ترجمة الشيخ جارالله بن علي بن جارالله السُّويداء

اسمه :

هو الشيخ الفاضل أبو عبدالله جارالله بن علي بن جارالله السُّويداء ، إمام الجامع الكبير المُسمى بـ" جامع برزان " في مدينة حائل بالمملكة العربية السعودية . ولد سنة فتح حائل عام ( 1340هـ ) في قرية الروضة التي تبعد (70) كيلو متر عن حائل ، والمعروفة قديماً عند علماء البلدان بـ" رَمَّان " . قال البَكريّ في كتابهِ " مُعجم ما استعجم " : ( رَمَّان : بفتح أوله ، وتشديد ثانية ، على وزن فعْلان . وهي جبل لطَّيء محفوفة بالرمال ، قال ابن مُقبل :

وقال الزبيدي في " تاج العروس شرح القاموس " : ( ورَمَّان جبل لطيء نقلهُ الجوهري . زاد نصر : في طرف سلمى )(2) .

طلبه للعلم :

رحل وهو صغير مع والده إلى مدينة حائل ، ونزلوا في حي " علوى " أحد الاحياء التاريخية القديمة الكثيفة بالبساتين ، بين شارع " سرحة " وشارع " لبدة " ، عمل مع والده في التجارة في بداية الأمر ، ولكن حُبب له طلب العلم والمعرفة فحفظ القرآن الكريم ، وطلب العلم على علامة حائل الشيخ القاضي حمود الشَّغدلي(3) ، أحد الذين أخذوا عن الشيخ العلامة عبدالله بن عبد اللطيف آل الشيخ(4) . كما تتلمذ صاحب الترجمة على غير وأحد من علماء المنطقة . 

ومن أقرانه ونظرائه الشيخ العلامة المُحدث علي بن محمد الهندي – رحمه الله - ، المدرس في الحرم المكي سابقاً ، وصاحب كتاب " زهر الخمائل في تراجم علماء حائل " فكلاهما قد تتلمذ ولازم الشيخ الشغدلي .

وعند افتتاح المعهد العلمي وكلية الشريعة بالرياض ، رحل إلى العاصمة كي ينهل من العلوم ما شاء الله ، ويحصل على التعليم النظامي والأكاديمي ، وعند تخرجه عمل مدرساً في مدرسة الأبناء بالرياض فترة من الزمن ، ثم عاد إلى مدينة حائل ، فعُين كإمام وخطيب للجامع الكبير ( مسجد برزان ) في سنة ( 1385هـ ) ، فألقى فيه الكثير من الخُطب والمواعظ الحسنة ، وقد سُجل بعضها صوتياً ، لا سيما أنه صاحب صوت جميل وخاشع ومؤثر عند تلاوته للقرآن الكريم على طريقة مشايخ أهل نجد في القراءة ، فبقي في الإمامة والخطابة والوعظ إلى أن أقعده المرض ، فتنحى عن هذا المنصب الديني سنة ( ١٣٩٩هـ ) .

أخلاقه ومناقبه وكرمه :

كان الشيخ جارالله حلو المعاشرة ، طيب الشمائل ، محبوباً من الجيرانِ ، صاحب دعابة ومزاح ، حتى أن الأطفال حينما يرونه مُقبلاً من بداية الطريق وأول الشارع ، على سيارته المتواضعة من نوع نيسان " داتسون " ، يسير ببطيء وهدوء ، يقفزون ويركبون في مؤخرة السيارة ( الحوض ) ، حتى يتوقف عند باب بيته فينزلون بدون أن ينهر أحداً منهم أو يزجره .

كما كان أيضاً رجلاً مضيافاً ، كريماً ، يحب الضيف ، وبابه مُفتوحاً للقاصي والداني من المعارف ، والأصدقاء ، والأقارب ، وكأنه ممن قصدهُ ويعنيه الشَّاعر الفصيح بقولهِ :

علمهُ واطلاعه :

وأما عن عِلمه فكان ممن يحفظ ألفية ابن مالك ، ويجيد النحو ، ويمتحن من يجالسه في بعض الأحيان بالسؤال عن الإعراب ؛ إلى غير ذلك من المحفوظات الكثيرة من الحديث النبوي الشريف ، والقصص الطريفة ، والأشعار الرائقة ، والنوادر المليحة الشائعة عن المتقدمين الموجودة في كتب الأدب ، أو عن المُتأخرين كقصص الأعراب وأهالي القرى .

مواقفه واحتسابه :

ومع هذه كان ممن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ، كما كان عليه السلف ومشايخ نجد في الاحتساب ، فقلَّ من يتكلم في مجلسه في منكر حتى يبادر بالرد عليه . ومن المواقف له :  كان أحد اقاربه - ممن يُعرف عنه السفر للخارج منذ الصِغر والاختلاط بأجناس البشر - يُردد الشُّبه ، والبِدع ، والخُرافات بين العوام ، ويتكلم في مسائل الدين والشّرع بدون علم ! فكان الشيخ جارالله ينكر عليه ويرد بالأدلة من القرآن والسنة وأقوال العلماء ، ولا يجامله لقرابتهِ ، بل كان يحُذر منه ، ويقول عنه : ( هذا من المُرجفين في المدينة ) مُقتبساً هذا المعنى ، من قوله تعالى : { لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ }(5) .

قلت : هذا من مخاطر البعثات الخارجية على الشباب ، والسفر لفترات طويلة لبلاد الكفار ، أو إلى البلاد المُنتشرة فيها أصناف البدع بدون تحصين علمي قوي ، قال عمرو بن قيس الملائي : ( إذا رأيت الشاب أول ما ينشأ مع أهل السُّنة والجماعة فأرجه ، وإذا رأيته مع أهل البدع فايئس منه ، فإن الشَّاب على أول نشوءه )(6) .

مرضه ووفاته :

كان الشيخ جارالله قد أصابه المرض فأقعده عن المشي لمدة طويلة ، وسنوات عديدة ، فطلب العلاج داخل السعودية وخارجها إلا انه لم يجد فائدة مرجوة ، حتى تدهور حالهُ وزاد مرضهُ ، وكان دائماً يردد ويشتكي إلى الله ، فيقول : ( يا الله إنك خليفتي .. يا الله إنك خليفتي )(7) فلقي الله بعد هذا الكرب والألم والمعانات في يوم 13 شعبان عام ( 1420هـ ) ، وقد فُجع لهذا المُصاب القريب والبعيد ، وتوافد الناس من داخل حائل وخارجها للصلاة عليه وتعزيت ذويه وبنية ، فكان من جُملة من حضر إلى بيتهِ من الخاصة والعامة ، سمو الأمير مقرن بن عبد العزيز آل سعود أمير منطقة حائل آن ذاك ، وقد أصطحب حاشيته وحرسه فقاموا بواجب العزاء والترحم على الفقيد ، إلى غير ذلك من المُعزين من أعيان المدينة .

أبنائه وذريته :

وقد تزوج الشيخ ثلاث نساء خلال حياته ، وترك من الذكور :

عبدالله أبو حُسين : مُعلم قديم متقاعد ، درَّس بعض الامراء من أبناء الأمير عبدالعزيز ابن مساعد بن جلوي أمير منطقة حائل سابقاً ، فصار محبوباً عندهم ، ومحترماً لديهم ، كذلك له تجارة ناجحة . يبلغ من العمر الآن (75) سنة .

سعود أبو مشاري : مهندس في أمانة مدينة الرياض ، من كبار المشرفين على المشاريع ، التابع للأمانة والأمارة الخاصة بالحفلات الوطنية وتطوير العاصمة .

عبدالعزيز أبو سالم : متقاعد من الخطوط السعودية صاحب سمعة حسنة ، محبوب من الجميع ، ومشهور في مدينة حائل ، وهو أيضاً رجل مضياف كريم كوالده .

عبد الكريم : معلم في الرياض خلوق ومُربي فاضل ، بشوش الوجه محبوب بين معارفه وذويه .

صالح : عسكري متقاعد من المشاركين في خدمة الوطن ، وتحرير الكويت .

عادل : عسكري أيضاً في الدفاع الجوي ، يخدم دينه ووطنه .

وأما من الإناث فترك ثمان بنات .

رحم الله الفقيد رحمة واسعة ، واسكنه فسيح جناته ، ووفق بنيه لصالح الأعمال ، وطيب الأقوال .. آمين .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

___________

1/ معجم ما استعجم / تأليف : أبي عُبيد عبدالله بن عبد العزيز البكريّ / ج2 ص674

2/ تاج العروس / تأليف : أبي الفيض السَّيد محمد بن مُرتضى الزبيدي / ج9 ص220

3/ الشيخ حمود الشَّغدلي المتوفى سنة (1391 هـ) هو من أشهر علماء حائل ، رحل إلى الرياض وطلب العلم على علماء آل الشيخ وغيرهم ، كما رحل إلى الأزهر في مصر . له فتاوى وقصص محفوظة بين الناس وله مسجد معروف ومكتبة وقفية . أفرد له ابنه عبد الرزاق ترجمه في كُتيب من القطع الوسط .

4/ الشيخ عبدالله بن عبد اللطيف آل الشيخ ، يُعتبر جد الملك فيصل بن عبد العزيز من جهة أمه ، كان أبرز علماء آل الشيخ في وقته ، أجلسه الأمير محمد العبدالله آل رشيد في حائل ، في حي " لبدة " مُفتياً ومعلماً لطلبة العلم بعد سقوط الدولة السعودية الثانية ، ثم استوطن الرياض بعد فتحها في بداية الدولة السعودية الثالثة ، إلى أن توفي بها مأسوفاً عليه سنة (1339 هـ) . له ترجمة مطولة في كتاب " علماء نجد خلال ثمانية قرون " ج1 ص215 من تأليف : الشيخ العلامة عبدالله بن بسام .

5/ سورة الأحزاب ، آية (60) .

6/ كتاب الإبانة الكُبرى / تأليف : أبو عبد الله عُبيد الله ابن بطة العُكبري الحنبلي / ج1 ص205

7/ هذا الدعاء هو من قبيل قول أبو سلمة – رضي الله عنه - حين حضرته الوفاة : ( اللهم اخلفني في أهلي بخير) كما عند الترمذي وغيره .

وسوم: العدد 624