والطرب
الله أكبر إنّا سوف
نعلنها
على الأعادي سعيراً حاميَ
اللهب
اله أكبر إنا سوف
نرفعها
تَدْوِي لتكشف زيف الشكّ
والرّيب |
ومنها:
يا أيها الليث لا تهتمَّ من
فئة
قد هاجها الحقد غدراً غير
محتجب
الضّغن أرَّثَ فيها كل
موجدة
وسوف يوقعها في شرّ منقلب
كم حاربوا الدين والإسلام
واجترؤوا
وأعملوا النّاب في الأعراض والنّسب
واستلهموا الكفر في آرائهم
وبهم
بلادنا قلبت رأساً على
عقب |
ومنها:
يا دعوة الحقّ إنا لا نزال على
درب العقيدة لم نحجم ولم
نخب
تغدو على ساحة الإسلام عن
ثقةٍ
ولو صُلِبْنا على الأعواد
والقُضُب
غداً ستسمع أصوات الدعاة لها
في مسمع الدهر صوتاً عالي الصّخب
يرنو الزّمان لهم بل يستعيد
بهم
مجداً يتيه بهم في ثوبه
القشب
شريعة الله لن تبقى مهدّدة
مهما اختفت من دجى الأنوار والسُّحب
فالله أيّدها في نصره وكفى
به نصيراً لها في كلّ
مضطرب |
2 "إلى الإخوة الأحبّة في الشام".. عندما توفي رائد الحركة الإسلامية في بلاد الشام الدكتور مصطفى السباعي عام 1964م، ومنعت السلطات السورية الأستاذ عصام العطار من دخول البلاد للمشاركة في تشييع جثمانه وأغلقت في وجهه الحدود.. نظم هذه القصيدة ووجّهها لإخوانه في الشام.
3 - "رحيل".. بعد الظروف السياسية التي مرّت بها سورية في أواسط الستينيات اضطر الأستاذ عصام العطار لمغادرتها إلى بعض البلدان العربية التي اضطرته بدورها إلى الرحيل عنها.. لأنه لم يتنازل عن حريته وكرامته، إلى ديار الغربة في أوروبا.. وفي تلك الديار تعرّض لعدد من المؤامرات التي استهدفت حياته وحياة أسرته.. وكانت زوجته "بنان علي الطنطاوي" خير عون له في دعوته وجهاده، وفي صبره وثباته، وفي مرضه ومعاناته.. وفي إحدى المحاولات قام المجرمون باقتحام شقّته في مدينة آخن بألمانيا الغربية في 17/3/1981م لاغتياله والقضاء عليه، وكانت زوجته المجاهدة "بنان" وحدها في الشقة، فضربوها خمس رصاصات فوقعت شهيدة.. وبعد استشهادها كانت هذه القصيدة.
وكان لقصيدة "رحيل" صداها الواسع وأثرها العميق في النفوس، لما فيها من صدق العاطفة والتصوير، ولما تكشفه من مآسي المسلمين الدامية الفاجعة، وواقعهم الأليم.. ولقد كان من رجع صداها المتعدّد الأشكال والألوان قصائد من أصدق الشعر وأحسنه تصويراً لبعض مآسي المسلمين، وأحفَلهِ بالمشاعر النبيلة والمعاني الكريمة التي لا يكثُرُ مثلها هذه الأيام.
ومن هذه القصائد قصيدة للزعيم اليمني الإسلامي الشاعر قاسم الوزير.. نظمها جواباً على قصيدة "رحيل" وكانت بعنوان "صدى رحيل"(10) ومطلعها:
جفنٌ لجرحِكَ.. لم يَغمض ولم
يَنمِ
يشكو من الهَمِّ.. ما نشكو من
الألمِ
يا نازحَ الدارِ لم يخترْ
مبارحةً
إلا حفاظاً على زاكٍ من
الذِّمم
حقٌ لربّكَ ما تنفكُّ تحفظهُ
عهداً.. وحقٌ على الأحرار للأُممِ
ما زلتَ من بلدٍ تمضي إلى بلدٍ
ومن بعيدٍ إلى جافٍ من
الرَّحِمِ
مُفزَّعَ الخَطو في درب الرسولِ.. وكمْ
أغفى على الإثمِ طرفٌ من هداهُ
عمي
لئنْ تغيّرَ إقوامٌ أو انقلبوا
فقد وفيتَ.. وإن قبضاً على
الحُمَمِ
ما إنْ تُبالي إذا أغضبتَ
جَمعهمو
إنْ لم يكن غضبٌ من بارئ
النّسَمِ
لم بنقُموا منكَ إلاّ هامةً شَمَختْ
عليهمو وعَنتْ للواحدِ
الحَكَمِ
سيحكُمُ اللهُ فيما بيننا
ونرى
مَنْ في غدٍ.. قارغٌ سِنّاً من
النّدمِ
لا يحسبِ الظالمونَ.. الأمرَ تمَّ
لهم
اللهُ يُمهلُ.. قبل الأخذِ
بالنّقمِ
يا مرسلَ الشِّعر شجواً في
ضمائرنا
وموقظَ العزمِ في ذاوٍ من
الهِممِ
أسمعتَ.. لكنّ أقواماً --وقد
قَصُرَتْ
قاماتهم ذلّةً-فرّوا إلى
الصّمَمِ
يخشى الكرامةَ من ماتتْ
رجولتُهُمْ
إنّ الرُّجولةَ لا تعدو على
الحُرَمِ |
ومنها:
أرسلتُ شكوى.. فعادَ الرَّجعُ يصرخُ بي
أضعتَ شكواكَ لا تصرخْ ولا
تلُمِ
ما أقفرَ الحيُّ.. لكن أقفرتْ
ذِممٌ
من المروءَةِ والأخلاقِ
والقيَمِ
فاضربْ بطرفِكَ أنّى شئتَ من
وطنٍ
فهلْ نرى غير مهجورٍ
ومُنهدمِ؟
في كلِّ أرضٍ لنا مَنفى.. وما طَلَعتْ
شمسٌ.. ولا غَرَبتْ إلا على غَمَمِ
|
ومنها:
أيحسبُ المؤمنونَ الغُّرُّ
أنَّهُمُ
سيُتركونَ بلا كيدٍ ولا
نِقَمِ؟
عُقبى الثباتِ: انتصارٌ لا نشكُّ به
وعدٌ من اللهِ لا ضغثٌ من
الحُلمِ
أنتَ الغريبُ: فما آسى
لمُغتربٍ
عافَ الوُحولَ فآخى وَحشةَ القِممِ
|
من شكاة القلب
طال اغترابي وما بيني
بمقتضب
والدهر قد جدّ في حربي وفي
طلبي
والشوق في أضلعي نار
تُذَوِّبُني
ما أفتكَ الشوق في أضلاع
مغترب
أين الأحبة ما بيني
وبينهم..
لج البحار وأطراف القنا
السلب
عزَّ اللقاء فلا لقيا ولا
نظر
ولا حديث على بعد ولا
قرب
كم ذا أحن إلى أهلي.. إلى
بلدي
إلى صحابي وعهد الجدّ
واللعب
إلى المنازل من دين ومن
خلق
إلى المناهل من علم ومن
أدب
إلى المساجد قد هام الفؤاد
بها
إلى الأذان كلحن الخلد
منسكب
الله أكبر هل أحيا
لأسمعها
إن كان ذلك يا فوزي ويا
طربي
إني غريب، غريب الروح
منفرد
إني غريب، غريب الدار
والنسب
ألقى الشدائد ليلي كله
سهر
وما نهاري سوى ليلي بلا شهب
أكابد السقم في جسمي وفي ولدي
وفي رفيقة درب هدّها
خيي
قال الطبيب وقد أعيته
حالتنا
ولم يغادر لما يرجوه من
سبب
كيف الشفاء بعيش جد
مضطرب
والفكر في شغل والقلب في
تعب؟!
ما دمت في بهرة الأيام منتصباً
للطعن والضرب لا رجوى
لمرتقب
ولو ملكت خياري والدّنا
عرضت
بكل إغرائها في فنها
العجب
لما رأت غير إصراري على
سنني
وعادها اليأس بعد الجهد
والنصب
قلبي خلّيٌّ عن الدنيا
ومطّلبي
ربي فليس سراب الأرض من
أربي
وطالبين هلاكي حشوهم
ضغن
وقد بدا غدرهم لي غير
منتقب
يتابعون خطا ليث أضرّ به
ريب الزمان بجرح الدهر
مختضب
يتابعون خطا ليث
عزائمه
--على نوازله-- أورى من
اللهب
ألفاظهم: عرب، والفعل
مختلف
وكم حوى اللفظ من زور ومن
كذب
إن العروبة ثوب يخدعون
به
وهم يرومون طعن الدين
والعرب
واحسرتاه لقومي غرّهم
قرم
سعى إليهم بجلد المنقذ
الحدب
حتى إذا أمكنته فرصة
برزت
حمر المخالب بين الشك والعجب
ومزّق الجلد عن وحش
أضالعه
حقداً كَلَيْلٍ رهيبٍ قاتم
السحب
وأعمل الناب لا شرع ولا
خلق
في الجسم والنفس والأعراض
والنشب
وحارب الدين، والإسلام
قاهره،
وكم خلا مثله في سالف الحقب
إذا قضى الله أن أحيا حييت
له
وإن قضى الموت لم أخسر ولم
أخب
يا سائرين على درب اليقين(11) كما
تمشي الأسود بقلب غير
مضطرب
وطالعين على (الأعواد)
خاشعة
وقد رَنا الكون في شك وفي رهب
وراحلين وعين الله
ترمقهم..
وجنة الخلد في شوق وفي
رغب
وتاركين على الأيام من دمهم..
(معالماً) لطريق الحق لم
تغب
وخالدين على رغم الطغاة
بما
جادوا من الروح أو صاغوا من
الكتب
كم قد طوت لجة النسيان طاغية
وساطع الفكر لم يشجب ولم
يجب
أواه يا راحل الأحباب من كبدي
لم يبق منها على شجوي سوى
الوصب
أبكي عليكم وهذا منتهى عجبي..
والقلب من ذكركم في نشوة
الطرب
أحنّ شوقاً إلى أيامنا..
ومضت
قد أقوت الدار من أصحابيَ
النُّجُب
ما غاب وجهُكُمُ عن عين مدَّكرٍ.
ولا رقا جرحكم في قلب محتسب
تجري الدموع بعين الليث
ساكبة
وعين ريم بستر الصوت
محتجب
والطفل في المهد لم يعلم لم
انقلبت
حياته بعد بشر شر منقلب
والليل من رقة تندى جوانحه
ولا يرق لشكوى العاشق
الوصب
أرض الشهادة! لا يأس ولا
وهن
فلا تبيتي على يأس
وتنتحبي
كم أنبتت دوحة الإسلام من
(حسن)
وأطلعت في بهيم الليل من
(قطب)
ماذا أعدد من شجوي ومن
ألمي
والدهر مستلئم في جيشه
اللجب
إذا رمى السهم بالبأساء أقصدني
وإن رمى السهم بالنعماء لم يصب
في كل يوم على الأحباب
مختضب
من مدمع القلب يجري إثر
مختضب
والمُدَّعون هوى الإسلام
سيفهم
مع الأعادي على أبنائه
النجب
يخادعون به، أو يتقون
به..
وما له منهمُ رفد سوى
الخطب
أعمالهم حجة الأعداء إن
ضربوا
كانت بكفهم أمضى من
القضب
فدتك نفس (أبا الأعلى(12) وهل
سلمت
نفسي لأفديك من (أهل) ومن
(صحب)!
أما استحى السجن من شيخ
ومفرقه
نور، بغير طلاب الحق لم
يشب
أنت المنارة للإسلام إن خبطت
سفينة الفكر في داج من الريب
إيهٍ أبا زاهد(13) يا قمة
شمخت
بالعلم والفضل يا كنزاً
لمكتسب
ماذا عن الصحب والإخوان في حلب
يا طول سهدي على الإخوان في
حلب
ما قرّ جنبي وقد أقوت مضاجعكم
كأن جنبيَ مطويُّ على
قضب
ماذا تعانون من عسر ومن
وهق
ماذا تقاسون من سجن ومن
حَرَبِ
يا أوفياء وما أحلى الوفاء
على
تقلب الدهر من معط
ومستلب
أفديكمُ عصبةً لله قد
خلصت
فما تَغَيَّرُ في خصب ولا
جدب
ربي لك الحمد لا أحصي الجميل
إذا
نَفَثْتُ يوماً شكاة القلب في
كربي
فلا تؤاخذ إذا زلّ اللسان
وما
شيء سوى الحمد في الضراء يَجْمُلُ بي
لك الحياة كما ترضى، بشاشتها
فيما تحب، وإن باتت على
غضب
رضيت في حبك الأيام
جائرة
فعلقم الدهر -إن أرضاك-
كالضَرَّب
شكراً لفضلك إذ حمّلت
كاهلنا
مما وثقت بنا ما كان من
نُوب |
إلى الأخوة الأحبة في الشام(14)
تطاولَ ليلي والسُّهادُ
مرافِقي
وما أطول الليلَ البهيمَ
لآرقِ
غريبٌ يُقلِّبهُ الحنينُ على
الغَضى
ويُرمِضُهُ شوقاً إلى كلّ
شائقِ
تناءت به دارٌ وأوحشَ
منزلٌ
وظلَّلهُ همٌّ مديدُ
السُّرادِقِ
وألقته أحداثٌ على غاربِ النّوى
فيا ليتَ شِعري هلْ معادٌٌ لتائق؟!
تمرُّ به الأيامُ جُرحاً
وأسهُماً
وصبراً تحدّى كِبرُهُ كلَّ
راشِقِ
وشعلةَ إيمانٍ يزيدُ
اتّقادُها
على عَصَفاتِ الدهر عند المآزقِ
أحبّايَ يا مهوى الفؤادِ تحيّةً
تجوزُ إليكمْ كلَّ سدٍّ
وعائِقِ
لقد هدّني شوقٌٌ إليكمْ
مُبرّحٌ
وقَرَّحَ جفني دافقٌ بعدَ
دافِقِ
وأرّقني في المُظلِماتِ
عليكمُ
تكالبُ أعداءٍ سَعَوا
بالبوائقِ(15)
فمنهمْ عدوٌّ كاشرٌ عن عدائِهِ
ومنهمْ عدوٌّ في ثيابِ
الأصادقِ
ومنهم قريبٌ أعظمُ الخطب قُربُهُ
لهُ فيكمُ فعلُ العدوِّ
المفارِقِ
أردتمْ رضا الرحمنِ قلباً
وقالِباً
ولم يَطلبوا إلا حقيرَ
الدوانِقِ
فسدَّدَ في دربِ الجهادِ
خُطاكمُ
وجنَّبكم فيه خفيَّ
المزالِقِ
بروحي شباباً منكمُ غيّبَ
الثّرى
تهاوَوْا كِراماً صادِقاً إثر
صادِقِ
بروحي الدمَ المُهراقَ في ساحةِ
التّقى
يلوّن دربَ الحقّ لونَ
الشقائقِ
بروحيَ ذاكَ الطُّهرَ والعلمُ
والنُّهى
بروحيَ ذاكَ العزمَ في كلِّ
سابق
بروحيَ أُسداً كبَّل البغيُ
خَطوها
وأوسعَها عَسفاً بكلِّ
المرافِقِ
فلمْ يرَ فيها غيرَ أصيدَ
صابرٍ
ولم يرَ فيها غيرَ أرعَنَ(16)
شاهِقِ
وغيرَ أبيٍّ باعَ في الله نفسَهُ
وأرخصها في المأزقِ
المُتضايقِ
وقفتُ شَجياً لا أرى ليَ
مَخلصاً
إليكمْ وقد سُدّتْ عليَّ
طرائقي
تمنيتُ أني أفتديكمْ
بمهجتي
وأحملُ ما حُمِّلتمُ فوقَ
عاتِقي
على "منقذٍ"(17) مني السلامُ وصَحبِهِ
وعلَّ فراقاً لا يطولُ
لوامِقِ
شبابٌ كما الإسلامُ يَرضى
خَلائقاً
وديناً ووعياً في اسودادِ
المفارِقِ
قلوبُهُمُ طُهرٌ يَفيضُ على الورى
وأيديهمُ تأسو جراحَ الخوافِقِ
هم السّلْسَلُ الصافي على كلِّ
مؤمنٍ
وفي حومةِ الهيجاءِ نارُ
الصواعِقِ
أطلّوا على الدنيا كواكبَ
يهتدى
بنورهمُ عند اشتباهِ
المفارِقِ
وسادوا عليها مخلصينَ
لربّهمْ
فلمْ يحملوا أغلالَها في
العواتِقِ
سبيلُهمُ ما أوضحَ اللهُ
نهجَهُ
إذا حادَ عنهُ كلُّ وانٍ
وفاسقِ
فلمْ يَرهبوا في اللهِ لومةَ
لائمٍ
ولمْ يحذَروا في الله غضبةَ
مارقِ
ولم يُطبِهمْ(18) يوماً ثوابُ مساومٍ
ولمْ يُصبِهمْ يوماً ثناءُ
منافقِ
همُ الذهبُ الإبريزُ سراً
ومَظهراً
جباهُهُمُ بيضٌ بياضَ
الحقائق
همُ الحلُمُ الريّانُ في وقدةِ
الظمأ
وليس على الآفاقِ طيفٌ
لبارقِ
هُمُ الأملُ المرجوُّ إنْ خابَ
ماُملٌ
وأوهنَ بُعدُ الشّوطِ صَبرَ
السوابقِ
كأني أراهمُ والدُّنا ليستِ
الدُّنا
صلاحاً ونورُ اللهِ ملءُ
المشارقِ
أقاموا عمودَ الدينِ من بعدِ صَدْعِهِ
وأعلَوْا لواءَ الحقِّ فوقَ الخلائقِ
على البعدِ يا أحبابُ أهفو
أليكمُ
خيالُكمُ أنَّى سريتُ
مُعانقي
أقاموا سدودَ الظُّلمِ بيني
وبينكم
وما نقَموا إلا يقيني
بخالقي
فبتُّ على لبنانَ قلباً معذَّباً
أُكابدُ في الأضلاعِ جَمرَ الحرائق
فلا راحةٌ حتى ولو لانَ مضجعٌٌ
ولا روحَ حتى في ظلالِ البواسِقِ
أُلامحُ من خلفِ الحدودِ
منازلاً
تلوحُ كما لاحَ الشّراعُ
لغارقِ
تمنيتُ حتى ضَجعَةَ السجنِ
بينكمْ
على الصخرِ في جوٍّ من الجور خانق
صلابةُ أرضِ السجنِ إن كان قربَكُمْ
أحبُّ وأشهى من طَريّ
النّمارقِ
ولم ترَ وجهي عند نَعشِكَ مصطفى(19)
وذلكَ جرحٌ لا يغورُ
بخافقي
مكانُكَ في قلبي الوفيِّ
موطَّدٌ
فأنتَ على طولِ الزمانِ
مرافِقي
أحبّايَ صَبراً للفراقِ وما
رمتْ
به غاليَ الأكبادِ أيدي
الطوارقِ
أحبّايَ إنَّ النصرَ لابدَّ
قادمٌ
وإني بنصرِ الله أوّلُ
واثِقِ
سنَصدعُ هذا الليلَ يوماً
ونلتقي
مع الفجر يمحو كلَّ داجٍ
وغاسِقِ
وتمضي على الأيام عزماً
مُسدّداً
ونبلغُ ما نرجوهُ رغمَ
العوائقِ
فيعلو بنا حقٌّ -عَلَونا
بفضلِهِ-
على باطلٍ -رغمَ
الظواهرِ-زاهِقِ
ونصنعُ بالإسلامِ دُنيا
كريمةً
وننشرُ نورَ اللهِ في كلِّ شارِقِ
|
الهوامش :
(1) مجلة الرائد - العدد ،78 جمادى الأولى 1405هـ، فبراير 1985م، ص30.
(2) مجلة الرائد - العدد ،77 ربيع الثاني 1405هـ، كانون الثاني 1985م، ص15.
(3) مجلة الرائد - العدد ،77 ربيع الثاني 1405هـ، كانون الثاني 1985م، ص15.
(4) كفروا هنا: ستروا وغطّوا وجحدوا ما يستحقّ الثناء.
(5) مجلة الرائد - العدد ،77 ربيع الثاني 1405هـ، كانون الثاني 1985م، ص16.
(6) مجلة الرائد - العدد ،77 ربيع الثاني 1405هـ، كانون الثاني 1985م، ص17.
(7) رواه مسلم.
(8) شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث، جـ،1 ط،1 ص80.
(9) شعراء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث، جـ،1 ط،1 ص87.
(10) مجلة الرائد - العدد ،77 ربيع الثاني 1405هـ، كانون الثاني 1985م، ص28.
(11) هم شهداؤنا الأبرار.
(12) المودودي.
(13) الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة.
(14) مجلة المجتمع اللبنانية سنة 1964م.
(15) بالبوائق: بالدواهي والغوائل والظلم والشر.
(16) الأرعن: الجبل ذو الرّعان، أي الأنوف العِظام الشاخصة.
(17) من شهداء الدعوة الإسلامية في سورية سنة 1964م.
(18) لم يطبهم هنا: لم يستملهم ويقدهم.