علي أبو المكارم في ذمة الله
علمت بمزيد من الأسى والأسف بوفاة الأستاذ الدكتور على أبو المكارم بعد يومين من وفاته (23/7/2015م ) .
كان رحمه الله أستاذا لي بدار العلوم ، وكان صديقا كريما تبادلنا المودة والمشاعر الطيبة على امتداد أربعين عاما تقريبا ، وتلاقينا خارج البلاد في أثناء الإعارة إلى بعض العواصم العربية ، وكان الجزء المكمل لأستاذي وصديقي الراحل الأستاذ الدكتور على عشري زايد – رحمه الله - أو حسب تعبيره كان نصفه الآخر .
ولد الراحل الكريم عام 1936 بمحافظة القليوبية ، وتخرج في دار العلوم عام 1961م ، وحصل منها على الدكتوراه في عام 1967م ، ونال درجة الأستاذية عام 1984م . وعين رئيسا لقسم النحو والصرف والعروض بالكلية ، وعميدا لها أكثر من دورة .
فاجأ الراحل الكريم الحياة الأدبية في مرحلة متأخرة (بعد الخمسين ) بأعمال أدبية مبهرة حيث أصدر ثلاثية العشق ، وهي ثلاث روايات تحمل أسماء : الموت عشقا – العاشق ينتظر – أشجان العاشق ، أصدرها في الفترة من 1990 إلى 2002 . بالإضافة إلى مجموعة قصصية بعنوان : الساعة الأخيرة 2003 ، وكتاب آخر يندرج تحت السيرة الذاتية اسمه سفر الغربة .
والروايات الثلاث من وجهة نظري تعد من أهم الروايات العربية على الإطلاق : بناء وصياغة ومضمونا ، وتمتاز بتكامل الرؤية الإسلامية ، وشجاعة التناول وشاعرية الأداء ، وهي بالضرورة تفوق كثيرا من الروايات التي يطنطن لها أشباه الأدباء في الحظيرة الثقافية وينالون عنها أكبر جوائز الدولة ، بينما تتواضع قدراتهم إلى حد عدم استطاعتهم بناء جملة عربية دقيقة .
تناولت الروايات الثلاث في بعض دراساتي عن الرواية ، ( الوعي والغيبوبة ، وأضواء على الرواية الإسلامية المعاصرة ) ، ورأيت فيها استشرافا للمستقبل ، وفهما للواقع بعيدا عن أكاذيب الآلة الإعلامية المهيمنة ، والرؤية القاصرة المتدنية التي يشيعها كتاب الحظيرة الثقافية . ولهذا لم يهتم الحظائريون بهذا الأدب الرفيع وعتموا عليه ، لدرجة أنه نشره على حسابه الخاص .
بالطبع كانت هناك مقدمات للطفرة الأدبية التي ظهر بها على أبو المكارم في ثلاثيته الروائية ، فقد كان في شبابه يكتب الشعر والقصة القصيرة ، ولكن الحياة الأكاديمية شغلته بأبحاثها ودروسها ومشاغلها ، وقد خلف لنا ما يقرب من عشرين كتابا في تخصصه الدقيق تعد إضافة مميزة ؛ منها : الحذف والتقدير في النحو العربي القديم ، وتقويم الفكر النحوي ، وأصول التفكير النحوي ، والمدخل إلى دراسة النحو العربي ( 3 أجزاء ) ، وهناك ما يقرب من أربعين بحثا نشرت في المجلات المتخصصة .
في السنوات الأخيرة لم أستطع بسبب المرض زيارة دار العلوم والالتقاء به مع أساتذتي وأصدقائي وزملائي . كانت تجري بيننا بعض المحادثات الهاتفية ، ولكن زيادة متاعبي الصحية حالت دون التواصل ، حنى فوجئت برحيله .
رحم الله على أبو المكارم ، وأسكنه فسيح جناته .
وسوم: العدد 626