محمد جلال كشك، من الشك إلى اليقين!
(أن الطريق إلى التصنيع يبدأ بالتحرر من الإستعمار، فلا شك فى صحه موقف أجدادنا الذين حاولوا صد هذا الإستعمار قبل أن يستقر فى بلادنا)
جلال كشك
ودخلت الخيل الأزهر ص:189
دفعنى إلى كتابه هذا الموضوع ولدنا العزيز الأستاذ (السنوسى محمد السنوسى) الأديب اللامع والمحرر بمجله (التبيان) والكتابه عن الأستاذ محمد جلال كشك تحتاج إلى القلم الذكي الذي إنحسر وجوده وأصبح فى خبر كان، بعد أن تم الردم على كل منتج أصيل وتوارت إلى الظل كل ثقافة تنبض بالحياه وبرزت إلى الوجود كل التفاهات والسخافات وحلت الانطباعات المضلله محل الحقائق واتلفت الأدمغه بفعل فاعل فى معظم الأحوال وغيب وعى الأمه التي تعرى قوامها 2 مليار مسلم حالياً.
أواخر السبعينات قرأت الكتاب التحفه " ودخلت الخيل الأزهر " لجلال كشك وسألت من هو هذا الرجل لم اعثر على أجابه شافيه على الإطلاق حتى استطعت بصعوبه الحصول على رقم التليفون فقط ولم يرد على اتصالاتي المتكررة إلا الصمت الرهيب.
طال الانتظار ثم طال أيضاً ولم يتمكن الملل منى.
كان لابد من اللقاء.
جاءنى الرد بعد طول أنتظار.
- مين.
- ايوه أنا جلال كشك.
- ابحث عن سيادتكم منذ سنوات.
- طيب يا سيدي ومن حضرتك؟
- أسمي زغلول واتابع كل ما تكتب.
- ( أريت إيه) يا زغلول؟
- عايز اقابل حضرتك.
- أن شاء الله سأتصل بك قريباً مع السلامة وأغلق السماعه قبل انهى كلامي.
هذه أول مكالمه مع الأستاذ محمد جلال كشك.
لقد شعرت بشده انه رحمه الله يرفض الحديث لمجرد الحديث.
لم استسلم. حاولت ولم أحصّل غير الصمت وكان طويلاً. لم استسلم أيضاً وبعد سنه كان الاتصال الثاني لقد رد على الأستاذ جلال ثم قال بهدوء شديد لم اسمعه إلا بصعوبه: أنت عارف الزمالك 3 ش بهجت على. أنا فى أنتظارك. فتح لى الباب واستقبلنى بترحاب شديد وجلست إليه ساعات طويله انتهت إلى لقاء آخر ثم لقاءات متعدده ودعوه للكتابه بمجله (رساله التوحيد) التى أصدر منها بعض أعداد على ما أذكر ثم توقفت لأسباب أمنيه. كان يكتبها من ألفها إلى يائها. كان بارعاً ناقش كل قضايا الأمه الصابره ولم يهدأ مطلقاً كان ثائراً ولم يكن جيفارا !!
نعم. كان بارعاً. كتب التحليل السياسي لمجله الحوادث اللبنانيه وكان صاحب نظرة ثاقبه فى فى كل القضايا التي طرحها رحمه الله. وفى رحله "محمد كشك" نرى بوضوح عده مسائل هى بكل تأكيد تمثل إنتقاله من الشك إلى اليقين ومن فلسفه اللاأدريه إلى المنهج الإلهى والقدوه الحسنه وقد أبدع عندما كتب (كلمتى للمغفلين) الذي عرى فيه الناصريه وكشف عن عوراتها وبين لنا مساوئ نظام قتل اليقين فى قلوب الناس وبذر الشقاق.
والنفاق والظلم والتآمر والخيانه واجلب العار على أمه كانت فى سبيلها إلى القيام من قدرتها الطويله.
حدثنى كثيراً عن الروسى والناصرية والبلاشفه وأمريكا والغرب والنازية وأهل الصليب جميعاً. كان محباً للشيخ الجبرتى وكارها لعبد الرحمن الرافعى المؤرخ المدجن، تأثر الأستاذ جلال بكتاب (اباطيل واسمار) و(رساله فى الطريق إلى ثقافتنا) لمحمود شاكر وقل إن شئت أنه النسخة الصحفية المبسطة منه وقد اشترك معه فى الشدة حين يغضب وأن سخر كان بارعاً وهى من الصفات اللازمه لمحمود شاكر أيضاً.
كانت كراهيته للغزو الصليبي الفرنسي تمثل قاعده إرتكاز لمعظم المفاهيم التي تعطاها وكان يراها مصيبه المصائب التى حلت بالأمه وكان اعتزازه بكتاب (عجائب الأخبار) للجبرتي الأبن من أهم مصادره فى هذا الخصوص.
واستطيع أن اجزم أن الأستاذ "محمد جلال كشك" كان بارعاً حين اخضع عقله للفحص ثم تخلص مره واحده من الفكر الوافد التي يمثل بقايا الحضارات التالفه والوثنيات الماضيه وجاهليات الإغريق والرومان والعرب والفرس! لقد رفض كل الجاهليات واهال عليها التراب فى عبقريه يحسد عليها هاجم الأستاذ جلال بكل وضوح كل من "فرج فوده" و"سعيد العشماوى" و"خليل عبد الكريم" و"نوال السعداوى" و"محمد اركون" و"عابد الجابرى" و"زكى نجيب محمود" و"حسن حنفى" وكل دعاه ما يطلق عليه (الفكر الليبرالي) وكان نصيب كل من الدكتور "لويس عوض" وشيخه "سلامه موسى" وتلميذهما الوفى "غالى شكرى" من الهجوم وافراً. لم يترك الأستاذ جلال للثالوث: عوض وسلامه وغالى كلمه إلا ورد عليها وبالحجم قائلها واسكته بالحق نعم. لقد كان بارعاً.
دعانى الأستاذ جلال إلى الغداء بالنادى القريب إلى بيته وهو نادى الجزيره بالزمالك. وهبطنا الدرج ووقفنا أمام باب العمارة ثم نظرت إليه وقلت:
- هذه سيارتى (128) لا تليق بالمقام.
- اركب يا زغلول أنا كنت (.....)!
ودخلنا إلى نارى (الباشوات) وفتحت الحواجز أدى الحرس التحيه الواجبه للرجل ورد هو بكل احترام ودخلت معه صاله الملك (فؤاد الأول) .. ثم قال هذا مكان الملوك يا زغلول .. فخامه تبعث فى نفسك كل الخوف الذى لم تعرفه من قبل. هدوء عام يشمل المكان. حركات مضبوطه تشعرك انك محل الأهتمام.
قال الأستاذ مداعباً:
تأكل الطحينه بالشوكه يا زغلول؟
قلت: فلاح يا فندم!!
جلسنا طويلاً استمع إلى مالم يصرح به الأستاذ جلال كشك لأحد عن النظام الناصرى كان من عشاقه ثم كان له ما كان بعد أن فحص معرفته إنزال الستار على ماضى أهتز فيه اليقين فى قلوب الناس جميعاً ومنهم جلال كشك الذى فقد إتزانه يوم 5/6/1967 كما قال لى وكان وقتها يفحص معرفته ويعرض ذاته على المنهج القرانى فرأى ما رأى وبداله ما بدا!! ومن قبله فحص جارودى معرفته كما فحصها مراد هوفمان ومحمد أسد والدكتور عيسى عبده والدكتور مجدى مرجان!! استغلق فهم الحق على نصر أبو زيد وفرج فوده وسعيد العشماوى وحسن حنفى ونوال السعداوى وغيرهم فلم يتمكنوا من فحص معارفهم وعرضها على المنهج القرانى كمعيار لستتبين لهم الطريق كما لان لغيرهم. فعاشوا فى ضلالهم ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً!!
مات الأستاذ جلال كشك أثناء حديث تلفونى مع نصر أبو زيد وهو يرد كده. لقد مات مجاهداً مات على التوحيد ، وهو القول الثابت رحمه الله رحمه واسعه.
مات جلال كشك مجاهداً.
حكى عن سجون عبد الناصر عام 1954 وروى لى بشاعه يوسف أدريس وأخلاقياته ما يندى له الجبين .. وقال (مشى ده ملك القصه القصيره !!) وحكى عن (نعمان عاشور)
(ملك المسرح)!! وكان يضحك ساخراً!!
ثم حكى عن الشرقاوى وقصه (محمد رسول الحريه) وذكر أنه لا محل للإسم أنه (محمد رسول الله يا عبد الرحمن)! اذكر الأستاذ جلال كشك وكلى أسى وحزن على فقده انكر الأستاذ جلال كل كتابات اليسار عن العقيده وانكر كتابات لطفى الخولى وأحمد عباس صالح والعالم وعوده وكل (الشله) الماركسيه المعروفه والتى افرزت جيلاً للهدم لا للبناء وكان ما كان منهم حتى تم صياغه ثقافة الأمه على نحو معاير لعقيدتها فكانت هزيمه 67 الماحقه.
لقد تأسست ثقافه الأمه بعد 1952 على قاعدتين:
الأولى: ما اطلق عليه الإشتراكية العربية
الثانية: كتاب فلسفة الثورة والميثاق
وكلها من تأليف الصحفى محمد حسنين هيكل الذى صاغ ثقافه الأمه بكاملها على غير عقيدتها وافلح حيث شاء ونجح نجاحاً لا يعادله نجاح فى ازاحه العقيده من نفوس كثير من الخلق بل استطاع ان يكون هو الصوت الناطق بإسم الحاكم وهو صاحب الرأى القابل للتنفيذ فوراً .. وكانوا الثلاثه (هيكل ونجيب محفوظ وأم كلثوم) أدوات لتغيب وعى الناس وقد حدث .. يضاف شله المراكسه والوصوليون وغيرهم من الأبالسه..عرفهم عن قرب الأستاذ جلال كشك فقد كان منهم واراد الله به الخير فوفق إلى الهدى وكان منه ما كان .. كانت الفتره الناصريه مشحونه بالعجز والتخلف الحقيقى ولا يمكن أن يكون إنتاج البطاريه والبوتاجاز هما من أسباب التقدم والرفاهيه لغياب الإنسان فى العهد الناصرى أما فى القبر أو غياهب السجون لذا أطلق أهل الغفله على عبد الناصر (يفوت على الصحراء تخصر !!) ولقد إخضرت وإحمرت على رأى الأستاذ جلال كشك !!
صاغت أم كلثوم ثقافتنا الترفيهيه !!
وصاغ محفوظ ثقافتنا الأدبيه !!
وصاغ هيكل خصائصنا الحضاريه جميعاً !!
وصار لكل واحد منهم حراس مفاهميه وحرافيشه !
كتب جلال كشك عن (أولاد حارتنا) بعنوان (أولاد حارتنا فيها قولان)! وانتصر جلال كشك للرأى الذى يقول أنه متعة فنية خالصة رأى قوى للغايه وكتب يرفض حالات الوطنية الرافضه للعالمه زويه فالمجتمع المصري شأنه شأن كافه المجتمعات به إنحرافات وليس مجتمعاً منحرفاً حتى يتم تصويره على شكل شارع دعاره .. منتهى القسوه .. أنها ليست الواقعيه بل أنها الواقعه المزوره المنحرفه .. كان ناقداً لأحوال مجتمعه بعين فاحصه تحاول إيجاد المخرج للأزمه الثقافيه المتراكمه التى ألمت بالمجتمع منذ عام 1952 بعد إنتهاء عصر الملكيه الدستوريه.
لم يرفض نجيب محفوظ فى ابداعاته ولكنه أكد على رفضه أن يكون المجتمع تمثله الراقصه زوبه العالمه وتصويرها على أنها بطله قوميه وصاحبه رساله!! لم يرفض أم كلثوم ولكنه رفض أنشغال الناس بها إلى الدرجه التي تمكن لليهود أن يصلو إلى قرب مدينه نصر بالقاهره وفى الوقت الذى رفض فيه هيكل لعمله الدؤب على تغيب وعى الأمه وتعبيدها لعبد الناصر وكان يطلق عليه الأرشيف ظهر الشيراتون)! ورفض (أكرم عجه) تاجر السلاح اللبناني ورفض العنلقيات وأموال الخليج الطائله لا ثنائه عن رأيه فى سلوكياتهم العامه وانفاق أموال الأمه على العبث والمجون واللامعقول !!
كتب كتابه (السعوديون والحل الأسلامى) وكشف عن كيفيه قيام الدوله السعوديه الحديثه قبل 75 سنه تقريباً وكان للكتاب اثر بالغ فى تعريه واقع نشأة آل سعود وقيامها على (الفكر) الوهابى ثم إنسلاخها منه وصارت لها سياستها التى رسمتها بعيداً عنه !
كتب جلال كشك كتابه (الناصريون قادمون) وذكر أن شركات الأموال كانت الحل العبقري لمشكلة مصر .. الحل الذي قضى عليه الناصريون والشيوعيون والاستعماريون ... والآخرون.
ويقول جلال كشك المحل السياسي البارع : ""ففي اعتقادي أن خطيئة شركات التوظيف ليست أنهم اشتغلوا بالسياسة كما يتهمونهم بل لأنهم تجنبوا العمل بالسياسة حاولوا بناء مصر بالاقتصاد وحده وقبل توافر المناخ السياسي الصالح ونسوا أن القضية الرئيسية في كل ثورة الثورة الصناعية هي قضية السلطة نسوا أن طلعت حرب نشر دعوته في مطلع القرن العشرين ولكنها لم تتحقق وما كان لها أن تتحقق بدون ثورة 1919 وقيام حكم وطني إلى حد ما أو قل بانفراج قبضة السلطة الاستعمارية المعادية للرأسمالية المصرية فلتكن مأساة شركة توظيف الأموال مجرد خطوة على طريق الألف ميل نحو تحرير مصر وإنجاز ثورتها الصناعية" ص 238.
ومن أجمل ما قرأت لجلال كشك قوله: "ليس العيب أن يستثمر البعض المشاعر الإسلامية لبناء الاقتصاد المصري ولكن العيب يسعى أن البعض لتدمير اقتصاد مصر كراهية ونكاية في هذه المشاعر" من كتاب (الناصريون قادمون) ص 8 ، وهو قول غاية في الدقة والجمال معاً.
وعن سيدنا عمر ـ رضى الله عنه ـ كتب جلال كشك (.. فالعهد العمري هو مزاج الحقائق الآتية: (1) العقيدة (الأمة) (3) الحاكم المسلم وتكلم عن ما يجب أن ينتبه إليه الدارس لشخصية سيدنا عمر هو الدور الذي لعبته العقيدة في صياغة شخصيته وخلقه من جديد (ص 11) من كتابه حكايات عن عمر ط 1985 مصر.
إنه الدور الذي ينكره الجهال في زمن الجهالة والتجهيل كما يقول جلال كشك رحمه الله لقد تم الرد على كوكبة ضخمة من الأقلام الذكية التي فضحت الأدعياء والأغبياء واللصوص وكان للأستاذ محمد جلال كشك مكاناً لا تعادله مكانة في قلوب الذين أحبوه فأحبوا قلمه وفكره.
واستطيع أن أقول أنه نال إعجاب أمه من الناس لأنه أخضع ذاته لفحص دقيق ورجع عن (الفكر) البليد. وأزاح عن قلبه ونفسه ظلم سنوات طويلة من التخلف والإنحطاط كما أوضح لنا في معظم مؤلفاته القيمة.
عاش جلال كشك زهرة شبابه ماركسياً وكان من مؤسسي الحزب الشيوعي وكان عمره 17 سنة وقت اعتناقه الشيوعية عام 1946 وقد اعتزل الحزب الشيوعي عام 1950 ثم عاش عصر اللاأدرية في السنوات ثم لجأ إلى العقيدة هارباً وباحثاً عن الحق ودخل إلى عقيدته التي خرج منها وقدم للقارئ كتابه الماتع (ودخلت الخيل الأزهر) والذي اعتقد أنه أهم كتبه على الإطلاق وقد أوصى رحمه الله بأن يدفن معه في قبره أسوة بابن حزم وقيل لي أنه تم له ما أراد ووضع الكتاب مع آخر بعنوان (وقيل الحمد لله).
قلت أن الكتابة عن الأستاذ / محمد جلال كشك تحتاج إلى قلم ذكي ليكشف لنا عن عبقرية قلم ردم على إنتاجه كي يظل حال العقل المسلم على ما هو عليه من التخلف والانحطاط الذي أسس له الاحتلال الفرنسي ثم الانجليزي ثم الأمريكي المعاصر ولا شك عندي أن الجميع واحد في الهدف وكما قال الكاتب الفرنسي روجيه جارودي أننا ورثة الفكر اليوناني / الروماني / الوثني ولا تزال أوروبا (أي الغرب) على وثنيته !! . من كتابه (حفارو القبور) محمد جلال كشك الفار إلى عقيدته بعد سنوات قليلة قضاها معتنقاً الشيوعية ثم اللاأدرية وهي الفترة من 1946 – 1958 وهي فترة الحيرة والتساؤل والانبهار بالمفاهيم والأدمغة الضالة.
قضى جلال كشك فترة الللاأدرية كغيره من الذين انبهروا بالماركسية وغيرها ولكن ما يميز جلال كشك عن غيره هو أن الرجل كا ن ذكياً فعرض نفسه على منهج خالقه وخالق ماركس فتبين له الرشد من الغي وكان منه ما كان.
في ديسمبر 1993 ودعنا محمد جلال كشك بعد تعرضه لذبحة صدرية حادة على أثر مكالمة مع (نصر حامد أبو زيد) المعروف بالحادة وتمرده والتي احتضنته الجامعات الهولندية لإلحادة وليس لقيمة فكرية يحملها كعادة الغرب في احتضانه لكل ملحد خاصة من أبناء الأمة الإسلامية والشواهد كثيرة للغاية.
يقول جلال كشك (وإذا أردت أن ألخص نظرية الإسلام فإني ألخصها في مبدأين التوحيد .. والجهاد فالإسلام هو دين التوحيد المطلق الدين الذي اعترف بالهوية المطلقة الكاملة لله سبحانه وتعالى فليس في مفهوم الله عند المسلم ، شبه نقص ، أو شبه مماثلة للكون أو للماديات الفانية أو المتحولة. فالله سبحانه وتعالى ، خلق الإنسان في أحسن تقويم ولكن ليس على صورة الله، ولا الله على صورة الإنسان أو على شبه بينهما ، بل الله الأحد ، الصمد ، ليس له كفوا أحد وليس في الفقه الإسلامي أو تصور الإسلام تلك الملامح البشرية للإله كما في أساطير اليونان حيث الرب يعشق ويسرق ويتآمر ويغدر ويخضع لقانون عام، بل وتنزل في العقوبات ولا كما في الأساطير المنسوبة للتوراة حيث يصارع الرب الإنسان كما رفض الإسلام رفضاً قاطعاً صريحاً أي محاولة لخلق صلة عضوية بين الله والإنسان كما في العقيدة المسيحية عن (الابن) وما صاحبها من نظريات عن (لطبيعة الواحدة) و (الطبيعتين) نفى الإسلام ذلك واعتبر أن مجرد ترديده كفيل بتدمير الكون. الله في الإسلام هو الكمال المطلق لفكرة التوحيد) من كتابه خواطر مسلم عن الجهاد والأقليات ص 11.
ويقول جلال كشك: (.. يستحيل قيام نظام ديمقراطي حقيقي كما يستحيل تحرر الإنسان تحرراً كاملاً إلا بالمفهوم الإسلامي من التوحيد) ص (14) من خواطر مسلم مرجع سبق ذكره.
المفهوم الإسلامي للتوحيد الذي هو ببساطة إخراج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد كما قال سيدنا ربعي بن عامر لرستم قائد الفرس قبل قرون طويلة.
إن قضية تحرر العقل من الوثنيات والشركيات واللوثات العقلية والترهل الفكري هي قضية كل مثقف يفحص معرفته بشكل سليم بعرضها على منهج خالقها كما فعل عادل حسيني، طارق البشري، وفهمي هويدي وجلال كشك والمسيري وغيرهم ممن عاشوا في ظل الفكر الماركسي فكانت شجاعتهم وقوتهم في المواجهة أعظم ما عرفوا به وما يميزهم كما حدث قبل سنوات وأعلن الدكتور عبد الرحمن بدوي بكل شجاعة إيابه الفكرة وندمه على حياة الإلحاد والبعد عن المنهج وقدم لمكتبته الإسلامية:
أ. دفاعاً عن القرآن ضد منتقديه.
ب. دفاعاً عن محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضد منتقصيه.
وقد تشرفنا بالحديث عن إياب الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بدوي من قبل في مقالتين هما:
أ. بعد رحيل الزمان الوجودي.
ب. عبد الرحمن بدوي يعترف.
وتم نشرهما تباعاً بكل من موقع رابطة أدباء الشام ـ موقع (المصريون).
محمد جلال كشك الذي قال في كتابه (قيام وسقوط إمبرطورية النفط):
"باختصار أن المال العربي في الخارج وخصوصاً السائل ليس في الحفظ والصون فما هو الحل؟ ص 121 نشر في يناير عام 1986!!
وكلنا يعرف أين يصرف المال العربي وعلى من يصرف؟ ويقول عبد الباري عطوان أن الرصيد غير المستخدم من المال ... ) تجاوز 3 آلاف مليار دولار أمريكي بحساب 2010م!! والأمة التي قوامها حوالي 2 مليار مسلم تعاني غالبية شعوبها الفقر الشديد!.
ولنقرأ لجلال كشك الآتي لنعرف حجم التزيف والإفساد الذي تعرض له الدماغ المسلم يقول رحمه الله في كتابه (ودخلت الخيل الأزهر).
"هذا الألباني الذي التقطته سفينة إنجليزية وقذفت به إلى شواطئها والذي نفذ بعبقرية نادرة عملية التغريب وقضى على أملنا في تحقيق الثورة الصناعية وأسلمنا فريسة سهلة للابتلاع للدول الاستعمارية الغربية التي كافأته بأن خلعت عليه صفات المجد والإصلاح وسمته باني مصر الحديثة " ص 178 .
ويستطرد قائلاً:
"وبينما كان (محمد على) يتولى (تغريبنا) كان الطرف الآخر من آسيا يشهد تحديثاً لأمه سعيدة الحظ ، وفقت إلى قادة عرفوا أن الطريق إلى التحديث الحقيقي هو:
الاحتفاظ بالدين والتقاليد
ويقول أيضاً : "صحيح أن كل البلاد الإسلامية التي (حدثها) الغرب تعج بالكباريهات وتبيح الزنا برضاء الطرفين ، والمتشدد منها يشترط موافقة الزوج أو الزوجة وبعضها يبيح اللواطة للراشدين (قبل إقرار ذلك في بريطانيا بنصف قرن!!) وكلها يستطيع السائح الغربي أن يقضي فيها وقتاً طيباً...
وباختصار أن التقاليد والدين قد مسا مساً عنيفاً ولكن أهذا هو التحديث المنشود؟ إن كان؟ فنحن إذن دولة عصرية ... فلماذا كل هذا الجدل حول الطريق إلى دولة عصرية؟ ص 188 من ودخلت الخيل الأزهر ـ مرجع سبق ذكره.
هذا الكلام كتبه محمد جلال كشك في بيروت أكتوبر 1971 ونشر في دار المعارف بالقاهرة بعنوان (ودخلت الخيل الأزهر) كتاب بالغ الخطورة شأنه شأن كتاب (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا) للعلامة محمود شاكر وكذا كتاب الأستاذ الدكتور محمد محمد حسين بعنوان (في الأدب العربي المعاصر) نشر عام 1956 وقد حدثني البعض أن كتاب الدكتور محمد محمد حسين فيه الكثير من المبالغة.
وأيضاً كتاب الشيخ محمود شاكر ولكن النفس لم تستجب كما انها لم تستجب لدفاع العلامة الأستاذ الدكتور محمد عماره في دفاعه عن طه حسين فماذا أفعل والقلب لا يطاوعني في قبول الدفاع مع احترامي الشديد لرأي الأساتذة الكبار في هذا الخصوص بالذات.
والحديث عن الكاتب الكبير محمد جلال كشك متعة كبرى وأن يقرأ له ترى جهد الرجل ومثابرته وصبره للوصول إلى المفاتيح الرئيسية للقضايا وكان أن وصل الأستاذ جلال كشك إلى المفتاح الأصلي للقضية وهو التوحيد. رحم الله محمد جلال كشك وغفر له وأنزله منازل الصديقين والشهداء .
وأرجو أن يوفقني الله إلى استكمال ما بدأت. والحمد لله رب العالمين.
وسوم: 639