الشيخ المحقق عبد الرحمن بن قاسم
جامع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية
(1312 – 1392هـ)
موسى بن سليمان السويداء / السعودية
[email protected]
قال
ابن مُرّي المتوفى بعد سنة ( 728هـ ) عن تراث ابن تيمية العلمي : " ووالله – إنشاء
الله – ليقيمن الله سبحانه لنصرة هذا الكلام ونشره وتدوينه وتفهيمه واستخراج مقاصده
واستحسان غرائبه وعجائبه رجالاً هم إلى الآن في أصلاب آبائهم .. " .
قلت
: نعم لقد برَّ وصدق فكان الشيخ عبد الرحمن بن قاسم من أشهر هؤلاء الذين جمعوا هذا
التراث العلمي السني السلفي لشيخ الإسلام ابن تيمية .
أسمه ونسبه ونشأته :
هو
الشيخ العلامة المحقق المدقق عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد
بن قاسم من آل عاصم من قبيلة قحطان القبيلة العربية المشهورة . ومنشأ آل قاسم بلدة
القصب من بلاد الوَشْم أحد مواضع نجد لربيعة بن مالك بن زيد بن مناة بن تميم قال
زياد بن منقذ :
والوشم قد خرجت منه وقابلها من
الثنايا التي لم أقلها ثرم
ومنها – أي القصب – تفرق آل قاسم إلى عدة بلدان صغيرة كبلدة الرغبة والبير والرويضة
في نجد وكان استقرار عائلة الشيخ في بلدة البير التي تبعد اليوم عن العاصمة الرياض
من جهة الشمال ما يقارب 120 كيلو متر وفيها ولد سنة ( 1312هـ ) وعند بلوغه الثاني
عشر توفي والده سنة ( 1324هـ ) وتربى في حجر أمه هيا بنت عباد العباد فاهتمت
بتربيته وتحفيظه للقرآن الكريم ودفعه إلى طلب العلم فنشأ في بيئة علمية صالحة .
شيوخـه :
بعد
أن تلقى العلوم الأولية في بلده سمت همته إلى الطلب خارج البير فرحل إلى مدينة
الرياض التي تعد موطن العلماء في ذلك الزمان ومن أشهر هؤلاء العلماء الذين تلقى
العلم عليهم :
1/
الشيخ عبد الله بن عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ جد الملك فيصل بن عبد
العزيز آل سعود من جهة أمه تلقى عنه علم التوحيد والعقائد والتفسير والحديث والفقه
.
2/
الشيخ عبد الله العنقري لازمه ملازمه تامة فكان من اخص طلابه وتلاميذه .
3/
الشيخ محمد بن محمود أخذ عنه الفقه والفرائض .
4/
الشيخ سليمان بن سحمان صاحب التصانيف والردود على المخالفين أخذ عنه التوحيد
والحديث .
5/
الشيخ محمد بن فارس أخذ عنه علوم اللغة العربية وغيرها .
ولعلنا نكتفي بذكر هؤلاء المشايخ فله غيرهم قد يطول الحديث عنهم .
قال
شيخنا الشيخ العلامة عبد الله بن جبرين – حفظه الله - : " .. فواصل دراسته وجد
واجتهد في التعليم بعد أن ذاق حلاوة العلم وأدرك من نفسه إقبالاً كلياً على القراءة
والحفظ والاستفادة حتى فاق أقرانه .. " وقال أيضاً " .. ولم يزل مكباً على الدراسة
والحفظ والاستفادة حتى حصل على جانب كبير في أكثر العلوم وتضلع في علم التوحيد
والفقه والحديث ونحوها من العلوم الدينية .. " والجدير بالذكر أن الشيخ عبد الرحمن
من أقران وأصحاب الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتي الدولة السعودية المتوفى سنة
( 1389هـ ) فقد كان بينهم صحبة وصداقة حميمة جمعتهم
الأخوة في الله وحب العلم والبحث فيه .
مؤلفاتـه :
الشيخ عبد الرحمن له مشاركة في علوم كثيرة يدل على ذلك تنوع مؤلفاته فقد ألف في
الفقه والتوحيد والحديث والنحو وغيرها ولعل من أهم هذه المؤلفات جمعه لمجموع فتاوى
شيخ الإسلام ابن تيمية الذي سوف نذكره على حده وهذه أشهر مؤلفاته :
1/
فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية . جمع وترتيب ( 37 ) مجلد .
2/
الدرر السنية في الأجوبة النجدية . جمع وترتيب وإضافة ( 16) مجلد .
3/
حاشية الروض المربع . تأليف في الفقه الحنبلي ( 7 ) مجلدات ويعد من أهم الكتب
الدراسية في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في مادة الفقه .
4/
أصول الأحكام . حديث في مجلد .
5/
شرح أصول الأحكام ( 4 ) مجلدات .
6/
حشية كتاب التوحيد . مجلد .
7/
حاشية ثلاثة أصول . توحيد في مجلد .
8/
حاشية الدرة المضيئة . في العقيدة عبارة عن شرح لمنظومة السفاريني الحنبلي في مجلد
..
9/
السيف المسلول على عابد الرسول . رد على أحد الغلاة في الرسول صلى الله عليه وسلم
مجلد .
10/
حاشية مقدمة التفسير . في أصول التفسير مجلد .
11/
حاشية الرحبية . في الفرائض مجلد لطيف .
12/
حاشية الأجرومية . في النحو مجلد لطيف .
13/
تحريم حلق اللحى . رسالة صغيرة .
وغيرها من المؤلفات المفيدة النافعة في بابها بحيث بلغ عدد صفحات الكُتب التي عمل
على جمعها وتأليفها ما يقارب 40000 صفحة .
بداية جمع الفتاوى :
اهتمام علماء السنة المتأخرين بكتب ابن تيمية شيء معروف وغير مستغرب بسبب تضلعه في
معرفة السنة وكشفه وردوه على المبتدعة واليهود والنصارى والمشركين حتى قال ابن
القيم في قصيدته النونية المشهورة في السنة البالغة 6000 بيت :
فاقرأ تصانيف الإمام حقيقة
شيخ الإسلام العالم الرباني
أعني أبا العباس أحمد ذلك الـ
ـبحر المحيط بسائر الخلجانِ
إلى
أن قال :
وله
المقامات الشهيرة في الورى
قد قامها لله غير جبانِ
نصر
الإله ودينه وكتابه
ورسوله بالسيف والبرهان
أبدى فضائحهم وبين جهلهم
وأرى تناقضهم بكل مكان
وأصارهم والله تحت نعال أهـ
ـل الحق بعد ملابس التيجان
وأصارهم تحت الحضيض وطالما كانوا
هم الأعلام للبلدان
كانت بداية جمع الشيخ عبد الرحمن لمجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية بعد سنة
1340هـ أثناء بحثه عن فتاوى ورسائل علماء نجد فلفت انتباهه وجود كتب ورسائل لابن
تيمية مبعثرة عند بعض العلماء فتطلعت نفسه لجمع هذا التراث فوجد عند الشيخ محمد بن
عبد اللطيف نحو ثلاث مجلدات - وهو أكثر من وجد عنده فتاوى لابن تيمية – ثم سافر
وراسل من يعرف من العلماء والمشايخ وطلبة العلم في نجد حتى جمع جملة جيدة ثم بعد
مدة سافر أيضاً إلى الحجاز بقصد تصحيح " فتاوى أئمة الدعوة النجدية " في مكة
المكرمة فوجد بين مخطوطات مكتبة الحرم المكي عدداً من المسائل فجمعها مع ما لديه مع
الفتاوى التي طبعة في ذلك الوقت فرتبها على الأبواب والفنون فبلغت نحو عشرين مجلد
فهمّ بطباعتها لكنه توقف بعد أن بلغه من بعض رواد المكاتب أن هناك مسائل ورسائل
لشيخ الإسلام في دار الكتب المصرية ... فجمَّد الطباعة إلى حين غير معلوم .
وفي
سنة 1372هـ سافر إلى بيروت هو وأبنه الشيخ محمد بقصد العلاج فبحثوا خلال وجودهم في
مكاتب بيروت فلم يجدوا شيئاً وقبل هذا كان أحد العلماء الأفاضل ذكر لشيخ عبد الرحمن
أن هناك مسائل موجودة في المكتبة الظاهرية بدمشق فأمر أبنه محمد بالسفر إلى دمشق
لنسخها فذهب فوجد جملة كبيرة من المخطوطات المتفرقة حتى أنه عثر على 850 صفحة
مخطوطة كُتبت بيد شيخ الإسلام ابن تيمية ومع هذا لم يكتفي بما وجد في الظاهرية بل
تابع البحث والسؤال عند المكاتب الخاصة فوجد عند الشيخ حسن الشطي كتابين في الوقف
وعند الفاضل محمد حمدي السفرجلاني مسائل في التراويح والإمامة وعند الفاضل أحمد
عبيد وإخوانه مسائل أخرى كما سافر إلى حلب فوجد مسائل في مكتبة الأوقاف فصورها .
ثم
بعد ذلك تطلع الابن محمد إلى السفر من سوريا إلى العراق لجمع ما فيها من كتب ورسائل
ومسائل فتحصل له بعد التفتيش في مكتبة الأوقاف في بغداد " الرسالة التدمرية " كاملة
بخط نعمان الآلوسي ورسالة في " المجاز والحقيقة " ورسالة في " القدر وأفعال العباد
" و " مختصر الفتاوى المصرية " وغير ذلك وكان قد أزمع السفر إلى البصرة ثم الكويت
ثم تركيا لكن صحت والده الشيخ عبد الرحمن كانت متأخرة وقد أقام ثمانية أشهر في
بيروت فاضطر إلى الرجوع إليه والرجوع به إلى الوطن .
وبعد مدة عاود الشيخ عبد الرحمن هو وابنه الشيخ محمد السفر إلى باريس بنية العلاج
عن طريق مصر فقام الابن محمد بزيارة دار الكتب المصرية بالقاهرة فتصفح ما فيها من
مجاميع فتحصل على مجموعة مسائل بحجم مجلد وسط ثم تابعوا السفر إلى باريس وبعد أن
أجريت لشيخ عبد الرحمن عملية وتماثل للشفاء عمدوا إلى مكتبة باريس الوطنية فتتبعوا
ما فيها من فهارس باللغة العربية فتحصل لهم 13 مسألة لم يعثروا على مثلها في
الأقطار العربية .
وعند الطباعة للفتاوى سنة 1380هـ بأمر الملك سعود بن عبد العزيز آل سعود – رحمه
الله – تحصل من الأفلام المصورة أكثر من 10 أفلام كل فلم يتسع لـ 1200 صفحة وقد بلغ
عدد المجلدات بعد التحقيق والطباعة لهذا المجموع 37 مجلد مع الفهارس العامة الدقيقة
النادرة في بابها .
والجدير بالذكر أن مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ليس فتاوى فقط بل هو عبارة عن
مسائل وفتاوى وكتب لشيخ الإسلام وقد رُتبت في المجموع على حسب مواضيعها ثم رتب
المجموع على هذا النحو :
المجلد الأول في / توحيد الألوهية . المجلد الثاني / توحيد الربوبية . الثالث /
مجمل اعتقاد السلف . الرابع / مفصل الاعتقاد . الخامس والسادس / توحيد الأسماء
والصفات . السابع / الإيمان . الثامن / القدر . التاسع / المنطق . العاشر / علم
السلوك . الحادي عشر / التصوف . الثاني عشر / القرآن كلام الله . الثالث عشر /
مقدمة التفسير . الرابع عشر / التفسير من سورة الفاتحة إلى الأعراف . الخامس عشر /
التفسير من سورة الأعراف إلى الزمر . السادس عشر / التفسير من سورة الزمر إلى
الإخلاص . السابع عشر / التفسير سورة الإخلاص والمعوذتين . الثامن عشر / الحديث .
التاسع عشر / أصول الفقه – الإتباع . العشرون / أصول الفقه – التمذهب . الواحد
والعشرون / الفقه – الطهارة . الثاني والعشرون / الفقه – الصلاة .. الثالث والعشرون
/ الفقه – من سجود السهو إلى صلاة أهل الأعذار . الرابع والعشرون / الفقه – من صلاة
أهل الأعذار إلى الزكاة . الخامس والعشرون / الفقه – الزكاة والصوم . السادس
والعشرون / الفقه – الحج . السابع والعشرون / الفقه – الزيارة . الثامن والعشرون /
الفقه – الجهاد . التاسع والعشرون / الفقه - البيع . الثلاثون / الصلح إلى الوقف .
الواحد والثلاثون / الوقف إلى النكاح . الثاني والثلاثون / النكاح . الثالث
والثلاثون / الطلاق . الرابع والثلاثون / الظهار إلى قتال أهل البغي . الخامس
والثلاثون / قتال أهل البغي إلى الإقرار . السادس والسابع والثلاثون / فهارس علمية
.
نشاطه في الدعوة إلى الله
لم
يقتصر نشاط الشيخ عبد الرحمن على التأليف والتحقيق للعلم والنظر في كتب المتقدمين
من علماء الحديث والفقه ومعرفة الراجح من المرجوح من أقوالهم فقط بل كان الشيخ –
رحمه الله - يقوم بالتدريس الطلاب في المسجد عند فراغه والوعظ والخطابة والأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر كما شارك في وسائل الإعلام المتاحة في ذلك الوقت فكتب
عدة مقالات في جريدة " أم القرى " التي كانت تصدر في مكة المكرمة في ذلك الحين فمن
المقالات التي نُشرت مقال بعنوان ( اللهو الباطل – الغناء والمزامير - ) و ( تجديد
المجد الداثر ) و ( هل عُبد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ) وقد جرت له قصة بعد
نشر هذا المقال مع أحد القراء ينكر عليه أن دعاء الرسول من دون الله ليس عبادة ! ..
فألف الشيخ كتاب " السيف المسلول على عابد الرسول " رداً عليه يبين فيه أن دعاء
الأموات والغائبين فيما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى أنه شرك ومن أعمال أهل
الجاهلية مع أصنامهم وأوثانهم ولذا قال تعالى منكراً عليهم : (
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا
يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ
فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ ) [سبأ/23] .
تلامذتـه :
خلال فترة تدريس الشيخ في المسجد تتلمذ على يديه عدة طلاب منهم على سبيل المثال :
1/
الشيخ عبد الله بن جبرين وهو حالياً عضو إفتاء متقاعد يقوم بالتدريس والمحاضرات
والدعوة إلى الله في المساجد والجامعات والقنوات الفضائية وهو من كبار علماء
السعودية وله شهرة واسعة في العالم الإسلامي .
2/
الشيخ حمود العقلاء الشعيبي توفي قريباً – رحمه الله – وله قصة عجيبة في ارتباطه
بالشيخ فقد فقد بصره وهو صغير ابن ست سنوات بسبب الجدري فضاق والده به ذرعاً بسبب
فقره فأشار عليه بعض الناس أن يرسله من القصيم إلى الرياض لكي يعيش على مَضْيَفة
الملك عبد العزيز ابن سعود ويشرب من بئر المسجد هناك ولن يعدم من يعطف عليه من أهل
الخير فقام والده بطرده من البيت وهو ابن 13 سنة حينما أمتنع عن الذهاب والسفر وبعد
أن أغلظ عليه الكلام سلمه إلى صاحب جمل مسافر إلى الرياض فذهب مع هذا الرجل وهو
يبكي لفراق أمه وإخوانه فلم وصل إلى الرياض عطف عليه بعض المحسنين وأوصله إلى الشيخ
عبد الرحمن بن قاسم - صاحب الترجمة – فقام الشيخ بالاهتمام به وأوكل عليه من يرعاه
ويقوم بتحفيظه للقرآن الكريم وتعليمه في المسجد حتى بلغ مبلغاً في العلم وتحسنت
حاله ورغب في الجلوس والاستقرار في الرياض وكان خلال هذه الفترة يقوم والده بسؤال
القادمين من الرياض عنه من أجل أن يطمأن عليه .
3/
الشيخ عبد الرحمن بن فريان – رحمه الله – توفي قريباً أيضاً وهو أحد كبار من حمل
همّ تدريس وتحفيظ القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية بحيث شجع المسئولين
على فتح جمعيات لتحفيظ القرآن الكريم في كل بلد حتى صار أغلب مساجد المملكة يُقام
فيها دروس لتعليم وتحفيظ للقرآن الكريم .
وله
غيرهم من الطلاب لا نطيل بذكرهم فمنهم من هو حي يعمل في مناصب عُليا في الإفتاء
والقضاء وغير ذلك ومنهم من لقي ربه بعد أن عمل على خدمة الدعوة إلى الله .
أخلاقه ومناقبه وطرائفه :
كان
الشيخ متواضعاً صاحب خلق وزهد وكرم فقد كان يسكن في بيت طين صغير داخل بستانه في
قرية تسمى العمارية تبعد عن الرياض من جهة الشمال30 كيلو متر تقريباً فزاره يوم من
الأيام الملك سعود – رحمه الله – في بيته فقال له : " نريد أن نبني لك بيتاً غير
هذا " فقال الشيخ : " قد بُنيت لي داراً وأنتظر الرحيل إليها – يعني أنه قرب أجله -
" فسكت الملك سعود .
ومن
أخلاقه ومناقبه أنه كان يتواصل مع الملوك بالنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر حتى انه كتب يوماً من الأيام للملك فيصل بن عبد العزيز – رحمه الله – نصيحة
في صفحتين وطلب من أحد أبنائه بأن يوصلها إلى الملك وقال له : " هناك رجل عند الملك
فيصل اسمه ابن حسين اسأل عنه ودعه يدخلك على الملك وسلم الخطاب للملك يداً بيد "
فقام الابن بتسليم الرسالة للملك فيصل بدون تردد .
وأما عن طرائفه فهو لا يتجاوز حد الأدب والوقار ولهذا أحبه العلماء والعامة والقريب
والبعيد ومن تلك الطرائف التي تدل على ذكائه الحاد في التعامل مع المواقف أنه في
أيام قوة الإخوان – وهم مجموعة كبيرة متدينة في جيش الملك عبد العزيز ساعدته على
توحيد المملكة - كانوا يقابلون من يدخل الرياض يسألونهم في السوق : من ربك ؟ وما
دينك ؟ ومن نبيك ؟! فكان حظهم في أحد الأيام أن استوقفوا الشيخ عبد الرحمن وهم لا
يعرفونه وسألوه الأسئلة الثلاثة .
فقال لهم الشيخ أولاً : " أنا أسألكم ثم أجيب " فقالوا له : " أسأل " فقال لهم : "
أنتم دخلتم في الدين أم الدين دخل فيكم ؟ " فاحتاروا وتركوه !.
وفاتـه ورثائـه :
لم
يزل الشيخ – رحمه الله – مكباً على مطالعة وطبعة وإخراج الكتب مع ما يعاني من وجع
في رأسه بسبب حادث سيارة أصابه في رأسه فلازمه الألم عدة سنوات حتى وافاه الأجل
المحتوم في يوم 8 / 8 / 1392هـ وكان قبل ذلك قد رأى رؤيا في المنام " أن شيخ
الإسلام ابن تيمية يضع التاج على رأسه " ولعل هذا – والله أعلم – دليل على جهوده في
خدمته تراث ابن تيمية العلمي فعن إمام الحرمين الجويني أنه قال : " ما من شافعي إلا
وللشافعي عليه منَّة إلا أبا بكر البيهقي فإن له المنَّة على الشافعي لتصانيفه في
نصرة مذهبه " وقد يقال هذا أيضاً في الشيخ : فما من سني إلا ولابن تيمية منَّة عليه
إلا الشيخ عبد الرحمن وابنه محمد فإن لهم المنّة على ابن تيمية لجمعهم مؤلفاته
ونصرة أقواله .
وقد
رثاه بعد وفاته كثير من العلماء واظهروا الحزن والأسى على فقده فمن ذلك ما قاله
الشيخ الأديب محمد بن عبد العزيز بن هليل يرثيه في قصيدة بلغت أكثر من ثلاثين بيتاً
نقتصر على بعضها فيقول في مطلعها :
مصاب على الإسلام بين العوالم
على العلم والدين القوي الدعائم
رحيل رجال العلم والمجد والتقى
أولى الصدق والإخلاص من كل عالم
نجوم الهدى والرشد والحق والعلى
رجوم العدا من كل غاو وآثم
فكم
فاضل حبر جليل مهذب
حكيم حليم ثابت الجأش حازم
تصرمت الأيام أيام عمره
وبات بأطباق الثرى
المترادم
إلى
آخر ما قال ... وهذا ما تيسر جمعه من سيرة هذا العالم السني الفاضل الذي نذر نفسه
ووقته وجهده وماله في خدمة العلم وأهله وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم .
المراجع :
الشيخ
عبد الرحمن بن قاسم حياته وسيرته ومؤلفاته . تأليف / عبد الملك القاسم ..
مقدمة
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج1 . جمع / عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمد .
مقدمة
حاشية الروض المربع شرح زاد المستقنع . بقلم / الشيخ عبدالله بن جبرين .