محمد علي الدولة، ونصف قرن من نشر الكتب والدعوة إلى الله
دخل عالم النشر من باب العلم ونشر الدعوة، وكان كتاب (حياة الصحابة) لمحمد بن يوسف الكاندهلوي باكورة مطبوعات داره (دار القلم) التي أنشأها عام 1387هـ/1967، نشره أجزاء صغاراً، ثم جمعها في ثلاثة مجلدات، فبارك الله له في داره.
عرفت اسمه عندما قرأت الجزء الأول من ذكريات علي الطنطاوي رحمه الله عام 1405هـ/1985م، حين كتبه عنه في ص 6:" والشكر موصول للأستاذ محمد علي دولة، الذي آثر العمل في نشر الكتب على التعليم الذي كان من أهله، وكان موفقاً فيه، لما يجد في النشر من نفع الناس ورجاء ثواب الله. فهو الذي وقف على طبع الكتاب، ووضع فيه ذوقه وفنّه وخبرته وتجربته".
اشتريت طائفة من منشورات داره قبل أن أعرفه، وكان يعجبني فيها رصانة موضوعاتها، وحسن اختيار العناوين، وجمال إخراجها، ورخص ثمنها.
من هذه التوطئة المقتضبة تظهر منزلة أستاذنا محمد علي دولة (أبو سليم) فهو من بقية المدرسة الجادة في خدمة الكتاب من أجل العلم ونشره، وطلب ثواب الأجر من الله سبحانه وتعالى، في حين نشطت دور نشر كثيرة جداً هدفت إلى تحقيق الكسب وحده.
منَّ الله علي بمعرفة أبي سليم من سبعة عشر عاماً، ولقيته مراراً في عمان وجدة ودمشق والكسوة (مسقط رأسه) وأكرمني بنشر خمسة كتب لي. وجدت فيه العالم التقي الورع، والمؤلف الجاد، والداعية إلى الله على بصيرة، لم أسمع منه كلمة مسيئة أو نابية في حقِّ مَن يخالفهم بالفكرة والنهج أو السلوك، بل كان يدعو له ويقول: الله يصلحه، الله يهديه، حتى الذين تخرجوا من مدرسة دار القلم، وتنكّروا له.
سمعته مرة يذكر أحد الناشرين البيروتيين الذي تخرج في دار القلم وفتح دار نشر معروفة، وقال: علّمناه المهنة، ثم سبّنا وشتمنا، الله يصلحه.
كان لما يأتي إلى عمان وأرافقه في زيارته للعلماء ، ولبعض مؤلفي دار القلم، نأنس بالجلوس مع العلماء، ويعطي المؤلفين حقوقهم من غير أن يطلبوها، حفاظاً على كرامتهم وكرامة العلم الذي يحملونه.
كنت معه مرة في زيارة للشيخ محمد الأشقر رحمه الله، الذي نشر له كتاباً في الفقه الحنبلي، وأعطاه حقوقه، وقال له: ما أعطيك إياه هو على طبع 2000 نسخة، وربما وقع لبس مع المطبعة فطبعت 3000 نسخة، وسأنظر في كمية الورق التي اشتريناها التي ستحدد العدد الصحيح، فإذا طبعنا 3000 حاسبتك على الزيادة. فأين تجد هذه الأمانة هذه بين الناشرين؟ إلا مَن رحم ربك، وقليلٌ ما هم.
وهو يحافظ أن لا يكون في مطبوعاته إساءة لأحد - ولو بحق- كتب الأستاذ صبحي البصَّام رحمه الله مقدمة لكتابي (إبراهيم السامرائي) عرَّض فيها لأحدهم سرق الجزء الأول من كتابي( ذيل الأعلام) فاعتذر عن نشر تعريضه، وقال لي: لا ننشر مثل هذا الكلام في مطبوعاتنا، واحترمت رأيه، فنشر التقديم دون التعريض.
وأبو سليم رجل مروءة أيضاً، مات في عمان أحد العلماء الذين طبع لهم، وترك وراءه أولاداً صغاراً، فكان يتعهدهم مرة كل سنة بمبلغ ذي قيمة بالسر ويُخفي، لم يعرف ذلك أحد إلا أنا وابنه عماد الذي كان يسلّم المبلغ لزوجة العالِم.
وهو كريم مع مؤلفي دار القلم، ويهتم بهم، ويُولِم لهم إذا زاروه في جدة أو دمشق أو الكسوة، ويهدي مطبوعاته لمن يزوره أو يزورونه. وقد ورث عنه أولاده كل الصفات الحميدة التي ذكرناها.
أسأل الله تعالي أن يشفي أبا سليم، وأن يمتّعه بالصحة والعافية، وأن يبارك في داره وذريّته، جزاء ما قدم من خير محضراً.
وسوم: العدد 647