استشهاد الشيخ عمر سندة
عمر سندة أبو إسماعيل هو ابن مدينة حلب، ولد في حي الكلاسة عام 1987م، من عائلة معروفة بالعلم ونصرة المظلوم، تخرج في المدرسة الشعبانية عام 2004م، وحصل على إجازة من كلية الشريعة بجامعة دمشق عام 2010، وعمل إماماً وخطيباً لعدة سنوات في جوامع حلب.
انخرط في العمل الثوري منذ بدايته، ومن ثم أسس كتيبة أسود الإسلام معظمها من أفراد عائلته، التي اعتقل واستشهد منها العديد من الشبان، أبرزهم مهند سندة القائد العسكري لكتائب ثوار الشام الذي قضى على جبهات تنظيم الدولة في ريف حلب الشمالي العام الماضي.
كان تمويل الكتيبة من مشاريع تجارية خاصة، وكان عمر يرابط مع أقربائه على جبهات حي الكلاسة، الذي لم يشهد أي حالة سرقة، لأن أبناء الحي هم من حملوا السلاح فيه، ولم يسمحوا للغرباء بالسيطرة عليه أو التدخل بإدارته والعبث فيه.
الجبهة التي يرابط عليها من أخطر جبهات حلب، ولو أن لصوصاً سيطروا عليها لعقدوا الاتفاقيات مع النظام، وفعلوا الأفاعيل بأهل حلب، دفع له أحد اللصوص -المتسترين بستار الجيش الحر- مبالغ طائلة لاستلام جبهته قرب سوق الهال لكونها منطقة تجارية ثريّة فيها عشرات المحال التجارية التي تحوي بضائع (رخام، سراميك، مجالي) قيمتها عشرات الملايين، فرفض، وكنت شاهداً على المحال التي لم يسرق منها شيء!
يقع مقر كتيبته قرب شركة نقل تحوي ورقيات وسجلات، لا تزال جميعها في مكانها ولم تمس السجلات بأي سوء، علماً بأنها منسّقة ولا قيمة لها، رفض عمر استخدامها وحرقها بهدف تدفئة المجاهدين!
دخلتُ مرة مع عمر وعناصره منزلاً شبه مهدّم على خطّ جبهة، فرأيت زجاجة عطر كانت موضوعة في غرفة النوم المنقسمة إلى نصفين، لم تمس بأي سوء!، وفي طريق العودة اشتم عمر رائحة عطر، فاستدعى العناصر وسألهم عن مصدر الرائحة، فأجابه أحدهم: (معلم بخّة واحدة!) فما كان من عمر إلا أن وبخه وتوعّد بمعاقبته، علماً بأن زجاجة العطر بقيت مكانها!
خرجت معه لبناء متاريس على جبهة حندرات، وكان يومها الشخصَ الوحيد الذي تصدى لمسألة منع حصار حلب بإمكانياته البسيطة، (اعتمد على التمويل الذاتي، فقام بتربية أنواع الحيوانات التي يمكن الاعتماد عليها، كما قام بزرع الخضار والفواكه) في حين أحجمت كبرى الفصائل عن التصدي للمسألة أو دعم عمله على الأقل، وخرج معه بعض أفراد من زملائنا وعمل هو وشبابه تحت حر الصيف في منتصف شهر رمضان، حتى أن بعض أصدقائنا فقد وعيه، بينما استمر عمر وشبابه بالعمل دون توقف رغم صيامهم!
كلمني قبل أيام من تركيا، ففوجئت به يزور تركيا (زيارته لتركيا نادرة جداً)، فقال لي: قدمت لأجلب أهلي من تركيا، معقول تتحاصر حلب وأهلي خارجها؟! يلي بيحصل على الناس بيحصل على أهلنا..
اجتمعتُ والتقيت كبار العسكريين، إلا أنني أشهد الله بأنني لم أر عُشر ما وجدته عند عمر من خبرة عسكرية فريدة وحسن تخطيط واستراتيجية عسكرية وميدانية، فضلاً عن الشخصية القياديّة، حتى أن أحد أعمام الشهيد عمر (أخ أبيه)، كان ولا يزال عنصراً في كتيبته ويمتثل أوامر ابن أخيه (عمر)، رغم أن العم يكبره بأكثر من 20 عاماً!
لم يكن عمراً متكبراً على الناس ولا مزاوداً عليهم، تميزه ابتسامته وبساطته، وطبيعته دون مكياج ولا مزاودات جهادية،كان يعمل بصمت، قليل الكلام، كثير الفعال، يحبه أبناء منطقته، ولم يكن إلا واحداً منهم، يمشي بدون سلاح ولا مرافقة في حيّه، عدل بينهم ولم يظلم فلم يخشاهم ونام بينهم قرير العين هانيها.
سعادة النظام باستشهاد عمر لا تقل عن سعادته باستشهاد عبد القادر الصالح، فقد عجز النظام عن خلخلة المنطقة أو التقدم فيها، متراً واحداً، وما أوقعه عمر من قتلى في صفوف النظام لا يعد ولا يصحى، كما قتل من قناصة القصر البلدي وفرع المرور الكثير من العناصر، فما أوجع أحد النظامَ في تلك المنطقة كالشهيد عمر البطل عمر سندة (أبو إسماعيل).
أشهد الله بأن ما جهّزه عمر للنظام في المنطقة (وأعتذر عن ذكره لكونه من الأسرار العسكرية)، تعجز عنه كبرى الفصائل، لم ينصب عمر أي حواجز في أية نقطة من حلب سوى على الجبهات، ولم يتدخل في الأمور المدنية، كان مجاهداً ومجاهداً فقط، بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
كنت ولا زلت أعتقد بأن كتيبة "عمر" من أنظف وأشرف الكتائب في حلب على الإطلاق.
بقلم
ابن عمه
اﻻستاذ علي سندة
وسوم: العدد 659