العلاّمة حسن الشافعيّ؛ فعند الله خيرُ الجزاء!
لا تنتظر تكريماً؛ يا شيخنا من البَشَر!
العلاّمة حسن الشافعيّ
مِن مُضحِكات القدر؛ تكريمُ الجاهل الجَهول؛ وتجاهُلُ العالِم الرَّبّانيِ!
ومن نكدِ الدنيا؛ أنْ يُقَرَّبَ فيها أهلُ الرقص؛ ويُحالُ بين أهل الإخلاص!
فأنْ؛ تحتفي مصرُ؛ بالأنْصاف، والأرْباع، والأثْمان؛ فهذا عَيبٌ صٌراحٌ، وسُبَّةٌ لا تُغْتَفَر!
لكنَّ؛ أشنعَ الشنائع؛ وأعيبَ العيوب؛ وأفدحَ الخطوب؛ هو تجاهل أستاذ الأساتيذ؛ وحُجَّة الفقه، والمنطق، والعقيدة، والفلسفة، وعلم الكلام، وأصول الفقه، والجدل، واللغة العربية؛ العلاّمة الكبير الدكتور/ حسن عبد اللطيف الشافعي(1930- ...) الصوفيُّ الحقيقي، والأصولي المعتمد، والمفكِّر الرفيع؛ رئيس مجمع اللغة العربية(الخالدين) بالقاهرة، ورئيس اتحاد المجامع اللغوية العربية، وعضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وعضو مؤسسة حكماء المسلمين بأبو ظبي، وأستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم؛ الذي شاء البعض إخراجه من بيته بدار العلوم عنوةً؛ فحملته الناسُ على أعناقها؛ اعترافاً بعلمه، ومكانته، وسمو منزلته مصرياً، وعربياً، وإسلامياً!
فلا تثريب على شيخنا الإمام/ حسن الشافعي؛ إنْ تجاهله الجاهلون؛ ووقف في وجهه المغرضون؛ وتناساه المُتناسون؛ وغمط حقَّه الحاقدون؛ الحاسدون؛ الشانئون؛ الكارهون؛ الوالغون في الهجوم عليه؛ حسداً من عند أنفسهم الأمّارة بالسوء؛ بسبب استطالته العلمية، وتبحُّره، وموسوعيته!
فلا جرم؛ أننا؛ نعرف الرِّجالَ بالحق، وبالعدل، وبالمواقف الصعبة؛ وإمامنا(الشافعيُّ الصغير) كما يُطلِقُ عليه ذلك أحبابه، وتلامذته، ومريدوه في مجمع اللغة العربية، ودار العلوم، والأزهر الشريف؛ نموذجٌ فريدٌ فريد؛ فهو بين طُلاّبه، ومُرتادي حلقاته العلمية؛ برواق المغاربة بالأزهر الشريف؛ واحدٌ منهم؛ تواضعاً، وخفضَ جَناحٍ، وبشاشةً معهم، وتلطفاً، وكرماً، وجوداً! وهو المُنطلِقُ في دروسه؛ بِهِمَّةِ الشباب؛ وعزيمةِ الشجعان؛ وسكينة الأولياء؛ وبساطة الأتقياء؛ ونور الرَّبّانيين؛ وسلطان العلماء العاملين المُخْلَصين الأخيار!
إنه؛ حسن الشافعي؛ بحر العلم؛ ونهر التصوف؛ وإشراقة الإيمان الحق؛ وبصيرة مَن يرى بنور الله!
فلا ريب؛ أنه أخذ من شيخه الإمام الأكبر/ عبد الحليم محمود؛ شيخ الأزهر الشريف الأسبق؛ المزجَ بين التفلسف، والتصوف، والتمنطق، والتفقُّه؛ في قالبٍ يندر مثاله، ويعزُّ جوهره الآن؛ ولا نجده بيننا إلاّ في قِلَّةٍ قليلةٍ؛ نحسبه منهم؛ برغم أنه ينأى بنفسه المُتواضِعة عن كل هذه التشبيهات والتقريظات؛ فهو يراها من باب(عين الرضا) كما قال أبو الطَّيِّب المتنبيّ في بيته الشهير!
لكنَّ؛ عين الرِّضا؛ هي؛ نورُ اليقين؛ وهي؛ عينُ اليقين؛ وهي؛ حقُّ اليقين؛ بالنسبة لعالِمنا الجليل الشافعي الصغير؛ الذي حقَّق هذه المعادلة الصعبة؛ بأخلاقه العالية؛ وإخلاصه النادر؛ وإنصافه المُدْهِش!!
فيكفي؛ أنْ يذهب إلى درسه أعدى أعدائه؛ مِن المتربِّصين به؛ فلا يملك بعد برهةٍ من الوقت؛ إلاّ وهو خَلْقٌ آخرُ؛ بل هو؛ مُرِيدٌ من مُرِيدي الشيخ؛ لا؛ بل هو؛ مُواظِبٌ على حضور كل دروسه! لا؛ بل هو؛ من المُتَدَلِّهين في حُبِّه؛ الفانين في طريق التَّعرُّف والتَّشَوُّف؛ في مدرسة حسن الشافعي الأصيلة النبيلة!
حَسَنُ الشّافِعِيُّ؛ وما أسماه مِن اسمٍ؛ وما أزكاه مِن وصفٍ؛ وما أعلاه مِن نعتٍ؛ وما أرفعه مِن رسمٍ؛ وما أخلصه من وسمٍ!
فيشهد الله؛ أنني منذ رأيته في محاضراته بدار العلوم العامرة؛ إلاّ وشدَّني ببساطته؛ وتقواه؛ وتواضعه؛ ونجواه؛ وأنواره التي تلوح من مُحيّاه! فعرفتُ؛ أنني أمام أستاذٍ جامعيٍّ حقيقيٍّ حقيقيّ؛ لا كما نرى ونسمع؛ مِن أساتذة الجامعة البلاستيكيين الجُفاة!
حَسَنُ الشّافِعِيُّ؛ رمزُ دار العلوم الكبير؛ وفخرُ جامعة القاهرة العريق؛ ومَنْ تُفاخِرُ به مِصْرُ على العالمين!
حسن الشافعيُّ؛ أخذ من أبي حنيفةَ قوةَ الرأي والاستدلال؛ ومن مالِك؛ الاتِّكاءَ على الحديث؛ بالرواية والدراية؛ ومن الشافعي؛ التَّعمُّقَ في الأصول وفي أسرار الفصحى؛ لفهم مُراد الشارع الحكيم بِحُجَجه الساطعة؛ ومِن أحمدَ؛ الثباتَ على الحق، والتواضعَ للخلق!
حسنُ الشافعيُّ؛ لئن لم يُكَرِّمْكَ بنو أهلك؛ وبنو قومك؛ وبنو دينك؛ فقد عوَّضك الله عن كل ذلك النعيم الزائل؛ بـ(حب الناس كل الناس من كل الأصقاع، وكثرة المريدين الصادقين من كل الألوان، وحُسْن الذِّكر، والبَرَكة في العُمر، والمهابة في قلوب الجميع)!
إذن؛ فقد كرَّمتكَ السماءُ؛ بتهافت القلوب على شخصك، واللهج بالاستماع إليك، واعتراف الأعداء؛ بروعة منطقك؛ وبراعة أسلوبك؛ وفصاحتك العالية!
فمِنْ الدلائل على انتفاء الوفاء؛ وموت الإخلاص؛ وزوال الإنصاف؛ وقُرْب القيامة؛ عدم تكريم العلاّمة الإمام/ حسن الشافعي، ولا التسجيل في جهوده الفلسفية والكلامية والأصولية والفقهية واللغوية في أطروحةٍ واحدةٍ جامعية! وهو العَلَمُ الرفيع؛ الذي يستحق أكثر من رسالةٍ عنه، وأكثر من تكريم!
فكيف جَهِلَ قدره، وعلمه، ومكانته، وموسوعيته؛ أبناؤه وتلاميذه في دار العلوم، وفي الأزهر الشريف، وفي مجمع الخالدين، وفي الجامعات العربية، والإسلامية؛ التي بثَّ فيها رحيقه وعبيره؛ منذ عقودٍ وعقود؟!
فلا جرم؛ أنها سقطةٌ كبيرةٌ كبيرة؛ وطامّةٌ كبرى؛ بل؛ هي أكبر من الكبرى!
على أنَّ الخطبَ الأنكى؛ بل الأشقى والأطغى؛ هو تقصيرُ مريديه عن تكريمه؛ وغفلتهم عن التسجيل في جهوده، وآرائه، وأفكاره، وفتاواه، واجتهاداته؛ وما أكثرها: فقهياً، وكلامياً، وفلسفياً، وأصولياً، وتفسيراً، ولغةً!
فلكَ الله يا شيخنا الحبيب؛ فعنده خيرُ الجزاء!
أمّا البشر والحجر؛ فقد قتلوا الوفاء، وباعوا الإخلاص، وتاجروا بالإنصاف، وتلاعبوا بالعلماء؛
ولا حول، ولا قوة إلاّ بالله العليِّ العظيم!
وسوم: العدد 667