القائد الصليبي أرناط

والقصاص العادل

محمد فاروق

[email protected]

توجه أرناط (واسمه الحقيقي رينالد بن هنري من شايتون)، ومعروف عند العرب باسم أرناط، إلى الأرض المقدسة، حسب اعتقاده لتحريرها من يد المسلمين في عام 1147م ووضع نفسه أولاً تحت إمرة الملك بالدوين الثالث في القدس وبعد ذلك تحت إمرة كونستانز أميرة أنتيوخ، التي مات زوجها في عام 1149م، ووقعت هذه في حب أرناط وتزوجته في عام 1153م، وبزواج أرناط منها أصبح أمير أنتيوخ.

كان أرناط شجاعاً حتى التهور، عنيفاً كالثور. كان يعامل الأبرشية بوحشية لابتزاز المال الذي هو كل هدفه في الحياة. وبتحريض من الإمبراطور البيزنطي مانويل الأول كومنينوس، هاجم أرناط سيلسيا الأرمنية (جنوب شرق الأناضول)، لكن بعد ذلك عقد اتفاق سلام مع نوروس الثاني من سيلسيا وشاركه باجتياح جزيرة قبرص البيزنطية عام 1156م، إلا أن مانويل انتقم في 1159م عندما خضع أرناط كتابع له.

بعد سنة أسر المسلمون أرناط (1160 – 1176م) في سورية. بعد سجن أرناط لمدة 16 سنة، خرج ليجد أن زوجته توفيت في عام 1163م، تاركة الإمارة لبومند الثالث ابن زوجها الأول، فقفل عائداً إلى القدس حيث توج الملك بلدوين الرابع ملك لمملكة بيت المقدس الإفرنجية في عام 1177م.

تزوج أرناط من ستيفاني أرملة لورد أوتر جوردن (لورد منطقة شرق وجنوب البحر الميت)، ليصبح أمير صحراء الكرك والشوبك ومونتريال.

كان الملك بلدوين الرابع قد وقع هدنة مع صلاح الدين الأيوبي، تحددت مدتها بسنتين، بدأ من أيار عام 1180م. وكان من شروط الهدنة حرية التجارة للمسلمين والمسيحيين وحرية اجتياز أي من الطرفين بلاد الطرف الآخر. لكن أرناط لم يقبل أن تمر قوافل المسلمين حاملة الثروات والأموال من منطقته بدون مقابل.

في صيف عام 1181م خرج أرناط مع قوة كبيرة، متجهاً إلى تيماء، على الطريق التجاري بين دمشق والمدينة ومكة، حيث سطى على قافلة عربية واستولى على كل ما تحمله من ثروة وأسر من فيها، منتهكاً هدنة 1180م.

قام صلاح الدين بمراسلة بلدوين الرابع بغضب مذكراً إياه بالهدنة وطالباً التعويض. فقام بلدوين الرابع بمخاطبة أرناط في الأمر، فرفض أرناط طلبه.

استطاع المسلمون أن يأسروا أكثر من 2500 حاج فرنجياً كانت سفنهم قد جنحت إلى مصر، وكانوا في طريقهم إلى بيت المقدس. وأمر صلاح الدين بحبسهم ثم راسل بلدوين عارضاً إطلاق سراحهم مقابل السلع والسبي التي نهبها أرناط. فرفض أرناط المبادلة، واندلعت الحرب في شباط عام 1183م.

دعا أرناط فرسان الصليب للسيطرة على مكة والمدينة. بغرض إلهاء صلاح الدين عن القدس، أرسل بعضاً من رجاله لهذه المهمة، مما اضطر صلاح الدين لإرسال جيش من دمشق لإيقافهم.

قطع أرناط أشجار غابات الكرك ومعظم نخيل العريش وحمله إلى قلعة الكرك، حيث طلب من الرهبان صنع بعض المراكب. وطلب من صليبية عسقلان صنع البعض الآخر، منشئاً أسطولاً من خمس سفن حربية كبيرة. وعدد كبير من المراكب الصغيرة والخفيفة.

قام أرناط بنقل المراكب مفككة على الجمال إلى ساحل البحر الأحمر. ثم ركّب المراكب ودهنها بالقار الأسود، وجهزها بالرجال والآليات القتالية. وخصص مركبين لمحاصرة جزيرة قلعة أيلة،مانعاً السكان من الوصول إلى مصادر مياه الشرب، فيما أكمل باقي الأسطول طريقه إلى عيذاب، ووصل بعضهم إلى باب المندب وعدن.

أحرق الأسطول ستة عشر مركباً للمسلمين، واستولى على مركب لنقل الحجاج في عيذاب، كما استولى على مركبين محملين بتجارة وبضائع من اليمن، ودمر مؤن الحجاج في ساحل عيذاب.

بعث صلاح الدين إلى مصر لبناء أسطول في مصر والإسكندرية، وقام قائد الأسطول حسام الدين لؤلؤ يحمل المراكب مفككة على الجمال وأشرف بنفسه على تحميلها في كانون الثاني عام 1183م، وأحضر رجالاً من المغرب لهم خبرة بحرية للعمل على المراكب.

قام لؤلؤ الأسطول قسمين الأول غادر قلعة أيلة.والقسم الثاني ذهب إلى عيذاب، لإنجاد المسلمين، ثم عاد لؤلؤ إلى رابغ، ليواجه الصليبيين في ساحل الحوراء.

كان عدد رجال أرناط أكثر من 300 بقليل،كما انضم إليهم بعض العربان. إلا أن هؤلاء تفرقوا لدى وصول لؤلؤ، وقتل معظم رجال أرناط. في حين قام الملك بلدوين الرابع بحماية قلعة الكرك مرتين من انتقام صلاح الدين في عامي 1183 و1184م.

بدأ صلاح الدين بتحضير الجيوش الإسلامية للحرب، والتجهيز على طول منطقتي مصر وسورية، وفي النهاية عقد صلاح الدين هدنة مع بلدوين الرابع، وفي نهاية عام 1186م أعاد أرناط الكرة فسطى على قافلة ضخمة. كانت أخت صلاح الدين من بين من أسر في القافلة، على الرغم من الهدنة التي وقعها بلدوين الرابع مع صلاح الدين.

هذا الأمر سرّع بالتجهيز للحرب، خاصة بعد رفض أرناط مقابلة سفراء صلاح الدين أو الاستماع إلى الملك غي دي لوزيجيان، الذي لم يستطع إجبار أرناط على إعادة البضائع والأسرى بسبب دور أرناط في وصول لوزينجيان إلى الملك.

على أثر ذلك قامت معركة (حطين) الشهيرة بين المسلمين والصليبيين عام 1187م، وهُزم الصليبيون هزيمة حاسمة، وأسر كل من أرناط والملك لوزينجيان، والعديد من أمراء الصليبيين.

بعد انتهاء المعركة، نُصبت لصلاح الدين خيمة ضخمة، وتم إحضار أمراء الفرنجة الصليبيين وملوكهم، وكان من بينهم أرناط وغي دي لوزينجيان إليها، حيث كان صلاح الدين، فأوقف أرناط عن يساره وغي دي لويزنجيان عن يمينه.

طلب صلاح الدين عصير (الجلاب) المثلج، فشرب منه وأعطى غي دي لويزجيان منه ليشرب، فقدم غي دي لوزيجنيان – بعد أن شرب – العصير إلى أرناط، فغضب صلاح الدين وقال له: إنما ناولتك ولم آذن لك أن تسقيه .. هذا لا عهد له عندي.

دخل صلاح الدين إلى خيمة داخل الخيمة الرئيسية واستدعى أرناط. وعند مثوله بين يديه استل سيفه وقطع رأسه (وقد نذر فعل ذلك إن تمكن منه).. وهو يردد: (أنا أنوب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الانتصار لأمته). وأرسل رأس أرناط إلى الأمراء الصليبيين وهم في الخيمة.